تتضمن الاتصالات الحيوانية animal communications إطلاق أحد الأفراد إشارة كيمياوية أو فيزيائية يتلقاها فرد آخر فتبعث فيه سلوكاً ما. ولا تعد استجابة البعوضة مثلاً لجسم الإنسان اتصالاً، لأن الإنسان لا يطلق الحرارة بهدف جذب البعوضة، في حين أن انجذاب ذكر البعوض إلى أنثاه يتم لأن الأنثى تطلق رائحة بهدف جذب الذكور؛ كما أن رائحة الزهرة تعد إشارة كيمياوية لأنها تجذب النحلة إليها، على الرغم من أنها لم تولد إشارة بالمعنى الحقيقي، لأن الرائحة موجودة فيها أصلاً.
غايات الاتصال في العالم الحيواني
سيقتصر الأمر هنا على حالة «التآثر» interaction التي يكون فيها مرسل الإشارة ومستقبِلُها من النوع الحيواني نفسه، ولعل الآلية التالية توضح ذلك:
يقوم الحيوان المرسِل، بتأثير عوامل أو منبهات داخلية أو خارجية، بإصدار إشارة فيزيائية أو كيمياوية تستقبلها أعضاء حساسة نوعية لدى الفرد الذي يتلقاها، فتحدث فيه تبدلات داخلية يكون من نتيجتها تبدل في سلوكه الخارجي.
إن حاجة الحيوانات إلى تعرف أفراد نوعها تستوجب استخدام إشارات اتصال لهذا الغرض بقصد تأليف تجمعاتها. ولئن كان الكثير من الحيوانات يعيش حياة انفرادية، فيما عدا أزمان التزاوج، فإن أي حيوان من هذه الحيوانات يستخدم الإشارات للتعريف بنفسه لدى بقية الأفراد من نوعه بقصد بقائه منفرداً ضماناً لمورده الغذائي.
أما الحيوانات التي تقيم فيما بينها علاقات اجتماعية فإن إشارات الاتصال لديها تستخدم لأغراض عدة، منها: تنبيه أقرانها من أفراد النوع إلى وجود خطر ما، كما أن هذه الإشارات قد تفيد في ردع الضواري المحتملة بالصراخ الجماعي بقصد إخافة الأعداء.
ولئن كان معظم الحيوانات يأكل منفرداً، فإن المعروف عن الحيوانات الراقية أنها تتقاسم الأكل، وفي حالة كهذه قد تستخدم إشارات اتصال للدلالة على مصادر الطعام. ويمكن أن يجري ذلك بإشارات الهداية المعقدة كالإشارات التي تستخدمها الحشرات الاجتماعية لهداية أقرانها في العش نحو مصادر الغذاء البعيدة.
ولعل أهم إشارات الاتصال الحيوانية يُستخدم في عملية التزاوج، وحينما تتشابه ذكور الأنواع المختلفة وإناثها، تزداد أهمية تحديد النوع. فالنطاف لا يجوز توجيهها نحو بيوض لاتستطيع إخصابها. وهنا تؤدي إشارات الاتصال دور كلمة السر لتعريف أفراد النوع الحيواني الواحد بعضها ببعضها الآخر أولاً ولتلاقي الجنسين المناسبين ثانياً. وما إن يلتقي الذكر الأنثى حتى تُستخدم إشارات الاتصال في الغزل والاقتران بينها. فالإشارات الجاذبة الأولية لاتوفر إلا تحديداً بدئياً للهوية. وقبل أن يجري الاقتران الحقيقي لابد من التحديد الإيجابي والقطعي لتلك الهوية. وما رقصات الغزل عند العناكب والحركات الاستعراضية عند الطيور إلا إشارات اتصال تفيد في تحديد هوية الذكور لدى الإناث استعداداً للجمع بينهما في عملية الاقتران الأخيرة، التي ينبغي أن تكون في غاية الدقة، والتي تتطلب تعاون الذكر والأنثى في أدائها.
وعندما ينتهي الاقتران ويجري إلقاح البيوض يبدأ الاستعداد لخروج النسل الصغير إلى الحياة. صحيح أن بعض الحيوانات لا يولي صغاره أية رعاية، لكن الكثير منها يرعى الصغار، أو حتى البيوض والصغار كليهما، وهذا ما يتطلب وسيلة للإيعاز بين الأبوين فيما يخص مكان الغذاء ومكمن الخطر. وحيثما يرعى الكبار الصغار، كما هي الحال عند الطيور والثدييات مثلاً، تقوم حياة «أسرية»، وتكتسي إشارات الكبار الاتصالية أهمية إضافية لدى الصغار، وحينما يكبر الصغار فإنهم يطورون إشاراتهم الخاصة التي يتأثر بها سلوك الأبوين. ومن ثم فليس غريباً أن تكون الحيوانات ذات الحياة الأسرية الأرقى في التنظيم الاجتماعي قد طورت أكثر جمل الاتصال إتقاناً.