قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله:
واعلم أن من الاعمال ما يكون فيه خير , لاشتماله على أنواع من المشروع , وفيه أيضا شر , من بدعة وغيرها , فيكون ذلك العمل خيراً بالنسبة إلى الاعراض عن الدين بالكلية كحال المنافقين والفاسقين .
وهذا قد ابتلي به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة فعليك هنا بأدبين :
أحدهما : أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطنا وظاهرا في خاصتك وخاصة من يطيعك , واعرف المعروف وأنكر المنكر .
الثاني : أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان .
فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه , فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه , أو بترك واجب , أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه , ولكن إذا كان في البدعة من الخير , فعوض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان .
إذا النفوس لا تترك شيئا إلا بشيء , ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرا إلا إلى مثله أو إلى خير منه , فإنه كما أن الفاعلين لهذه البدع معيبون قد أتوا مكروها , فالتاركون أيضا للسنن مذمومون .
فإن منها ما يكون واجبا على الاطلاق , ومنها ما يكون واجبا على التقييد , كما أن الصلاة النافلة لا تجب ولكن من أراد أن يصليها يجب عليه أن يأتي بأركانها…….. ,
ومنها ما يكره المداومة على تركه كراهة شديدة , ومنها ما يكره تركه أو يجب فعله على الأئمة دون غيرهم وعامتها يجب تعليمها والحض عليها والدعاء إليها .
وكثير من المنكرين(1) لبدع العبادات تجدهم مقصرين في فعل السنن من ذلك , أو الأمر به , ولعل حال كثير منهم يكون أسوأ من حال من يأتي بتلك العادات المشتملة على نوع من الكراهة .
بل الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه , فلا ينهى عن منكر إلا ويؤمر بمعروف يغني عنه , كما يؤمر بعبادة الله وينهى عن عبادة ما سواه . النقل من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة اصحاب الجحيم ص405-406 ط دار الفضيلة
============================== =
1- قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في شرحه على هذا الكتاب:
بعض الناس ينكر البدع وهذا شيء مطلوب , لكنه لا يكون حريصا على السنن , فالذي ينبغي له الوصفان , إنكار على البدع والحرص على السنن .
فكثيرا من الناس ينكرون البدع وهذا شيء مطلوب , ولكنهم لا ينشطون في السنن , فهم فعلوا شيئا وتركوا شيئا , فينبغي لهم أن يحرصوا على السنن , وهذا حال كثير من الشباب وطلبة العلم منهم في وقتنا الحاضر , فإنهم ينكرون البدع وقد يحكمون أحيانا على بعض العبادات أنها بدعة , كصلاة التراويح وعدد ركعاتها , ثم تجدهم كسالى لا يصلون مع الناس التراويح ولا التهجد وما يحرصون على السنن , وإنما ديدنهم إنكار البدع وهذا شيئا مطلوب لكن ما يكفي هذا , فأنت إذا انكرت البدعة فعوض عنها بالسنة , وإيضا أنت إذا انكرت البدع اغرس محلها السنن في قلبك وفي قلوب الناس , ولا تجعل الأمر فراغاً فالناس سيعملون إما في الخير وإما في الشر , إما اشغلتهم بالسنة وبينتها لهم أو اشتغلوا بالبدعة .
والشيخ – ابن تيمية – نبه على شيء قال بعضهم – ممن ينكرون البدع – قد يكون حاله اسوأ ممن يفعل شيئا مما فيه شيئا من المكروه .
لأن هذا الذي يفعل شيئا من المكروه عنده شيئا من الحرص على العبادة ورغبة في الخير لكنه قد يخطئ , لكن هولاء – المنكرين – يتركون العمل نهائياً .
مزيدا من تعليق الشيخ وفيه فوائد على الرابط
1- أن الكمال في الإتيان بالمشروع الصافي عزيز خصوصا في هذه الأزمان إلا من وفقه الله وقليل ما هم .
2- أن النجاة من التخليط بين المشروع وغير المشروع يكون بالعلم النافع فهو المؤدي للعمل الصالح النقي من الشوائب .
3- من عرف السنة في عمل ما فليعض عليها بالنواجذ , ولا يكون عاضاً إلا بإدمان العمل بتلك السنة .
4- أن تدعو من تستطيع لما عرفت من السنن والإجتهاد في نشرها بين الناس .
5- النفس لابد لها من عمل , فإن أشغلتها بالسنة وإلا أشتغلت بالبدعة .
6- لا ينبغي لأحد أن يترك خيرا إلا إلى مثله أو إلى خير منه .
7- البقاء على العمل المفضول بل والمكروه أحيانا خير من ترك العمل بالكلية .
8- لا يُنهى عن منكر إلا ويؤمر بمعروف يغني عنه , فالدين أمر ونهي ونفي وإثبات كما في كلمة التوحيد وهي أصل الدين .
والله اعلم وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان
والحمد لله رب العالمين
وهذه قاعدة فقهية عظيمة .. فلو عجزنا عن إزالة المنكر إلا بمنكر لكنه أقل منه مفسدة فإننا نختارأهون الشرين ..
بارك الله فيكم أخي أبا الوليد على النقل الطيب وجعله في ميزان حسناتكم .
|
نعم اخي العزيز علي قاعدة فقهية جزاك الله خير .
وفيك بارك