بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة مقالات أهل الأهواء والبدع
– الخوارج –
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
لعل أول فتنة حدثت في تاريخ الإسلام ، تلك التي كانت سببا في مقتل خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله..، ومن بين تلابيبها خرجت أولى طلائع أهل الأهواء والبدع ، وفارقوا أئمة المسلمين وعامتهم إما بالاعتقاد والسيف كما هو حال الخوارج وغالبية الشيعة ، وإما بالاعتقاد فقط كما فعلت بعض طوائف الشيعة وقعدة الخوارج وأهل التجهم والإرجاء والمعتزلة .
وتعتبر الخوارج والشيعة امتدادا طبيعيا للثوار على خليفة المسلمين عثمان رضي الله عنه
مع اختلاف طفيف في الاعتقاد والتصور ، ولكن السيف يجمع بين الطائفتين
وسنحاول في هذه الأسطر المتواضعة أن نعطي فكرة مبسطة عن مقالات أهل الأهواء والبدع
على شكل حلقات متصلة ، ولن نتطرق إلى جميع تلك الفرق بل سنكتفي بذكر من كان لهم اثر في حياة الناس والمجتمع ، أو ما له صلة بواقعنا اليوم.. ، وسأقتصر على الخوارج والمرجئة والمعتزلة ولن نتطرق إلى الشيعة والروافض إلا من خلال حديثنا عن هذه الفرق .
فلقد استفاض الإخوة كثيرا في هذا المنتدى وفي غيره في بيان خطورة أهل الرفض والتشيع وذكر مقالاتهم وتصورهم ومناهجهم مما فيه غنى عن أي إضافة أخرى .
وسنتحدث ابتداء عن الخوارج لأسباب كثيرة ، لعل من أهمها شيوع هذا المصطلح بين الناس مع جهل عام بأصول هذا التفكير والمعتقد ، ولن نتطرق إلى ذكر تلك الوقائع التاريخية لأنها أصبحت أشهر من نار على علم ، حتى غطت على حقيقة الفكرة التي يقوم عليها تصور الخوارج وعقائدهم علما انه ليس للخوارج مسطورات يمكن الرجوع إليها في تأصيل منهجهم إلا ما جمع قديما في متون كتب أهل السنة ومواقفهم المنقولة سماعا وهذا بخلاف أهل الرفض والتشيع وذلك لأسباب سنذكرها تباعا .
تعريف الخوارج
الخوارج جمع خارج ، أو خارجي وهو اسم مشتق من الخروج أي مفارقة المكان إلى مكان غيره
وقد أطلق علماء اللغة في حديثهم عن مادة – خرج – هذا اللفظ على تلك الطائفة التي خرجت على الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أو عن كل من خرج عن الدين أو جماعة المسلمين وإمامهم .
أما في الاصطلاح فلقد اختلف العلماء في تعريف الخوارج تعريفا صريحا صحيحا
فهناك من عرفهم سياسيا كالشهرستاني بقوله :
( كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان )
ومنهم كالأشعري الذي خصهم بتلك الطائفة التي خرجت على الإمام علي بن أي طالب رضي الله عنه بقوله :
( والسبب الذي سُمّوا له خوارج ؛ خروجهم على علي بن أبي طالب )
ولابن حزم إضافة إلى هذا التعريف قوله أن اسم الخارجي يطلق على كل من شابه الخارجين على الإمام علي بن أي طالب ووافقهم في معتقدهم .
ولعل من أشمل ما قرأت في تعريف الخوارج قول الشيخ ناصر بن عبد الكريم العقل في تعريفهم
الخوارج هم الذين يكفرون بالمعاصي ويخرجون على أئمة المسلمين وجماعتهم
ويشمل هذا كل من اخذ بأصولهم وسلك سبيلهم قديما وحديثا
وقد يخرجون في كل زمان كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم عن حالهم فقال :
* سيخرج قوم في آخر الزمان ، أحداث الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من قول خير البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ،فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ،فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة *
والخروج عموما على أئمة الإسلام مرده إلى ثلاث حالات :
1 – من خرج على ولي الأمر ولكنه خرج غضبا للدين كخروج الحسين بن علي رضي الله عنهما وأهل المدينة في وقعة الحرة ، وزيد بن علي زين العابدين
2 – والخروج لطلب الدنيا والملك وكان القتال لأجل الدنيا وهؤلاء هم البغاة حقا وجاء الوعيد والذم في حقهم مفصلا في كتب أهل العلم
3 – وهناك الخروج على ولي الأمر بتأويل سائغ من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما وقع من أصحاب الجمل في خروجهم على أمير المؤمنين علي بن أي طالب رضي الله.
4 – وهناك من خرج داعيا إلى معتقده المخالف للشريعة وهذا الذي وردت كثير من النصوص في ذمه
والأمر بقتاله لخطورة ما هم عليه من بطلان المعتقد وفساده
يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمة الله عليه :
"وقد اتفق الصحابة والعلماء بعدهم على قتال هؤلاء ، فإنهم بغاة على جميع المسلمين سوى من وافقهم على مذهبهم، وهم يبدؤون المسلمين بالقتال، ولا يندفع شرهم إلا بالقتال، فكانوا أضر على المسلمين من قطاع الطريق؛ فإن أولئك مقصودهم المال، فلو أعطوه لم يقاتلوا، وإنما يتعرضون لبعض الناس، وهؤلاء يقاتلون الناس على الدين حتى يرجعوا عما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة إلى ما ابتدعه هؤلاء بتأويلهم الباطل وفهمهم الفاسد للقرآن…وهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم ولا اليهود ولا النصارى؛ فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة" .
إن فتنة التحكيم في الأحداث بين علي ومعاوية رضي الله عنهما كانت الشرارة في ظهور مقالة الخوارج الأولى وكان أول من أعلن ذلك عروة بن جرير حيث قال أتحكمون في دين الله الرجال ؟
ثم تلقف هذه الكلمة طوائف من القراء والأعراب والجهلة وقتلة عثمان وقالوا : لا حكم إلا لله فصار هذا شعارهم الذي فارقوا به جماعة المسلمين وإمامهم
ونتجت عن ذلك بدعة التكفير بالمعاصي وأدت إلى تكفير علي ومعاوية رضي الله عنهما واستشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وهذا أول افتراق حدث في تاريخ المسلمين وحتى الذين قدموا إلى المدينة ناقمين على خليفة المسلمين عثمان رضي الله عنه لم يكن فيهم من يطالب بأمر لنفسه أو يدعو لفرقة المسلمين بل كان اغلبهم يطالب بان يخلع الإمام نفسه أو يخلعه أهل الحل والعقد ويختار المسلمون إماما يرضونه
قال شيخ الإسلام بن تيمية :
* ولهذا كان أول من فارق جماعة المسلمين من أهل البدع الخوارج المارقون *
وقال أيضا :
* وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب بل بما يرونه من الذنوب واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك *
والخوارج على العموم ليسو أهل كلام ، ونقصد بالكلام هنا النظر في النصوص بالرأي وإعمال الفكر والعقل بل لم يعرفوا ذلك إلا في المتأخرين منهم بعد ظهور المتكلمة من المعتزلة والجهمية ، وكانوا أهل إيمان ظاهر فليس فيهم زنادقة ولكنهم جهلوا وضلوا
ويقول الدكتور ناصر العقل فلا اثر مباشر للزنادقة المنافقين فيهم بخلاف اهل الرفض والتشيع .
ونورد هنا أهم أصولهم من حيث المنهج والتفكير والمعتقد
1- التكفير بالمعاصي – الكبائر – وإلحاق أهلها بالكفار في أحكام الديار والمعاملة والقتال.
2- الخروج على أئمة المسلمين اعتقادا وعملا أو احدهما
3- الخروج على جماعة المسلمين ومعاملتهم معالة الكفار
4- كثرة الجهلة فيهم والقراء والأعراب
5- كثرة العبادة فيهم كالصلاة والصيام واثر السجود وتشمير الثياب والورع في غير فقه والصدق والزهد في الدنيا مع التشدد والتنطع في الدين وهذا كما اخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم من حالهم – تحقرون صلاتكم عند صلاتهم – ولك أن تلاحظ معي أن الخطاب موجه إلى مجتمع الصحابة وهم اعبد الناس ومع ذلك ففي الخوارج قديما وحديثا من قد يكون اعبد من الصحابة ولا عجب .
6- ضعف الفقه الدين والفهم الصحيح للقرآن – يقرؤون القرىن لا يتجاوز تراقيهم –
7- الجهل بالسنة واستدلالهم بالقرآن غالبا،
8- سرعة التقلب واختلاف الرأي وتغييره
9- القوة والخشونة والجلد والجفاء والغلظة في الأحكام في التعامل والقتال والجدال ، وهذا ليس على إطلاقه ، ففي أهل السنة من لا يخشى في الله لومة لائم وإنما ذكرناه لأنه يوشك أن يكون صفة لازمة لهم بلا حلم ولا ترو في إصدار الأحكام على المخالف والتعامل معه .
10- يقتلون أهل الاستلام ويخاصمونهم ويدعون أهل الكفر والأوثان
هذه بعض صفات هذه الفرقة الضالة ذكرناه باختصار شديد وهي لا تحتاج إلى تبيان ، وتوشك
أن تكون منهجا صريحا لهؤلاء المارقين من الدين .
ولعل ما أوقعهم في هذه البدعة سوء فهمهم للقرآن أول أمرهم ، ولم يقصدوا معارضته ، ولكن فهموا منهم ما لا يدل عليه فوقع في فهمهم القاصر انه يوجب تكفير أهل الذنوب .
فقالوا إذا كان المؤمن هو البر التقي فهذا يلزم انه من لم يكن برا تقيا فليس بمؤمن بل كافر مخلد في النار ثم قالوا..، وعثمان وعلي رضي الله عنهما ليسوا بمؤمنين لأنهم حكموا بغير ما انزل الله .
فكان لبدعتهم مقدمتان :
الأولى : أن من خالف القرآن بعمل أو برأي أخطا فيه فهو كافر .
والثانية : أن عليا وعثمان رضي الله عنهما ومن والاهما كانوا كذلك
وليس للخوارج مؤلفات وأصول يرجع إليها وإنما عرفها أهل العلم من نقل الناس عنهم ولا يكاد يكون للخوارج كتاب مؤلف مشهور من كتب من سلف منهم ، وليس لهم تأصيل صريح صحيح في مسطور مأثور ، وهذا بخلاف الفرق الأخرى كالشيعة والمرجئة والاشعرية والزيدية والجهمية والكرامية والصوفية ، و مذاهب أهل الحديث والفلاسفة .
وقد وقع خلاف عظيم بين الخوارج الأولى وكان أول من احدث هذا الخلاف نافع بن الأزرق الحنفي
فقد تبرأ من القعدة وأعلن امتحان من هاجر إليه منهم وتكفير من لم يهاجر وكان ذلك سنة 64 للهجرة ، والقعدة هم قوم كانوا يرون رأي الخوارج ولكن قعدوا عن الخروج والقتال ، وكان عمران بن حطان الشاري رأس القعدة وفقيههم
وافترقت الخوارج على أربع فرق
الازارقة – والنجدات – والصفرية – والاباضية
وانقرضت كلها إلا الاباضية فهي إلى يومنا هذا .
وكل الأصناف سوى الازارقة والاباضية والنجدية فإنما تفرعوا عن الصفرية على حسب قول الأشعري في مقالات الإسلاميين
والخوارج بأسرها يثبتون إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وينكرون إمامة عثمان رضي الله عنه ويقولون بإمامة علي رضي الله عنه قبل التحكيم وينكرونها بعده .
واتفق الصحابة ومن بعدهم على أن الخوارج شرار الخلق ، واختلفوا في تكفيرهم ، اختلافا الراجح فيه عدم تكفيرهم ولا خلاف في وجوب قتالهم وعدم سبي نسائهم واخذ غنائمهم .
وقد سئل الإمام احمد رحمة الله عليه عن الحرورية المارقة هل يكفرون وترى قتالهم فقال :
أعفني من هذا وقل كما جاء فيهم في الحديث – أي إنهم مارقة ويقاتلون –
وعن الحسن البصري وذكر الخوارج فقال: حيارى سكارى ليسوا يهودا ولا نصارى ولا مجوسا فيعذرون .
وعن المعلى بن زياد قيل للحسن : يا أبا سعيد خرج خارجي بالخريبة – محلة عند البصرة –
فقال : المسكين رأى منكرا فأنكره ، فوقع فيما هو أنكر منه
وقال محمد بن الحسن : لم يختلف العلماء قديما ولا حديثا أن الخوارج قوم سوء عصاة لله – عز وجل – ولرسوله صلى الله عليه وسلم وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة .
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمة الله عليه :
* ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم ، وكان عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – وغيره من الصحابة يصلون خلف نجدة الحروري وكانو أيضا يحدثونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم ، كما كان عبد الله بن عباس يجيب نجدة الحروري ، لما أرسل أليه يسال عن مسائل وحديثه في البخاري ، وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة وكان نافع يناظره في أشياء في القرآن ، كما يتناظر المسلمان ، وما زالت سيرة المسلمون على هذا وما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم الصديق . *
هذا مع أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة
ونختم بذكر رؤوس الخوارج ومن اشتهر منهم
قال الأشعري : ومن العلماء باللغة وهو من الخوارج أبو عبيدة معمر بن المثنى وكان صفريا
ومن شعرائهم وفقهائهم عمران بن حطان الشاري وله في صحيح البخاري جزء حديث
ومن مؤلفي كتبهم وهم من الاباضية عبد الله بن يزيد و محمد بن حرب ، ويحي بن كامل ، واليمان بن رباب وكان ثعلبيا – فرقة من الخوارج – ثم صار بيهسيا، وسعيد بن هاورن
وقد نسب من السلف غير واحد غالى الخوارج ، والأصل انه ربما كانوا يرون رأيا مما كانت عليه الخوارج في مسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا أنهم كانوا على معتقدهم ومنهم :
أبا الشعثاء جابر بن زيد ، وعكرمة البربري مولى بن عباس ، و إسماعيل بن سميع ، و أبا الهارون العبدي ، وهبيرة بن مريم ،
وذكر الشهرستاني رؤوس الخوارج الذين نازعوا عليا رضي الله عنه وأمروه بالتوقف وهم :
الأشعث بن قيس الكندي
مسعر بن فديك التميمي
وزيد بن حصين الطائي
وأول من بويع بالإمامة من الخوارج
عبد الله بن وهب الراسبي ، في منزل زيد بن الحصين ، بايعه عبد الله بن الكواء ، وعروة بن جرير و يزيد بن عاصم وجماعة
وأول سيف سل من الخوارج سيف عروة بن جرير
قال أبو داوود ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج ثم ذكر عمران بن حطان وآبا حسان الأعرج –
***
هذا مجمل ما تيسر لنا جمعه من مقالات الخوارج وما بني عليه أصل معتقدهم الباطل ذكرناه بإيجاز
وضربنا صفحا عن كثير من إحداثهم لعدم الصلة بالموضوع وهي مبسوطة في كتب التاريخ لمن أراد الاستزادة من أخبارهم وإنما ركزنا على هذا الباب لأهميته لأنه الأصل في فهم حقيقة هؤلاء القوم فكل من احدث في أمر هذا الدين ما قارب هذا الذي ذكرناه أو شابهه في بدعته فهو رد عليه ونسبته إليهم موصولة بالاتفاق .
وسبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
سنتحدث في الحلقة القادمة عن أهل الإرجاء والتجهم . إن شاء الله تعالى
كتبه سراي علي بن احمد / الجلفة
جزاك الله كل خير على المرور ومتعك بالصحة والعافية
حياك الله
جزاكم الله للرفع
.
|
جزاك الله كل خير سيدي الفاضل
ولكن … ينبغي ان نتقيد بالمصطلح التاريخي والشرعي الذي درج عليه سلف هذه الامة في وصف الفرق الاسلامية واهل البدع والاهواء على اختلاف نحلهم حتى تستبين سبيل المجرمين ويكون المسلم على بينة من امره
اما غلاة الارجاء والفكر الارجائي
فنحن نحضر وريقات في الموضوع سندرجها تباعا وهي الحلقة الثانية ان شاء الله من هذه السلسلة التي اسال الله العظيم رب العرش الكريم ان ينتفع بها اخواننا في هذا القسم المبارك من هذا المنتدى