وقد بدأت هذه الولاية بالتطور والازدهار فأصبحت تجاري مختلف الولايات الجزائرية الأخرى، كما تزخر هذه الولاية بعدة معالم طبيعية مثل سلسلة جبال الظهرة، وجبل زكار كما لها دور في الاقتصاد الجزائري نظرا لأنها تملك العديد من الموارد كالفحم المتواجد بكثرة في بلدية الروينة
كما عرفت هذه المنطقة غزو الرومان لها و ذلك بعد إنتصارهم في الحروب الطاحنة ضد الفينيقين، و قد تم إستيلاء الرومان على الوطن الجزائري سنة 42 ق.م و في سنة 430 م سقط سلطانهم على أيدي الوندال و لم تكن مدة حكمهم على طولها كافية لتثبيت قدم حكومة الرومان بالجزائر، فإن سكان منطقة مليانة كغيرهم من الجزائرين ما أنفكوا خلال هذه المدة يعبرون عن كراهيتهم للرومان بالقول و الفعل و قد ظلت جهات في القطر الجزائري محافظة على إستقلالها وسط الحكومة الرومانية و هي مناطق جبال: الأوراس، جرجرة و الونشريس، وكانت هذه الجهات المستقلة هي مصدر الحركة الإستقلالية ضد الرومان، إذ أن جهة الونشريس المستقلة كانت تضم مليانة عين الدفلى، الشلف، العطاف و المدية.
و لم يكن هذا الإستقلال عن الحكومة الرومانية الظالمة المعتدية إلا نتيجة للتمرد و العصيان و الثورات المتتالية من طرف السكان الذين ظلوا على الدوام يعشقون الحرية و يرفضون الإستعباد فأمتهنوا المقاومة و الكفاح حرفة ضد المستبدين فسجلوا صفحات خالدة من البطولات و الأمجاد.
" أوكتافيوس " بين عامي 25 و 27 ق.م.
- العهد الإسلامي:
لقد برزت الأهمية الحقيقية لمنطقة عين الدفلى في العصر الإسلامي عندما أعاد " بولوغين بن زيري" و هو من أشهر أمراء صنهاجة حيث ساهم في بناء مدينة مليانة و جعلها عاصمة سياسية على جزء كبير من بلاد المغرب الكبير حيث شهدت إزدهارا مرموقا في الزراعة و التجارة مما جعل الشريف الأدريسي في كتابه: " نزهة المشتاق" يقول:« و هي – أي مليانة – مدينة صغيرة حصينة على نهر صغير عليه عمارات متصلة و كروم بها من السفرجل كل بديع و لها سوق و حمام و سوقها يجتمع إليه أهل الناحية، و قد تردد عليها الرحالون فأجمعوا على محاسن الموقع و كثرة المياه و رخاء العيش، فهي من أخصب بلاد إفريقيا و أرخسها أسعارا و حولها تعيش قبائل كثيرة من البربر ».
- العهد العثماني:
- المنطقة في عهد الأمير عبد القادر:
إتخذ الأمير عبد القادر مليانة حصنا له و ذلك سنة 1835 و عين عليها خليفته محي الدين الصغير ما بين سنة 1835 إلى سنة 1837 و بعد وفاته عين مكانه محمد بن علال بن مبارك و ظل خليفة عليها إلى أن إستشهد بالغرب الجزائري في 11/11/1843.
و أنشأ الأمير عبد القادر بمنطقة مليانة منشآت حربية نذكر منها: مصنع الأسلحة منها البنادق، الرماح، و كانت المادة الأولية تستخرج من منجم زكار، و كان يسير هذا المصنع بعض الأسرى الفرنسين و ظلت منطقة عين الدفلى مستقلة و لم يتم غزوها من قبل الفرنسيين إلا في 08-06-1840 حيث قاد الماريشال فالي حملة عسكرية غير أنه قوبل بمقاومة شعبية عنيفة شاركت فيها كل قبائل المنطقة تحت قيادة الخليفة محمد بن علال و ألحقت بالجيوش الفرنسية خسائر معتبرة في الأرواح و العتاد و هذا بإعتراف القائد الفرنسي كاستيلا الذي قال: " تلقى الجيش الفرنسي أشد الخسائر أكثر من أي حملة فرنسية في بلاد إفريقيا".
و في سنة 1841 قاد الجنرال " بيجو " بنفسه حملة عسكرية على منطقة مليانة، و كان الأمير بصحبة خليفته محمد بن علال قد أعد العدة لصد هذا الهجوم، حيث تمكنت قواته النظامية و الشعبية من التصدي لهذا الهجوم و إلحاق هزيمة نكراء بالجنرال " بيجو " و عساكره و قد وصف أحد قادة العدو هذه الواقعة فقال: " و هذه أول هزيمة وقعت بالماريشال " بيجو " منذ ولايته على الجزائر.
-
دور المنطقة في الثورات الشعبية بعد مقاومة الأمير عبد القادر:
كما رفض شباب المنطقة الخدمة العسكرية في صفوف الجيش الفرنسي، لذا طاردتهم السلطات الإستعمارية و إعتبرتهم مجرمين و سمتهم قطاع الطرق و أرغمتهم على العيش على هامش المجتمع بينما إعتبرت أعمالهم لدى سكان الجهة بطولات رائعة قامت على التضحية بالنفس و النفيس مخلدة في قصائد شعرية و أساطير ملحمية، و هكذا إبتداءا من العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين صارت السلطات الإستعمارية تتكلم عن أزمة إنعدام الأمن في هذه المناطق.
و لم يترك المواطنون أية فرصة إبداء معارضتهم للنظام الإستعماري، و أن في ذلك لنوعا آخر من أنواع المقاومة التي قابلتها سلطات الغزو بمحاولة إستعمار الأذهان بأفكار دخيلة، و كانت المدرسة هي سلاح الغزو الفكري لكن موقف سكان المنطقة كانت موقف الحذر و الشك إذ رفضوا إرسال أطفالهم إليها عن رفض لغة المستعمر و إعتبار المدرسة الفرنسية وسيلة للتنصير و التمسيح.
إلا أن التعليم باللغة العربية ظل مستمرا في كافة قرى و أرياف و مدن ولاية عين الدفلى على يد الزوايا و المساجد التي تعتبر هذه المنطقة من أغنى مناطق الوطن بها، فقد وصل عددها قبل الثورة التحررية الكبرى 100 زاوية إلى جانب الجمعيات الدينية و الكتاتيب الملحقة بالمساجد و يظهر الدور الإيجابي و الهام للزوايا في التعليم على الخصوص فقد كانت بإضافة إلى وظيفتها الدينية معاهد لتعليم الناشئة و تنويلر العامة و التصدي للغزو الصليبي ما قام به الكاردينال لافيجري في منطقة العطاف من محاولات لتنصير أيناء المسلمين على يد الراهبين: سانت مونيك و سان سابريكن مستغلا أوضاعهم الإجتماعية و الإقتصادية و كان رد الزوايا عنيفا إذ هي عبارة عن مراكز أمامية ضد الأعداء أثناء المقاومة.
لقد ظهرت الحركة السياسية بعد الحرب العالمية الأولى في ظروف صعبة ثم تطورت في الثلاثينيات و بداية الأربعينيات، و قد إلتفت جماهير منطقة عين الدفلى بقراها و مداشرها و أريافها و ساحاتها حول برج الأمير خالد الذي وجدته معبرا أصدق تعبير عن آمالها و طموحاتها الوطنية، و مع بداية نشاط الحركة الوطنية في منتصف الثلاثينيات ساهمت هذه الجهة من الوطن في الإمداد السياسي و المادي و برزت عدة تيارات سياسية و جمعيات ثقافية و رياضية أحدثت تأثيرات متباينة حسب الظروف و حجم كل تيار و نذكر على سبيل المثال نشاط محمد بوراس في مجال الكشافة الإسلامية و هو مؤسس هذه الحركة التي كان لها دور فعال في الإعداد للثورة التحريرية.
و لقد إستقبل سكان المنطقة في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين الإمام الشيخ عبد الحميد إبن باديس، كما نزل بهذه المنطقة فيما بعد كل من السيد فرحات عباس و مصالي الحاج و كان الإقبال على الإنخراط في حزب الشعب الوطني الجزائري.
و لقد ولد نوعا من الإعتقاد -بإمكانية تحقيق إنتصار سياسي سهل على الإستعمار فجاءت أحداث ماي 1945ى تكذب هذا التفاؤل الساذج و تشيع الياس في نفوس عدد من الزعامات التقليدية و أتباعها.
و كان عدد من أتباع المنطقة و آخرون من جهات الوطن قد تطوعوا في حرب الفيتنام بدافع أو بآخر، و شهدوا هنالك ما لحق بالجيش الفرنسي من هزائم على يد شعب مستضعف مثل الشعب الفيتنامين إن تلك المقاومة المستمرة بثوراتها و إنتفاضاتها التي لم تتقطع قد أدت بمرور الزمن إلى إعداد الشعب لمقاومة أكثر تنظيما.
و تعتبر إحداث ماي 1945 من نتائج الحرب العالمية الثانية التي كان سكان المنطقة يعلقون عليها آمالا كبيرة، حيث كانوا ينتظرون أن تفي فرنسا بوعودها فتمنحهم الإستقلال، غير أن هذه الآمال تبخرت عندما واجه العدو الفرنسي المتظاهرين المطالبين بالإيتقلال بالقمع، و قد كان لهذه المجازر آثار عميقة في نفوس مواطني هذه المنطقة، إذ خرجوا في مدينة " عين الدفلى " في مسيرة إحتجاجية جابهتها العساكر الفرنسية يالقمع فجرح ثمانية مواطنين، و قد تحدثت يومها الصحف عن الحادثة خاصة الجزائر الجمهورية التي كان يكتب فيها المناضل " أحمد قدار من عين الدفلى، أما في مدينة " الروينة " فأقدم المناضلون على حرق محافظة الشرطة يومي 23 – 24 ماي 1945 و هو ما أشار إليه المجاهد بن يوسف بن خدة في كتابه جذور أول نوفمبر 1954 و أيدته رواية بعض المناضلين.
و قد عرفت المنطقة بعد هذة الأحداث المؤلمة نشاطات سياسية مكثفة، تمثلت في عقد عدة تجمعات شعبية في مختلف مدن و قرى الولاية، و خاصة في عين الدفلى، مليانة، خميس مليانة، و الروينة، أشرف عليها مناضلون قياديون أمثال: لحول الحسين و محمد العربي دماغ و غيرهم يبثون الوعي و يدعون إلى توحيد الصفوف و إنشاء الخلايا و كشف نوايا العدو و فضح جرائمه.
و في شنة 1947 لم يفوت " فرحات عباس " الفرصة فنزل في عين الدفلى وسط السكان بالسوق الأسبوعي يدعوهم إللى التآزر و الإتحاد و في نفس السنة يحل " السويداني بوجمعة " و " محمد بوشعيب " بنواحي جليدة و خميس مليانة ليلتقي بمناضلي المنطقة أمثال: مولوج قسوم و رابح بلعسال، بولوحة محمد، حنيش عبد القادر، مصطفى فروخي، بوهراوة عبد القادر بسكري إبراهيم، بوزار قوادري بلقاســــم، رايس بن ميرة، فرنيني محمد، خثير محمد جيطلي أحمد، محمد جلولي، أحمد شكال، عمر بلمحجوب، بومدين عبد القادر و أشكيكين أحمد و غيرهم.
و في هذه الفترة كانت المنطقة قبلة يتوافد عليها زعماء الحركة الوطنية و الأحزاب السياسية الفاعلة : أمثال أحمد بن بلة، ميصالي الحاج، الشيخ بيوض، الشيخ البشير الإبراهيمي، رابح بيطاط، بن يوسف بن خدة، سعيد عمراني، محمد باوزداد، حمو بوتليليس، أحمد محساس و محمد خثير و غيرهم ولم يكن هذا التحرك صوب المنطقة إلا دليلا على أهميتها، حيث كان مناضلوها يتمتعون بوعي سياسي عالي و بروح وطنية متأججة أبدوا من خلالها إستعدادا قويا للثورة ضد العدو المحتل و أعوانه الذين كانوا يستعدون لخوض الإنتخابات البلدية و التشريعية سنـــــــــــة 1947 – 1948.
و قد شهدت سنة 1947 إجراء الإنتخابات البلدية، كمـا شهدت 1948 إجراء الإنتخابات التشريعية و قد أعطت حركة إنتصار الحريات الديمقراطية MTLD أوامرها إلى المناضلين من أجل السهر على مراقبة هذه الإنتخابات لتكون في صالح الحزب، غير أن الإدارة الفرنسية قامت بتزويرها مما دفع المناضلون في جمعة أولاد الشيخ و عرش هروات ببلدية طارق بن زياد و في بلدية برج الأمير خالد إلى خطف هذه الصناديق و تكسيرها و حرقها.
و قد نتج عن هذه الحوادث ملاحقة الكثير من المناضلين الذين سجنوا لمدة تتراوح بين سنة و سنة و نصف بتهمة التمرد و الإخلاء بالنظام العام و إهانة القايد و التعرض لرجال الجند رمة و شيوخ الفرقة، و تعرض المواطنون في البلدبات المدكورة إلى عقوبات فردية و جماعية تمثلت في سجن البعض منهم و مصادرة أموالهم و فرض الغرامات الجائزة و الحصار العسكري من قبل الجيش الفرنسي دام ستة أشهر تعرض خلالها المواطنون لأبشع أنواع الإضطهاد و القمع المادي و المعنوي.
و لعل هذه الأحداث التي عرفتها المنطقة كانت حافزا قويا لعقد مؤتمر زدين في شهر ديسمبر 1948 حضره واحد و ثلاثون عضوا و قد دام أسبوعا كاملا حسب شهادة المجاهدين بن يوسف بن خدة إذ دار النقاش فيه حول بر نامج الحزب و إختيار المرحلة التي يجب إعتمادها و قد إستقر الرأي على الإستمرار في مرحلة التنظيم من أجل الإعداد الجيد لمرحلة الثورة المسلحة.
و يروي المناضل محمد فرنيني من خميس مليانة انه كان يقوم بحراسة المؤتمرين و هو يحمل السلاح و قد تسربت شائعة مفادها أن فرنسا قد تفطنت لهذا المؤتمر و قد أصدر ميصالي الحاج أوامره بحرق كل الوثائق و المعلومات المكتوبة المتعلقة بهذا اللقاء و إتفق الجميع على إتمام أشغال المؤتمر في البليدة في منزل محمد بولحية حسب رواية بن يوسف بن خدة و من بين الحاضرين:
*- سعيــــد عمرانــــــــي *- أحمد بـــــــن بلـــــــــة
*- أحمد بـــــــــــــــــودة *- حمو تليليـــــــــــــس*- حاج محمد شرشالي *- محمد لمين دباغيــن
*- حسين لحـــــــــول *- مصالي الحــــــــاج
*- أحمد مزغنـــــــــة *- شوقي مصطفاوي
ربي يحفظها لكم