عاقبة الظلم
فإن الظلم مرتعه وخيم وعاقبته وبيلة، هو منبع الرذائل ومصدر الشرور، يأكل الحسنات ويمحق البركة ويجلب الويلات، يورث العداوات ويسبب القطيعة والعقوق، متى فشا الظلم في أمة وشاع فيها أهلكها، ومتى حل في قرية دمرها، ولو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما، هناك ظلم عند الأفراد وظلم عند الأمم والجماعات.
الظلم عدوان على حق الغير ووضع الشيء في غير موضعه الشرعي ومجاوزة حد الشارع، وكل ذنب عصي الله به فهو ظلم وعلى رأس ذلك الشرك بالله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌسورة لقمان13قد يظلم الإنسان نفسه أو يظلم غيره، والله تعالى قد أمر بالعدل وحرم الظلم والبغي والعدوان كما قال في الآية الكريمة: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَسورة النحل90، وهكذا الشرع إذا أمر بشيء نهى عن ضده لتكميل القضية من جوانبها، وهذه الآية ما من عدل ولا فضل ولا استقامة إلا وتأمر به، وما من ظلم ولا عصيان ولا فساد إلا وتنهى عنه.
تنزيه الله عن الظلم
نزه الله نفسه عن الظلم: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِسورة غافر31وقال في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) ، كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه من هول ما فيه.
الله عز وجل يبغض الظالمين ويحب المقسطين أهل العدل: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَسورة الحجرات9وقال: وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَسورة آل عمران57، وذكر خيبتهم فقال: إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَسورة الأنعام21فالظالم محروم من الفلاح في الدنيا والآخرة مصروف عن الهداية في أمور دينه ودنياه، توعده الله: فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ سورة الزخرف65، وهددهم بسوء العاقبة: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَسورة الشعراء227، وطردهم عن رحمته: فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة المؤمنون41، فأخبر سبحانه أن هؤلاء الظالمين بعيدون عن رحمته جزاء ما عملوه، وقال: أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَسورة هود18فكل ظالم له حظ من هذه اللعنة بقدر ظلمه فليستقل أو ليستكثر، والظلم ظلمات يوم القيامة، فلا يهتدي الظالم يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا، فربما وقع في حفرة في النار.
تقبيح الظلم عقلاً وشرعاً
والشدائد والأنكال والعقوبات هي الظلمات يوم القيامة بالإضافة إلى سواد ما هو فيه، والمعصية في الظلم أشد من غيرها لأن الظلم عادة لا يقع إلا على الضعيف الذي لا يقدر على دفعه ولا يقدر على الانتصار، وقد أطبقت الملل والنحل على تقبيح الظلم، ويكفي في ذمه قوله تعالى: وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًاسورة طـه111، حتى قال الشافعي رحمه الله: "بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد"
فكم قد رأينا ظالماً متمرداً *** يرى النجم تيهاً تحت ظل ركابه
فعما قليل وهو في غفلاته *** أناخت صروف الحادثات ببابه
فأصبح لا مال له ولا جاه يرتجى *** ولا حسنات تلتقي في كتابه
وجوزي بالأمر الذي كان فاعلاً *** وصب عليه الله سوط عذابه
مظالم العباد ديوان لا يمحى منه شيء.
صور الظلم
– ولظلم العباد ألوان وصور كثيرة: كمنعهم من حقوقهم والتفريط فيها وفعل ما يضر بهم، غير أن أقبح صوره البغي في الأرض بغير الحق والاستطالة على الخلق في دينهم أو أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم أو عقولهم بمختلف سبل العدوان، هذا ظلم العباد.
– ومن صور ظلم العباد في دينهم: التسبب في صرف الناس عن الحق بإثارة الشبهات والشهوات التي توقعهم في الشرك أو البدعة أو الكفر، وكذلك توقعهم في الرذيلة والفسق والفجور، ومن يتولى كبر هذا النوع من الظلم هؤلاء عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ينشرون في صروحهم الإعلامية ويثيرون الشهوات في كتاباتهم وأقلامهم القذرة، وهكذا بالأصوات الخليعة التي تقتل الغيرة والفضيلة وتنشر الفجور والرذيلة، يحملون أوزارهم ومن أوزار الذين يضلونهم ويظلمونهم.
– ومن صور ظلم العباد: الاعتداء على نفوسهم بقتل أو ضرب أو سجن أو تعذيب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا) ، وكل من أعان على ذلك أو أشار به أو شمت بالمظلوم أو خذله داخل في الوعيد، وهناك ظلم للعباد في أعراضهم كإشاعة الفاحشة بينهم، وقذف المحصنين والمحصنات من المسلمين والمسلمات، وكذلك الذين يفتحون سبل الرذيلة: المتاجرة بالأزياء المحرمة التي تصف الجسد، نشر الأفلام، كذلك التجسس أو تتبع العورات التلصص على الحرمات، وأيضاً ما يقع من فضح الأسرار التي يجب كتمها، ويكون الاعتداء على العرض بالغيبة والنميمة والتنابز بالألقاب والسخرية والاستهزاء وغير ذلك، وأشده الاعتداء على أعراض أهل الخير من العلماء والدعاة.
– من صور ظلم العباد في أموالهم الاعتداء على أموال المعصومين بسرقة أو إتلاف أو غصب أو تحايل أو خداع أو نحو ذلك من وسائل أكل أموالهم والاستيلاء عليها.
وهذا عاقبته تكون في الدنيا أيضاً وليس في الآخرة فقط، يحكى أن وزيراً ظلم امرأة بأخذ مزرعتها وبيتها، فشكته إلى الله فأوصاها مستهزئاً بالدعاء في ثلث الليل الآخر، فأخذت تدعو عليه شهراً، فابتلاه الله بحاكم فوقه قطع يده وعزله وأهانه، فمرت عليه وهو يجلد فشكرته على وصيته، وقالت:
إذا جار الوزير وكاتباه *** وقاضي الأرض أجحف في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل *** لقاضي الأرض من قاضي السماء
– ومن أشد أنواع الظلم تسلط الظلمة على رعيتهم كما تسلط فرعون على قومه وقال: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِسورة غافر29واليوم كثيرون يظلمون ويتسلطون ويستبدون سيراً على سيرة سلفهم فرعون الطاغية: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىسورة غافر26، وهكذا سفك للدماء، عدوان على الأحياء، بقر لبطون الحوامل، قلع لعيون الناس وأظفار الأطفال، هدم للبيوت، حصار للأعداء، تجويع، تسميم، إهانة، إذلال، استيلاء على الأموال، استعباد كامل، والله سبحانه وتعالى قال على لسان فرعون: سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَسورة الأعراف127لا يستطيعون أن يخرجوا عن حكمنا وقدرتنا، وهذا غاية الجبروت والعدو والقسوة؛ ولذلك قال تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَسورة القصص4ويوجد اليوم من يحاصر بجيشه ويحاصر بقوته مدناً بأكملها وأحياء وقطاعات فيمنع الغذاء والدواء، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا يرعى ذمة ولا حرمة، فيعتدي على الأعراض، وكذلك يوقع الناس في العنت والمشقة والشدة، لا ماء لا كهرباء لا غاز لا طعام، لا يريدهم أن يعيشوا بكرامة، ويظن أن الإذلال هو طريق السيطرة والتحكم.
وتعرض الصور على الملأ وتنشر في القنوات، وهكذا تعرضها المواقع، والله تعالى ليس بغافل عما يعمل الظالمون أبداً، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون، وما الله غافلاً عن هؤلاء وسيمنع عنهم فضله: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَسورة الأعراف50والظلم لا يجوز.
نهاية الظالمين أليمة
من السنن الإلهية أيها الإخوة الأخوات: أن الله تعالى لا بد أن يأخذ الظالم ولو بعد حين، جرت عادة الله في خلقه أنه سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، ونهاية الظالمين أليمة، والمتأمل في سيرهم في القرآن الكريم يجد في مصارعهم عبرة وعظة، ولا يبالي الله في أي واد يهلكون، ويخزيهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وقد جعل الله عقوبة الظلم والبغي معجلة في الدنيا قبل الآخرة لشناعة الظلم وكثرة أضراره: (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)حديث صحيح، البغي والظلم، وعلى الباغي تدور الدوائر فيبوء بالخزي ويتجرع مرارة الذل والهزيمة وينقلب خاسئاً وهو حسير لم يبلغ ما أراد ولن يظفر بما رجا، أقرب الأشياء صرعت الظلوم وأنفذ السهام دعوة المظلوم.
اقتضت سنة الله تعالى وهو الحكم العدل هلاك الظالمين ومحق المعتدين وقطع دابر المفسدين، سواء كان الظالم فرداً أو جماعة، حزباً أو طائفة، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "الغالب أن الظالم تعجل له العقوبة في الدنيا وإن أمهل فإن الله يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته"، وقد قال بعض أكابر التابعين لرجل: "يا مفلس فابتلي القائل بالدين والحبس بعد أربعين سنة"، وضرب رجل أباه وسحبه إلى مكان فقال الذي رآه بعد ذلك: إلى هاهنا رأيت هذا المضروب قد ضرب أباه وسحبه إليه، فسبحان من هو قائم على كل نفس بما كسبت، وسبحان من هو بالمرصاد، وسبحان الحكم العدل الذي لا يجور، وسبحان من بيده موازين ومقاليد الأمور، يفعل ما يشاء ويحصي على العباد مثاقيل الذر، وكما تدين تدان.
فجانب الظلم لا تسلك مسالكه *** عواقب الظلم تخشى وهي تنتظر
وكل نفس ستجزى بالذي عملت *** وليس للخلق من ديانهم وطر
نماذج من الظلمة الذين أخذهم الله
وإن من أكبر الطغاة الظلمة الذين عجل الله لهم العذاب فرعون الذي جعله نموذجاً سبحانه وتعالى لغيره من الطغاة: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَسورة القصص4استطال تعدى الحد بلغ به السفه أن قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىسورة النازعات24، مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي سورة القصص38فماذا كانت العاقبة؟ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىسورة النازعات25وقال تعالى: فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَسورة القصص40، فوضع الله تعالى حداً للبغي والفساد، والله للظالمين بالمرصاد.
من الظلمة الذين مروا في التاريخ قارون الذي بغى على قومه لما آتاه الله من الكنوز ما تنوء بثقله العصبة أولو القوة، كما بغى عليهم بجبروت الخبرة كما ظن والذكاء والعلم الذي عنده فماذا كانت النتيجة؟ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَسورة القصص81.
وأبرهة صاحب الفيل الذي بنى كنيسة بصنعاء ليصرف الناس للحج إليها ويجعل العرب يأتونها بدلاً من الكعبة ماذا حصل؟ صرف الله عنها الناس وهيأ من يوقد فيها حريقاً ويلطخها بالنجاسة، فأراد أن يأتي البيت ويهدمه حجراً حجراً، فماذا فعل الله به؟ أرسل طيراً أبابيل جماعات جماعات تحمل الحجارة وترمي أبرهة وجنوده بها، حتى رجع صنعاء وهو مثل الفرخ فرخ الطائر فمات هناك وقد هلك أكثر جيشه وانتهى، إلى أي منتهى كان أمر أبي جهل فرعون هذه الأمة وأمية بن خلف رأس الضلال؟ وكذلك الملأ والكبراء من قريش الذين بغوا في الأرض فاشتدت وطأتهم على المسلمين الأولين والمؤمنين الصادقين ساموهم سوء العذاب، أخرجهم الله في بدر ليذوقوا وبال أمرهم، خرجوا متطاولين على الله مغترين بأنفسهم، معهم القينات والخمور وسنضرب ونضرب بعد الانتصار، فأسفرت المعركة عن هلاك الظالمين وقطع دابرهم وانتهت بالنصر والتمكين للمؤمنين، ورميت جثث هؤلاء الكفرة في قليب منتن، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يري الصحابة مصارع هؤلاء الكفرة قبل أن يقتلوا، "فوالذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا في بئر بعضهم على بعض" .
الجزاء من جنس العمل، دعوة المظلوم تسري بالليل والظالم غافل والله ليس بغافل، كان أحد الظلمة أميراً على بلد ظلوماً متجبراً سفاكاً للدماء مصادراً للأموال خبيث العقيدة، عج الخلق فيه إلى الله، وكثر ابتهال أهل دمشق من هذا الذي سمي جيش ابن محمد بن صمصامة، يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: ابتلي بما لا مزيد عليه، ضربه الله بالجذام، حتى ألقى ما في بطنه، وكان يقول لأصحابه: اقتلوني ويلكم أريحوني من الحياة، فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَسورة الأعراف103.
وفي التاريخ المعاصر عبر في مصارع الظالمين: كيف كانت نهاية هتلر وموسيليني وذلك الطاغية الذي كان في بلاد الصرب وعاث فساداً في بلاد المسلمين، وغيره وغيره من الطغاة الذين ذهبوا أذلهم الله أخزاهم.
وما من يد إلا يد الله فوقها *** ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم
ولذلك من سنن الله: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًاسورة الأنعام129، يسلط ظالماً على ظالم:
نهاية ظالم كان أن وضع مسدساً في فمه وأطلق رصاصة على نفسه فتهشم وجهه تماماً، وضع حارسه جثته في حفرة عميقة وصب الزيت عليها وأشعل فيها النار.
كمال أتان الترك الذي ألغى الخلافة العثمانية، وكان معادياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه، ومنع أعياد الفطر والحج والأذان واللغة العربية، وأصدر أمراً بتحويل مسجد أياصوفيا إلى متحف، وكان سكيراً عربيداً ماجناً فاحشاً، ابتلاه الله بكائنات دقيقة لا ترى بالعين، أصيب بتليف في الكبد فذاق مر العذاب ثلاث سنوات حتى قبض جاحداً ظالماً ملحداً، هكذا في ظاهر الأمر.
وتسلط ظلمة بعده على عباد الله المسلمين وساموهم سوء العذاب وألوان النكال التي لا تخطر ببال، وكان فيهم من الفرعنة والقسوة والكفر، حتى في عباراتهم، حتى قال قائل لهم: لو نزل ربكم من السماء لأسجننه معكم في الزنزانة، فماذا فعل الله به؟ اصطدمت سيارته بسيارة محملة بالحديد فدخلت أسياخ الحديد في رقبته وجسده وجعل يخور كالثور، فما استطاعوا أن يخلصوا جسده من أسياخ الحديد التي نشبت به إلا بتقطيع لحمه وتمزيقه ليذهب هالكاً، إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا.
ومن فراعنة العصر من لا يزال يئن يتمنى الموت ولا يجده، يتكبرون على الله، يقتلون خلقه، يغتصبون البلاد، يعذبون البلاد، يشردون الآمنين، ويعيثون في الأرض الفساد، والله يصب عليهم العذاب صباً في الدنيا قبل الآخرة: أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَسورة هود18، وعذاب الآخرة أشد قال تعالى: لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍسورة الرعد34.
وقال: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَسورة الشعراء227، كان صفوان بن محرز رحمه الله إذا قرأ هذه الآية بكى بكاء شديداً، هذا على مستوى الأفراد، والقصص في هذا كثيرة، وإذا كان الظلم على مستوى الأفراد والعقوبة النازلة عليهم يشهدها بعض الناس كما نسمع فإن العقوبة تنزل أيضاً على الأمم المكذبة الظالمة، وسنة الله جارية في عموم الظلمة.
وأخبار الظالمين وما جرى لهم في الأمم المعتدية كثيرة، قال تعالى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَسورة الأنبياء11، وقال: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًاسورة الكهف59، وقال: وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُسورة الحـج48، وقد عاقب الله أمم بأنواع من العقوبات: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَسورة العنكبوت40، عاقب الله أقواماً بالصاعقة بصوت شديد من الجو ونار تنزل عليهم من السماء: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَسورة البقرة55، قوم شعيب ظلة مثل الغيم فوقهم سحب تقصفهم بالصواعق، عذاب يوم الظلة، عاقب الله بعض الأمم بالرجز بالعذاب بالغضب بالطاعون: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَسورة البقرة59، عاقب قوماً بالرجس والسخط قال: قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌسورة الأعراف71، عاقب قوماً بالمسخ وتشويه الخلقة، لما جاهر بعض بني إسرائيل بالمعاصي: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ تحايلوا على شرع الله، فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَسورة البقرة65، عذب قوماً بريح صرصر باردة شديدة الهبوب، عاد استكبروا وطغوا: وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًسورة فصلت15، فأرسل عليهم إعصاراً: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ *سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا يعني: متتابعاتفَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍسورة الحاقة 6-7، أرسل على أهل سبأ سيل العرم مزق ملكهم وأزال نعمتهم وأغرقهم بماء سدهم وجعلهم عبرة: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِسورة سبأ16، وقال: فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍسورة سبأ19سيرة بين الناس، قوم شعيب لما ظلموا بأنواع من الظلم عاقبهم الله بأنواع من العذاب: عذاب يوم الظلة، سحابة أظلتهم فاجتمعوا تحت فأحرقتهم في يوم شديد الهول، وبالصيحة فقال: وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُسورة هود94، وبالرجفة والزلزلة قال: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَسورة الأعراف78الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَسورة الأعراف92، وقال سبحانه بعدما ذكر عاقبة الظالمين ومصارعهم: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الأنعام45.
درجات الظلم
الظلم درجات والظالم له أعوان، الظالم له جنود، الظالم له أتباع، والله عز وجل يخذل الجميع، هؤلاء يعينون هؤلاء: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَسورة القصص8، يعينونهم على باطلهم، ويوم القيامة سيلعن بعضهم بعضاً: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ *قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِسورة غافر47-48.
جاء رجل إلى الإمام أحمد رحمه الله في الحبس وهو سجان قال: يا أبا عبد الله! الحديث الذي روي في الظلمة وأعوانهم صحيح؟ قال: نعم، قال السجان: فأنا من أعوان الظلمة؟ قال له: أعوان الظلمة من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك، ويبيع ويشتري منك، فأما أنت فمن أنفسهم، فالسجان يقول لأحمد: أنا من أعوان الظلمة، أحمد يقول له: أنت من الظلمة أنفسهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قال غير واحد من السلف: أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنه لاقى لهم دواة أو برى لهم قلماً، ومنهم من كان يقول: بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم، وأعوانهم هم من أزواجهم المذكورين في الآية، فإن المعين على البر والتقوى من أهل ذلك والمعين على الإثم والعدوان من أهل ذلك.
وإذا كانت الشريعة حرمت الركون إلى الظالم ومداهنة الظالم والميل إلى الظالم فكيف إثم من يعينه؟ قال ميمون بن مهران رحمه الله: الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء.
الحكمة من عدم معاجلة الظالم بالعقوبة
قد نرى بعض الظالمين يتمادون، عشرات السنين جاثمين على صدور العباد لكن الله لا يهمل، الله حليم لا يعاجل بالعقوبة، قال: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى، عشرين سنة ثلاثين سنة أربعين سنة فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَسورة النحل61، الله يحلم ويستر ويُنظر لكن لا يترك ولا ينسى سبحانه وتعالى: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًاسورة الكهف59بعض الناس يقولون: دول الآن تظلم وتطغى وتقصف وتحتل وتنهب وتسلب وتفسد لكن لهم يوم، هلاك الظالمين مؤكد لكن وقت حلوله، ولكن وقت حلوله مجهول لنا، فلا يجوز أن نقول: لماذا يتركهم؟ هو لا يتركهم ولا بد أن يأخذهم ولو بعد حين ولكننا نستعجل.
كثير من الناس يقولون: ما حصل شيء، ما صار شيء، هؤلاء يرتعون، يا أخي لا تبقى دولتهم ولا تدوم قوتهم ولا يمكن أن تستمر سلطتهم لا يمكن، القوانين الإلهية تقول: أن هؤلاء زائلون يعني على حسب السنة الإلهية هؤلاء سيزولون، قد لا تراها في حياتك لكن يراها ولدك يراها حفيدك، لا يصح أن نستعجل، وقد يكون في عدم تعجيل العقوبة حكمة يعلمها الله مثل أن يستدرجه ليأخذه على أقبح حال: إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًاسورة آل عمران178، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌسورة هود102))، وقال: وكم يعني هذه الآيات تبين أن الله عز وجل كما أهلك القرون الظالمة يهلك القرون الحاضرة، كما أهلك القرى السابقة لما ظلمت يهلك القرى الحاضرة الظالمة، يعني وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىسورة هود102يعني: هذه عادة لله قانون سنة جارية، الله قد يمهل بعض الناس ليتوبوا، وفعلاً قد يتوب ظالم ويرجع إلى ربه، وأحياناً يتأخر يعني يتأخر إهلاك الظالم لأن المظلوم كان ظالماً ظلم غيره، فالآن الظلم الذي يحل عليه نتيجة أعماله وظلمه السابق.
قال ابن القيم رحمه الله: وأنت أيها المظلوم تذكر من أين أتيت فإنك لا تلقى كدراً إلا من طريق جناية: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْسورة الرعد11، وقال: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْسورة الشورى30.
هذا إنسان كان يشرب يعني كان يغش يخلط اللبن بالماء، فجاء سيل فذهب بغنمه فجعل يبكي، فهتف به هاتف: اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلاً، ولسان الجزاء يناديه: يداك أوقدتا وفوك نفخ، أنت الذي أوقدت على نفسك.
تأجيل الظالم يكون أحياناً ليستحكم العذاب عليه يوم القيامة، يعني: قد يموت في أوج قوته فيكون موته هو الأخذ والعذاب ينتظر أمامه: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءسورة إبراهيم42-43، وهذا وعيد شديد للظالمين وتسلية للمظلومين، سيكون هناك يوم يأتي فيه هؤلاء الظلمة لا ينبسون ببنت شفه.
طيب الإمهال هذا ما هي حكمه؟ يعني بعض الناس يقولون: طالت وطالت وبعد ذلك، نقول: يا جماعة أنتم بأعينكم الآن ترون وتسمعون بأذانكم يعني أخبار بعض الظلمة كيف أخذهم الله، الإمهال من حكمه: أن الله يبتلي إيمان المؤمنين فيسقط الذين عندهم خلل في الإيمان، بعضهم يشك في عدل الله والعياذ بالله، بعضهم يقول الذي يقدر الأمور ربنا عز وجل لا أنا ولا أنت، ما أحد له الأمر إلا الله، فلا أحد يقول لله: افعل كذا في وقت كذا، هو يفعل ما يشاء وقتما يشاء، ولذلك الإمهال هذا فيه اختبار للإيمان، فيه تمحيص لليقين، هل أنت موقن فعلاً بأن الله لما قال سيفعل أم أن عندك شك في هذا؟ ثم الظالم أحياناً يمهل ليؤخذ على حين غرة.
والله يمكر للظالم يمهل ويمكر به يدخله في شيء لا مخرج منه، يدخله في ورطة من ورطات الأمور الله إذا مكر بإنسان أو بقوم لا راد لقضائه: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُسورة الأنفال30فيدخل الظالم في وضع معين لا يستطيع أن يفلت، إن تحرك هكذا جاءت وبالاً عليه من هنا، وإن حاول هكذا جاءت وبالاً عليه من هنا، وإن تأخر وإن توقف وإن تقدم وإن فعل وإن سكت وإن كف وإن أقدم وإن أحجم لا يجد خياراً، نحن رأيناه الآن في الواقع، وأحياناً يعميه كان يمكن للظالم أن يهرب سبحان الله يطمس على عينيه وعلى بصيرته ما يعرف يدبر أموره.
تأخير الانتقام من بعض الظالمين في الدنيا أكبر دليل على وجود الآخرة، في محكمة إلهية، كان رجل من العرب في الجاهلية إذا رأى رجلاً يظلم ويعتدي يقول: فلان لا يموت سوياً فيرون ذلك، يعني: عقوبة ظلمه، حتى مات رجل ممن قال ذلك فيه، فقيل له: مات فلاناً سوياً، يعني: ما ظهرت فيه علامة انتقام، فلم يقبل حتى تتابعت الأخبار فقال: إن كنتم صادقين فإن لكم داراً سوى هذه تجازون فيها، يعني: هذا كافر في الجاهلية توصل إلى النتيجة، قال عليه الصلاة والسلام: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) ، فإذا كان هذا حال العجماوات البهائم فيما بينها وهي غير مكلفة ولا عاقلة فكيف حال العقلاء؟!
أيحسب الظالم في ظلمه *** أهمله القادر أم أمهلا
ما أهملوا بل لهم موعد *** لن يجد من دونه موئلا
فلا يغر الظالم إمهال الله له، الملك بيد الله يؤتي من يشاء وينزع ممن يشاء، نقمة الله تأتي بسرعة مذهلة، تأتي بغتة.
يا من لذلة قوم بعد عزتهم *** أحال حالهم كفر وطغيان
بالأمس كانوا ملوكاً في مساكنهم *** واليوم هم في بلاد الكفر عبدان
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم *** عليهم من ثياب الذل ألوان
الظالم بينما هو مغتر في عزه غير آبه بحق ربه، إذ حلت به المثلات، ونزلت به القوارع، فضاقت به البلدان، كأنه لم يسرح فيها ولم يمرح، ولا صال ولا جال
الظالم بينما هو مغتر في عزه غير آبه بحق ربه، إذ حلت به المثلات، ونزلت به القوارع، فضاقت به البلدان، كأنه لم يسرح فيها ولم يمرح، ولا صال ولا جال، وهكذا يأتي الله بعباد صالحين ينتقم بهم من الظالم، ويأتي بظالم وينتقم به من ظالم، وينزل عذاباً من عنده على ظالم مباشر ليس عن طريق أحد أو على يد أحد من الخلق فينتقم منه.. وهكذا، فالعقوبة ستأتي ستأتي.
دعوة المظلوم
وأخيراً فإن دعوة المظلوم سهم لا يرد، فيا بؤس الظالم المخذول ينام ملء عينيه والمظلوم يدعو عليه، يجأر إلى الله أن ينتقم منه، وأن يشتت شمله، ويعجل عقابه، وينزل به بأسه، ويحل عليه سخطه، ويأخذه أخذ عزيز مقتدر، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)(واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)لو كان المظلوم فاجراً فدعوته مستجابة فجوره على نفسه، ودعوة المظلوم على الظالم تصعد إلى الله فما بالك بدعوة التقي الصالح أو العالم الرباني ومن بذل نفسه لله؟
وإذا فتحت أبواب السماء لهذه الدعوة أتى الفرج من رب الأرباب ومهلك الجبابرة وقاصم ظهور القياصرة: الذي وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى *وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىسورة النجم50-52.
كان يزيد بن حكيم يقول: ما هبت أحداً قط هيبتي رجلاً ظلمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله يقول لي: حسبي الله، الله بيني وبينك.
يقول ابن القيم رحمه الله: فسبحان الله كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترقت كبد يتيم، وجرت دمعت مسكين، قال الله: كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَسورة المرسلات46وقال: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍسورة ص88، قال: ما ابيض لون رغيفهم حتى اسود لون ضعيفهم، وما سمنت أجسامهم حتى انتحلت أجسام ما استأثروا عليه، سمن الظالم من من؟ من ضعف المظلوم، طعام الظالم من أين؟ من جوع المظلوم، قوة الظالم من أين؟ من ضعف المظلوم.
لا تحتقر دعاء المظلوم فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك، نبال أدعيته مصيبة وإن تأخر الوقت، قوس قلبه المقروح وسواد الليل يرميك فيه، والوعد: لأنصرنك ولو بعد حين، احذر عداوات من ينام وطرفه باك يقلب وجهه في السماء يرمي سهاماً مالها غرض سوى الأحشاء.
أيها الإخوة والأخوات! سلاح الدعاء من المؤمنين للمؤمنين عظيم، ونحن والله نتفطر ونتألم ونحن نرى إخواناً لنا في الدين يقصفون، يحاصرون، يقتلون، يجرحون، تغتصب نساؤهم، تيتم أطفالهم، ترمل نساؤهم، يجوعون، يعذبون، يسجنون، نرى والله ما يحل بهم، ونسأل الله المغفرة في تقصيرنا.
ولكننا نسأله سبحانه وتعالى وهو العزيز الذي لا يرى والقدير الذي من لاذ به لا يضام، نسأله سبحانه أن يفرج عن إخواننا المستضعفين وأن ينجيهم برحمته إنه أرحم الراحمين، ونسأله أن ينزل عاجل بأسه وعذابه بهؤلاء الظالمين، وأن يرينا فيهم عجائب قدرته إنه الجبار على كل شيء قدير، نسأله سبحانه وتعالى أن يقر أعيينا عاجلاً غير آجل بنصرة المسلمين ورفع راية الدين وهلاك أعداء الأمة إنه هو السميع العليم.
أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 – رواه مسلم2577.
2 – رواه مسلم2613.
3 – رواه الترمذي2511.
4 – رواه مسلم2873.
5 – رواه البخاري4686 ومسلم2583.
6 – رواه مسلم2582.
7 – رواه الترمذي3598.
8 – رواه البخاري1496.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله وبارك فيكم