تخطى إلى المحتوى

نظرة في أصناف الأئمة ودورهم 2024.

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, وعلى آله وصحبه وجنده, أما بعد:
فإنه من المعلوم أن إتقان العمل مطلب شرعي في جميع الأعمال، فالله تعالى يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه، وهو في الإمامة أعظم وآكد؛ لأنه قد بني اختيار الإمام على الأفضلية في القراءة وفي العلم وفي الفضل والعمل الصالح.
يقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله- معقباً على حديث: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ)1. فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتقديم الأفضل بالعلم بالكتاب, ثم بالسنة ثم الأسبق إلى العمل الصالح، ثم بفعل الله تعالى2.
وعلى هذا فليس من إتقان العمل أن يتقدم للإمامة من لا يجيد قراءة الفاتحة، أو سائر السور، أو يجهل أحكام الصلاة، فربما يفسدها وهو لا يعلم، ولذلك يقول الإمام ابن حجر -رحمه الله-: "ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو من حيث يكون عارفاً بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة، فأما إذا كان جاهلاًَ بذلك فلا يقدم اتفاقاً، والسبب في ذلك أن أهل ذلك العصر -يقصد عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يعرفون معاني القرآن، لكونهم أهل اللسان، فالأقرأ منهم بل القارئ كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاءوا بعدهم"3.
ويبين الإمام الخطابي -رحمه الله- معنى السنة في الحديث فيقول: هي الفقه ومعرفة أحكام الصلاة، وما سنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها، وبينه من أمرها، فإن الإمام إذا كان جاهلاً بأحكام الصلاة، وبما يعرض فيها من سهو، ويقع من زيادة ونقصان أفسدها، أو أخرجها، فكان العالم بها والفقيه فيها مقدماً على من لم يجمع علمها، ولم يعرف أحكامها، ومعرفة السنة وإن كانت مؤخرة في الذكر وكانت القراءة مبدوءاً بذكرها، فإن الفقيه العالم بالسنة إذا كان يقرأ من القرآن يجوز به الصلاة أحق بالإمامة من الماهر بالقراءة إذا كان متخلفاًَ عن درجته في علم الفقه ومعرفة السنة, وإنما قدم القارئ في الذكر؛ لأن عامة الصحابة إذا اعتبرت أحوالهم وجدت أقرأهم أفقههم4.
وإنما ذكرنا هذا لنبين عظم المسئولية، وإن كان قد تقرر عند أهل العلم جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل، وتقديم الإمام الراتب، وأنه أولى من غيره, وإن كان غيره أعلم وأفضل.
"وإمام المسجد الراتب، أولى من غيره؛ لأنه في معنى صاحب البيت والسلطان، وقد روي عن ابن عمر –رضي الله عنهما- أنه أتى أرضاً له وعندها مسجد يصلي فيه مولى لابن عمر فصلى معهم، فسألوه أن يصلي بهم فأبى, وقال صاحب المسجد أحق؛ ولأنه داخل في قوله: "من زار قوماً فلا يؤمهم"5. ونذكر هنا بحديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: (الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ)6.
وخلاصة القول أنه ينبغي على الإمام ومن يوليهم لإمامة المساجد مراعاة الأمور التالية لما في ذلك من المصلحة العامة للفرد والجماعة:
أولاً: الإمامة مبنية على الأفضلية، وعلى هذا فإمام القوم ينبغي أن يكون أفضلهم، ومن ثم فإن فضل الإمامة عظيم، ومنزلة الإمام عالية، وبالإمامة والإمام يحل العلم محل الجهل في الناس، والإقبال على الله محل الغفلة والإعراض، والطاعة ولزوم الاستقامة محل المعصية والانحراف والفضيلة والسعادة في المجتمع محل الرذيلة والشقاء.
ثانياً: صفات القائم بالإمامة على قسمين: قسم هو الحد الأدنى، وهو أقل ما يجب عليه، وهو في غاية اليسر، والخلل في شيء منه يبطل الإمامة، وقسم هو الأولى فجدير بمن يتولى هذا العمل العظيم الذي يعد مسئولية وأمانة أن يتعاهد نفسه بشأنه، وينال منه حظاً وافراً وقدراً طيباً، وكلما ازداد منه كلما كان قادراً على تحمل هذه المسئولية، ومؤدياً لهذه الأمانة على الوجه المراد.

ثالثاً: إمامة الفاسق في الاعتقاد أو الأعمال مكروهة باتفاق، فيكره الصلاة خلفه، ولكن الصلاة خلفه صحيحة على القول الراجح من أقوال العلماء، وأما مستور الحال فلا يسأل عن معتقده، ويصلي خلفه، وهذا هو ما ذكره المحققون من أهل العلم.
رابعاً: المسئولية منها ما هو قدر مشترك يتحمله جميع الأئمة؛ لأنه أمر مقدور عليه لكل إمام، ومن المسئولية ما يعد قدراً خاصاً يناط ببعض الأئمة دون الآخرين, وذلك بحسب مكانتهم في الناس ، وحاجة الناس إليهم ، فالإمام العالم، وإمام الجامع من طلاب العلم المتخصصين في العلم الشرعي، أو المهتمين به ولو لم يكونوا في الأصل متخصصين فإنهم يتحملون ما لا يتحمله غيرهم، وعلى من دونهم ألا يقتحم الإمامة فيزج بنفسه في المنزلة التي ليس من أهلها، ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه.
خامساً: لأئمة الجوامع دور تعليمي وتربوي واجتماعي مستمر من طبيعة رسالة المسجد ذات الجوانب المتعددة، ومن الطبيعي أن يحتاج الإمام إلى من يكون عوناً له من إخوانه بعد الله تعالى على أداء رسالته، والقيام بهذه المهمة المتكاملة؛ لأن المساجد جامعات تنطلق منها الأجيال, وقد تعلمت وتربت على الفضيلة وحصلت قدراً من العلم والتربية والأخوة والتكافل، فمن يعلمها ويربيها ويؤلف بين قلوب هذه الأجيال؟
إنه الإمام وهو المسئول الأول في المسجد، ومعه صفوة من المصلين من باب قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} (2) سورة المائدة. وعليه أن يحسن الاختيار لهذه المهمة من الصادقين الأخيار.
سادساً: خطيب الجامع الناجح يراعي في أداء الخطبة الالتزام بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- والاهتداء بهديه، ويلتزم الحكمة والموعظة الحسنة، ويعد الخطبة حتى تكون مفيدة ومؤثرة, إعداداً جيداً، ويراعي أحوال المخاطبين والزمان والمكان اللذين تلقى فيهما الخطبة، ويرتب الأهم على المهم بحسب حاجة السامعين، ويوازن بين المصلحة الراجحة والمرجوحة في طرح الموضوع فيقدم الراجحة، ويدفع المفسدة وهو في جميع الأحوال يبتغي وجه الله تعالى، ويرجو ثوابه، ويحرص على الالتزام بما يقول والعمل به, ويعمل جاهداً على تبصير إخوانه المسلمين، وهو بهم رءوف رحيم, كما وصف الله تعالى نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) سورة التوبة7.
ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

السلام عليكم جزاك الله كل الخير بارك الله فيك
شكرا على المرور أخي الكريم
ربي يخليك و يحفظك للمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.