التمهيد
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول الله تعالى: }وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً{ [الروم : 21].
ويقول r: «الدنيا متاع، وخير متاعها الزوجة الصالحة».
وعن أبي هريرة t أنَّ رسول الله r: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».
السعادة في هذه الحياة مطلب يسعى إليه الجميع: الكبير والصغير، الرجل والمرأة، الفتى والفتاة، ومن هؤلاء من وفَّقه الله تعالى وأدركها، ومنهم من لم يُحالفه التوفيق إليها؛ فهو لا يزال يطلبها ويتطلَّع إليها.
الأب والأم يرفعان أكفَّ الضراعة إلى الله تعالى ليلاً ونهارًا في صلواتهما وفي كلِّ أحوالهما وأقوالهما يسألان الله توفيق أبنائهما إلى الحياة السعيدة .. والفتاة المقبلة على الزواج تسأل الله قبل زواجها وبعده أن يمنَّ عليها بحياةٍ زوجيةٍ سعيدة.
وهنا أقول إنَّ السعادة الحقيقية لا تكون بحالٍ من الأحوال إلا بتقوى الله وخشيته وشدَّة مراقبته جلَّ وعلا، وذلك يكون بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه .. السعادة تكون لمن يُمسِي ويصبح وهمّه الله في السَّراء والضرَّاء، في الخلوة والجلوة .. همُّه هو مرضاة الله في كلِّ أحواله.
ولقد لُوحظ على بعض الأسر في مُجتمعاتنا بعض الأخطاء والتصرُّفات غير المناسبة في الإعداد للزواج والتهيئة له، أو فيما يحدث بعده من أمور تكون محلّ نظرٍ شرعيٍّ أو عرفي، ولذا أحببت مناقشة هذا الموضوع وهذه التصرفات، سائل الله التوفيق والسداد والنفع للإسلام والمسلمين، فما كان من صواب في هذا الطرح فهو من الله وله الحمد والثناء، وما كان من خطأٍ أو تقصير فأسأل الله العفو والمغفرة، وما هذه الكلمات إلا اجتهادات أضعفها بين أيديكم وأرجو من الله لها القبول: }إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{
[هود : 88].
حكمة الزواج
قال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ [النساء : 1].
فلا بدَّ أن يكون لسُنة الله في الزواج من حِكمةٍ، ومن دلالة الآية السابقة نُدرك أنَّ حكمة الزواج عظيمة، ومنها الاستمرار والتوسُّع في الخلق، مع تأكيد الآية الكريمة على أهمية التقوى ولزومها.
أهداف الزواج
1- طاعة الله ورسوله r:
يقول تعالى: }وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{ [النور : 32]..
ويقول r: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه».
2- تحصين كلٍّ من الزوجين:
يقول الرسول r: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج»..
ومن هنا نعلم أنَّ في الزواج طاعةً لله يُشجَّع عليها الأبناء، وإذا صلحت النية كان التوفيق عاقبتها بإذن الله.
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ:
"إنَّ كثرة الزواج وانتشاره أمرٌ يدعو إلى السرور والفرح؛ فكثرة الزواج نعمة، ودليل على أنَّ الناس لا يزالون بخير، وإذا زاد الزواج قلَّ الشر والبلاء".
وبالزواج يكثر النسل في الأمَّة الإسلامية، قال r: «تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة»..
أي: احرصوا على الزواج من المرأة المعروف عن أسرتها من أخوات وخالات وغيرهن أنهن نساءٌ يُنجِبن؛ وذلك من أجل تكثير نسل المسلمين وزيادة أعدادهم.
الخطبة
قد يتقدَّم لخطبة الفتاة شاب كفءٌ، ولكن تكون الفتاة لم تزل صغيرة السن، وهنا نجد الوالدين يتردَّدان في القبول بحُجَّة صغر البنت، وهنا ينبغي ملاحظة هذا الموقف، فقد تزوَّجت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من رسول الله r وهي صغيرة السن، حيث كانت – كما رُوي – في التاسعة من عمرها، ولكن المهم في القضية هو السؤال والتحرِّي الشديد واستخارة الله تعالى وأداء صلاة الاستخارة قبل الموافقة.
النظر بين الخاطب ومخطوبته
ندب الشرع الحكيم إلى أن ينظر الخاطب إلى من خطبها، وللمرأة المخطوبة كذلك أن تنظر إلى من تقدَّم إليها قبل إعلان الموافقة، فقد خطب المغيرة بن شعبة t امرأة، فلمَّا أخبر رسول الله r قال له: «اذهب فانظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»..
ومن المهم أن نعلم أنَّ هذه النظرة تكون من غير خلوة، وبعدها لا تخلو الحال من أحد أمرين:
1- إمَّا أن يُكتب لهما القبول ورضا كلٍّ من الطرفين بالآخر فذلك بفضل الله.
2- وإمَّا أن يكون الأمر على غير ذلك، فعلى الطرفين مراعاة ما يلي:
أ- الرضا بتدبير الله وإدراك أنَّ له حكمةً بالغة، وما قدَّره سبحانه كلّه خير.
ب- عدم إفشاء سرّ الطرف الآخر والحفاظ على خصوصياته وتقديره.
وهنا أمر يجب التنبه إليه والعناية به، ذلك أنه على أهل الخاطب عدم المبالغة في وصف مخطوبته له والثناء عليها وذِكر محاسنها؛ لأنَّ ذلك يجعل الخاطب يتوقَّع أشياء أكثر مِمَّا في المخطوبة؛ ولذا فعليهم وصفها بشكلٍ تقريبيٍّ ويدعون الحكم النهائي له.
وفي فترة الخطبة يجب التنبُّه إلى أمورٍ لا يجوز تجاهلها أو الغفلة عنها ومن أهمها:
1- المكالمات الهاتفية أو عبر الجوال:
فإن كانت المكالمات قبل العقد فالأمر مقطوعٌ به، ومعلومٌ عند الجميع أنَّ ذلك غير جائز؛ فالبنت لا تزال أجنبية بالنسبة لخاطبها .. أمَّا إن كانت المكالمات بعد عقد الزواج فهي بين أمرين: إما أن تكون المكالمات ابتداءً من الخاطب وهو الذي يتَّصل ويُطيل المكالمات، فعلى من حوله من الأهل والوالدين إبلاغه وتنبيهه إلى أنَّ هذا الأسلوب خاطئ، وقد يُحدِث مضايقةً لأهل المخطوبة، وقد يُنقِص من قدره واحترامهم له .. وأمَّا إن كانت المكالمات وكثرتها تصدر من المخطوبة فالمعهود من النساء الحياء وعدم الجرأة.
وبما أنه سهلت في زماننا هذا وسائل الاتصال عن طريق الجوال أو غيره فقد يحدث اتصال الفتاة بخطيبها في مكان غير مناسب، كأن يكون الشاب الخاطب في عمله أو بين زملائه، فيصبح محلاًّ للتعليق أو الضحك من زملائه، وكذا بالنسبة للمخطوبة؛ فهي لا تزال تجهل عادات وطباع خطيبها، فلربما ظنَّ بها الظنَّ السيئ، ولقد سبق أن حدث بين خطيبين اتصالات كثيرة مِمَّا أدَّى في النهاية إلى الانفصال قبل إتمام الزواج، كما أنه في قلَّة المكالمات يكون الرجل أكثر تشوُّقًا إلى زوجته المستقبلة وأشدّ إقبالاً عليها.
2- ومما ينبغي ملاحظته والإشارة إليه في هذا المقام مراعاة عدم إطالة فترة الخطوبة قدر الإمكان؛ لأنها تؤدِّي إلى القلق وانشغال الذهن لكلا الطرفين، كما أنها تؤدِّي إلى انشغال المخطوبة بالتجهيز للزواج، مع أنه بالإمكان حسم الموضوع وإنهاؤه في فترة شهر أو شهرين أو أقلّ من ذلك.
صداق المرأة
يقول الله تعالى: }وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا{ [النساء : 4].
فالصداق نعمة من الله على نساء المسلمين، ولأهميته ذَكره الله عزَّ وجل في كتابه الكريم، وذكر أنه خاص بالمرأة وحدها، ولقد فسّر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله الآية السابقة بقوله:
"لَمّا كان كثيرٌ من الناس يظلمون النساء ويهضمون حقوقهنَّ خصوصًا في الصداق الذي قد تكون قيمته كبيرة ودفعة واحدة فيشقُّ دفعه للزوجة، أمرهم وحثَّهم على إيتاء النساء }صَدُقَاتِهِنَّ{، أي: مهورهن }نِحْلَةً{ أي: عن طِيب نفسٍ وحال طمأنينة، فلا تماطلوهنَّ أو تبخسوا منه شيئًا، وفيه أنَّ المهر يُدفع إلى المرأة إذا كانت مكلَّفة، وأنها تملكه بالعقد؛ لأنه أضافه إليها". انتهى.
وبعد أن علمنا ذلك، أليس الأولى أن تشكر المرأة ربها على هذه النعمة التي خصَّها الله بها؟.. وشُكرها هو حُسن التصرُّف في ذلك المال، وإذا تذكَّرنا حديث الرسول r حيث يقول: «لن تزول قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع…»، وذكر منها «ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟».
إذا تذكرنا ذلك تحتَّم علينا إنفاق ذلك المال وصرفه فيما يُرضي ربَّنا عزَّ وجل، لا في الإسراف والتبذير أو المحرَّمات والمنكرات.
أختي المؤمنة:
هل فكرت يوم أن ملكت المهر من أين أتى ذلك المهر؟.. وكيف حصل عليه ذلك الشاب؟
إنَّ أغلب الشباب اليوم يجدون كلفةً شديدةً في تحصيل ذلك المال ليقدموا على الزواج، فإمَّا أن يكون قد جمعه بكدِّه وتعبه ولمدة سنين طويلة، وإما أن يكون ذلك الشاب فقيرًا قد تحصَّل عليه بمساعدة الآخرين وزكواتهم، أو بمساندةٍ من جهةٍ خيريةٍ ونحو ذلك، وهدفه تحصين نفسه ورضا ربِّه.
إذن الأمل والغاية هو إحسان تصرف الفتاة فيه، فليس من اللائق تبذيره في سويعات أو أيام قلائل في أمور كمالية يمكن اختصارها والاستغناء عن كثيرٍ منها، كالملابس والأحذية ونحوها مِمَّا قد تَمِلُّه الفتاة أو تزدريه بعد أيامٍ قلائل من شرائه، أو بعد لبسه لمرَّةٍ واحدة، بينما لو احتفظت بجزء من هذا المبلغ وصرفته حسب الحاجة وادَّخرته لأمورٍ قد تحتاجها بعد الزواج لكان أولى وأفضل.
فلقد ذُكِر عن فتاةٍ أنها جلست سنة ونصف تقريبًا بعد زواجها وهي تصرف من مهرها، وفتاة أخرى صرفت جزءًا من مهرها لحاجاتها الضرورية واشترت قطعة أرض بجزئه الآخر..!
وهناك نقاط أحبُّ الإشارة إليها حول هذا الموضوع ومنها:
1- الإكثار من فساتين السهرة الغالية الثمن خسارةٌ عظيمةٌ باعتراف كثيرٍ من الفتيات.
2- ليكن لك حظٌّ من الإنفاق في سبيل الله مِمَّا رزقك الله لتكون لك البركة في الدنيا والآخرة.
3- تقوى الله وعدم إنفاق شيءٍ من المال – وإن كان يسيرًا – فيما حرَّم الله.
ليلة الزفاف
ليلة الزفاف هي أوَّل ليلة في الحياة الزوجية وهي بدايتها، وقد جرت السُنة بالاحتفال بهذه المناسبة السعيدة إشهارًا للزواج وإظهارًا للفرح والابتهاج، وشُكرًا لله سبحانه وتعالى الذي أتمَّ على الزَّوجين نعمته وجمع شملهما بفضله ورحمته، ومن هنا فإنَّ حفل الزواج يجب أن يكون وفقًا لميزان الإسلام تُظلِّله آدابه، وذلك حرصًا على طاعة الله ورسوله r، وابتغاءً للبركة، وإشفاقًا من عقوبة الله في اقتراف معصية فيه.
وحين أسبغ الله على العروسين هذه النعمة العظيمة كان جديرًا بهما وأهلهما شُكر الله تعالى، وشُكره يتمثَّل بالحرص التام على عدم وقوع ما لا يرضيه في هذه المناسبة من المخالفات التي ابتلي بها بعض من الناس في هذه الأزمنة، سواء كانت فيما يتعلَّق بالإعداد لتلك الليلة أو فيما يتعلّق بالعروس من لباسٍ أو زينةٍ ونحوهما.
وصيَّتي بهذه المناسبة الطيبة لكلِّ أم عروس أن تتَّقي الله في ليلة زفاف ابنتها، وأن تجتهد في مرضاة الله عزَّ وجلّ، فقد ربَّت ابنتها وتعبت وسهرت الليالي وعلَّمت، وها هي في هذه الليلة وعند آخر المطاف حيث الانتقال إلى بيت الزوجية، فيجب ألاَّ تودِّع ابنتها بما يُسخط الله من إسرافٍ في الحفل أو تبرُّجٍ أو فعلٍ أو قولٍ مُحرَّم، ولتتذكَّر الأم الفاضلة حديث رسول الله r حيث يقول: «مَن كانت له ابنتان فأحسن تربيتهما والقيام عليهما كن له سِترًا من النار».
فلعلَّ الله أن يجعل هذه البنت سِترًا لك أيتها الأم عن النار، وذلك بفضله وكرمه أولاً، ثم بما قدَّمتيه لها من إحسان في صِغرها وعند كبرها وزواجها.
استقبلي أول ليلة في حياتك الزوجية بتقوى الله والحرص على رضاه لتنالي سعادة الدارين، أمَّا رضا الناس فغاية لا تُدرَك، وعليك بمجاهدة النفس والشيطان، واعلمي أنّ الإنسان المؤمن يُبتلَى في حال السراء وفي حالة الضراء، ففي حال السراء عليه بالشكر، وفي حال الضراء يلجأ إلى الصبر.
وليلة الزفاف نعمةٌ كبرى يتبلي الله بها الشاكرين، يقول تعالى: }وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{ [الأنبياء : 35].
يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية:
"الله تعالى أوجد عباده في الدنيا وأمرهم ونهاهم وابتلاهم بالخير والشر وبالغنى والفقر والعزِّ والذُّلِّ والحياةِ والموتِ فتنةً منه تعالى: }لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا{ [الكهف : 7] ومن يُفتتن عند مواقع الفتن.
وبعد..
فهناك أختي العروس الفاضلة أمورٌ ينبغي الحذر منها ومثالها:
1- الأخذ من شعر الحاجبين:
فلا يجوز أخذ شعر الحاجبين ولا التخفيف منها؛ لِما ثبت عن النبي r أنه لَعن النامصة والمتنمصة؛ حيث قال r في الحديث المتفق عليه: «لعنَ الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمِّصات والمفلجات بالحسن المُغيِّرات خلق الله»..
وقد بيَّن أهل العلم أنَّ أخذ الشعر من الحَاجِبَين يعَدُّ من النمص.
2- رفع الشعر فوق الرأس:
حيث إنّ هذا العمل داخل عند أهل العلم في النهي والتحذير الذي جاء عن النبي r في قوله: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد …» وفيه: «نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» [رواه مسلم].
3- اللباس العاري أمام المدعوين:
ومثله الضيِّق أو الشفَّاف، فالواجب على المرأة سَتر بدنها وتقاطيع جسمها، فالتساهل في ذلك من أعظم أسباب الفساد ودواعي الفتنة، حتى لو كانت المرأة في محيطٍ نسائيّ .. ويدخل في هذا كشف العورة لِمن تقوم بالتجميل، وأخذ الشعر غير المرغوب فيه من الجسد في المحلات الخاصة بذلك للنساء.
4- الزفَّة التي يصحبها الغناء الماجن وآلات اللهو:
يقول تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ{ [لقمان : 6].
يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى عن لهو الحديث: "يدخل في هذا كلُّ كلامٍ مُحرَّم وكلُّ لغوٍ وباطل وهذيان من الأقوال المُرغِّبة في الكفر والفسوق والعصيان ومِن، أقوال الرَّادين عن الحقِّ المُجَادلين بالباطل ليُدحضوا به الحقّ، ومن غيبةٍ ونميمةٍ وكذِبٍ وشتمٍ وسبٍّ، ومن غناء ومزامير شيطان.
5- وضع ما يمنع وُصول الماء إلى البشرة للزِّينة ثُم الصلاة فيه دون إزالته عند الوضوء:
مثل بعض الأصباغ من مناكير وغيرها، حيث يُشترط للوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى الجلد.
6- تأخير صلاة العشاء أو الفجر عن وقتهما.
السفر بعد الزواج
وبعد أن يتمَّ الزواج وتتمُّ الفرحة للزَّوجين نرى كثيرًا من المتزوجين يعزمون على السفر، وذلك لإدخال السرور والنـزهة في أول حياتهم الزوجية، فيا عزيزتي العروس: إن رأيت أنَّ وجهة السفر التي أرادها زوجك لبلاد خارج بلادنا – المملكة العربية السعودية – فليكن في حسبانك أنه لن يكون هناك حفاظٌ على تعاليم الدين الإسلامي بمثل ما هو في بلادنا، وربما تكونين وزوجك عرضة للفتن مِمَّا يكون سببًا في نقص الإيمان وإضعاف جانب التقوى، ويكفي من ذلك تعرُّض زوجك لفِتنة النظر، ولذا اجتهدي في تحويل وجهة السفر إلى داخل بلادنا الحبيبة المحافظة بفضل الله وما مَنَّ به علينا من نعمة الهداية: }وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا{ [الطلاق : 4].
وأمَّا إن كان سفركما إلى داخل بلادنا الحبيبة، المملكة العربية السعودية، كأن تكون إلى مكَّة والمدينة أو أحد مصائفنا الجميلة؛ فعليك حمد لله على هذه النعمة؛ فقد امتنَّ الله عليكما بِهذا، واختاركما لطاعته عزَّ وجل، وحفظكما بإذنه تعالى من الشيطان ومداخله.
ومما يَحسن أن يُوصَى به المسافر عند سفره:
• التقرُّب إلى الله بالأذكار والأدعية المأثورة عن النبي r، ومن ذلك الدعاء في بداية الرحلة وعند الركوب، حيث يشرع الدعاء الذي يقول فيه المسافر: «اللهم إنَّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى .. اللهم هَوِّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل» الحديث.
فاستحضار هذه الدعاء وتفهم معانيه والعمل على تطبيق مضمونه من أعظم أسباب السعادة والبركة والتوفيق في سفركما؛ حيث تسألان الله البرّ، و«البرّ» اسمٌ جامعٌ لكلِّ خير، وتسألانه التقوى .. ومن تحلَّى بالتقوى سرًّا وجهرًا فقد أكرمه الله بكرامة عظيمة..
ثم تسألانه تعالى من العمل ما يرضى، فإذا أحسنتما النية وصدقتما مع الله استجاب دعاءكما ووفَّقكما لكلِّ عملٍ يرضيه، وجنَّبكما ما يُسخطه بإذنه تعالى..
إلى آخر الدعوات في هذا الذكر.
كما أن عليكما عدم الغفلة عن سُنن السفر ومنها:
قصر الصلاة، الدعاء، التكبير عند صعود مرتفع، التسبيح عند النـزول، صلاة النافلة على الراحلة … وهكذا.
• ثم تذكَّري أختي الفاضلة عند تنقُّلاتك وخروجك من مقرِّ سكنك أنَّ من أهم ما يجب العناية به وتكون فيه تقوى الله جل وعلا هو حجابك الساتر والابتعاد عن الطيب والروائح العطرية عند مرورك بالقرب من الرجال.
ومن أهم ما تجب العناية به أيضًا:
• عند إعداد حقيبة السفر التي يبدأ تجهيزها قبل السفر بأيام هو كتاب الله، فهو أهمّ محتوياتها، ثم أضيفي إلى ذلك بعض الكتيبات والأشرطة النافعة والمناسبة لكما جميعًا، فستجدين في مثل هذا الرحلة وقتًا وفراغًا لقراءة ما هو مفيد، وسماع ما يعود عليكما بالنفع عند تنقلكما بالسيارة أحيانًا أو غير ذلك من الأوقات.
حين تكون النيَّة صادقة وطيبة ومُتعلِّقة برضا الله سبحانه وتعالى يُهيئ الله سُبل تكوين أسرةٍ طيبةٍ مباركة، منشؤها على الإيمان والتقوى والإحسان .. وفي هذا المجال أُوجِّه كتابة الأسطر التالية إلى كل من:
1- أهل الزوجة.
2- أهل الزوج.
3- الزوجة.
فلكلٍّ من هذه الأطراف الثلاثة حديث يَخصُّه ويُحدِّد مسئوليته في تكوين الأسرة الطيبة القائمة على الأُلفة والعشرة الحسنة.
أولاً: فيما يخص أهل الزوجة:
«العروس»..
وبالذَّات أمها التي تتمنَّى من أعماق قلبها أن تغمر السعادة ابنتها بعد زواجها، فلا بدَّ أن تعمل الأسباب لذلك، ومن أهل الأسباب توجيهاتها المُخلِصة لابنتها قبل الانتقال إلى بيت الزوجية .. ومن أبرز تلك التوجيهات المطلوبة:
1- وصيتها فيما يتعلَّق بحقوق الزوج وأهله وأقاربه وفق ما أمر الله به وحثَّ عليه رسوله r من حُسن المعاملة والصبر على ما يعترض حياتها الزوجية أو ينقص عليها في بعض الجوانب، وفي مجال كرمها وإكرامها لهم وإحسانها إليهم.
ولقد لُوحظ في الوقت الحاضر تقصير كثيرٍ عند بعض الزوجات، وأصبح همُّ الواحدة منهنَّ زينتها وجمالها وتفاخرها بذلك دون مراعاة لحقوق أو مشاعر الآخرين، مما يؤدِّي – بشكلٍ أو بآخر – إلى الجفوة بين مثل هذه الزوجة وأهل زوجها، وقد تصل هذه الجفوة إلى زوجها وأهله وعلاقته بهم.
2- ومما تنبغي العناية به والحرص عليه تزويد الأبناء والبنات المُقبِلين على الزواج بالكتُب والأشرطة النافعة والتي تتناول الحياة الزوجية والأحكام الفقهية المتعلِّقة بالزواج ونحوه، ليكونوا على علمٍ ودرايةٍ بما ينفعهم في أمور دِينهم ودُنياهم.
3- وجانب آخر مهم غاية الأهمية، وقد تنبني عليه أسُس الحياة الزوجية واستمرارها، ذلك هو تعليم البنت شئون البيت وأعماله من طبخٍ وغسيلٍ وتنظيفٍ ونحوها، وألاَّ يكون اعتماد الأم على الخادمة .. وعند انتقال البنت إلى بيت زوجها وهي لا تعلم من أمور البيت شيئًا فستلاقي صعوباتٍ وحرجًا كبيرًا في خدمة نفسها أولاً ثم خدمة زوجها والقيام بأعباء الأسرة ومتطلبات المنـزل.
وعاقبة ذلك قد تكون سيئة، وقد تصل إلى الانفصال عن زوجها لا قدَّر الله.
ثانيًا: فيما يخص أهل الزوج:
كأني بك أيتها الأم وقد تعبت كثيرًا في البحث عن زوجة تُناسب ابنك، وتكون صالحةً تُعينه على طاعة ربِّه، وتتمنِّين الآن أن تكون على علاقةٍ طيبةٍ معك ومع أسرتك، وحين يتحقَّق لك ذلك بفضل الله فلا بدَّ من ملاحظة بعض الجوانب التي ينبغي مراعاتها والعناية بها لاستمرار متانة وقوَّة هذه الرابطة بينك وبين زوجة ابنك وأسرتك بوجه عام .. ومن هذه الجوانب ما يلي:
1- توفر الشروط والصفات:
لأنَّ تطبيقك للهدي النبويِّ وتوجيهات الشريعة في البحث عن الزوجة الصالحة أكبر مُعينٌ لك على تحقيق ما تتمنِّين في بناء أسرةٍ سعيدةٍ موفَّقة لابنك ولزوجته، ولذا لا بدَّ من العناية عند البحث عن الزوجة المطلوبة بتوافر الشروط الشرعية والصفات المرغوبة في تلك الزوجة.
قال r: «تُنكح المرأة لأربع: لِمالِها ولِجمالِها ولِحسبِها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» [متفق عليه].
2- حُسن التعامل مع زوجة الابن:
فعلى الأم أن تتعامل مع زوجة ابنها وكأنها بنتٌ لها، وقد يقع من هذه الزوجة من الأخطاء ما لا ترضاه الأم، وقد يحدث منها تقصير في بعض الواجبات، وقد يكون ذلك جهلاً منها بعادات أهل زوجها وعدم معرفة بما يُناسبهم، خاصةً في أول حياتِها الزوجية، فعلى الأمِّ في هذه الحال الصفح والحِلم ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ولتفترض أنَّ هذا الخطأ حدث من ابنتها وهي في بيت زوجها أو عند أهله، فماذا سيكون موقفها حينئذ؟.. إنها ستسعى جاهدةً إلى الستر والعفو والبحث عن الأعذار، إذن لتضع ميزان ذلك قوله r: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه».
3- محاولة عدم تتبُّع الأخطاء:
وكذلك تجاهل هذه الأخطاء وتمرير المواقف غير المرغوب فيها بسلام، وخاصة إذا كانت صادرة من زوجة الابن بدون قصدٍ أو عن جهل، وإذا كان الأمر خطأً شرعيًّا ويستدعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليكن بالحكمة وبنيَّة صادقة مع الله، وسيكون لذلك بإذنه تعالى أثرٌ مباركٌ وفعَّال إذا صلحت وصدقت النية.
4- ترك الفضول:
يقول عليه الصلاة والسلام: «من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، ليكن هذا الحديث نصب عيني الأم دائمًا لتتجنَّب كثرة الأسئلة وفضول القول مع زوجة الابن خاصة ومع الناس عامة، ومن المشاهَد كثرة أسئلة بعض النساء لِمن تجالس، وقد يضع السؤال المسئولة في حرجٍ شديد، وقد يضطرّها أحيانًا إلى الكذب، علاوة على أنَّ المرأة التي تتَّصف بصفة كثرة التدخل فيما لا يعنيها وتتابع أسئلتها عن كلِّ شيء تكون امرأةً غير مرغوبٍ فيها، ولا يُستأنس بالجلوس معها أو مصاحبتها..
وإليك أختي الفاضلة هذا المثال من الواقع عن الوقوع في الحرج.
○
زوجة حامل في شهرها الثامن تقريبًا وبجوارها – في مجلسٍ ضمَّ نساءً عديدات – أخت زوجها، فسألتها إحدى الحاضرات عن حَملِها وفي أيِّ شهرٍ هي، فأجابت على قدر السؤال، فسألتها أخت زوجها بمسمعٍ من الجالسات: هل عملت كشفًا؟.. فأجابت، فأتبعت السؤال بسؤال آخر: وهل علمتٍِ نوع الجنين ذكرًا أو أنثى؟.. فقالت الزوجة: لا أعلم، فبادرت أخت الزوج ساخرةً قائلة: وهل يُعقل ألاَّ تعلمي؟ فكان ذلك موقفًا محرجًا لهذه الزوجة الحامل .. فلننظر سبحان الله، لم تكتفِ بعض النساء بالسؤال عن الأشياء الظاهرة المشاهَدة، بل تعدَّى ذلك إلى محاولة استكشاف ما أخفاه الله عزَّ وجل عن الأعين!
إضافة إلى ذلك الفضول نجد بعض النساء تسعى جاهدةً لمعرفة كلِّ شيء والاطلاع على كلِّ سرّ، فما لا تستطيع الحصول على معلومات عنه من الكبار تسأل عنه الصغار!
لنحرص أختي الفاضلة على التمسُّك بالهدي النبوي، وعلى حُسن إسلامنا، ونتجنَّب التدخل فيما لا يعني، والذي قد يصل بنا إلى التجسُّس على الآخرين، ومعلوم قول الله تعالى في توجيهه الرباني في كتابه العزيز: }وَلَا تَجَسَّسُوا{ [الحجرات : 12].
5- عدم إثارة الزوجة:
مِمَّا يجب التنبيه إليه – وهو ما تجهله بعض أمَّهات الأزواج – من ذِكر محاسن بعض النساء عند الابن؛ ففي هذا تقليلٌ من شأن زوجته واستفزازٌ لها إن كانت حاضرةً وتسمع ما تقوله الأم في هذا الجانب، فلتحاسب الأم نفسها على كلِّ كلمة تقولها، فالله يعلم السرَّ وأخفى، ويحاسب على كلِّ فعلٍ أو قول، علمًا بأنَّ ذِكر محاسن المرأة للأجنبي غير جائز شرعًا.
6- الرفق واللين في النصح والتذكير:
قد يكون الابن بحاجة إلى التوجيه والنصح والتذكير ببعض الأمور التي تظهر له فيما يتعلَّق بالحياة الزوجية أو غيرها، فليكن ذلك التذكير برفقٍ ولين، وقد يكون من المستحسن أن يكون بطريقةٍ غير مباشرة مع الاهتمام بالثناء والشكر له بِما هو أهله ويستحقه، ولنحرص على أن يكون ذلك التوجيه سرًّا، ولتكن العناية بتوجيه الابن إلى طاعة الله ورسوله r، وإلى كلِّ ما فيه خيرٌ له في دينه ودُنياه.
كوني أيتها الأم قريبةً من ابنك لطيفةً معه، أظهري له الحبَّ والشفقة ليسمع منك كلمات الدعاء له وكلمات المحبة والتقدير والثناء حتى على القليل من إحسانه، فلا تبخلي بمثل هذه الأدعية: «وفَّقك الله»، «سهَّل الله أمورك»، «أسعدك الله»، «بارك الله لك في مالك وولدك»، «بارك الله لك في علمك» .. ونحوها.
ولننتبه إلى أمرٍٍ مهم وهو أنَّ هذا التقارب بين الأم والابن ينبغي أن يكون منذ نشأة الابن وطفولته وشبابه وقبل زواجه؛ وذلك حتى يعتاد عليه، ولتكون الألفة والمودة بين الأم وابنها سببًا من أسباب برِّه وصلاحه قبل الزواج وبعده؛ لأنه إذا كان الابن معتادًا على البعد وعدم الارتباط العائلي وعدم التآلف بين أفراد الأسرة قبل الزواج فمن الصعب وجود ذلك الترابط وتلك الألفة بعد الزواج، إلا أن يتداركه الله برحمته وتوفيقه لزوجة صالحة تُعينه على ذلك.
ثالثًا: فيما يَخُصُّ الزوجة:
إذا أردت أيتها الزوجة المباركة السعادة والراحة والاطمئنان النفسي فعليك بإسعاد الآخرين وإدخال السرور عليهم، وتذكَّري دائمًا أنَّ الله يُحِبُّ المحسنين .. ولتعلمي أيتها المباركة أنَّ من أحقِّ الناس بالبذل له ومحاولة إسعاده هو زوجك، وذلك بطيب الكلام وحسن التبعُّل والاهتمام بمأكله ومشربه ونومه وساعات راحته، وليكن هدفك الأسمى هو رضا الله.
ولن أطيل الكلام في حقوق الزوج على زوجته، فالساحة العلمية مليئة بالكتُب التي تتحدَّث عن ذلك، وقد اهتمَّ بهذا الجانب العديد من أهل الخير والفضل والعلم، فكتبوا وحاضروا حول ذلك بما فيه البركة والخير، ويكفى أن أُشِير بهذه المناسبة إلى حديث الرسول r الذي يقول فيه: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها».
ثم إني أكتب لك أيتها الزوجة المباركة في أمورٍ قلَّ الاهتمام بها والتحدُّث فيها أو الكتابة عنها، ومن أهمّها العشرة الحسنة مع أهل الزوج، وعلى وجه الخصوص والداه وأخواته؛ إذ أنَّ الإحسان إليهم سبب لسعادتك وراحتك وطمأنينة نفسك، وستجدين ثمرة إحسانك هذا في الدنيا قبل الآخرة بإذن الله.
فإن وجدت مع إحسانك إليهم إحسانًا منهم إليك فذلك خيرٌ عاجل، واحمدي الله عليه قد وفقك إلى ما فيه الخير وجزاك بمثله، وإن وجدت غير ذلك مع إحسانك إليهم والحرص على رضاهم فاجعلي في حسابك دائمًا قول الله عزَّ وجل: }إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا{ [الكهف : 30].
وليكن شعارك دائمًا الصبر والتحمُّل واحتساب الأجر من الله، حيث يقول سبحانه: }يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ{ [الزلزلة : 6 – 8].
إذن مثقال الذرة تعملينه سوف تجدينه في صحائف أعمالك الحسنة إن كان خيرًا.
ثم لتعلمي أيتها الزوجة العاقلة أنَّ لكلِّ أسرة عاداتٍ وتقاليد، ولذا ينبغي عليك مراعاة ذلك، ومسايرتها إذا كانت لا تُخالف شرع الله، ولن تستطيع الزوجة أن تتكيَّف مع أجواء الأسرة الجديدة وموافقة طباعها وعاداتها والتكيُّف مع أفراد الأسرة إلا بِحُسن خُلقها وإيثارها والصبر على ما قد يُستجَدُّ عليها في حياتها واحتساب ثواب الله ووعد رسوله r حيث يقول: «إلا أُنبئكم بأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقًا، الموطَّئُون أكنافًا، الذين يألفون ويُؤلفون».
فتودَّدي أختي الكريمة إلى أسرة زوجك بالقول والعمل، كونِي قريبة منهم، فهم أناسٌ قدَّر الله لك أن تعيشي معهم وتكثر خلطتك بهم، ولمدَّةٍ ليست بالقصيرة، فقد قدَّر الله أن تكوني واحدةً من أفراد هذه الأسرة، فإذا أحسنت رجع خير ذلك إليك وإلى ذريتك، وتذوقت طعم الراحة والسرور كما سلف.
وبعد..
فإليك أختي الزوجة الفاضلة بعضًا من صور الأُلفة والمحبة والتواصُل مع أسرة زوجك ووالدته بشكلٍ خاص، لعلَّ فيها إنارة وإضاءة للطريق المبارك إلى سعادة زوجية غامرة.
1- حين تعلم الزوجة أنَّ في بيت أهل زوجها مناسبة معينة – كإقامة وليمة ونحوها – فعليها أن تعدّ نفسها واحدةً من أهل البيت وكأنها ابنة لوالدة زوجها، فلتمدّ يد العون بإعداد شيءٍ من الطعام، وتُكرِم الضيوف وتقابلهم بالبِشر والترحيب كواحدةٍ من أفراد الأسرة.
2- قد تكون أمُّ الزوج مريضة، فمن الجميل الإحسان إليها وزيارتها وسؤالها عن حاجتها وماذا ترغب من الأطعمة لتُجهِّزه لها، وتُقدِّم لها ذلك بنفسٍ منشرحةٍ محتسبة، وكذلك تمريضها إن كان باستطاعتها ذلك.
3- قد تكون للزوجة حاجات في السوق وتريد قضاءها؛ فهذه فرصة لتقديم الخدمة إلى أمِّ زوجها بسؤالها عن حاجتها واستعدادها لذلك بكلِّ سرور.
4- حين تعزم الزوجة على سفرٍ أو رحلةٍ بريةٍ مع زوجها، فمن الصِّلة وحُسن العشرة أن تعرض الصحبة على أمِّه أو أخواته، خاصة إذا كان تعلم أنَّ هؤلاء لا أحد سيقوم بأخذهنَّ لمثل هذا السفر أو عدم تلك النـزهة، لكبر سنِّ والدهنَّ مثلاً أو وفاته أو عدم قدرته أو تعوُّده على مثل هذه الرحلات، وهن يتمنَّين مثل هذه الفرص المسلية، فما على الزوجة إلاَّ احتساب الأجر ودعوتهنَّ للمشاركة معها وزوجها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
5- قد يكون للزَّوج جدَّةٌ كبيرةٌ في السِّنّ، قد يجتمع عندها أفراد الأسرة وتفرح بهم، ولكنها لضعف سمعها وتقدُّمها في السِّن لا تعي كلَّ ما يُقال، ولا تسمع حديث الجالسين، ففي هذه الحالة تَجِد زوجة الابن فرصتها في التقرُّب والتودُّد لهذه الجدَّة المسكينة، فتقترب منها وتجلس بجوارها وتؤانسها بحديثها وسؤالها عن الصغير والكبير، وتسألها عن لباسها وتُبدِي إعجابها به ونحو ذلك، وتُذكِّرها بفضل الذِّكر والتسبيح لاستغلال وقتها، حيث إنَّ من هُم في سنِّها يكون لديهم فراغ كبير، وستجد الزوجة النتيجة المباركة حيث ستبدأ الجدَّة بالذِّكر والتسبيح، وذلك بفضل الله، ثم بفضل تذكير تلك المحتسِبة الثمرة عاجلاً غير آجل، كما أنَّ هذه الجدَّة ستظل تثني على هذه الزوجة في كلِّ مجلس، وهذه من عاجل البشرى.
6- الزوجة الموفَّقة يمتدُّ خيرها إلى صغار وأطفال الأسرة، فلهم منها نصيب متأسِّية في ذلك بِخُلق الرَّسول r؛ فقد كان قدوةً في التعامل مع الأطفال، فكان يُلاطفهم ويلاعبهم … ومن المشهور قوله عليه الصلاة والسلام: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟»، وأبو عمير كُنية لطفلٍ صغيرٍ كان معه "نغير"، وهو طائرٌ صغير مات فحزن عليه الصبي واغتمَّ لذلك، فكانت هذه الملاطفة منه r: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟».
إذن الزوجة المباركة تلاطف الأطفال وتلاعبهم، وكم هي الفرحة لدى الأطفال عندما يرَون من يُلقي لهم بالاً، بل كم هي الفرحة التي تغمرهم عندما يرون امرأة جديدة عروسة دخلت في مُحيطهم وسألت عن اسم هذا ودراسة الآخر ولباسه ونحو ذلك.
7- اجتماعات أهل الزوج بأقاربهم من الخالات والعمَّات ضرورة اجتماعية، فالزوجة الموفقة تحرص على المشاركة وإحيائها بالصالح من القول والعمل، والحرص على عدم التأخر عنها من مقومات السعادة الزوجية، فما يسعد الزوج ينعكس أثره مباشرة على علاقته بزوجته، وهي تفعل ذلك لا تنتظر شكرًا من أحد سوى رضا ربها وطاعة زوجها.
وبعد هذا فإذا منَّ الله عليها ورزقها الذرية أصبح الأولاد صغارًا وكبارًا يألفون الأقارب، وكان التواصل بين الأرحام بفضل الله أولاً ثم بفضل ما وُفقت إليه هذه الزوجة.
وصور التودُّد والتكاتف كثيرة مع أسرة الزوج، خصوصًا ومع الناس عمومًا لمن التمست الخير وحرصت عليه.
خاتمة
وبعد..
فهذا جهد المقل المجتهد، أملي بالله أن تكون فيه إضاءة للساعيات إلى تكوين أسرة سعيدة تحفُّها رعاية الله ويسودها الوفاق بإذنه تعالى لتسهم في بناء مجتمع إسلامي مترابط متحاب آمن.
أسأل الله أن ينفع به، وأن يجزي كلَّ من ساهم في إخراجه خير الجزاء، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.