تخطى إلى المحتوى

يوم الجمعة خصائص وأحكام 2024.

  • بواسطة
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده حمد الشاكرين الذاكرين وأستغفره استغفار المذنبين المقصرين، أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة من بين العالمين، وجعلنا من أمة خير المرسلين، قال وهو أصدق القائلين: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [آل عمران: 85].


وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغرّ الميامين وعنا معهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:



فإن يوم الجمعة من أفضل الأيام وأشرفها عند الله سبحانه، اختاره وخصه بمزيد من الفضل والخير على سائر الأيام، شرع فيه صلاة الجمعة وهو عيد المسلمين في الأسبوع، خصت به أمة محمد صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأمم، وأوجب سبحانه السعي إليها، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ{ [الجمعة: 9] ثم بعد ذلك أمر سبحانه بما ينفع الناس في الدنيا والآخرة فقال }فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ{ أي اطلبوا الرزق والتمسوا الخير، }وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [الجمعة: 10] حتى لا تشغلكم أنواع البيع والشراء وأنواع الملذات عن ذكر الله سبحانه وأسباب الفلاح، فالفلاح في ذكر الله، والقيام بأمره سبحانه، فلا ينبغي أن تطغى حاجات البدن على حاجات القلب والروح، وكذلك لا تطغى حاجات القلب والروح على حاجات البدن والدنيا بل يراعي هذا وهذا كل بحسبه، ويعطي كل مقام ما يليق به، ويعطي كل حاجة ما يناسبها فيكون العبد بذلك حافظا لوقته مؤدّيا لما أوجبه الله عليه، طالبا للرزق فعبادة الله سبحانه لا يمكن أن تتعارض مع مصالح العبد في دنياه ومعاشه، والصلاة هي عماد الدين؛ لا حظّ في الإسلام لمن ضيعها، وهي الفيصل بين المسلم والكافر، قال صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»([1])، وقال صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»([2])، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يومًا فضل الصلاة فقال: «من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا و نجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف»([3])، وهذه الأحاديث عامة تشمل صلاة الجمعة وغيرها من الصلوات الخمس، ويعم أدائها في وقتها كما شرع الله وفي الجماعة مع المسلمين، وإن مما ابتلي به بعض المسلمين هذه الأيام تضييعهم لصلاة الجمعة وتساهلهم فيها وخاصة لمن يقضون مساء الخميس وليلة الجمعة في السهر والاستراحات ومشاهدة القنوات، فينامون عن صلاة الجمعة أو لا يأتونها إلا متأخرين، فالواجب على المسلم أن يحذر من هذا الفعل وأن يستشعر عظمة هذا اليوم وفضله، وأن يعتني به ويبادر إليه فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين»([4]) فإذا ختم على قلبه وصار من الغافلين هلك قال تعالى: }خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ [البقرة: 7] نسأل الله العافية.


فهذا يدل على أن من تساهل بأمر الله وضيع ما أوجب الله عليه فهو معرض لأن يختم الله على قلبه وسمعه ولأن توضع الغشاوة على بصره فلا يهتدي إلى الحق ولا يبصره، وبذلك يعلم أن الجمعة شأنها عظيم والمتساهل بها خطير. فالواجب على أهل الإسلام أن يعتنوا بها، وأن يحافظوا عليها مع بقية الصلوات الخمس حتى يستفيدوا مما شرع الله فيها. وحتى يتذكروا ما يترتب على هذا الاجتماع من الخير العظيم: من التعارف والتواصل والتعاون على البر والتقوى وسماع العظات والخطب والتأثر بذلك مع ما يترتب على ذلك من الخير الكثير والأجر العظيم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزيارة بعضهم لبعض.


ولذلك فإن الجمعة شرعت لحكم عظيمة قد لا تحيط بها عقول البشر، وقد شرعت فيها من الأعمال الصالحة ما ليس في غيرها من الأيام كالإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله، وقراءة القرآن والاغتسال والتطيب والتبكير وغير ذلك مما سيأتي ذكره، وقد جمعت في هذا الكتيب بعض ما اختص الله به هذا اليوم من الفضل والخير، تذكيرًا للغافل وتعليمًا للجاهل.


نسأل الله أن ينفع به وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، إنه جواد كريم.


والله أعلم وأحكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


([1])رواه مسلم (82).

([2])رواه أحمد (21859) والترمذي (2545).

([3])رواه أحمد (6288) والدارمي (2605).

([4])رواه مسلم (1432) والنسائي (1353).

أول جمعة في الإسلام


قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه. قال: حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك: قال: كنت قائدًا أبي حين كُف بصره، فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان لها استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة: فمكث حينًا على ذلك. فقلت: إن هذا لعجز ألا أسأله عن هذا، فخرجت به كما كنت أخرج، فلما سمع الأذان للجمعة استغفر له، فقلت: يا أبتاه! أرأيت استغفارك لأسعد بن زرارة كلما سمعت الأذان يوم الجمعة؟ قال: أي بني كان أسعد أول من جمع بنا بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هزم البيت من حرة بني بياضه في نقيع يقال له: نقيع الخضمات. قلت: فكم كنتم يومئذ؟ فقال: أربعون رجلاً ([1]) .

([1])أخرجه ابن هاشم في "السيرة النبوية" (1/435) وأبو داود (1069) وابن ماجه (1082) والحاكم (1/281) والبيهقي (3/176).

أول جمعة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم

لما أذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة ووصل إلى المدينة بادر الأنصار رضوان الله عليهم إلى السلاح ليتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت الرّجّة والتكبير في بني عمرو بن عوف، وكبّر المسلمون فرحًا بقدومه، وخرجوا فتلقوه وحيّوه بتحية النبوة، فأحدقوا به مُطيفين حوله، والسكينة تغشاه والوحي يتنزل عليه } فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ{ [التحريم: 4] فسار حتى نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فنزل على كلثوم ابن الهدم وقيل علي: سعد بن خيثمة والأول أثبت، فأقام في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة، وأسس مسجد قباء وهو أول مسجد أسس بعد النبوة، فلما كان يوم الجمعة ركب بأمر الله له، فأدركته الجمعة في بني سالم ابن عوف وجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي وكانوا مائة رجل([1]).


([1])صحيح البخاري (1/555) (560) وزاد المعاد (3/59) وسيرة ابن هاشم (1/494) رحمة العالمين (1/102) والرحيق المختوم (177).

خصائص يوم الجمعـة

كان من هديه صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه، وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، ومن هذه الخواص:


الأولى: كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورتي: } الم * تَنْزِيلُ{، و}هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ{ ([1]) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة؛ لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون. والسجدة جاءت تبعًا ليست مقصودة فلا يشرع القراءة بسورة فيها سجدة غير سورة السجدة، إلا أن يكون ذلك اتفاقًا غير مقصود؛ لأنه قد يظن البعض أن السجدة مشروعة بعينها في الركعة الأولى من فجر الجمعة.


الثانية: استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خُلق آدم، وفيه قُبض وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ» قالوا: يا رسول الله: كيف تُعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ فقال: «إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء»([2]) .


ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة»([3]) .


الثالثة: صلاة الجمعة التي هي آكد الفروض في الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين يجتمعون فيه. ومن تركها تهاونًا طبع الله على قلبه، وقرب أهل الجنة يوم القيامة وسبقهم إلى الزيارة ورؤية الكريم سبحانه في يوم المزيد بحسب قربهم من الإمام يوم الجمعة وتبكيرهم.


الرابعة: الأمر بالاغتسال في يومها، وهو أمر مؤكد جدًا والأمر به أقوى من الأمر بالوتر. وللعلماء في وجوبه ثلاثة أقوال: الوجوب، والاستحباب والتفصيل بين من به رائحة يحتاج إلى إزالتها فيجب عليه، ومن ليس كذلك فيستحب له وسوف يأتي.


الخامسة: التطيب فيه وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع.


السادسة: السواك فيه وله مزية على السواك في غيره.


السابعة: فضل التبكير للصلاة فيه، وسوف يأتي ذكر بعض الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك.


الثامنة: أن يشتغل بالصلاة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام.


التاسعة: الإنصات للخطبة إذا سمعها وجوبًا فإن تركه كان لاغيًا ومن لغا فلا جمعة له، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت»([4]) وفي المسند مرفوعًا: «والذي يقول لصاحبه: أنصت؛ فلا جمعة له»([5]) وقال صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فأنصت؛ غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا»([6]) .


العاشرة: قراءة سورة الكهف في يومها فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء به يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين»([7]) .


الحادية عشرة: أنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال، فليس فيها وقت نهي عن الصلاة في وسط النهار؛ لحديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة. وقال: «إن جهنم تُسجر إلا يوم الجمعة» ([8]).


وبذلك يستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام. وفي الحديث الصحيح: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى»([9]).


الثانية عشرة: قراءة (سورة الجمعة) و (المنافقين) أو (سبح والغاشية) في صلاة الجمعة. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهن في الجمعة ([10]).


وفيه أيضًا: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيه بـ (الجمعة) و }هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ{.


الثالثة عشرة: أنه يوم عيد متكرر في الأسبوع، وقد روى أبو عبد الله ابن ماجه من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله, وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر. وفيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئًا إلا أعطاه، ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا شجر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة»([11]).


الرابعة عشرة: أنه يستحب أن يلبس من أحسن الثياب التي يقدر عليها، فعن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب، إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد، ثم يرجع إن بدا له، ولم يؤذ أحدًا ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينهما»([12]). وقال صلى الله عليه وسلم: «ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته» وفي لفظ ابن ماجه «إن وجد أحدكم سعة»([13]).


الخامسة عشرة: أنه يستحب فيه تجمير المسجد. فقد ذكر سعيد بن منصور عن نعيم بن عبد الله المجمر، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أن يجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار.


السادسة عشرة: أنه لا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها «وقد روي أن عمر رأى رجلاً عليه ثياب سفر بعد ما قضى الجمعة، فقال: ما شأنك فقال: أردت سفرًا فكرهت أن أخرج حتى أصلي. فقال عمر: إن الجمعة لا تمنعك السفر ما لم يحضر وقتها»([14]).


وأما قبله، فللعلماء ثلاثة أقوال. أحدها: لا يجوز، والثاني: يجوز، والثالث: يجوز للجهاد خاصة.


السابعة عشرة: أن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غسّل واغتسل يوم الجمعة، وبكّر وابتكر ودنا من الإمام، فأنصت؛ كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها، وذلك على الله يسير»([15]).


الثامنة عشرة: أنه يوم تكفير السيئات. عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى»([16]). فقد روى الإمام أحمد عن سلمان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدري ما يوم الجمعة؟» قلت: هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم آدم، قال: «ولكني أدري ما يوم الجمعة، لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كانت كفارة لما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة»([17]) وقد تقدم أحاديث تدل على أنه يوم تُكفر فيه السيئات وتُغفر فيه الذنوب.


التاسعة عشرة: إن جهنم تُسجر كل يوم إلا يوم الجمعة، عن أبي قتادة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال: «إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة»([18]) لذلك ليس فيها وقت نهي في منتصف النهار، وسر ذلك والله أعلم أنه أفضل الأيام عند الله، ويقع فيه من الطاعات ، والعبادات و الدعوات.؟ والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى، ما يمنع من تسجير جهنم فيه. ولذلك تكون معاصي أهل الإيمان فيه أقل من معاصيهم في غيره، حتى إن أهل الفجور ليمتنعون فيه مما لا يمتنعون منه في غيره من الأيام.


العشرون: أن فيه ساعة الإجابة، وهي الساعة التي لا يسأل الله عبد مسلم فيها شيئًا إلا أعطاه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وقال: بيده يقللها»([19]).


وقد اختلف الناس في وقت هذه الساعة فمنهم من قال أنها من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن قال أنها عند الزوال، وذكروا أنها إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة، وورد أنها الساعة التي اختار الله وقتها للصلاة، وقيل أنها ما بين العصر إلى غروب الشمس. وغيره.


وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمنتها الأحاديث الثابتة. وأحدهما أرجح من الآخر.


الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة. وصحة هذا القول حديث أبي بردة بن أبي موسى. أن عبد الله بن عمر قال له: أسمعت أباك يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة شيئًا؟ قال: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضي الصلاة»([20]).


والقول الثاني: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين وهو قول عبد الله ابن سلام، وأبي هريرة، والإمام أحمد وخلق. وحجة هذا القول: حديث أبي سعيد وأبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه وهي بعد العصر»([21]).


وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجمعة اثنا عشر ساعة، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئًا إلا أعطاه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر»([22]). وعن عبد الله بن سلام قال: قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس: إنا لنجد في كتاب الله (يعني التوراة) في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله عز وجل شيئًا إلا قضى الله له حاجته، قال عبد الله فأشار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو بعض ساعة» قلت: صدقت يا رسول الله، أو بعض ساعة، قلت: أي ساعة هي؟ قال: «هي آخر ساعات النهار» قلت: إنها ليست ساعة صلاة، قال: «بلى، إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس لا يحبسه إلا الصلاة، فهو في صلاة»([23]).


وكان السلف يحرصون على إدراك فضل تلك الساعة والدعاء فيها، وقد ذكر عن سعيد بن جبير أنه إذا صلى العصر من يوم الجمعة لم يكلم أحدًا حتى تغرب الشمس.


الحادية والعشرون: أن فيه صلاة الجمعة التي خصت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا توجد في غيرها من الاجتماع والعدد المخصوص، واشتراط الإقامة والاستيطان والجهر بالقراءة، وقد جاء في التشديد فيها ما لم يأت نظيره إلا في صلاة العصر. ففي السنن الأربعة من حديث أبي الجعد الضمري وكانت له صحبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك ثلاث جمع تهاونًا طبع الله على قلبه»([24]).


وقال صلى الله عليه وسلم: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات أو ليختمن على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين»([25]).


وأجمع المسلمون على أن الجمعة فرض عين ([26]).


الثانية والعشرون: أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وتذكير العباد بأيامه وتحذيرهم من بأسه ونقمته. ووصيتهم بما يقربهم إليه وإلى جناته ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره، فهذا المقصود من الجمعة والاجتماع لها.


الثالثة والعشرون: أنه اليوم الذي يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة وله على سائر الأيام مزية بأنواع العبادات واجبة ومستحبة. وهذا اليوم في الأيام كشهر رمضان في الشهور. وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان.


الرابعة والعشرون: أنه لما كان في الأسبوع كالعيد في العام وكان العيد مشتملاً على صلاة وقربان. وكان يوم الجمعة يوم صلاة، جعل الله سبحانه التعجيل فيه إلى المسجد بدلاً من القربات، وقائمًا مقامه فيجتمع فيه للرائح الصلاة والقربات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن»([27]). قال الشافعي: ولو بكر إليها بعد الفجر وقبل طلوع الشمس كان حسنًا.


الخامسة والعشرون: أن للصدقة فيه مزية عليها في سائر الأيام، والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور، عن ابن عباس قال: اجتمع أبو هريرة وكعب، فقال أبو هريرة: إن في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم في صلاة يسأل الله عز وجل شيئًا إلا آتاه إياه. فقال كعب: أنا أحدثكم عن يوم الجمعة، أنه إذا كان يوم الجمعة فزعت له السموات والأرض. والبر والبحر والجبال والشجر والخلائق كلها. إلا ابن آدم والشياطين وحفت الملائكة بأبواب المسجد فيكتبون من جاء الأول فالأول حتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم، فمن جاء بعد جاء لحق الله، كما كتب عليه ([28]).


وحق على كل حالم أن يغتسل يومه كاغتساله من الجنابة والصدقة فيه أعظم من الصدقة في سائر الأيام، ولم تطلع الشمس ولم تغرب على مثل يوم الجمعة، فقال ابن عباس: هذا حديث كعب وأبي هريرة وأنا أرى إن كان لأهله طيب أن يمس منه([29]).


السادسة والعشرون: أنه يوم يتجلى الله عز وجل فيه لأوليائه المؤمنين في الجنة. وزيارتهم له، فيكون أقربهم منه أقربهم من الإمام، وأسبقهم إلى الزيارة أسبقهم إلى الجمعة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله عز وجل }وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ{ [ق: 35] قال: يتجلى لهم في كل جمعة([30])، وعن علقمة بن قيس قال: رحت مع عبد الله بن مسعود إلى جمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال: رابع أربعة، وما رابع أربعة ببعيد. ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس يجلسون يوم القيامة من الله على قدر رواحهم إلى الجمعة الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع» ثم قال: وما أربع أربعة ببعيد ([31]).

([1])رواه مسلم (879) في الجمعة.

([2])رواه أبو داود (1047) وابن ماجه (1085) والدارمي (1572) وابن حبان (910) وابن خزيمة (1733).

([3])أخرجه البيهقي من حديث أنس (1085) والدارمي (1572) وابن حبان (910) وابن خزيمة (1733).

([4])أخرجه البخاري (892).

([5])أخرجه مطولا أحمد (1/93).

([6])رواه أبو داود (1050).

([7])حديث صحيح أخرجه الحاكم (2/368).

([8])رواه أبو داود (1083) في الصلاة.

([9])رواه البخاري (2/308).

([10])رواه مسلم (878) من حديث النعمان بن بشير وأبو داود (1124) وابن ماجه (1118).

([11])أخرجه من ماجه (1084).

([12])رواه أحمد في "المسند" (5/420) وصححه ابن خزيمة (1775).

([13])رواه أبو داود (1078) وابن ماجه (1095).

([14])رواه عبد الرزاق في المصنف (5563) ورجاله ثقات.

([15])المصنف (5570) وأحمد في المسند (4/8) ورواه أهل السن الأربعة وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (690).

([16])رواه البخاري (309).

([17])رواه أحمد (5/439) والطبراني وغيرهما ورجاله ثقات.

([18])رواه أبو داود (1083).

([19])رواه البخاري (2/344).

([20])رواه مسلم (853).

([21])رواه أحمد في المسند (2/272).

([22])رواه أبو داود (1048).

([23])أخرجه ابن ماجه (1139).

([24])الترمذي (500)

([25])رواه مسلم (1432) والنسائي (1353).

([26])ومع ورود هذا الوعيد الشديد في حق من ضيعها أو تساهل فيها نرى الكثير ممن اعتادوا على الخروج للبرية والنزهة في هذا اليوم العظيم يتركون صلاة الجمعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن أراد الخروج للنزهة في هذا اليوم فعليه الخروج بعد الصلاة أو يكون قُرب بلد فإذا جاء وقت الصلاة ذهب إليها وصلى معهم الجمعة فلا تفوته الصلاة ولا يفوته هذا الخير العظيم.

([27])رواه البخاري (2/304، 305) في الجمعة ومسلم (850).

([28])إنه لم يدرك الفضيلة وإنما أدى الحق الذي عليه.

([29])رجاله ثقات وإسناده صحيح، وهو في المصنف (5558).

([30])ذكره ابن كثير في التفسير (4/228) (19).

([31])رواه ابن ماجه (1094) وقد حسنه المنذري والبوصيري ومحقق زاد المعاد (1/409).

السابعة والعشرون: أنه قد فسر الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه بيوم الجمعة. قال حميد زنجويه: حدثنا عبد الله بن موسى أنبأنا موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود: هو يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، ما طلعت شمس ولا غربت على أفضل من يوم الجمعة، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله فيها بخير إلا استجاب له، أو يستعيذه من شر إلا أعاذه منه»([1]).


الثامنة والعشرون: أنه اليوم الذي تفزع فيه السماوات والأرض والجبال والبحار و الخلائق كلها إلا الإنس والجن، روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطلع الشمس ولا تغرب على أفضل من يوم الجمعة، وما من دابة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين من الجن الإنس»([2]).


التاسعة والعشرون: أنه اليوم الذي ادخره الله لهذه الأمة، وأضل عنه أهل الكتاب قبلهم، كما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم خير من يوم الجمعة، هدانا الله له وضل الناس عنه، فالناس لنا فيه تبع، هو لنا، ولليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد»([3]).


الثلاثون: أنه خيرة الله من أيام الأسبوع. كما أن شهر رمضان خيرته من شهور العام، وليلة القدر خيرته من الليالي، ومكة خيرته من الأرض، ومحمد صلى الله عليه وسلم خيرته من خلقه.


الحادية والثلاثون: أن الموتى تدنوا أرواحهم من قبورهم، وتوافيها في يوم الجمعة، فيعرفون زوارهم ومن مر بهم وسلم عليهم. ذكر عن سفيان الثوري قال: بلغني عن الضحاك أنه قال: من زار قبرًا يوم السبت قبل طلوع الشمس، علم الميت بزيارته فقيل له: كيف ذلك؟ قال: لمكان يوم الجمعة ([4]).


الثانية والثلاثون: أنه يكره إفراده بالصوم، قيل لأبي عبد الله: صيام يوم الجمعة؟ فذكر حديث النهي عن أن يُفرد. ثم قال: إلا أن يكون في صيام كان يصومه، وأما أن يُفرد فلا.


فعن جويرية بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: «أصمت أمس؟» فقالت: لا. فقال: «فتريدين أن تصومي غدًا؟» فقالت: لا. قال: «فأفطري»([5]) وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين سائر الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم»([6]).


والحكمة من النهي عن صيامه أنه يوم عيد كما ورد في الأحاديث.


الثالثة والثلاثون: أنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد وقد شرع الله سبحانه وتعالى لكل أمة في الأسبوع يومًا يتفرغون فيه للعبادة ويجتمعون فيه لتذكر المبدأ والمعاد والثواب والعقاب ويتذكرون به اجتماعهم يوم الجمع الأكبر قيامًا بين يدي رب العالمين. وهكذا كانت قراءته صلى الله عليه وسلم في المجامع الكبار كالأعياد والجمع بالسور المشتملة على التوحيد وقصص الأنبياء مع أممهم وما عامل الله به من كذب وكفر من الهلاك والشقاء ومن آمن منهم وصدق بالنجاة والعاقبة الحسنة.


([1])رواه الترمذي (3336) وله شواهد.

([2])رواه ابن حبان في صحيحه (550) وقد صححه بعض أهل العلم، وله شواهد كثيرة.

([3])أخرجه مسلم (854) والترمذي (488) (20).

([4])أورده ابن القيم في كتاب الروح، وقد ذكر في ذلك الكتاب الكثير من الآثار التي تشهد بمعرفة أهل القبور بمن يزورهم ويسلم عليهم في يوم الجمعة.

([5])رواه البخاري (4/203).

([6])رواه مسلم (1144).

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة

كان إذا خطب: احمرت عيناه وعلا صوته. واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول: «صبّحكم ومسّاكم» ويقول: «بعثت أنا والساعة كهاتين» ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: «أما بعد. فإن خير الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة..» يقول: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإليّ وعليّ»([1]) وفي لفظ: «يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول: من يهد الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وخير الحديث كتاب الله».
وفي لفظ للنسائي: «وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار».
وكان يقول في خطبته بعد التحميد والثناء والتشهد: «أما بعد»([2]).
وكان يقصر الخطبة، ويطيل الصلاة، ويكثر الذكر، ويقصد الكلمات الجوامع، وكان يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته، مئنة من فقهه»([3]).


وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام، وشرائعه، ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر، أو نهي، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين([4]).


ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك. وأمره بالجلوس([5]).


وكان يقطع خطبته للحاجة تعرض، أو السؤال من أحد من أصحابه، فيجيبه ثم يعود إلى خطبته فيمها وكان ربما ينزل عن المنبر للحاجة. ثم يعود فيتمّها، كما نزل أخذ الحسن والحسين رضي الله عنهما فأخذهما ثم رقى بهما المنبر فأتم خطبته([6]).


وكان يدعو الرجل في خطبته: تعال يا فلان، اجلس يا فلان، صل يا فلان. وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته، فإذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة أمرهم بالصدقة، وحضهم عليها([7]).


وكان يشير بأصبعه السبابة في خطبته عند ذكر الله تعالى ودعائه([8]).


وكان يستقي بهم إذا قحط المطر في خطبته([9]).
وكان يمهل يوم الجمعة حتى يخرج الناس، فإذا اجتمعوا خرج إليهم.


الرابعة والثلاثون: أن من مات يوم الجمعة وُقِي فتنة القبر، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر»([10]).


([1])رواه مسلم (867) في الجمعة.

([2])رواه البخاري (2/234).

([3])رواه أحمد في المسند (4/263).

([4])رواه البخاري (3/342).

([5])رواه أبو داود (118).

([6])رواه الترمذي (3776).

([7])رواه مسلم في الصحيحة (1017).

([8])رواه مسلم (874).

([9])رواه البخاري (2/342).

([10])مسند الإمام أحمد (2/169) وأخرجه الترمذي (1074). وهو قوي بشواهده.

بعض الأحكام المتعلقة بصلاة الجمعة([1])

1- الغسل سنة مؤكدة، وقال بعض العلماء بالوجوب، والأفضل في غسل الجمعة أن يكون قبل التهيؤ والتوجه إلى المسجد.


2- غسل الجنابة يكفي عن غسل الجمعة إذا كان في النهار، و ينويهما جميعًا.


3- لا يجوز لمن كان في بيته حجز الأماكن، فالمسجد لمن تقدم.


4- الواجب على الآباء عدم إحضار أبناء دون السابعة لئلا يشوشوا على المصلين.


5- إذا تقدم الصبيان إلى الصف الأول فإنه لا يجوز تأخيرهم؛ لأنهم سبقوا إلى حق لم يسبق إليه غيرهم، وفي تأخيرهم تنفيرًا لهم من الصلاة.


6- ليس هناك دليل على استحباب ركعتين بعد الأذان الأول.


7- السنة عند دخول المسجد أن يصلي الداخل ركعتين تحية المسجد ولو كان الإمام يخطب ويتجوز فيهما.


8- ليس للجمعة سنة راتبة قبلها في أصح قولي العلماء، ولكن يشرع للمسلم إذا أتى المسجد أن يصلي ما يسر الله له، يسلم من كل اثنتين وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أن المشروع للمسلم إذا أتى المسجد يوم الجمعة أن يصلي ما قسم له، وأما بعدها فلها سنة راتبة أقلها اثنتان وأكثرها أربع.


9- يشرع للمتلاقين في الصف أن يسلم أحدهما على الآخر وأن يتصافحا لعموم الأحاديث في فضل السلام.


10- لا يجوز للمسلم أن يرفع صوته بالقراءة في المسجد أو في غيره إذا كان يشوش على غيره من المصلين والقراء، والسنة أن يقرأ قراءة لا يؤذي بها أحد.


11- إذا مر الخطيب بذكر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يشرع للمستمع أن يصلي ويسلم عليه.


12- يسن الإنصات للخطبة وترك السواك وسائر العبث «كالعبث بالجوال أو غيره» من حيث الشروع فيها إلى أن يفرغ منها.


13- لا يشرع تشميت العاطس أثناء الخطبة وإذا عطس فليحمد الله في نفسه.


14- لا يشرع رفع اليدين عند دعاء الخطيب لا للإمام ولا للمأموين وإنما يكون التأمين بينه وبين نفسه من دون رفع صوت، وإنما يشرع رفع اليدين عند الاستسقاء فقط.


15- إذا سلم عليك أحد في أثناء الخطبة ومد يده فإنك تمد يدك إليه من غير سلام ولا كلام.


16- يجوز الكلام أثناء سكوت الإمام بين الخطبتين إذا دعت الحاجة إليه، ولا بأس بالإشارة لمن يتكلم والإمام يخطب أن يسكت. كما تجوز الإشارة في الصلاة إذا دعت الحاجة إليه.


17- تجوز صلاة الجمعة قبل الزوال ولكن الأفضل بعد الزوال خروجًا من الخلاف وتيسيرًا على الناس، حتى يحضروا جميعًا وحتى تكون الصلاة في الجوامع في وقت واحد وهو أولى وأحوط.


18- لا يشترط لإقامة الجمعة أربعون شخصًا وأقل، الواجب لإقامتها ثلاثة.


19- من أدرك ركعة مع الإمام فإنه يدرك الجمعة، أما من جاء وقد رفع الإمام من الركوع في الركعة الثانية فإنه يصليها ظهرًا.


20- من لم يصل الجمعة مع الإمام لعذر شرعي كالمسافر والمريض وكذا المرأة، فإنه يصليها ظهرًا وهكذا سكان البادية، ومن تركها عمدًا فعليه التوبة ويصليها أيضًا ظهرًا.


21- لا يجوز أن يصل صلاة الجمعة بصلاة أخرى حتى يتكلم أو يخرج ، وهذا عام في جميع الصلوات والكلام يكون بالاستغفار والذكر وغيره.


22- إذا صادف يوم الجمعة عيدًا فإنه على الإمام أن يقيمها، ومن شهد العيد مع الإمام فهو بالخيار، إن شاء أن يصليها مع الإمام أو يصلي ظهرًا جماعة أو فرادى لكن من لم يصلي العيد جماعة وجبت عليه الجمعة.


23- ليس من شرط الجمعة أن يكون الإمام عدلاً معصومًا، بل يجب أن تقام مع البر والفاجر ما دام مسلمًا لم يخرجه فجوره عن دائرة الإسلام.


24- لا يصح جمع السجناء على إمام واحد في صلاة جمعة أو جماعة يقتدون به بواسطة مكبر الصوت، لكن إن أمكنهم الحضور لأداء صلاة الجمعة في مسجد السجن وإلا فإنها تسقط عنهم ويصليها ظهرًا.


25- يحرم تعدد الجمعة في قرية واحدة إلا من حاجة، وهذا قول جمهور أهل العلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تقام في عهده إلا جمعة واحدة في المدينة، وهكذا في عهد الخلفاء الراشدين، وهذا لما في اجتماع المسلمين في مكان واحد كالجمعة والعيد من التعاون على البر والتقوى وإقامة شعائر الإسلام والائتلاف بين المسلمين والمودة والتعارف والتفقه في الدين وتأسي بعضهم ببعض في الخير، ولما في ذلك من زيادة الفضل والأجر بكثرة الجماعة وإغاظة أعداء الإسلام من المنافقين وغيرهم.


26- لا يجوز إقامة صلاة الظهر بعد الجمعة وهذا من البدع المحدثة، وهذا يفعله البعض ويقولون إنما نفعل ذلك احتياطًا من عدم صحة الجمعة؛ لزعمهم أن الجمعة لا تقام إلا بإمام عاد معصوم، وهذا كله مخالف للكتاب والسنة وفعل السلف.


27- يجوز ترجمة خطبة الجمعة؛ لأن المقصود وعظهم وتذكيرهم وتعليمهم أحكام الشريعة، ولا يحصل إلا بالترجمة.


28- يجوز أن يتولى الخطبة شخص والصلاة شخص آخر إذا دعت الحاجة.


29- الجمعة إلى الجمعة تكون كفارة لما بينهما إذا اجتنب العبد الكبائر.


30- السنة أن يقرأ الإمام بسورة السجدة والإنسان في صلاة الفجر يوم الجمعة، ولا يكون مصيبًا من اقتصر على أحدهما؛ لقول بعض المأمومين أن ذلك يشق عليهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرحم الناس وأرأفهم بأمته، ولم يكن يدعهما.


31- من([2]) صلى الجمعة فلا يجوز له أن يجمع معها العصر حتى ولو كان ممن يباح له الجمع بسفر أو غيره ولكن يصليها ظهرًا ويجمع معها العصر.


32- المسافر([3]) إذا كان مسافرًا فإنه لا يلزمه السعي إلى الجمعة، أما ما يفعله كثير من المسافرين إذا دخل عليهم وقت الجمعة أنهم يتوقفون ويصلون الجمعة، فإنه خلاف الأولى وهي تجزئهم.

([1])أحكام الجمعة والجماعة للإمام عبد العزيز بن باز.

([2])مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (12/301).

([3])فتاوى اللجنة الدائمة (2/208).

بارك الله في مجهودك وجازاك عنا خير الجزاء

القعدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.