السلام عليكم ورحمة الله
—
فضيلة العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان:
الحمد لله رب العالمين – شرع فيسر – ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ، أما بعد : اعلموا : أنه يجب عليكم معرفة أحكام القضاء في حق من أفطر في نهار رمضان لعذر من الأعذار الشرعية . قال الله تعالى : ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ . [ البقرة : 184 ] . وقال تعالى : ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ . [ البقرة : 185 ] .
ففي هاتين الآيتين الكريمتين : رخص الله بالإفطار في رمضان للمريض والمسافر ، وأوجب عليهما القضاء إذا أخذ بالرخصة فأفطر ، بأن يصوما عدد الأيام التي أفطراها من شهر آخر ، وإن صاما رمضان ولم يأخذ بالرخصة فصومهما صحيح ومجزئ عند جمهور أهل العلم وهو الحق ، وبين – سبحانه – الحكمة في هذه الرخصة ، وهي : أنه أراد التيسير على عباده ولم يرد لهم العسر والمشقة بتكليفهم بالصوم في حالة السفر والمرض ، وأن الحكمة في إيجاب القضاء هي : إكمال عدد الأيام التي أوجب الله صومها ، ففي هذه الرخصة جمع بين التيسير واستكمال العدد المطلوب صومه .
وهناك صنف ثالث من يرخص لهم بالإفطار ، وهم : الكبير الهرم والمريض المزمن ، إذا لم يطيقا الصيام ، قال تعالى : ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ . [ البقرة : 184 ] . ومعنى يطيقونه : يكلفونه ويشق عليهم فعليهم بدل الصيام إطعام مسكين عن كل يوم ، وهذا على ما ذهب عليه طائفة من العلماء في تفسير الآية وأنها لم تنسخ ، وألحق بهؤلاء الحامل والمرضع : إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما من الصيام ، كما روي عن ابن عباس أنه قال لأم ولد له حامل أو مرضعة : ( أنت بمنزلة الذين لا يطيقون الصيام ) . وعن ابن عمر : – أن إحدى بناته أرسلت تسأله عن صوم رمضان وهي حامل – قال : ( تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينًا ) ، هؤلاء جميعًا يباح لهم الإفطار في نهار رمضان نظرًا لأعذارهم الشرعية
ثم هم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :
• قسم يجب عليه القضاء فقط ولا فدية ، وهم : المريض والمسافر ، والحامل والمرضع : إذا خافتا على أنفسهما .
• وقسم يجب عليه الفدية فقط ولا قضاء عليه ، وهم : العاجزون عن الصيام لهرم ، أو مرض لا يرجى برؤه .
• وقسم يجب عليه القضاء والفدية ، وهم : الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فقط ، والفدية هنا : إطعام مسكين نصفصاع من طعام البلد عن كل يوم .
وهكذا ديننا دين يسر وسماحة يتمشى مع ظروف الإنسان ولا يكلفه ما لا يطيقه أو يشق عليه مشقة شديدة غير محتملة . يشرع للحضر أحكامًا مناسبة . للسفر أحكامًا مناسبة ، ويشرع للصحيح ما يناسبه وللمريض ما يناسبه . ومعنى هذا : أن المسلم لا ينفك عن عبادة الله في جميع أحواله . وأن الواجبات لا تسقط عنه سقوطًا نهائيًا ولكنها تتكيف مع ظروفه .
قال الله تعالى : ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ . [ الحجر : 99 ] . وقال عيسى – عليه السلام – فيما ذكره الله عنه : ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ . [ مريم : 31 ] .
ومن الناس من يريد : أن يستغل سماحة الإسلام استغلالاً سيئًا فيبيح لنفسه فعل المحرمات وترك الواجبات ، ويقول : الدين يسر ، نعم . أن الدين يسر ، ولكن ليس معنى ذلك : أن يتفلت الإنسان من أحكامه ويتبع هوى نفسه ، وإنما معنى سماحة الإسلام : أنه ينتقل بالعبد من العبادة الشاقة إلى العبادة السهلة التي يستطيع أداءها في حالة العذر – ومن ذلك الانتقال بأصحاب الأعذار الشرعية من الصيام أداء في رمضان إلى الصيام قضاء في شهر آخر ؛ عندما تزول أعذارهم ، أو الانتقال بهم من الصيام إلى الإطعام إذا كانوا لا يقدرون على القضاء . فجمع لهم بين أداء الواجب وانتفاء المشقة والحرج – فلله الحمد والمنة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
منقول