الأخلاق الإسلامية تقوم على أربعة أركان من اعتنى بها كان بإذن الله تبارك وتعالى من أهل الأخلاق ، ومن ضيَّعها أو ضيَّع منها
شيئاً ضاع منه الخُلق بحسب ما أضاع من هذه الأركان
وهذه الأركان الأربعة للأخلاق اجتمعت في أربعة أحاديث كل حديثٍ منها دل على ركن من أركان الأخلاق
يقول أبي زيد القيرواني الإمام المعروف المشهور بمالك الصغير رحمه الله : « أحاديث الأخلاق تجتمع في أربعة أحاديث :
– قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)) .
– وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ )) .
– وقوله صلى الله عليه وسلم لمن طلب منه الوصية : ((لَا تَغْضَبُ)) .
– وقوله صلى الله عليه وسلم : ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) ».
فهذه الأحاديث الأربعة – وكلها من أحاديث الأربعين للإمام النووي رحمه الله تعالى – جمعت الأخلاق والآداب، وجميع أحاديث
الأخلاق المروية عن النبي عليه الصلاة والسلام راجعة إلى هذه الأحاديث الأربعة ، وهذا يفيدنا أن من وُفِّق لفهم هذه
الأحاديث وتطبيقها فإنه يكون قد اجتمعت فيه أركان الأخلاق وأعمدته .
وبناءً على ما تقدم ، ولاسيما تقرير الإمام ابن أبى زيد رحمه الله أقول :
الأخلاق تقوم على أركان أربعة:
الركن الأول : صيانة اللسان ، ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ))
هذا الركن الأول ومن لم يصُن لسانه لن يكون من أهل الأخلاق ، فمن الأسس العظيمة والدعائم المتينة التي تقوم عليها الأخلاق
صيانة اللسان
ومعنى صيانة اللسان : أي ضبطه وحبسه من الكلام إلا ما كان فيه فائدة ، فقول النبي صلى الله عليه وسلم :
((فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)) فيه دعوة للتفكر في الكلام قبل الكلام ، لأن الكلمة قبل أن تخرج تملكها وإذا خرجت ملكتك
ولهذا من الجميل بالإنسان أن يتفكر في كلامه قبل أن يتكلم ، وإذا تفكرت في كلامك قبل أن تتكلم لن يخرج عن ثلاث كلمات
أو ثلاثة أمور :
1- إما أن يتبين لك أنه خير ، خير بيِّن واضح ؛ فتكلم به ولا حرج .
2- وإما أن يتبين لك أنه شر ، شرٌّ بيِّن : إما غيبة أو كذب
أو سخرية أو نميمة أو غير ذلك من الشر البيِّن ؛ فهنا تمتنع
منه ولا تُخرج في هذا الباب ولا كلمة واحدة .
3- والأمر الثالث: أن يكون مشتبهاً عليك ، لا تدري هل الكلام الذي تقوله خير أو شر ، ترددت ، لم يتبين لك ، اشتبه عليك
فهذه الحالة أيضاً تمتنع من الكلام لقوله عليه الصلاة والسلام : ((فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ)) ، ولقوله عليه الصلاة
والسلام : ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَالا يَرِيبُكَ)) .
فهذا أساس لابد منه في باب الأخلاق والآداب ؛ أن يصون الإنسان لسانه وأن يحفظ كلامه فلا يتكلم إلا بخير
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاًسَدِيداً }[الأحزاب:70] ، وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام : ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ
وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)) .
فإذاً هذا الأساس الأول للأخلاق والآداب : أن يصون المسلم لسانه ، وكما قدَّمت من لا يصون لسانه لن يكون من أهل الأدب
ولن يكون من أهل الخُلُق ، فمن أساسيات الأخلاق وأركانه التي عليها يقوم : صيانة اللسان وحفظه .
الركن الثاني من أركان الأخلاق : البُعد عن الفضول وما لا يعني ، وأن لا يقحم المرء نفسه فيما لا يعنيه.
والإنسان الفضولي لن يكون مؤدباً ولن يكون خلوقاً ، لأن فضوله وإقحامه لنفسه فيما لا يعنيه يُخرجه عن حيِّز الأدب
وعن نطاقه ، بينما إذا كان بعيداً عن الفضول بعيداً عن الدخول فيما لا يعنيه فهذا من سمات الأدب ، بل من أعمدة الأدب
ودليل هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام : ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ )) ، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم :
((تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ )) أي : بضابط الشرع لا بضابط الهوى ، وهذا أمر قد يُغفل عنه ، لأن بعض الناس قد يوظِّف هذا الحديث
في غير بابه ، مثل أن يُؤمر بخير أو يُنهى عن منكر فيقول للآمر الناهي ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ )) ؛ هذا من سوء الفهم للحديث ، لأن مما يعني المسلم بضابط الشرع :
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، هذا مما يعني المسلم ليس مما لا يعنيه ؛ لأنه أُمِر بذلك في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله
عليه وسلم ، فمما يعني المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فتنزيل الحديث على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
تنزيلٌ له في غير بابه لأن المراد بقوله ((تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ )) : أي بضابط الشرع ، وابن رجب رحمه الله وضح هذه المسألة
توضيحاً جيداً في شرحه لهذا الحديث من كتابه جامع العلوم والحكم .
إذاً الركن الثاني من أركان الأخلاق والآداب : البُعد عن الفضول والبعد عن ما لا يعني ؛ فضول الكلام ، وفضول النظر
وفضول السماع ؛ كل هذه إن وقع الإنسان فيها أخرجته عن حيِّز الأخلاق والآداب .
الركن الثالث من أركان الآداب والأخلاق : عدم الانسياق مع انفعالات النفس وبخاصة الغضب ؛ عندما ينفعل الإنسان
ويغضب عليه أن لا يباشر وقت غضبه أيَّ قول أو أيَّ فعل ، لأن أيَّ قولٍ يباشره وقت الغضب وأيَّ فعلٍ يباشره وقت الغضب
سيخرج به في الغالب عن نطاق الخُلق والأدب ، وقد قيل في ذم الغضب وتقبيحه : « الغضب أوله جنون وآخره ندم»
لأن الذي يتصرف وقت غضبه بقولٍ أو بفعل يتصرف بغير انضباط ، ولهذا على الإنسان أن لا ينساق مع انفعالات النفس
إذا كان منفعلاً يجلس ، قال عليه الصلاة والسلام : ((إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ))
وقال عليه الصلاة والسلام ((إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ)) ؛ قوله ((فَلْيَسْكُتْ)) امتناع عن الكلام وقت الغضب
قوله ((فَلْيَجْلِسْ)) امتناع عن الفعل وقت الغضب ؛ فهذان الأمران – الكلام والفعل – وقت الغضب مطلوبان من المسلم ، وإذا
كان الإنسان وقت انفعاله يباشر قولاً أو يباشر فعلاً فإن هذا ولا شك سيوقعه في أمورٍ وأعمالٍ تتنافى مع الأدب وتتنافى مع الخلق
فيحتاج من أراد لنفسه أن يكون خلوقاً أن لا ينساق مع انفعالات النفس ، وهذا دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( لَا تَغْضَبْ )) ، قال أَوْصِنِي قَالَ (( لَا تَغْضَبْ )) كررها عليه – صلوات الله وسلامه عليه- ، وقد جاء في بعض الروايات
أن الصحابي قال: «فتأملت ذلك فوجدت أن الغضب جماع الشر» إذا كان الإنسان ينساق مع انفعالاته ومع غضبه هذا يفضي
به إلى الوقوع في شرور كبيرة وأعمالٍ عديدة لا يحمد عاقبتها .
الأمر الرابع من أركان الأدب والأخلاق : سلامة الصدر ؛ بأن لا يكون في صدر الإنسان غل أو حقد أو ضغائن أو سخائم
أو نحو ذلك من أسقام القلوب وأمراضها ، { وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَاغِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا}[الحشر:10] فسلامة الصدر أمر مطلوب
والذي في صدره دواخل سيئة وبواطن فاسدة لا يمكن أن يكون من أهل الأخلاق ، لأن فساد الباطن وانحرافه ينعكس على
ظاهره (( أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)) ، ويدل لمكانة هذا
في باب الأخلاق قول النبي عليه الصلاة والسلام : ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) ؛ فهذا الحديث عمدة
في باب الأخلاق ، وإذا بلغ الإنسان مبلغ تحقيق هذا الحديث وضبْط هذا الحديث فيصون قلبه وينقِّي سريرته من الدواخل
السيئة والبطانات الفاسدة فإنه بإذن الله تبارك وتعالى يتحقق فيه الخُلق بأبهى صوَره وأجمل حُلله ؛ قال ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ
لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) .
الشاهد أن هذه الأركان الأربعة تقوم عليها الأخلاق وهي مستفادة من كلام الإمام ابن أبى زيد القيرواني رحمه الله، وكلامه نقله
الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه جامع العلوم والحكم ؛ فأوصى نفسي وإخواني جميعاً والأخوات المستمعات
– بارك الله في الجميع – أن نُعنى بهذه الأحاديث وأن نُعنى بفهمها وتحقيقها وتطبيقها .
واسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يهدينا جميعاً لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو
وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو ، وأن يعيذنا من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء ، وأن يصلح لنا شأننا
كله إنه تبارك وتعالى سميعٌ مجيبٌ قريب.
والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الشيخ :عبد الرزاق البدر
نورتـــــــــــي
أعجبني كثيرا توقيعك ثبتك الله على طريقه القويم.
مهما بلفت من حضارة و علم و اتكيت
لن تأتي بأفضل من هكدا أخلاق
كان خلقه القران
[ و انك لعى خلق عظيم /
اقبلي مرووري و تحيتي