الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
ففي إصدارِ حُكْمِ التكفيرِ يجبُ التفريقُ بين الإطلاقِ والتعيينِ، فقد يكون الفعل أو المقالةُ كفرًا، ويُطلقُ القول بتكفير من قال بتلك المقالةِ أو فَعَلَ ذلك الفعلَ على سبيل الإطلاق من غير تعيينِ أحدٍ بعينه، مثل أن يقول: من قال كذا فهو كافرٌ، أو من فعل كذا فهو كافرٌ، لكن الشخصَ المعيّن الذي قال ذلك القول أو فَعَلَ ذلك الفِعل لا يُحْكَمُ بكُفره حتى تقام عليه الحجّة الرسالية التي يكفر تاركها وحتى تزال عنه الشبهة وتنتفيَ موانعُ التكفير، ولا يُمْتَنَعُ إطلاقُ اسمِ الكفرِ على من أطلقه الشارعُ عليه، بل يجب القولُ بما قاله الشارعُ؛ لأنّه حُكْمٌ شرعيٌّ أطلقه الشرعُ على هذه الأحوال، أمّا إطلاق حكمِ الكفر على المعيّن فينبغي التثبُّت عند الإطلاق؛ لأنّه ليس كلّ من جاء بمكفِّر كان كافرًا، أو قال كلمةَ الكفرِ أصبح كافرًا، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «وليس كلُّ من خالفَ في شيءٍ من الاعتقادِ يجبُ أن يكون هالكًا، فإنّ المنازع قد يكون مجتهدًا مخطئًا يغفر اللهُ خطأَهُ، وقد لا يكون بَلَغَهُ في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحُجَّةُ، وقد يكون له من حسناتٍ ما يمحو به سيِّئاتِه، وإذا كانت ألفاظُ الوعيد المتناولة له لا يجب أن يدخل فيها المتأوِّلُ، والقانِتُ، وذو الحسناتِ الماحيةِ، والمغفورُ له، وغيرُ ذلك، فهذا أولى، بل موجب هذا الكلام أنّ مَنِ اعتقد ذلك نَجَا من هذا الاعتقاد، ومن اعتقد ضدَّه قد يكون ناجيًا، وقد لا يكون ناجيًا، كما يقال: مَنْ صَمَتَ نَجَا»(١)، ولا يشهد على معيّن من أهل القِبلَة بأنه من أهل النار لجواز أن لا يلحقَه الوعيدُ لفوات شرطٍ أو لثبوتِ مانعٍ(٢).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الموافق ﻟ: 26 أوت 2024م
١-«مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (3/179).
۲- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (35/ 165، 166)، (10/370، 372).