الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فإن صلاة الضحى من السنن المؤكدة التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان يوصي بها أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. وسنتعرض لبعض أحكامها وفوائدها في هذه العجالة إن شاء الله تعالى.
تعريفها:
قال الإمام العيني في شرح البخاري: الضحى بالضم والكسر، فوق الضحوة وهي ارتفاع أول النهار. والضحاء: بالفتح والمد هو: إذا علت الشمس إلى ربع السماء فما بعده([1]).
حكمها:
الراجح عند الفقهاء أنها سنة مؤكدة، وذلك لما سيأتي من الفضائل في فعلها، ووصية النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه بفعلها. وأما ما جاء في الصحيحين من نفي عائشة –رضي الله عنها- صلاته صلى الله عليه وسلم الضحى إلا إذا جاء من مغيبة (يعني سفره)، فهذا على حسب ما كانت تراه، ولهذا حكى غيرها على خلافه. وأما ما صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى: هي بدعة، فمحمول على أن صلاتها في المسجد بدعة، وأما في البيوت وغيرها فلا([2]).
من فضائل صلاة الضحى:
وردت في صلاة الضحى عدة فضائل في أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن فضائلها:
1-أنها صلاة الأوابين، وأنه لا يحافظ عليها إلا أواب.
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال»([3]). وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: «صلاة الضحى صلاة الأوابين»([4]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، وهي صلاة الأوابين»([5]).
ومعنى أواب: قال النووي: المطيع، وقيل الراجع إلى الطاعة([6]).
2-أن من صلى الضحى أربعًا أكفاه الله هَمَّ حوائجه:
وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: يا ابن آدم لا تعجز عن أربع ركعات في أول النهار، أكفك آخره»([7]).
عن نعيم بن همام فمن افتتح نهاره بأربع ركعات الضحى فإن الله سبحانه وتعالى يكفيه في قضاء حوائجه. قال الإمام الطبري: أي أكفك شغلك وحوائجك, وأدفع عنك ما تكرهه، بعد صلاتك إلى آخر النهار، والمعنى: افرغ بالك بعبادتي في أول النهار أفرغ بالك في آخره بقضاء حوائجك([8]).
3-أنها مما أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أوصاني خليلي بثلاث، لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى ونوم على وتر([9])». وكذلك أوصى أبا الدرداء بذلك. فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال «أوصاني حبيبي بثلاث لن أدعهن ما عشت: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ولا أنام حتى أوتر»([10]).
4-أن من خرج إلى المسجد لصلاة الضحى فأجره كأجر المعتمر:
فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه، فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين»([11]).
والحديث يحتمل أن خروجه لصلاة الضحى إلى المسجد، وإن لم يذكر المسجد في الحديث، ولذلك استحب الشافعية فعل الضحى في المسجد. ويحتمل أن يكون المراد أنه يترك مشاغله وكل ما يبعده عن الله, ويتوجه إلى أداء صلاة الضحى في أي مكان كان. المهم أن خروجه للضحى فيه أجر عظيم كأجر المعتمر.
5-أنها تجزئ عن ثلاثمائة وستين صدقة واجبة عن الجسد:
فعن أبي ذر –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى»([12]). ولفظ أحمد: قال صلى الله عليه وسلم: «في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة، قالوا: فمن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: النخاعة في المسجد تدفنها، والشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تقدر، فركعتا الضحى تجزئ عنك»([13]).
6-أنها تعدل حجة وعمرة تامتين إذا صلاها بعد طلوع الشمس وقد قعد يذكر الله إلى الشروق بعد صلاة الفجر:
فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الغداة في جماعة, ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس, ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامةٍ»([14]).
وهذا الحديث اختلف فيه أهل العلم فقال بعضهم:
([1]) كذا نقله عن العيني في تحفة الأحوذي.
([2]) مختصرًا من شرح مسلم للنووي.
([3]) رواه مسلم عن زيد بن أرقم (748).
([4]) رواه الديلمي انظر ص/ج (3827).
([5]) حديث حسن رواه أبو هريرة كذا في صحيح الجامع (7628).
([6]) انظر شرح مسلم حديث (748).
([7]) رواه أحمد وأبو داود وهو في صحيح الجامع (4342).
([8]) انظر تحفة الأحوذي شرح الترمذي حديث رقم (475).
([9]) رواه البخاري (1178) ومسلم (721).
([10]) رواه مسلم في صحيحه (722).
([11]) رواه أبو داود وهو حديث حسن كما في صحيح أبي داود (558).
([12]) رواه مسلم (720).
([13]) ورواه أيضا أبو داود وابن خزيمة وابن حبان كما في صحيح الجامع (4239) عن بريدة رضي الله عنه.
([14]) رواه الترمذي وحسنه (انظر صحيح الترمذي للألباني رقم (586).
7-أنها أسرع كرة وأعظم غنيمة من الجهاد في سبيله:
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلمسرية؛ فغنموا وأسرعوا الرجعة, فتحدث الناس بقرب مغزاهم, وكثرة غنيمتهم, وسرعة رجعتهم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على أقرب منهم مغزى، وأكثر غنيمة، وأوشك رجعة؟ من توضأ، ثم غدا إلى المسجد لسبحة الضحى فهو أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة»([3]).
وقت صلاة الضحى:
ويدخل وقت صلاة الضحى بعد طلوع الشمس قيد رمح إلى ما قبل الزوال.
وأفضل وقت الضحى حين ترمض الفصال، وذلك لحديث زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال»([4]).
قال النووي: الرمضاء: الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس، أي: حين يحترق أخفاف الفصال- هي الصغار من أولاد الإبل – من شدة حر الرمل.
ثم قال النووي: قال أصحابنا: هو أفضل وقت صلاة الضحى، وإن كانت تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال([5]).
وهذا الوقت هو بعد مضي ربع النهار، ولذلك قال صاحب الحاوي: وقتها المختار إذ مضي ربع النهار لحديث زيد بن أرقم، وذكر الحديث([6]). وقال الشربيني: والاختيار فعلها عند مضي ربع النهار لخبر مسلم؛ ولئلا يخلو كل ربع من النهار عن عبادة([7]).
وفيما تقدم دلالة واضحة أن العبد المسلم لا ينبغي أن يمر عليه وقت طويل من غير ذكر وعبادة، ومن غير أن يمرغ وجهه في التراب لله تعالى، ولهذا كان استحباب صلاة الضحى في هذا الوقت.
عدد ركعاتها:
قال النووي – رحمه الله تعالى (الضحى سنة مؤكدة وأقلها ركعتان، وأكملها ثماني ركعات، وبينها أربع أو ست، كلاهما أكمل من ركعتين ودون ثمان) وما ذكره النووي ورده به الأدلة الصحيحة، وإليك ذكرها:
1-أما الركعتان: فقد تقدمت الأحاديث الواردة في فضل ركعتي الضحى، وهي أقلها.
2-أما الأربع: فلحديث معاذة أنها سألت عائشة كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى؟ قالت: أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله([8]).
3-وأما الست ركعات: فلقول أنس أنه صلى الله عليه وسلم: «كان يصلي الضحى ست ركعات»([9]).
4-وأما الثماني: فلقوله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الضحى أربعًا وقبل الأولى أربعًا، بني له بيت في الجنة»([10]).
وكذلك ما ورد في الصحيحين من حديث أم هانئ أنه صلى عندها ثماني ركعات في فتح مكة. وقد اختلف الفقهاء في هذه الصلاة، هل هي صلاة الضحى، أو هي صلاة الفتح؟ والذي يترجح أنها صلاة الضحى، لأن أم هانئ صرحت بذلك، في صحيح مسلم (336) قالت: «ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى». وعندها أيضا: «أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة صلى سبحة الضحى ثماني ركعات، يسلم من كل ركعتين»([11]).
وعن عائشة «أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات، ثم تقول: لو نشر لي أبواي ما تركتها»([12]).
أخي المسلم – أختي المسلمة:
بعد ذكر ما تقدم من أحكام وفضائل صلاة الضحى؛ ينبغي لنا ألا نهمل هذه الفضيلة، بل هذه الوصية التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نداوم ونحافظ على صلاة الضحى، سواء كان في المسجد أو المنزل أو العمل أو الجامعة أو المدرسة، أو في أي مكان يتسنى لنا ذلك، حتى لا تحرم هذه الفضيلة العظيمة.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
([1]) أخرجه الطبراني. قال المنذري: وبعض رواته مختلف فيه، قال: وللحديث شواهد كثيرة.
([2]) تحفة الأحوذي .
([3]) قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه أحمد من رواية ابن لهيعة والطبراني بإسناد جيد.
([4]) رواه مسلم.
([5]) انظر شرح مسلم حديث رقم 748.
([6]) ذكره النووي في المجموع 4/36.
([7]) مغني المحتاج شرح المنهاج 1/306.
([8]) رواه مسلم 719.
([9]) رواه الترمذي في الشمائل (انظر صحيح الجامع 4960).
([10]) حديث حسن رواه الطبراني في الأوسط عن أبي موسى (صحيح الجامع 6340).
([11]) رواه أبو داود في سننه . قال النووي : رواه أبو داود في سننه بهذا اللفظ بإسناد صحيح على شرط البخاري (انظر شرح مسلم لحديث رقم 719.
([12]) رواه مالك في الموطأ.