قال أبو الفضل الرياشي : سمعت الأصمعي يقول :
أقبلت ذات… يوم من المسجد الجامع بالبصرة فبينما أنا في بعض سككها ، إذ طلع أعرابي جلف على قعود له -جمل- متقلد سيفه وبيده قوس فدنى وسلم وقال لي :
ممن الرجل ؟
قلت ؟ من بني الاصمع
قال : أنت الأصمعي ؟
قلت : نعم
قال : فمن أين أقبلت ؟
فقلت: من مكان يُتلى فيه كلام الرحمن
قال: وَللرحمن كلام يتلوه الآدميون ؟
قلت : نعم
قال : اتلو عليّ شيئا منه قلت له : انزل عن قعودك فنزل وابتدأت سورة الذاريات
فلما انتهيت إلي قوله تعالى
{ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }
الذاريات: 22
قال : يا أصمعي هذا كلام الله؟
قلت : أَيْ والذي بعث محمدا بالحق إنه لكلامه ، أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
فقال لي : حسبك ، ثم قام إلى ناقته فنحرها وقطعها بجلدها
وقال : أعني على تفريقها ، ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلي سيفه وقوسه فكسرها وجعلها
تحت الرحل ، وولي مدبرا نحو البادية وهو
يقول
{ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }
فأقبلت على نفسي ألومها
وقلت : لمَ لم تنتبه لما انتبه له الأعرابي ؟
فلما حججت مع الرشيد دخلت مكة ، فبينما أنا أطوف بالكعبة ، إذ هتف بي هاتف بصوت دقيق فالتفت فإذا بالأعرابي نحيلا مصفارا فسلَّم عليَّ وأخذ بيدي وأجلسني من وراء المقام ، وقال لي : اتل كلام الرحمن ، فأخذت اتلوا من سورة الذاريات ، فلما انتهيت إلى قوله تعالى
{ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }
فصاح الأعرابي وقال : وجدنا ما وعدنا ربنا حقا
ثم قال : وهل غير هذا ؟
قلت نعم
يقول الله عز وجل
{ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }
الذاريات:23
فصاح الأعرابي
وقال : يا سبحان الله ، من أغضب الجليل حتى حلف ؟
ألم يصدقوه حتى ألجؤوه إلى اليمين ؟
قالها ثلاثا ، وخرجت فيها روحه