يرى أهل السنة والجماعة أن المجتمع الإسلامي لا يكمل صلاحه إلا إذا تمشى مع ما شرعه الله سبحانه وتعالى له، ولهذا يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمعروف: كل ما عرفه الشرع وأقره، والمنكر: كل ما أنكره الشرع وحرمه فهم يرون أن المجتمع الإسلامي لا يصلح إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لأننا لو فقدنا هذا المقوم لحصل التفرق، كما يشير إليه قول الله عز وجل: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: الآيتان 104، 105).
ولكن لا يلزم إذا رأيت أمراً معروفاً أن يكون معروفاً عند غيرك، إلا في شيء لا مجال للاجتهاد فيه إنما ما للاجتهاد فيه مجال فقد أرى أن هذا من المعروف ويرى الآخر أنه ليس منه وحينئذ يكون المرجع في ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (النساء: من الآية 59). ولكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مقومات المجتمع الإسلامي ولكنه يحتاج إلى أمور:
أولاً: أن يكون الإنسان عالماً بالحكم بحيث يعرف أن هذا معروف وأن هذا منكر، أما أن يأتي عن جهل ثم يأمر بشيء يراه معروفاً في ظنه وليس بمعروف فهذا قد يكون ضره أكبر من نفعه، لذلك لو فرضنا شخصاً تربى في مجتمع يرون أن هذه البدعة معروف ثم يأتي إلى مجتمع جديد غيره يجدهم لا يفعلونها فيقوم وينكر عليهم عدم الفعل ويأمرهم بها فهذا خطأ، فلا تأمر بشيء إلا حيث تعرف أنه معروف في شريعة الله، ليس بعقيدتك أنت وما نشأت عنه فلابد من معرفة الحكم وأن هذا معروف حتى تأمر به وكذلك المنكر.
ثانياً: لابد أن تعلم أن هذا المعروف لم يفعل، وأن هذا المنكر قد فعل، وكم من إنسان أمر شخصاً بمعروف فإذا هو فاعله فيكون في هذا الأمر عبئاً على غيره وربما يضع ذلك من قدره بين الناس.
وإذا رأينا هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وجدنا أن هذه طريقته دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم ، يخطب وجلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، "أصليت؟" قال لا. قال: "فقم فصل ركعتين" صلاة الركعتين لداخل المسجد من المعروف ولا شك ولكن الرسول، عليه الصلاة والسلام ما أمره به مباشرة حتى علم أنه لم يفعله فأنت قد تأمر هذا الرجل أن يفعل شيء، وإذا هو قد فعله فتتسبب إلى التعجل وعدم التريث وتحط من قدرك ولكن اسأل وتحقق إذا لم يفعل حينئذ تأمر به.
وكذلك أيضاً بالنسبة للمعاصي فبعض الناس قد ينهى شخصاً عما يراه منكراً وليس بمنكر.
مثال ذلك:
رأيت رجلاً يصلي الفريضة وهو جالس فنهيته بأن ليس له حق أن يصلي وهو جالس. فهذا غير صحيح لكن اسأل أولاً لماذا جلس، قد يكون له عذر في جلوسه وأنت لا تعلم حينئذ تكون متسرعاً ويكون ذلك ناقصاً من قدرك، هذا أمر أيضاً لابد منه:
أن تعرف الحكم الشرعي، وأن تعرف الحال التي عليها المأمور والمنهي حتى تكون على بصيرة من أمرك.
ثالثاً: أن لا يترتب على فعل المعروف ما هو منكر أعظم مفسدة من منفعة المعروف، فإن ترتب على فعل المعروف منكر هو أشد ضرراً من المنفعة الحاصلة بهذا المعروف إن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح، وهذه الكلمة المعروفة هي القاعدة التي دل عليها القرآن ليست أيضاً على إطلاقها أي أنه ليست كل مفسدة درؤها أولى من جلب مصلحة، بل إذا تكافئت مع المصلحة فدرء المفسدة أولى، وإذا كانت أعظم من المصلحة فدرء المفسدة أولى، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الأنعام: من الآية 108). فسبت آلهة المشركين كل يعلم أنه مصلحة وأن فيه خيراً لكن إذا تضمنت هذه المصلحة ما هو أنكر – وأنكر من باب التفاضل الذي ليس في الطرف الآخر منه شيء – إذا تضمن مفسدة عظيمة فإنها تترك، لأننا إذا سببنا آلهتهم ونحن نسبها بحق سبوا الله عدواً بغير علم.
ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتدرج في التشريع حتى يقبلها الناس شيئاً فشيئاً، وهكذا المنكر لابد أن نأخذ الناس فيه بالمعالجة حتى يتم الأمر هذه هي الأمور الثلاثة
1- العلم بالحكم . 2- العلم بالحال .
3- أن لا يترتب على فعل المعروف منكر أعظم مفسدة .