الحمد لله كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب السموات ورب الأرض رب العالمين، وأشهد أن نبنيا محمدًا عبده ورسوله الذي عبد ربه حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد. فإن الحياة الدنيا زائلة، وكل نفس عليها ميتة قال سبحانه وتعالى: «أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة» وهذه الدنيا متاع الغرور قال جل وتقدس وعلا «كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور» وقال تعالى: ﴿ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾ وقد جعلها الله مطية إلى الآخرة ومعبرًا وقال لنا جل وعلا: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ وقال تعالى: ﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾.
وقد عبر الله عن الأجل ونهايته، والقيامة وأهوالها، والصحف وتطايرها ذات اليمين والشمال- بِغَدٍ لقربه وسرعة هجوم الموت وقيام الساعة، ومن أجل أن لا يغتر المؤمن بطول الأمل، فقال تقدست أسماؤه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ فلو أن كل إنسان استعد للموت وكأنه سيموت غدًا لما سوَّف في التوبة، وما أهمل العمل الصالح، ولو أن كل إنسان استعد للوقوف بين يدي الله وكأنه يوم غد لاستحيا الإنسان من ربه، وسارع حثيثًا في طاعته، ولم يصر على معصيته.
والعاصي غدًا في القيامة كأنه لم يلبث في هذه الدنيا الفانية إلا ساعة من نهار قال تقدست أسماؤه: ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ *﴾ وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾
فلا إله إلا الله ما أشد حسرة المفرطين غدًا حينما يقفون بين يدي الله حفاة عراة فرادى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾
فلماذا يضيع العبد عمره ووقته في هذه الدنيا، ويتناسى الموت والقبر والبعث والنشور غدًا، وما من دار إلا ولها باب، والباب إلى القبر والآخرة هو الموت، فما هو إلا أن يموت العبد فيرى ما قدمت يداه ويرى بعينه الجنة والنار، فإن كان من أهل الجنة قيل له انظر إلى مكانك من النار لو أنك عصيت الله، وإن كان من أهل النار قيل له انظر إلى مكانك من الجنة لو أنك أطعت الله، وما من ميت إلا ويعرض عليه مقعده من الجنة إن كان من أهلها أو مقعده من النار إن كان من أهلها، حتى يبعثه الله.
قال سبحانه وتعالى عن آل فرعون: «النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب» والموت باب وكل الناس داخله، ألا ليت شعري بعد الموت ما الدار؟ الدار دار نعيم إن عملت لها وإن فرطت فالنار، فالله الله لا تفوتوا على أنفسكم وأهليكم من تحت مسؤوليتكم، لا تفوتوا فرصة العمل، وخذوا من الصحة للمرض، ومن الشباب للهرم، ومن الفراغ للشغل، ومن الحياة للموت الذي لا تدري في أي لحظة سينزل بك، وبما أن لمن حضره الموت على إخوانه المسلمين حقوقًا وواجبات فإليك هذا البيان لبعضها:
إجابة على ما طلب مني بيانه عن كيفية معاملة المحتضر وما ينبغي على المسلمين نحوه إلى أن يدفن في قبره، فأقول مستعينًا بالله، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب:
إن على المسلم إذا أحس بقرب أجله أن يحسن الظن بربه، وأن يرطب لسانه بذكر ربه، وأن يلهج بكلمة التوحيد لا إله إلا الله، ومن كان عند المحتضر فليراع حالته الخطيرة وليرفق به، وإن تيسر أن يمسح جببين المحتضر بخرقة مبلولة بماء فذلك مما يخفف من شدة سكرات الموت، وعلى من كان عند المحتضر أن يلقنه الشهادة برفق للحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، وهو في السنن الأربع:« لقنوا موتاكم لا إله إلا الله»
وإن رأى المُلقن المحتضر في شدة فليبل حلقه بقطرات من الماء، قال ابن قاسم في الإحكام المجلد الثاني صفحة 18 :"ويُسن تعاهد أرفق أهله وأتقاهم وأعرفهم بمدارات المريض ببل حلقه بماء أو شراب، فيجرع الماء أو الشراب إن ظهرت أمارة تدل على احتياجه له، كأن يهش إذا فعل به ذلك، لأن العطش يغلب عند شدة النزع وقبض الروح، ويندي شفتيه بقطنة، لأن ذلك يطفئ ما نزل به أي يخفف من الشدة ويسهل عليه النطق بالشهادة".
وأجمع أهل العلم على وجوب الحضور عنده أي عند المحتضر لتذكيره وتأنيسه وتغميضه، فإذا خرجت الروح فعلى من كان عنده أن يقوم بإغماض عينيه وشد لحييه، وأن لا يقال عنده إلا خير، فإن الملائكة يؤمنون على ما يقال، لحديث أم سلمة قالت: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه» رواه الإمام مسلم في صحيح.
ويقول حال تغميضه: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لما رواه البيهقي وغيره عن بكر بن عبد الله المزني (ولفظه):« وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ».
ويسن إذا مات شد لحييه بعصابة ونحوها، تجمع لحييه، ويربطها فوق رأسه لئلا يبقى فمه مفتوحًا، قال عمر لما حضرته الوفاة لابنه عبد الله:« إذا رأيت روحي بلغت لهاتي – وهي لحمة في أقصى الفم، أي حلقي- فضع كفك اليمنى على جبهتي، واليسرى تحت ذقني» أي شد لحيي (انتهى ببعض تصرف يسير)
وحينئذ يأتي دور الغاسل، ويجب أن يكون مسلمًا ثقة أمينًا عالمًا بأحكام الغسل، ومن فضائل تغسيل الميت أنه يغفر للغاسل (قال المنذري رحمه الله: وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غسل ميتًا فأدى فيه الأمانة- أي غسله بعنايةوطهره وستر عيوبه ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك- خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» رواه الإمام أحمد والطبراني من رواية جابر الجعفي.
وأما دليل شرط العلم (فقال ابن قاسم) في المصدر السابق: وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيَلِهِ- أي ليَلِ غسل الميت- «أقربكم إن كان يعلم» فدل الحديث على أن الأحق بغسل الميت من الناس الأقرب إلى الميت بشرط العلم، أن يكون عالمًا بما يحتاج إليه من العلم فيه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «فإن لم يكن يعلم فمن ترون عنده حظًا من ورع وأمانة» (رواه الإمام أحمد والطبراني) وفيه ضعف.
ثم إن كان رجلا تولى تغسيله الرجال، ولا يجوز للنساء تغسيله، إلا الزوجة فلها أن تغسل زوجها، وإن كان الميت امرأة تولى تغسيلها النساء، ولا يجوز للرجال تغسيلها، إلا الزوج فله أن يغسل زوجته، قال ابن قاسم، ويشهد لذلك قول عائشة رضي الله عنها:« لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه» رواه الإمام أحمد.
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما يضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك، ثم صليت عليك ودفنتك» .
وقال ابن قاسم: ولأن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس ،أخرجه الإمام مالك، وأوصى جابر وعبد الرحمن بن الأسود امرأتيهما أن تغسلاهما ، رواه سعيد، وروي ابن المنذر أن عليًا غسل فاطمة ولم ينكر، وغسل أبو موسى زوجته وغيرهم، ولا خلاف في جوازه.
وإن كان الميت صغيرًا دون سبع سنين، فلكل من الرجال والنساء تغسيله، ويشترط في التغسيل أن يكون في مكان مستور عن الأنظار ومسقوف من بيت أو خيمة ونحوها إن أمكن ذلك، ويستر ما بين سرته وركبتيه وجوبًا، ولا يكشف عورته الغاسل ولا غيره ممن يساعد بصب ماء أو غيره.
ثم يجرد من ثيابه ويوضع على سرير الغسل منحدرًا نحو رجليه لينصب عنه الماء وما يخرج منه من أذى، ويرفع الغاسل رأس الميت إلى قرب جلوسه، ثم يمر بيده على بطنه ويعصره برفق ليخرج منه ما هو مستعد للخروج، ويكثر صب الماء عند ذلك ليذهب بالخارج، وإن تيسر أن يجعل مجمرًا فيه بخور كان ذلك مستحبًا.
ثم يلف الغاسل على يده اليسرى خرقة خشنة يدخلها من تحت السترة فينجي الميت، وينقى المخرج بالماء ،قال ابن قاسم في الأحكام: وذكر المروزي عن ابن سيرين أن عليًا لف على يده خرقة حين غسل فرج النبي صلى الله عليه وسلم ، ويستحب ألا يمس سائره إلا بخرقة لفعل علي رضي الله عنه، ثم ينوي توضئة الميت وتغسيله فيوضئه كوضوء الصلاة إلا في المضمضة والاستنشاق، فيكفي عنهما المسح للأسنان بخرقة مبلولة بالماء، والمنخرين بالإصبعين مبلولتين بالماء أو بخرقة.
وبعد الوضوء يغسل رأسه ولحيته بسدر مع الماء، فإن لم يتيسر فبصابون، ثم يغسل ميامن جسده، ثم يقلبه فيغسل شق ظهره الأيمن، ثم يغسل جانبه الأيسر، ثم يقلبه فيغسل ظهره الأيسر، ويستعمل السدر، لقوله عليه الصلاة والسلام لغاسلي ابنته:« اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك، إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الغسلة الآخرة كافورًا »متفق على صحته . وزاد البخاري في صحيحه« اغسلنها وترًا ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا»
وهذه الأحاديث تدل على استحباب جعله ثلاث ضفائر من خلفها، ولا يسرح شعره أي الميت؛ لما فيه من تقطيع الشعر من غير حاجة إليه، ومرت عائشة رضي الله عنها بقوم يسرحون شعر ميتهم، فنهتهم عن ذلك، ويحرم حلق رأس الميت وشعر العانة؛ لما فيه من مس العورة، كما يحرم ختن الميت، ولا يقص شاربه، ولا تقلم أظفاره لأن أجزاء الميت مح**** فلا تنتهك بذلك، ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته في هذا شيء فيكره فعله اتفاقًا .انتهى كلامه رحمه الله مع بعض التصرف اليسير .
ثم يكفن في ثلاثة لفائف بيض، قال ابن قاسم: ولهما أي في الصحيحين عن عائشة :«كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض»
ولابن ماجة «أحسن ما زرتم الله به في قبوركم ومساجدكم البياض» وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم: «البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم».
والمرأة في خمسة أثواب : إزار وخمار وقميص ولفافتين؛ لحديث أم عطية في غسل بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن قاسم عن أحمد وابن ماجة أنها أم كلثوم، وعند مسلم أنها زينب. انتهى كلامه.
قلت: فعلم من هذا أنهما كفنتا في خمسة أثواب، فقد قالت أم عطية «كفناها في خمسة أثواب« صححه الحافظ، وفي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أنها رضي الله عنها قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقاء يعني الإزار ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر، قالت: ورسول الله عند الباب، معه كفنها، يناولنا ثوبًا ثوبًا» وفي إسناده مقال.
وقال ابن المنذر أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثواب والجمهور أنها توزر بالمئزر، ثم تلبس القميص، ثم تخمر، ثم تلف باللفافتين لفًا، وقال المجد «يشد فخذاها بمئزر تحت درع، ويلف فوق الدرع الخمار باللفافتين جمعًا بين الأخبار. ويسن أن تكفن الصغيرة في قميص ولفافتين والصبي في ثوب واحد اتفاقًا لأنه دون الرجل» انتهى نقلا مع بعض التصرف من كتاب الأحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم.
ويستحب تجمير الأكفان بالبخور بعد رشها بماء ورد ونحوه؛ لتعلق بها رائحة البخور، ثم تبسط اللفائف الثلاث بعضها فوق بعض، ثم يؤتى بالميت مستور العورة وجوبًا، فيوضع فوق اللفائف مستلقيًا، ثم يؤتى بالحنوط وهو الطيب ويجعل منه في قطن بين أليتي الميت، ويشد عليه بخرقة، ثم يجعل باقي القطن المطيب على عينيه ومنخريه وفمه وأذنيه، وعلى مواضع سجوده وجبهته وأنفه ويديه وركبتيه وأطراف قدميه ومغابن البدن والإبطين وطي الركبتين وسرته، ويجعل من الطيب بين الأكفان، وفي رأس الميت لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم «لا تحنطوه» أي غير المحرم حنطوه، قال ابن قاسم: ويجعل من الحنوط في قطن بين أليتيه، ويشد فوقها… إلى أن قال: كان ابن عمر يتتبع مغابن الميت ومرافقه بالمسك، قال الزركشي ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وإن طُيِّبَ الميتُ كله فحسن» لأن أنسًا رضي الله عنه طلي بالمسك، وكذا ابن عمر وغيرهما، ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم طرفها الأيمن على شقه الأيسر ثم الثانية كذلك، والثالثة ثم يجعل الفاضل من طول اللفائف عند رأسه أكثر مما عند رجليه، ثم يجمع الفاضل عند رأسه، ويرده على وجهه، ويجمع الفاضل عند رجليه فيرده على رجليه، ثم يعقد على اللفائف لئلا تنتشر وتحل العقد في القبر؛ لقول ابن مسعود «إذا أدخلتم الميت القبر فحلوا العقد» .
أما الوجه فلا يكشف لعدم الدليل في ذلك، والمرأة تكفن في خمسة أثواب إزار تؤزر به، ثم تلبس قميصًا، ثم تخمر بخمار على رأسها، ثم تلف بلفافتين.
ثم يحمل الميت إلى المصلى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان » قيل وما القيراطان قال: «مثل الجبلين العظيمين» حديث متفق على صحته من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ويسن جعلهم ثلاثة صفوف، وإن كانوا أكثر كان أفضل، قال المنذري : وعن مالك بن هبيرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب » أي وجبت له الجنة، وكان مالك إذا استقبل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف لهذا الحديث (رواه أبو داود واللفظ له وابن ماجة والترمذي، وقال حديث حسن.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه» (رواه مسلم في صحيحه والترمذي) وعنده: مائة فما فوقها.
ويكبر على الجنازة أربع تكبيرات يقرأ في الأولى بعد الاستعاذة الفاتحة وسورة بعدها لصحة الدليل في ذلك، ثم يكبر الثانية فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مثل الصلاة عليه في التشهد (أي الصلاة الإبراهيمية) ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت بما ورد ومنه: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم متقلبنا ومأوانا وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار، وأفسح له في قبره ونور له فيه.
وإن كان المصلي عليه أنثى قال: الله اغفر لها (إلخ) بتأنيث الضمير،.
وإن كان المصلي عليه صغيرًا قال : اللهم اجعله ذخرًا لوالديه وفرطًا وأجرًا وشفيعًا مجابًا، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجرهما، وألحقه بأصلح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم.
ثم يكبر الرابعة ، ويقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
قال بن قاسم: استحب الجمهور، أي جمهور أهل العلم أن يقف بعد التكبيرة الرابعة قليلا؛ لحديث زيد بن أرقم :«كان- أي رسول الله صلى الله عليه وسلم – يكبر أربعًا، ثم يقف أي بعد التكبيرة الرابعة ما شاء الله» ومن حديث ابن أبي أوفى: يدعو، قال أحمد: لا أعلم شيئا يخالفه، وقال المجد: لا خلاف في جوازه، أي في جواز الدعاء بعد الرابعة، فيقول: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» وكان أنس لا يدعو بدعاء إلا ختمه بهذا الدعاء، واختار بعض أهل العلم أن يقول: اللهم اغفر لنا وله، ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، ولابن ماجة عن ابن أبي أوفي رضي الله عنه مرفوعا: «كان أي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر أربعًا» وهو إجماع، وفيه أنه يدعو بعد الرابعة. انتهى كلامه رحمه الله مع بعض التصرف اليسير. ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه.
والسقط إذا كان قد تم له أربعة أشهر غسل وصلى عليه، للحديث عن ابن ماجة «صلوا على أطفالكم» وحديث المغيرة مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» رواه أبو داود والحاكم وصححه، وقال ابن قاسم: إذا بلغ- أي السقط- أربعة أشهر عند أحمد والشافعي وعند الجمهور،
إذا تحرك.
فأوصيك أخي المسلم بالاستعداد للموت قبل نزوله بصالح العمل والإخلاص لله في السر والجهر، أخلص توحيدك، وأحسن صلاتك، وقم بأوامر ربك، وابتعد عما يضرك في د**** وآخرتك، وتذكر قول ربك: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾
واحذر كل الحذر من أن ينطبق عليك قوله سبحانه: ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ﴾ ووصيتي لك أن تتفقه في دينك قبل أن تموت، وتلقى ربك .
عليك بتفسير البغوي، وابن كثير، وعليك بالصحيحين، وبسنن أبي داود، وسنن النسائي، وزاد المعاد في هدي خير العباد، وكتاب الصلاة وحكم تاركها لابن القيم، فقد ذكر في آخر هذا الكتاب فصلا، وقال: وهاك سياق صلاته صلى الله عليه وسلم منذ أن يكبر إلى أن يسلم كأنك تراها رأى العين، ثم اختر لنفسك.
أي اقتد بنبيك صلى الله عليه وسلم ، وعليك بكتاب الأحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم، أسأل الله أن يزيدنا علمًا نافعًا، وأن يبصرنا بعيوبنا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شرور أنفسنا، وأن يتوفانا وهو راض عنا، وأسأله جل وعلا بأسمائه وصفاته أن يجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، وأن يجعل القبور لنا روضة من رياض الجنة، كما أسأل الله أن ينفع بهذه الرسالة، وأن يجعلها خالصة لوجهه سبحانه، صوابًا على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وأن يضاعف الأجر لجامعها وكاتبها وقارئها وناشرها بين إخوانه المسلمين، كما أسأله جل وعلا أن يحسن ختامنا، وأن يتوب علينا، وأن يغفر لنا ولوالدينا وأهلينا وأن يصلح نياتنا وذرياتنا، إنه على كل شيء قدير.
اللهم توفنا وأنت راض عنا، وأعذنا برحمتك من عذاب القبر والنار، من فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وأوردنا حوضه، واحشرنا في زمرته، وتحت لوائه، وأجمع بيننا وببينه، إنك على كل شيء قدير، وسلم تسليمًا كثيرًا برحمتك يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، آمين.