تخطى إلى المحتوى

" نأتِ بخيرٍ منها " : 2024.


إن النظرة المتمعّنة في محتوى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تكشف عن مرحلتين لرسالة الإسلام ، وهما المرحلة المكية والمرحلة المدنية . والرسالة في المرحلة المكية هي ، برأينا ، الرسالة الخالدة والأساس ، من حيث إنها تؤكد احترام كافة البشر دون النظر للجنس أو العِرْق أو المعتقد الديني ، كما أنها تؤكد ، في غير إبهام ، الحرية الكاملة في اختيار المعتقد الديني ، وقد كان أسلوب الدعوة إلى هذه الرسالة في هذه المرحلة قائماً على أساس الإقناع بالحجج العقلية وبالجدل بالتي هي أحسن ، دون أدنى قدر من الإكراه أو القهر .

وحال رفض المشركون هذه الرسالة بطريقتها تلك ، وكان واضحاً أن المجتمع المكي ، في الغالب الأعمّ ، لم يكن مستعداً لقبولها ، كانت الرسالة الأكثر " واقعية " في الفترة المدنية ، فنفذّت أحكامها بطريقة غير تلك التي كانت قائمة في مكة ، ما يعني أن محتوى الرسالة في الفترة المكية ، وهي تلك التي لم تكن قابلةً للتطبيق بحسب السياق التاريخي للفترة الزمنية وقتها ، عُلِّقتْ وجاءت أحكام / مباديء أكثر عملية ، لكن هذا المحتوى المعلّق من الرسالة في الفترة المكية لم يكن ليضيع من حيث هو ، قرآناً وسنة ، مصدر للتشريع ، وكل ما في الأمر هو التعليق / التأجيل لحين تتوافر الظروف المناسبة مستقبلاً .
إن الدين لا ينشأ في فراغ ، بل هو ينشأ في مجتمع معين وزمن معين لهما احتياجاتٌ معينة ، ولكي يبقى لا بد لتعاليمه أن تتكيف بالظروف التي تلف ذلك الزمان وذلك المجتمع !!! ، وهي إنْ لم تفعل ذلك لم يقبلها أحد ، وهي إنْ أصرّت ، بعد النجاح في القبول الأول ، أن تبقى على ما كانت عليه في فترتها الأولى رغم انتشارها محلياً وإلى بيئات مجاورة جديدة مغايرة ، فتمسكتْ ألا تتشكل بظروف البيئات الجديدة ومقتضيات العصر الجديد ، حكمت على نفسها أن يرفضها الراغبون الجدد ؛ إذ هي لم تلبِ احتياجات تلك المجتمعات الروحية والمادية التي زعمت أنها جاءت لأجلها .
ما سبق يدخل بنا إلى ما يعرف بـ " النسخ " والذي رأى فيه البعض أن النصوص اللاحقة ( = المدنية ) ، قرآناً وسنة ، تنسخ ، وللأبد ، النصوص السابقة ( = المكية ) ، والصواب فيه ألا يبقى دائم المفعول بحيث تظل النصوص المكية قابلةً للتطبيق لأجل التصديق أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان .
تتطور الشريعة بحسب متطلبات معتنقيها ؛ فيصبح النسخ الانتقالَ من نص كان هو صاحب الوقت في زمن ما ، إلى آخر كان وقتها أكبر من الوقت والناس والفهم فكان أن نٌسخ .
إن القول القرآني " نأتِ بخير منها " يعني ترك النص الأول إلى ما هو أقرب لفهم الناس المعاصرين ، ما يعني أن النص الأول المنسوخ حال تناسبه الظروف والوقت والناس والفهم يصبح هو " المحكم " .

يعطيك العافية اخي
جعل الله هذا العمل في ميزان حسناتك

أخوك فلسطيني من غزة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.