إنّ الالتزام الحقيقي ـ أخي الفاضل ـ ما هو إلاّ تحقيق لمعنى الإسلام الّذي نلتزم به، وإنّ من أعظم معانيه الاستسلام لله عزّ وجلّ.. الاستسلام الكامل في كلّ شؤون الحياة فيجدنا حيث أمرنا ولا يرانا حيث نهانا.. فالفرد الملتزم مستسلم لأمر ربِّه في عقيدته وعبادته وسلوكه ومعاملاته بين النّاس. والأمّة الملتزمة مستسلمة لأمر ربِّها في شرعها وحكمها وعلاقتها بسائر الأمم. فالالتزام الحقيقي هو تحقيق قول الله عزّ وجلّ: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ × لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المسْلِمِينَ} الأنعام: 162ـ.163 هو تحقيق رسالة الإنسان في هذه الحياة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات: ,56 هو الاستسلام الكامل لأمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} الأحزاب:.36
ومن علامات هذا الالتزام الاستسلام لأمر الله عزّ وجلّ في الظاهر والباطن.. ففي الباطن: يلتزم المسلم بتوحيد الله عزّ وجلّ وبتقوى الله عزّ وجلّ والخوف منه والرجاء في رحمته والاستعانة به والتّوكّل عليه إلخ.. وفي الظاهر: يلتزم المسلم بأداء ما افترض الله عزّ وجلّ عليه من طهارة وصلاة وصيام وزكاة وحج وأخلاق كريمة وحجاب للمرأة المسلمة وحياء إلخ.. وعلى هذا، فمن أظهر للنّاس صلاحًا وهو غير ذلك في خلوته فالتزامه أجوف.. ومَن أظهرت للنّاس صلاة وصيامًا للنّوافل وهي غير مرتدية للحجاب الشرعي فالتزامها ناقص.. ومَن أظهر للنّاس ذهابًا وإيابًا للمساجد ولسانه غير منضبط فتارة يغتاب وأخرى ينمّ وثالثة يكذب فالتزامه ناقص.
عباد الله: هذا الالتزام لا يأتي في يوم وليلة بل يحتاج مجاهدة ومحاولة تلو المحاولة وفشل يعقبه نجاحات بفضل الله. وعلى قدر إخلاص الإنسان وعلى قدر إرادته وبذله يترقى في مقامات الالتزام بدين الله عزّ وجلّ.
وأثناء هذه المحاولات المتتالية يعتري الإنسانَ شيء من الفتور والإحساس بالملل، وهذا شعور طبيعي ليس بغريب، فقد أخبرنا عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”إنّ لكلّ عمل شرة، وإنّ لكلّ شرة فترة، فمَن كانت فترته إلى سُنّتي فقد أفلح ونجح، ومَن كانت فترته إلى معصية فقد خاب وخسر”. ففي بداية الالتزام تكون ”الشرة” والعنفوان والقوّة كإنسان ظامئ وجد الماء أمامه فشرع ينهل منه الكثير والكثير، ثمّ يعقب هذا ”الفترة” وهي الفتور والشعور بالكسل والملل. فالواجب علينا، كما أوضح لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ألاّ نجعل فترات الفتور تصل بنا إلى المعصية، أي أن نجعل لأنفسنا حَدًا أدنى من العلاقة مع ربّنا لا ننزل عن هذا الحد أبَدًا.
وعلى طريق الالتزام وحين يتمّلك من الإنسان الفتور، يحتاج الإنسان أعوانًا على الخير ويكون في أشدّ الاحتياج إلى صاحب يقوّي من عزمه، ويشدّ من أزره، ويذكّره بربّه، ولذا أرشدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالصحبة الصالحة فقال لنا: ”المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”.
فلا بد ـ عباد الله ـ من مصاحبة الأخيار الأطهار الّذين يعينون على طاعة الله عزّ وجلّ والبعد عن مصاحبة الفجّار الّذين ينسى الإنسان معهم دينه وخلقه، فالصّاحب ساحب. فالمصاحبة تكون للأخيار الأطهار الملتزمين بدينهم، أمّا غيرهم من غير الملتزمين فالواجب دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة والأخلاق الطاهرة والمعاملة الطيّبة وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وجذبهم إلى طريق الالتزام لا الانجذاب معهم إلى طريق المعصية. فديننا يأمرنا ألاّ يكون أحدنا إمَّعَة يقول: أنا مع النّاس إن أحسن النّاس أحسنت، وإن أساءوا أسأت.. ولكن علينا أن نوطّن أنفسنا إن أحسن النّاس أحسنا، وإن أساءوا أن نجتنب إساءتهم، كما أمر الحبيب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
ان الانسان وبالاحرى المسلم اذا كان التزامه مع الله تعالى دائم وصادق ،فاكيد أنه سيكون على التزام مع الناس وفي الالتزام في تدبير أموره لتحقيق أهدافه
مواضيعك جديرة بالانتباه والمتابعة ….بارك الله فيك أخي karim
العفو ..
جزاكم الله الجنة .
|
بالفعل اختنا الفاضلة و كلامك كله صحيح و ان دل على شيء فهو يدل على نيتك الطيبة
اسأل الله ان يوفقنا و يهدينا
اسعدني مرورك .