تخطى إلى المحتوى

في لون الخمار المغاير للملاءة 2024.

السـؤال:
ترتدي بعضُ النساء خمارًا بلونٍ مُغايِرٍ للون العباءة، وقد يكون في بعض الأحيان مُلفِتًا للأنظار، فهل يجوز التغاير بين الخمار والعباءة؟ وما هي الألوان التي يمكن أن يكون عليها الخمار بصفةٍ شرعيةٍ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالواجب في الخمار ابتداءً أن تُلقِيَهُ المرأةُ على رأسها وتلويَه على عنقها، وتُرخيَه على صدرها، بحيث تسدله على رأسها وتُغطِّي به عنقها وأذنيها وصدرَها ونحو ذلك، لقوله تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: ٣١]، والمراد بالجيب هو موضع القطع من الدِّرع والقميص، أي: الفتحة من الأعلى التي يبدو فيها شيءٌ من الصدر والعنق.
والمعلوم -من جهةٍ ثانيةٍ- أنَّ النساء شقائق الرجال في الأحكام ما لم يَرِدْ دليلٌ شرعيٌّ يُفرِّق بين الجنسين في الحكم، كما أنَّ الأصلَ في ألوان اللباس الحِلُّ والإباحةُ إلاَّ إذا ورد دليلٌ يمنعه عليهما جميعًا أو يخصِّص أحدَهما بالمنع دون الآخر، وتظهر الألوان على الوجه التالي:
• أمَّا اللون الأسود للنساء فقد ثبت ذلك من حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ﴾ خَرَجَ نِسَاءُ الأنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الأكْسِيَةِ»(١). وقد شبَّهت -رضي الله عنها- ما على رؤوسهنَّ من الأكسية المتَّخذةِ جلابيبَ بالغربان من جهة سواد لونها، ويدلُّ على إباحة اللون الأسود للنساء -أيضًا- حديثُ أُمِّ خالدٍ بنت خالدٍ رضي الله عنهما أنها قالت: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ، فَقَالَ: «مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ» فَسَكَتَ القَوْمُ، قَالَ: «ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ»، فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ، فَأَخَذَ الخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا وَقَالَ: «أَبْلِي وَأَخْلِقِي»، وَكَانَ فِيهَا عَلَمٌ أَخْضَرُ أَوْ أَصْفَرُ فَقَالَ: «يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَاهْ»، وَسَنَاهْ بِالحَبَشِيَّةِ حَسَنٌ»(٢).
• أمَّا اللون الأخضر للنساء فقد ثبت في البخاري «أنَّ رفاعة طلَّقَ امرأتَهُ، فتزوَّجها عبدُ الرحمن بن الزُّبير القُرَظيُّ، قالت عائشة رضي الله عنها: وعليها خِمارٌ أخضر، فشكَتْ إليها وأرَتها خُضرةً بجلدها..»(٣).
• وأمَّا اللون الأحمر فيدلُّ على جوازه للنساء ما أخرجه مسلمٌ عن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما قال: «رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: «أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟» قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا، قَالَ: «بَلْ أَحْرِقْهُمَا»»(٤)، والمراد ﺑ«ثوبين مُعصفرين» أي: مصبوغين بالعُصفر الذي له صباغٌ أحمر. قال النووي في قوله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟»: «معناه أنَّ هذا من لباس النساء وزيِّهنَّ وأخلاقهنَّ»(٥)، ويدلُّ عليه -أيضًا- حديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه قال: «هَبَطْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَنِيَّةٍ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَعَلَيَّ رَيْطَةٌ مُضَرَّجَةٌ بِالْعُصْفُرِ فَقَالَ: «مَا هَذِهِ الرَّيْطَةُ عَلَيْكَ؟» فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ فَأَتَيْتُ أَهْلِي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورًا لَهُمْ فَقَذَفْتُهَا فِيهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللهِ، مَا فَعَلَتِ الرَّيْطَةُ؟» فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «أَلاَ كَسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِكَ، فَإِنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ»»(٦).
• وأمَّا الأبيضُ من الثياب فلعموم قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ»(٧).
• وكذا الأصفر للرجال فقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «وَأَمَّا الصُّفْرَةُ: فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا»(٨)، وفي «سُنن أبي داود» عنه رضي الله عنه، قال: «..وَقَدْ كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى عِمَامَتَهُ»(٩).
والأحاديث السابقة دالَّةٌ على إباحة اللون الأسود والأخضر والأحمر للنساء بالتنصيص عليها، وهي تشمل الرجالَ –أيضًا- بالأصل السابق البيانِ ما عدا الأحمرَ فهو جائزٌ للنساء وعلى خلافٍ بين العلماء للرجال بيَّنتُهُ في فتوى سابقةٍ(١٠)، وأمَّا الأبيض والأصفر فيجوز للمرأة -أيضًا- بموجب الأصل المقرَّر السابق البيانِ في إباحة الألوان لعدم وجود ما يمنعه أو يخصِّصُه.
هذا، ويجدر التنبيه إلى أنَّ الألوان المهيِّجة أو ذات اللمعان التي يرتديها أهل الخنا والهوى والردى تُمنع من جهة التشبُّه والإثارة، وكذلك الألوان التي يرتديها بعض الجماعات الدِّينية خاصَّةً، فيُمنع تقصُّد الزيِّ واللون الَّذَيْنِ تُعرف بهما حذرًا من الحدث والبدعة في الدِّين، كما يُمنع التَّزَيِّي بألوان علمٍ لبلدٍ أو فريقٍ أو نادٍ وخاصَّةً الكافرة منها، لِما يفضي إليه من شرك المحبَّة والتعظيم وعقد الولاء والبراء لغير أهله.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠٦ جمادى الثانية ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ١٠ جوان ٢٠٠٨م

(١) أخرجه أبو داود في «اللباس» بابٌ في قوله تعالى: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ﴾ (٤١٠١) من حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها، وصحَّحه الألباني في «جلباب المرأة المسلمة» (٨٢).

(٢) أخرجه البخاري في «اللباس» باب الخميصة السوداء (٥٨٢٣) من حديث أمِّ خالدٍ بنت خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنها.

(٣) أخرجه البخاري في «اللباس» باب الثياب الخضر (٥٨٢٥) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(٤) أخرجه مسلم في «اللباس والزينة» (٢٠٧٧)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.

(٥) «شرح مسلم» للنووي: (١٤/ ٥٥)، وقال: «وأمَّا الأمر بإحراقهما، فقيل: هو عقوبةٌ وتغليظٌ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل، وهذا نظير أمرِ تلك المرأة التي لعنت الناقةَ بإرسالها، وأمرِ أصحاب بريرةَ ببيعها وأنكر عليهم اشتراطَ الولاء ونحو ذلك».

(٦) أخرجه أبو داود في «اللباس» بابٌ في الحمرة (٤٠٦٦)، وابن ماجه في «اللباس» باب كراهية المعصفر للرجال (٣٦٠٣)، وصحَّحه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد» (١١/ ٧٦)، والألباني في «صحيح أبي داود» (٤٠٦٦).

(٧) أخرجه أبو داود في «الطبِّ» بابٌ في الأمر بالكحل (٣٨٧٨)، والترمذي في «الجنائز» باب ما يُستحبُّ من الأكفان (٩٩٤)، وابن ماجه في «الجنائز» باب ما جاء فيما يُستحبُّ من الكفن (١٤٧٢)، من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (٤/ ٦٧١)، وأحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد» (٥/ ١٤٣)، والألباني في «جلباب المرأة المسلمة» (٨٢).

(٨) أخرجه البخاري في «الوضوء» باب غسل الرجلين في النعلين (١٦٦)، ومسلم في «الحج» (١١٨٧)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(٩) أخرجه أبو داود في «اللباس» باب في المصبوغ بالصفرة (٤٠٦٤)، والنسائي في «الزينة» باب الخضاب بالصفرة (٥٠٨٥)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» و«صحيح النسائي».

(١٠) انظر الفتوى رقم (٠٢) الموسومة بـ «حكم الصلاة باللباس الأحمر»

المصدر ..موقع الشيخ فركوس حفظه الله

جزيت خيرااا على الموضوع شكرااا
والله يفيد جميع الاخوات
جزاك الله خيرا وبارك الله فيكي
بارك الله فيكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.