هذا ملخص ومختصر من مقالة للشيخ أحمد حماني – رحمه الله-.. أوردتها لكم ونحن على أبواب
الاحتفال بثورة أول نوفمبر .. لنعرف وبيقين موقف ابن باديس رحمه الله من الثورة ..فهناك من يتهم
الجمعية بنكوصها عن الثورة .. دون إطالة إليكم المقالة ..
هذا جانب هام من جوانب شخصية الأمام الرئيس عبد الحميد بن باديس رحمه الله، دفعني
للاهتمام به سؤال أخت كريمة تعمل في حقل التربية والتعليم ألقته علي في ندوة بمقر الاتحاد
النسائي بالعاصمة سنة 1399 هـ، فأجبتها آنذاك بما حضر… ثم بحثت عن دعم مادي يؤيد أنه
رحمه الله – كما كان مفكرا ثائرا في ميدان العقيدة والدين ضد الفساد في الاعتقاد، والانحراف
في العمل والخروج عن الكتاب والسنة – كان كذلك ثائرا ضد الظلم والطغيان الاستعماري عاملا
لتقويض سلطان المستعمر على البلاد والعباد، جادا في طرده، وتطهير الوطن من أرجاسه
لا بالدعاء والقول فقط، ولكن بالثورة المسلحة.
إن عمل ابن باديس في هذا الميدان وتحقيق عزمه عليه يمكن إثباته بالرواية المتصلة
الصادقة، كما يمكن إثباته بنصوص صادرة منه مسجلة أو منقولة نقلا صحيحا.
فمن أراد أن يؤرخ ابن باديس ويكتب سيرته وجد هذه الوسائل متوفرة إذ ما يزال بالحياة بعض
من اجتمعوا به، ودرسوا عليه، ورأوا أعماله ورووا أقواله وحضروا مجالسه، وشاركوا في نشاطه،
وما تزال آثاره من أقوال مسجلة يمكن الرجوع إليها من أراد أن يكتب عنه فإذا ملك النصيب الوافر
من الصبر والنزاهة والدقة في الفهم للأقوال والمقاصد والأعمال، أمكن أن يستخرج الكثير من الحق
ومن النافع المفيد في أي جانب من جوانب حياة هذا الرجل العظيم.
ما سمعه بعض تلاميذه الأحياء في موضوع الثورة المسلحة
1- مما رواه الأحياء من تلاميذه في هذا الموضوع ما أكده الشيخ محمد الصالح رمضان، أن
الشيخ ابن باديس كان منذ 1356 هـ (1937 م) يصرح بعزمه على الثورة المسلحة، وفي بعض
هذه التصريحات أنه يخشى أن يدفع الأمة إليها قبل كمال استعداد، لهذا يتجنب أن يتحمل
مسؤولية الرئاسة السياسية المباشرة لبعض الأحزاب.
2- أكد الشيخ محمد الحاج بجة أحد تلاميذه الأقدمين – من دائرة آقبو – أنه كان تلميذا في
أوائل الثلاثينات، وأن الشيخ رحمه الله كان يسأل تلاميذه الكبار : هل أديتم الخدمة العسكرية ؟
ومن أجاب بنعم ميزهم عن الآخرين وصرح لهم أننا سنحتاجكم يوما ما، وحثهم على عدم نسيان
ما دربوا عليه من أعمال الحرب، ولعل هذه الشهادة تفسر شدة اتصاله رحمه الله بتلميذه الشيخ
الفضيل الورتلاني رحمه الله، فقد كان من الذين أدوا الخدمة العسكرية قبل أن يتصل به فكان
يقربه جدا، ويستصحبه معه في بعض رحلاته ويركن إليه في تربية صغار تلاميذه على الثورة،
وقد عاش هذا الرجل ثائرا وصار يخشى جانبه الملوك والأمراء في الشرق العربي، وله أثر كبير
في الثورة اليمنية ضد نظام الملك يحيى، وهذا معلوم، حتى جاءت الثورة الجزائرية فعمل في
صفوفها ومات – وهو يمثلها – بتركيا، وله تلاميذ هناك يذكرونه بخير، وهو دفين أنقرة.
3- ومن ذلك ما سمعته بأذني وحضرته بنفسي في إحدى أمسيات خريف 1939 م في مجلس
بمدرسة التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة، وتطرق الحديث إلى موضوع الحالة السياسية
بالجزائر بعد إعلان الحرب، وموقف بعض كبار رجال الأحزاب السياسية الذين جندوا –إجباريا أو تطوعا–
في صفوف الجيش الفرنسي، وكان الشيخ رحمه الله متألما جدا من هذا الضعف فيهم، وقد صرح بما
فحواه : » لو أنهم استشاروني واستمعوا إلي وعملوا بقولي لأشرت عليهم بصعودنا جميعا إلى جبال
أوراس، وإعلان الثورة المسلحة «.
4- سافرت إلى تونس لإتمام الدراسة ولم أحضر تطور هذه الفكرة الباديسية في نفسه، ولكني
علمت أنها وصلت إلى حد الإنجاز لو لا معاجلة الموت، فقد حدّث الأستاذ حمزة بوكوشة – وهو من
أقرب المقربين إلى الشيخ عبد الحميد والعاملين معه في ميادين العلم والإصلاح والسياسة – إنه
دعاه ذات يوم للمبايعة على إعلان الثورة المسلحة، وحدد له تاريخ إعلانه بدخول إيطاليا الحرب
بجانب ألمانيا ضد فرنسا، مما يحقق هزيمتها السريعة، فبايعتُه على ذلك، وكان بالمجلس غير
الأستاذ حمزة منهم من تردد ومنهم من أقدم على المبايعة. وقد أكد الشيخ محمد بن الصادق
جلولي هذه الرواية ودعمها. ولكن المنية أدركت ابن باديس قبل موعد إعلان الثورة ببضعة
وخمسين يوما، فقد مات في 16 أفريل 1940 م، ودخلت إيطاليا الحرب في 10 يونيو 1940 م.
ولعل الحكمة قي تحديد هذا التاريخ لابتداء الثورة أن إيطاليا صرحت بأطماعها اللاشرعية في
تونس، ولعلها تمددها إلى الجزائر، فإذا دخلت بجانب ألمانيا وانتصرتا صرنا (ميراثا) من تركة الهالك!
فأراد الشيخ أن نكون في الوجود وأن نطرد فرنسا بأنفسنا، ودخول إيطاليا في الحرب يسهل مهمتنا،
وأتذكر جيدا أنني صارحته ذات يوم بالخوف – إن انتصر المحور – من استيلاء إيطاليا على بلادنا
باعتبار أننا تراث من فرنسا، فأجابني فورا رافعا رأسه : » ليست إيطـاليا التي تستطيع استعمـارنـا
يا بني « قالها في اعتزاز وثقة، وقوة نبرة توحي بالتحدي.
5- منذ خريف 1940 م منع الشيخ عبد الحميد من حرية التجول وأصبح في إقامة جبرية بمدينة
قسنطينة ولكنه لم يلتزم بذلك، وصار يتفلت من القيد سـرا لمتابعة أعماله التحضيرية للثورة، وقد
حدثني الأستاذ محمد الصالح بن عتيق مدير مدرسة الميلية أنه طرق عليه الباب ذات ليلة ففتحه
وإذا به يجد الشيخ متنكرا، فدعاه إلى النزول فاعتذر، وأنه حدثه عن الثورة المسلحة وعن مدى
استعداد الشعب في جبال الميلية لها، قال فأجبته بأن رجال الميلية فيها وفي جبالها رجال »
بارود« وله أن يعول عليهم إذا جـد الجـد، وأن الاستعـداد النفسي للثورة كامل فيهم.
لا شك أن ابن باديس سار خطوات في الموضوع، وأنه لم يكن له أن يدخل في مغامرة خطيرة
دخولا عشوائيا، دون أن يحكم نظامها، ومن ذلك اتخاذ حلفاء والاعتماد على مصادر لاستيراد السلاح،
وقد كان يعتمد في هذه الناحية على رجال من الحركة الوطنية من حزب الشعب، له اتصال وثيق
بهم، وثقة كاملة في كفاءتهم وصدق وطنيهم وإخلاصهم، ومن هؤلاء زعيم كريم من الأكفاء من ولاية
سكيكدة كان يتردد بين الجزائر وبين أوروبا، وفي رجال هذا الحزب من كان يعمل للثورة المسلحة
ويتصل بخصوم فرنسا لتحقيق الغرض، وأثناء وجود ألمانيا بتونس عام 42-1943 م، جاءنا أحد كبارهم
فاتصلنا به وعملنا معه ولكنه بصرنا بفساد نية الألمان، ونهانا الاندفاع معهم، ثم كان الرجل من أكبر
رجال الثورة الجزائرية وما يزال بقيد الحياة.
هذا ما أمكن الرجوع إليه من الروايات الشفاهية عن ثقات لا يتطرق الشك إلى نزاهتهم وصدق
روايتهم، وشدة ضبطهم وتحريهم، .
وأما النصوص المسجلة الصريحة الواضحة أو المفهمة الملهمة فإنها كثيرة في خطبه، ومقالاته
وقصائده ومنشوراته، ويمكن الرجوع إليها في مجلة الشهاب، وجرائد جمعية العلماء، ومن أمعن
النظر فيها ودقق البحث وجد في الكثير منها ما فيه تصريح واضح بالحث على الثورة أو الاستعداد لها،
أو العزم على إيقاد نيرانها، أما التلميح والرمز فإن ذلك مما برع فيه أستاذنا ودرب على فهمه طلابه،
وكثير ما كان ينشد :
وَلقد لَحَنْتُ لَكم لكيمًا تَفْهَمُوا *** وَاللّحنُ يَفْهَمه ذَوو الألْبابِ
فإذا رمز ولحن فهم طلابه، وعمي غرضه عن الجواسيس المبثوثين، وهم الذين اضطر من أجلهم
إلى اللحن والرمز والتلميح دون التصريح، وكانت الظروف عسيرة والأنفاس محسوبة والبطش
شديدا.
يتبع …….
تحياتي لكم ..
وهاكم بعض هذه النصوص :
تهديد بالثورة أمام لجنة برلمانية فرنسية
سأل اللجنة – في جلسة رسمية – رجال جمعية العلماء عن الإصلاح المنشود في الجزائر، فأجاب ابن بايدس :
» إنني أحقق لكم – قبل كل شيء – أمرين، هما :
1- إن كـل محـاولة لحمل الجزائريين على ترك جنسيتهم أو لغتهم أو دينهم أو تـاريخهم أو شيء من مقومـاتهم هي محـاولـة فـاشلة مقـضـي عليها بالخيبة…
2- إن الحالة التعيسة التي بلغت إليها الأمة الجزائرية – وقـد اطلعتم عليها أنتم أكثر من غيركم – لا يمكن أبـدا أن يستمر صبر الأمة الجزائرية عليها أكثر مما صبرت «.
وعن سؤال لرئيس اللجنة فحواه :
ماذا يقع لو أصدرت فرنسا أمرا يعطي المسلمين حقوقهم ويجردهم من قانون الأسرة، والأحوال الشخصية أجاب ابن باديس بقوله : » إذا ألزمت فرنسا المسلمين برفض شريعتهم والتخلي عن ذاتيتهم كأنهم يشعرون بالضربة القاضية عليهم بالعدم التام… وأنا أحقق لكم أنكم إذا ألزمتم الأمة الجزائرية المسلمة برفض شريعتها والتخلي عن ذاتيتها فإنكم تكونون قد وضعتم أمرا يؤول بالجزائر إلى اضطراب أعظم لا تدري عاقبته «، (البصائر 25/02/1356 هـ)، كلمة اضطراب أعظم لا تدري عاقبته صريح في الثورة المسلحة ولكن لا يؤاخذ عليه القانون مثل كلمة (الثورة).
اليأس يدفع إلى المغامرة.
في مقال له تحت عنوان : » هل آن أوان اليأس من فرنسا « نشر بالشهاب في جمادى الآخرة 1356، جاء قوله :
» لقد أخذ اليأس بتلابيب الكثير منا، وهو يكاد يعم، ولا نتردد أنه قد آن أوانه ودقت ساعته « ثم قال : » والله لا تسلمنا المماطلة إلى الضجر الذي يقعدنا عن العمل، وإنما تدفعنا إلى اليأس الذي يدفعنا إلى المغامرة والتضحية « اهـ. ما هي المغامرة المصحوبة بالتضحية أليست الثورة المسلحة التي تحقق الاستقلال ؟ إن الثورة لا تكون إلا بالتضحية الغالية بالأنفس والأموال، والمغامرة يقدم على مغامرته دون أن يحسب حسابا لربحه أو خسارته ويوازن بينهما.
اليأس بعد الرجاء : الدعوة إلى تكوين جبهة وطنية.
في شهر سبتمبر 1937 م، أصدر بيانا ونداء إلى الشعب الجزائري وإلى النواب المنتخبين حرم فيه طرق أبواب البرلمان الفرنسي، ودعا إلى اتحاد الصفوف، وتكوين جبهة لا تكون المفاهمة إلا معها وجاء فيه : » أيتها الأمة الكريمة، أيها النواب الكرام : اليوم وقد يئسنا من غيرنا يجب أن نثق بأنفسنا، اليوم – وقد تجوهلت قيمتنا يجب أن نعرف نحن قيمتنا – اليوم وقد خرست الأفواه عن إجابة مطالبنا، يجب أن نقول نحن كلمتنا، اليوم وقد اتحد ماضي الاستعمار وحاضره علينا، يجب أن تتحد صفوفنا… حرام على عزتنا القومية وشرفنا الإسلامي أن نبقَى نترامى على أبواب برلمان أمة ترى – أو ترى أكثريتها – ذلك كثيرًا علينا… ويسمعنا كثير منها في شخصيتها الإسلامية ما يمس كرامتنا ويجرح أعز شيء لدينا، لندع الأمة الفرنسية ترى رأيها في برلمانها، ولنتمسك عن إيمان وأمل بشخصيتنا… قرروا عدم التعاون في النيابة بجميع أنواعها كونّوا جبهة متحدة لا تكون المفاهمة إلا معها، بَرْهنُوا للعالم أنكم أمةٌ تستحق الحياة…«.
هذا نداء يدعو إلى العصيان المدني بعدم التعاون مع المحتل والعصيان المدني بداية الثورة المسلحة، وفيه فتوى شرعية قومية بحرمة الذهاب إلى برلمان فرنسا، لأن قبول النيابة فيه اعتراف بأن الجزائر عمالات فرنسية وأنها جزء من تراب فرنسا، وفيه دعوة صريحة إلى تكوين (الجبهة) الواحدة التي لا يكون أي تفاهم إلا معها، وهذا ما فعلته الجزائر أثناء الثورة، فهي التي أعلنت الجهاد، وحرمت على أي أحد أو أية هيئة التحرك إلا في ضمنها، والتكلم معها باسم الأمة وحصلت على استقلال الجزائر.
سنعرف كيف نحيا ونموت لأجل الحرية.
بعد رجوع وفد من فرنسا شارك فيه، واستقبل من طرف عشرات الآلاف خطب فيهم فقال : » أيها الشعب إنك – بعملك العظيم الشريف – برهنت على أنك شعب متعشق للحرية وهائم بها، تلك الحرية التي ما فرقت قلوبنا منذ كنا نحن الحاملين للوائها، وسنعرف في المستقبل كيف نعمل لها وكيف نحيا ونموت من أجلها «.
وثبة بعدها وثبات، فإما الحياة، وإما الممات !
وفي هذا الجمع تابع كلامه في عشرات الألوف قائلا : » أيها الشعب لقد عملت وأنت في أول عملك هذا فأعمل وداوم على العمل، وحافظ على النظام وأعلم بأن عملك هذا – على جلالته – ما هو إلا خطوة ووثبة، وراءه خطوات ووثبات، وبعدها إما الحياة وإما الممات «.
ليس أصرح في الدعوة إلى الثورة المسلحة مما جاء في هذه الخطبة فقوله إننا شعب متعشق للحرية وهائم بها وستعرف في المستقبل كيف نعمل لها ونحيا ونموت لأجلها صريح في العزم على الثورة وإلا فما هو العمل للحرية وما هو الموت من أجلها ؟ وكلمة
وثبة هو كلمة ثورة، ولكن الأولى لا يؤاخذ عليها القانون لأنها أعم، وبعد الثورة أو (الوثبة) إما أن يكون النصر – وهو الحياة – وإما أن تكون الهزيمة – وهي الممات الحقيقي.
تحياتي لكم ..
بورك فيك .. وجزاك الله خيرا ..
على الموضوع الرائع
والطرح الراقي
اتمنى ان يستفيد منه الجميع
بانتظار جديدك
بارك الله فيك
» لقد أخذ اليأس بتلابيب الكثير منا، وهو يكاد يعم، ولا نتردد أنه قد آن أوانه ودقت ساعته « ثم قال : » والله لا تسلمنا المماطلة إلى الضجر الذي يقعدنا عن العمل، وإنما تدفعنا إلى اليأس الذي يدفعنا إلى المغامرة والتضحية « اهـ. ما هي المغامرة المصحوبة بالتضحية أليست الثورة المسلحة التي تحقق الاستقلال ؟ إن الثورة لا تكون إلا بالتضحية الغالية بالأنفس والأموال، والمغامرة يقدم على مغامرته دون أن يحسب حسابا لربحه أو خسارته ويوازن بينهما.
ذلكم كان عزم الرجال
بارك الله فيك اشتاذ عالي الحمدي
|
وفيك بورك .. الاخ عمار .