السؤال : أيها أفضل : الإمامة في الصلاة أم الأذان والإقامة ؟
الجواب :
الحمد لله
اختلف أهل العلم في المفاضلة بين الإمامة والأذان ، فاختار بعضهم تفضيل الإمامة لأنها مقام النبي صلى الله عليه وسلم ، واختار بعضهم تفضيل الأذان لأن الأحاديث الواردة في فضله أعظم .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (32/157-158) :
" اختلف الفقهاء في أنه هل الأذان أفضل أم الإمامة ؟
فذهب الحنفية في المعتمد وهو المشهور عند المالكية , وهو قول عند بعض أصحاب الشافعي , ورواية عند أحمد , إلى أن الإمامة أفضل من الأذان ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولاها بنفسه , وكذلك خلفاؤه الراشدون , ولم يتولوا الأذان , وهم لا يختارون إلا الأفضل , ولأن الإمامة يختار لها من هو أكمل حالا وأفضل .
وذهب الشافعية والحنابلة في الراجح عندهما , وهو قول عند الحنفية والمالكية إلى أن الأذان أفضل من الإمامة , لقوله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِل صَالِحًا ) فصلت/33 ، قالت عائشة رضي الله عنها : نزلت في المؤذنين .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) أخرجه البخاري ومسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة ) أخرجه مسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن , اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين ) أخرجه الترمذي.
والأمانة أعلى وأحسن من الضمان , والمغفرة أعلى من الإرشاد , قالوا : كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم بمهمة الأذان ولا خلفاؤه الراشدون يعود السبب فيه لضيق وقتهم عنه , لانشغالهم بمصالح المسلمين التي لا يقوم بها غيرهم , فلم يتفرغوا للأذان , ومراعاة أوقاته , قال الموَّاق : إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأذان لأنه لو قال حي على الصلاة , ولم يعجلوا لحقتهم العقوبة , لقوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور/63 وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لولا الخلافة لأذَّنتُ .
وفي قول عند الحنفية والشافعية والمالكية أنهما سواء في الفضل .
وفي قول آخر عند كل من المالكية والشافعية أنه إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجميع خصالها فهي أفضل , وإلا فالأذان أفضل " انتهى.
انظر: "حاشية ابن عابدين" (1/260، 370)، "مواهب الجليل" (1/422)، "المجموع" للنووي (3/78) ، "كشاف القناع" (1/231)، "المغني" لابن قدامة (1/403)
وقد رجح بعض مشايخنا المعاصرين القول بتفضيل الأذان على الإمامة.
فقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : أيهما أفضل الأذان أم الإمامة ؟
فأجاب:
"هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم ، والصحيح أن الأذان أفضل من الإمامة ، لورود الأحاديث الدالة على فضله ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) .
وكقوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة ).
فإن قال قائل : الإمامة ربطت بأوصاف شرعية مثل : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ) ، ومعلوم أن الأقرأ أفضل ، فقرنها بأقرأ يدل على أفضليتها .
فالجواب : أننا لا نقول لا أفضلية في الإمامة ، بل الإمامة ولاية شرعية ذات فضل ، ولكننا نقول : إن الأذان أفضل من الإمامة لما فيه من إعلان ذكر الله تعالى ، وتنبيه الناس على سبيل العموم ، ولأن الأذان أشق من الإمامة ، وإنما لم يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون ؛ لأنهم اشتغلوا بأهم من المهم ، لأن الإمام يتعلق به جميع الناس فلو تفرغ لمراقبة الوقت لانشغل عن مهمات المسلمين" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/سؤال رقم/78) .
ولكننا ننبه إلى أن الواجب دائما هو إخلاص العمل وإتقانه ، فهو الميزان الحقيقي للمفاضلة ، فرُبَّ عملٍ مفضول يرتفع به صاحبه عند الله تعالى درجات في الجنة ، ورب عمل فاضل يذهب هباء على صاحبه بسبب ريائه وعدم إخلاصه لله .
والله أعلم .
لا حرمك المولى الأجر
و فيكم بارك الله أخي الكريم زكرياء.