تخطى إلى المحتوى

الاعلام العلية في مناقب الشيخ عطية 2024.

ترجمة الشيخ مسعودي عطية رحمة الله عليه

يقول الشيخ محفوظي عامر في كتابه

تحفة السائل بباقة من تاريخ سيدي نائل

هو شيخنا وأستاذنا وسيدنا أبو يحي عطية بن مصطفى مسعودي رحمة الله عليه ، ولد سنة 1900 للميلاد وحف القرآن الكريم في سن مبكرة وتعلم مبادئ الفقه والنحو وعلم الكلام عن أخيه الشيخ الهادي مسعودي ، رحمة الله عليه في زاوية الجلالية التي تبعد عن مدينة الجلفة إالى الشمال الغربي منها بحوالي 18 كلم بالقرب من بلدة عين معبد ، ولما توفي أخوه ارتحل إلى زاوية الشيخ عبد القادر طاهري في الادريسية ، فلما تمرس واخذ من كل شيء بطرف تاقت نفسه إلى السفر كعادة ، أهل العلم في الرحلة لطلب العلم فسافر ، إلى بلاد القبائل الكبرى ، متنقلا بين زواياها مستمعا ومستفيدا ممن لقيهم من شيوخ تلك البلاد ، ثم سافر إلى الجزائر العاصمة فحضر دروس التفسير والبيان للشيخ عبد الحليم بن اسماية ، ثم انتقل إلى زاوية الشيخ الحمامي بالبليدة ، فأخذ عن الشيخ الإمام محمد بن جلول ودامت رحلته نحو سبع سنوات مكث معظمها في ضيافة عائلة سيدي محي الدين أولاد الباي وكان كثيرا مايذكرهم بكل خير ويذكر كرم ضيافتهم وحسن رعايتهم له ، ثم قفل راجعا إلى زاوية الجلالية ، وانظم إليه الشيخ نعيم النعيمي والشيخ أبو زيان الرحالة من بلدة فرندة وكانت بينهم مراجعات فقهية ونحوية وبلاغية كثيرة ، ويذكر الشيخ محفوظي عامر أن الشيخ عطية كانت بينه وبني الشيخ أبو زيان خلافات في مسائل نحوية ، تهادوا فيها إلى الشيخ الإمام مبارك الميلي ، وكان الشيخ عطية هو المصيب فيها ، وأبدى الشيخ مبارك الميلي إعجابه بالشيخ عطية ، ويذكر صاحب التحفة أن ذلك كان سنة 1930 للميلاد
ويذكر نجل الشيخ يحي مسعودي في مقدمته التي كتبها لمؤلف الشيخ آداب وسلوك يقول : وفي بداية عهد الشيخ مع التدريس في مدرسة الإخلاص ، التي كان مقرها مسجد خالد بن الوليد حاليا تعرض الشيخ لمضايقات من طرف الجماعة التي استقدمته للتدريس ، حيث اختلف معهم في مناهج التدريس التي كان يراها على نحو يخالف منهجهم ، فلما أصروا على فرض رأيهم ، غادر الشيخ المدرسة ، وترك الجمل بما حمل ، استبعادا للفرقة والخلاف فما إن سمع به سكن الجلفة حتى هرعوا إليه عن بكرة أبيهم طالبن منه العودة إلى التدريس وإمامتهم في الصلاة بمسجد الجمعة – خالد بن الوليد حاليا –
فواعدهم ، وطلب منهم مهلة للتفكير ، فسارع سكان البلدة الى الشيخ عبد الحميد مختاري رحمة الله عليه ، والذي كان مقيما في بيت الرجل الفاضل سعد لحرش ، وطلبوا منه التأثير على الشيخ لما كان يتمتع به الشيخ عبد الحميد من مكانة بين الناس والاحترام والتبجيل والنفوذ ، فطلب لقاءه وضمه مجلس مع الشيخ حضره كثير من أهل الفضل والعلم وكان مما قاله الشيخ عبد الحميد :

{ أنا لا أعرفك يا ولدي ، ولو كنت مؤثرا أحدا لما آثرت إلا واحدا من طلابي ، وتلاميذي الذين أظهروا لي رغبتهم في هذا الأمر ولكنه أمر لا يطلبه أصحابه وإنما يطلبون له …. فهنيئا لك يا ولدي بهذا الشرف ، وهذه الثقة ..}

فتصدر الشيخ للإفتاء والتدريس بمسجد الجمعة وإمامة الناس ،
فكان يحضر حلقته كثير من مريديه وطلاب العلم
وقد اسند إليه المجاهدون إبان الثورة التحريرية منصب الإفتاء والقضاء واستمر في ذلك إلى فترة الحكومة الانتقالية
ومما يؤثر عن الشيخ أن الإمام عبد الحميد بن باديس حضر له بعض دروسه واعحب ببداهته وانبهر لذكائه وسرعة استحضاره للنصوص وأثنى عليه وشجعه
وقد استشهد الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه ببعض أراء الشيخ في كثير من محاضراته
ولعل أهل الجلفة ممن عاصر الشيخ يعرفون مدى حب الشيخ لأهل البادية فكان كثيرا ما يتردد على بوادي الجلفة ويحضى باحترام شيوخ العشائر والقبائل بل كانوا لا يقطعون امرا دونه
وفي أواخر أيام حياته آثر الشيخ العزلة في بيته

****

رحمة الله على الشيخ العابد الزاهد عطية

ويغلب على الشيخ عطية رحمة الله عليه الجانب اللغوي ، فقد كان البعض يسميه بسيبويه ، ولعل الناظر في أحوال الشيخ أن له منظومات كثيرة جمع فيها مسائل فقهية وبلاغية ونحوية وحتى في علم الكلام
فله منظومة في علم الكلام بلغت أبياتها مائتين وبيت

يقول في مطلعها

قال عطية هو ابن مصطفى نيل الأرب

حمدا لمن علمنا ** وبالهدى أكرمنا
وأوسع الو جودا ** تكرما وجــــودا

إلى أن يخلص إلى قوله

ولا تقلد أبدا ** إن كنت ذا فهم بدا
فإنما التقليــد ** يرضى به البليـــــــــد

قلت سبحان الله ، لقد كان الشيخ يتمسك تمسكا عجيبا بالنص ويرى في التقليد لمن ملك آليات الاجتهاد والاستنباط ، شيء يشينه ولا يحمد له

*****

وقد كتب رائعته المسماة بالمزدوجة في العاشر من شوال سنة 1935 للهجرة الموافق لسنة 1930 للميلاد

وللشيخ إعراب لطيف لكلمة التوحيد لا اله إلا الله

والله يعلم أنني لما قرأته تملكني إعجاب شديد بالشيخ وقلت ليت شعري كيف زهدنا في الشيخ ولم نجلس إليه ولم نسمع منه لكنا نلنا شرف السماع

فالعلم يؤخذ سماعا ، ويؤخذ وجادة ، وأشرفه الذي كان سماعا

فالعلم ما فيه حدثنا وما سواه وسواس شيطان

يقول الشيخ العلامة عطية رحمة الله عليه في إعراب كلمة التوحيد

لكلمة الإسلام خذ إعرابا ** منظما يدني لك صوابا

فحرف لا نافية للجنس ** إله اسمها فخذ يا أنسي

نصب محله على الفتح بني ** وحرف الاستثناء إلا فاعتن

إلى أخر الإعراب في نسق عجيب يذكرك بمن خلا في غابر الأزمان من أرباب النحو والبيان
ولقد توقفت طويلا عند قول الشيخ : لكلمة الإسلام

ولم يقل لكلمة التوحيد إنها التفاتة عجيبة لو فقها محدثو العصر مدلولها كما أتصوره في فكر الشيخ لاندهشوا ولسودوا بياض مئات الصفحات في مفهومها ومدلولها بل ما زالت أجد من المعاني في نفسي من هذا التعبير شيئا كثيرا
لعل أعجبه أن الشيخ كان يريد أن يثبت انه بهذه الكلمة نثبت الإسلام لقائلها متى ما تلفظ بها
فهي كلمة الإسلام التي يدخل بها الكافر الإسلام ، وهذا أصل عظيم من أصول هذا الدين

وقد جمع إعراب كلمة الإسلام في اثنا عشر بيتا ختمها بقوله

نظّم الإعراب عبد معترف ** بعجزه وللذنوب مقترف

عطية بن مصطفى بمسجد ** بدر الهدى عطية بن احمد

وهذه حال أهل التقى والورع والزهد في الاعتراف بالتقصير دائما

وللشيخ منظومة سماها

نصيحة الشباب وحلة الآداب

تقارب الستين بيتا نظمها سنة 1938 للميلاد

تعتبر بحق حلية لطلاب العلم ولو اطلع عليها طلبة العلوم الشرعية لزهدوا فيما سواها وينبغي لم وفقه الله إلى أن يحفظها أن تكون حلية متونه

ولكم شدني قوله فيها

فانظر إلى الأصحاب كيف كانوا ** في الضعف لا مالٌ ولا مكانُ

وحولهم سيوف أهل الكفر ** مسلولة بقوة ووفر

إلى قوله في أسباب العزة والتمكين والنصر

وامتثلوا بفعلهم مأمورهْ ** صاروا ملوك سائر المعمورهْ

وهذا من اعظم اسباب النصر الوقوف عند حدود الله وأوامره ونواهيه وفقا للكتاب والسنة

ويقول فيها أيضا ناصحا طلاب العلم

واحفظ كتاب الله فهو العمده ** واجعل من الحديث خير عدهْ

مما يعطينا فكرة عن تمسك الشيخ بأصول أهل الإسلام في الرجوع في كل شيء إلى كتاب الله وسنة نبيه
وله أيضا منظومة مشابهة سماها

الدرر الغالية في النصائح العالية

وهي كما وصف عالية المباني والمعاني غالية الفوائد كثيرة الفرائد، وقد جمع فيها ما تفرق في بطون كتب الرقائق والزهد والحكم والمواعظ وهي طويلة جدا قسمها إلى فصول وأبواب منها

عمدة الدين
السير في الأرض قسمان
الآداب المطلوبة للمسافر
ما يجري على البشر خمس وعشرون
الدين نصيحة
بالعلم والعمل ينتصر الدين
أصول الشريعة
العلم قسمان فرض وفرض كفاية
التوبة وشروطها
محارم اللسان وما يباح من الكذب
وعيد من شهد الزور
ترك ما لا يعني
أسباب سوء الخاتمة ولعياذ بالله
مجالس الورى ثمانية
واجبات اللسان
محارم البطن
ما ينشا من الحرام
حكم المال الحلال والمشتبه
أصول الحلال عشرة
وفيها أيضا يتطرق الشيخ رحمة الله عليه
إلى واجبات القلب
وكيفية مفارقة أصحاب السوء
والإخوان أربعة
والتحذير من موالاة مجهول الأخلاق
وشروط الصديق وحقوقه
وخصائص الأمة المحمدية

وقد صرح في ختام المنظومة بعدد أبياتها وتاريخ نظمها بقوله

أبياتها 212 جود وفاء عمّا ** تاريخها 1377 ه نظم بدا لي تمّ

وقد علق الشيخ محفوظي عامر على هذه المنظومة بقوله

لما اطلعت على هذه المنظومة البهية والفاكهة الشهية لاستأذنا وشيخنا عطية والمسماة بالدرر الغالية في النصائح العالية ، أنشدته قول الجلال السيوطي ما دحا ألفيته عقود الجمان ، مذيلا لها بأربع أبيات

وإن لم تكن بالحسان ونص الجلال قوله :

أرجوزة فريدة في أهلها ** إذا لم يكن في فنّها كمثلها
بكر منيع سترها لمن دنا ** ومن أتاها خاضعا نال المنى
زففتها لمن نهاه راجح ** ومهرها منه الدعاء الصالح

وقد كتب الشيخ عامر حفظه الله تذييلا من إشادة لمنظومة الشيخ عطية والتي استحسنها وقدمها على منظومة الجلال السيوطي فقال :

جزاك ربي خير ما جزا به ** ذوي الإفادة من آل حزبه
لقد جمعتَ دررا يتيمة ** من حِكم غالية في القيمة
فاهنأ بها يا شيخنا بن مصطفى ** ودم ممتّعا بخيرٍ قد صفا
وجامعا وناثرا اللآلي ** مرتقيا للقرب والكمال

وليس من باب المبالغة أننا لا نقدر ان نحصي كل ما ألف الشيخ في فنون العلم من فقه وأصول وعلم كلام ، ورقائق ترق لها القلوب وتصفوا بها الأفهام

وكثير منها ما زال مخطوطا بيد ورثته تنتظر من يجلي عنها غبار الكتمان والنسيان والذي لا أعلم من المستفيد من ورائه ، ومن تلك المنظومات التي ذكرها الشيخ عامر في كتابه التحفة

الرؤية المعتبرة في زيارة المقبرة

كتبه سنة 1950 للميلاد جمع فيه آداب وأحكام زيارة المقابر

وفيها من المواعظ ما ترق له نفس وتذرف له العيون

ومنومته الشهيرة تحفة الإخوان في ما عليه جل أهل الزمان وكأنه ينظر من خلاله إلى هذه الأيام عندما يقول رحمة الله عليه

تماوجت أهواله وفتنه ** وخرجت عن الحدود محنه

ومرجت عهوده وإحنه ** وخرجت عن الحدود محنه

فأهله عن الصراط حادوا ** لا ألف بينهم ولا اتحاد

وانتشر النفاق والإلحاد ** والظلم عم الأرض والفساد

وأهملوا وصية الكتاب ** وسنة المطهّر الأواب

تفرقوا واختلفوا من بعد ما ** تبين الرشد لهم من العمى

إلى أن يقول

وكل ذي هوى له اتباع ** قد فسدت من جلّهم طباع

فهذه صفات شر فاضت ** في عصرنا فأفرخت وباضت

قلت سبحان الله انه واقعنا المرير يصفه الشيخ وكأنه يعايشه بيننا

إن القلوب عندما ترق وتصفوا تصبح ترى بنور الله

إنها فراسة مؤمن وحدس عالم بأحوال العباد والنفوس في تقلباتها

وهذا وقد جرت بين الشيخ وبين كثير من العلماء والنبلاء مراسلات ومكاتبات تستحق التقييد والتنبيه والاستحضار لدى مجالس أهل العلم والفصاحة والبيان

منها ما كان بينه وبين الشيخ الطاهر العبيدي رحمة الله عليه والشيخ نعيم النعيمي ، والشيخ مصطفى فخار ، والشيخ مصطفى القاسمي ، والشيخ محمد بن الاخضر الحسني ، وكثير من علماء المشرق وله إجازة منظومة من الشيخ طاهر العبيدي

وقد وافته المنية رحمة الله عليه يوم

الأربعاء 27 صفر من عام 1410 للهجرة الموافق ل 27 سبتمبر 1989 للميلاد

كما أثبته الشيخ عامر محفوظي في كتابه تحفة السائل
ودفن في مقابر الجلالية

وفي غمرة الأحداث انطفأ ذلك المصباح في صمت

في صمت رهيب

وهكذا يمضي الرجال

في صمت

وهكذا يمضي العلماء

في صمت

وهكذا يمضي العباد والزهاد

في صمت

وقد قلت من إنشادي

هذين البيتن

أعطية الخير الذي عودتهم ** قبل الرحيل تحية وسلاما

ابشر فإن الله ناصر دينه ** قدكنت نورا هاديا وحساما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.