بسم الله الرحمن الرحيم
الكتاب والسّنّة لا يهديان إلا إلى الحقّ , ورأيُ الإنسان قد يُرى الحقّ , وقد يرى الباطل ..!
قال أبو مظفَّر السنعاني رحمه الله : إنَّ كلَّ فريق من المبتدعة يدَّعي إن الذي يعتقده هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنَّهم كلَّهم يدّعون شريعة الإسلام , ملتزمون في شعائرها , يرون أنّ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق , غير أنَّ الطرق تفرقت بهم بعد ذلك وأحدثوا في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله , فزعم كلُّ فريق أنّه هو المتمسك بشريعة الإسلام , وأنّ الحقّ الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يعتقده وينتحله , غير أنّ الله تعالى أبى أن يكون الحقّ والعقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث والآثار ؛ لأنهم أخذوا دينهم وعقائدهم خلفاً عن سلف , وقرناً عن قرن , إلى أن انتهوا إلى التابعين , وأخذه التابعون عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأخذه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا طريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم النّاس من الدين المستقيم والصراط القويم إلا هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث .
وأمّا سائر الفرق فطلبوا الدّين لا بطريقة ؛ لأنّهم رجعوا إلى معقولهم وخواطرهم وآرائهم , فطلبوا الدين من قبله , فإذا سمعوا شيئاً من الكتاب والسنّة عرضوه على معيار عقولهم ردّوه , فإن اضطروا إلى قبوله حرّفوه بالتأويلات البعيدة والمعاني المستنكرة , فحادوا عن الحقّ , وزاغوا عنه , ونبذوا الدين وراء ظهورهم , وجعلوا السّنّة تحت أقدامهم , تعالى الله عمّا يصفون .
وأمّا أهل الحقّ , فجعلوا الكتاب والسّنّة إمامهم , وطلبوا الدّين من قِبَلها , وما وقع لهم من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسّنّة , فإن وجدوه مخالفاً لهما تركوا ما وقع لهم , وأقبلوا على الكتاب والسّنّة , ورجعوا بالتُّهمة على أنفسهم ؛ فإنّ الكتاب والسّنّة لا يهديان إلا إلى الحقّ , ورأيُ الإنسان قد يُرى الحقّ , وقد يرى الباطل …
سِتُّ دُرَر مِنْ أُصُول أَهْل الأَثَر /
لفضيلة الشيخ عبدالمالك بن أحمد المبارك رمضاني الجزائري
( حفظه الله ورعاه )
(ص:9-10)