لنلق نظرة الآن على أشكال وطرق ممارسة هذه العقوبة عبر التاريخ ولنبدأ بقانون حامورابي Code Of Hammurabi الخاص بشعب بابل أو حضارة ما بين النهرين التي ترجع إليها أقدم مخطوطة مكتوبة في التاريخ وتعود لعام 1772 قبل الميلاد. مذكور في هذه المخطوطة مجموعة من القوانين من ضمنها حكم الإعدام والذي كان يعد عقوبة لـ 30 جريمة تقريبًا منها سرقة كنز من قصر، الاختطاف أو حتى السلوك غير المهذب في حانة!
في بعض الجرائم تم ذكر طرق محددة لتنفيذ الحكم، فعلى سبيل المثال، الشنق في حالة السطو والحرق في حالة السرقة والإغراق في حالة الزنا أو الاغتصاب.
قانون حامورابي
حضارات أُخرى قديمة تضمنت قوانينها عقوبة الإعدام مثل قوانين الحثيين في القرن الرابع عشر قبل الميلاد والألواح الإثنى عشر الخاصة بالحضارة الرومانية في القرن الخامس قبل الميلاد. هناك أيضًا القوانين الدراكونية التي وضعها المُشرّع اليوناني دراكو والتي كانت تُوجِب حُكم الإعدام كعُقوبة لكل أنواع الجرائم صغيرها وكبيرها!
كما ذكرنا عقوبة الإعدام في بعض الحضارات القديمة كان يُقصد بِها إلحاق المعاناة والعذاب بالمجرم قبل موته، الرومان مثلًا كانوا يستخدمون في بعض الأحيان ما يُسمى بالتطويق (وضع المجرم بين معدن مُسنن من الجهتين لينطبق عليه) وفي أحيان أُخرى يستخدمون الصلب وقد يصل بهم الحال إلى إطعام المجرم للحيوانات المفترسه علمًا بأن معظم من كانت تُطبق عليهم هذه الأحكام هُم المسيحيين نظرًا لاضطهاد الحضارة الرومانية لهم في ذلك الوقت.
في عام 1066 قام وليام الفاتح ملك بريطانيا بإلغاء عقوبة الإعدام ما يجعله أول حاكم يقوم بذلك ولكنه لم يكن قرارًا بدافع الرحمة لأنه كان يُفضِل إلحاق الضرر الجسدي الدائم بالمجرم على الموت مثل فقء العينين أو التشويه أو الإخصاء.
ولكن لم تستمر هذه المعاناة كثيرًا حيث أتى من بعده ابنه الملك هنري الأول في عام 1108 وأعاد عقوبة الإعدام مرة أخرى بتوسع حيث أضاف جرائم أُخرى يستحق مرتكبوها الإعدام وأضاف أساليب جديدة لتنفيذ العقوبة، ولكن منذ مطلع القرن العاشر كان الشنق أشهر الوسائل المستخدمة في بريطانيا واستمر الأمر كذلك وصولًا إلى القرون الوسطى حيث ظهرت أساليب أخرى مثل الغلي حيًّا أو الإغراق أو الدفن حيًّا أو تمزيق الأطراف الأربعة.
بقيت عقوبة الإعدام في بريطانيا حتى عام 1965 ونقلتها معها لمعظم مستعمراتها حول العالم.
أمّا بالنسبه لأمريكا فالكابتن جورج كيندال يُعد أول من تم تنفيذ عقوبة الإعدام عليه في المستعمرات الأمريكية (قبل استقلال الولايات الأمريكية عن بريطانيا كانت تسمى مستعمرات) حيث تم اتهامه في عام 1608 بأنه جاسوس لصالح أسبانيا.
كما هو حال أمريكا الآن فكل ولاية كانت لها قوانين مختلفة متعلقة بالإعدام، مثلًا في عام 1612 حاكم ولاية فيرجينيا أقرّ حكم الإعدام لكل من يتاجر مع الهنود! أمّا حاكم نيويورك اٌقرّ العقوبة لكل من ينكر وجود الإله أو إحدى صفاته.
في عام 1764 ظهر من يعرف بالأب الروحي لحركة إلغاء عقوبة الإعدام وهو فيلسوف وسياسي إيطالي يدعى Cesare Beccaria قام بنشر عدة مقالات تحث على إلغاء العقوبة وقد تأثر بكلماته بعض الرموز الأمريكية مثل بنجامين فرانكلين وآخرين ولكن أحدًا منهم لم يستطع أن يلغي العقوبة في أي ولاية من الولايات الأمريكية لدرجة أنه بحلول استقلالها عن بريطانيا كانت أقل ولاية تنفيذًا للحكم تنفذه لعشرة جرائم مختلفة!
في وثيقة تعديل الدستور الأمريكي عام 1791 تم النص على تحجيم العقوبة لتصبح بطرق غير وحشية أو غير اعتيادية ولا يتم تنفيذها علنًا. كنتيجة لذلك وبدءًا من منتصف القرن التاسع عشر بدأت بعض الولايات في إلغاء القانون إلا في حال جرائم مثل الخيانة وأخرى قامت بإلغائه تمامًا.
عندما ظهرت الكهرباء عمد توماس أديسون إلى تعريض بعض الحيوانات للكهرباء ليظهر للناس مدى خطرها وهذه كانت لحظة ابتكار الكرسي الكهربائي، أول من تم إعدامه بالكرسي الكهربائي كان ويليام كيملر عام 1890. منذ عام 1976 تم إعدام 158 شخصًا في 8 ولايات أمريكية مختلفة باستخدام الكرسي الكهربائي.
في عام 1894 تم تقديم فكرة الإعدام بالغاز السام “السيانيد” كبديل آدمي للكرسي الكهربائي، وقد تم استخدام هذه الطريقه لإعدام 11 شخصًا منذ عام 1976 وحتى الآن في ثلاث ولايات أمريكية مختلفة. كانت هذه الوسائل بالإضافة للشنق وإطلاق الرصاص، وسائل ثانوية بجانب الطريقة الأساسية المستخدمة في كل الولايات الأمريكية وهي الحقن بمخدر مميت والتي تعد أقل وحشية وفي نفس الوقت أقل تكلفة (تكلفة الحقنة 20 دولارًا).
أول ولاية اعتمدت هذه الطريقة كانت أوكلاهوما في عام 1982 ولكن مع ذلك من المثير للدهشة معرفة أن آخر عقوبة إعدام باستخدام الشنق في الولايات المتحدة كانت عام 1996 وآخر عملية إعدام باستخدام الغاز السام كانت عام 1999 أمّا آخر عملية إعدام رميًا بالرصاص فكانت في عام 2024.
في وقتنا الحالي يوجد 18 ولاية فقط لا تنفذ عقوبة الإعدام علمًا بأن الولايات الأخرى نفذت 39 حكم إعدام العام الماضي ويوجد تقريبًا 3000 متهم ينتظرون تنفيذ الحكم. على الصعيد الدولي الولايات المتحدة بالإضافة لـ 21 دولة أخرى نفذت العقوبة العام الماضي.
في الوقت الحاضر يوجد 58 دولة تمارس حكم الإعدام، 98 دولة ألغت الحكم قانونيًّا (ما زالت تنفذه)، 7 دول ألغت الحكم ما عدا في حالة الجرائم الخاصة مثل جرائم الحرب و 35 دولة ألغت الحكم فعليًّا بحيث لم تمارسه منذ أكثر من 10 سنوات.
90% تقريبًا من أحكام الإعدام تتم في قارة آسيا علمًا بأن 60% من سكان العالم يعيشون في دول تمارس عقوبة الإعدام مثل الصين وإندونيسيا وأمريكا والهند.
في حين أن كل دول العالم تقريبًا تمنع أحكام الإعدام لمن هم دون سن 18 أثناء ارتكاب الجريمة إلا أن دول مثل السعودية وإيران والسودان قد أقرّت مثل هذه الأحكام منذ عام 2024.
بالنسبة للدول العربية نجد أن أغلبها تطبق عقوبة الإعدام أمّا الطريقة المستخدمة فمعظمها الشنق وبعض الدول تطبق الشريعة الإسلامية وتنفذ عقوبة “القصاص” بقطع الرأس.
بعد النظرة التاريخية لهذه العقوبة إذا نظرنا نظرة تمحيص نجد أن هناك حضارات ومجتمعات بالغت في تنفيذها بشكل وحشي وعنيف وأخرى تساهلت فيها بشكل مفرط وكلاهما خطأ ويضيّع الهدف والقصد من هذه العقوبة، فهي في الأصل عقوبة ردع لمرتكبها وزجر لغيره وفي نفس الوقت قصاصًا للمتضرر ولا أرى أفضل مما شرعه الخالق لخلقه.
تباً لهم
بارك الله فيكم على هذا الموضوع الخيف