السلام عليكم ورحمه الله و بركاته .
من حقوق الأخوة العفو عن الزَّلات
ما من متعاشرَين،وما من متصاحبين، أو ما من متآخيين،إلا ولابد أن يكون بينهم زلات، لابد أن
يطلع هذا من هذا على زلة، على هفوة،على كلمة، لأن الناس بشر، والبشر خطّاء(كل ابن آدم
خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون)أخرجه ابن أبي شيبة,وأحمد,والترمذي, وابن ماجه،فمن حق الأخوة أن تعفو عن الزلات،فخلق الإنسان وأودع فيه القدرة على فعل الخير والشر جمعياً حيث
قال سبحانه(وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)أي،عرفناه طريق الخير وطريق الشر وبين له ذلك بيانا شافياً واضحاً كافياً،وقال أيضاً(وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا)أي،عرفها وأفهمهما ما هو
الفجور،وما هو التقوى وما فيهما من الحسن والقبح،فالأصل أن الله خلق النفس البشرية وأودع فيها القدرة على عمل الخير وعمل الشر،وأمد الإنسان بعوامل الصلاح والإصلاح وزوده بالكتب
والرسل والرسالات حتى يستقيم على منهج الله، فمن أطاع الأنبياء واتبع سبيل المؤمنين ونفذ كلام الله فهو من الفائزين الناجين في الدنيا والآخرة،كما قال جل شأنه( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)ومن خالف منهج الله ولم يطع الأنبياء والمرسلين،فقد عرض نفسه لغضب الله وعقابه في الدنيا والآخرة،كما قال جل شأنه(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى)إلا أن الإنسان المسلم مهما بلغ صلاحه،فإنه عرضة لأن يقع في بعض المحظورات،ولم يستثن من ذلك إلا الأنبياء والرسل،فلقد عصمهم الله من الوقوع في المعاصي،
وأما من سواهم فليس بمعصوم فهو عرضة للخطأ والغفلة والنسيان والجهل،وهذه أمور كلها تسهل الوقوع في المخالفات مهما كان صلاح العبد واستقامته،فقد ينسى أمر الله في مسألة ما
فيقع في مخالفة شرع الله، كمن ينسى الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الأمانة أو غير ذلك، كذلك قد يقصر الإنسان في طلب العلم الشرعي فيقع في الحرام بجهل وهذا كثير جداً، وقد يضعف
الإنسان أمام بعض المغريات فيقع كذلك في المعصية، وقد يزين الشيطان للإنسان الحرام ويظل يغريه ويغويه حتى يقع فيه وهذه أمثلة واضحة نراها من أنفسنا وممن حولنا،فقد نقع في الغيبة
أو النميمة ولا ننتبه لذلك إلا بعد الوقوع في هذه الكبائر،وأن يحب التوابين بل ويفرح بتوبتهم، وأن باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها،
الزلاّت قسمان،زلات في الدين وزلات في حقك,
يعني زلات في حق الله،وزلات في حقك أنت،
أما ما كان في الدين إذا زلّ في الدين بمعنى فرّط في واجب عمل معصية، فإن العفو عن هذه
الزلة أن لا تشهرها عنه،وأن تسعى في إصلاحه، لأن محبتك له إنما كانت لله، وإذا كانت لله فأن تقيًمه على الشريعة،وأن تقًيمه على العبودية،هذا مقتضى المحبة,
فإذا كانت في الدين،تسعى فيها بما يجب،بما يصلحها، إذا كانت تصلحها النصيحة فانصح، إذا كان يُصلحها الهجر فتهجر،
والهجر نوعان،هناك هجر تأديب, وهناك هجر عقوبة,
زلة عظيمة،أو رأى منه هفوة بحق الله جل وعلا،فإنه يقع في نفسه أنه عصى، ويستعظم تلك المعصية، لأن هذا لا يستغني عن ذاك،فهذا يُبذل في حقه الهجر،فالهجر نوع تأديب وهو
للإصلاح، ولهذا اختلف حال النبي صلى الله عليه وسلم(مع المخالفين،مع من عصى، فهجر بعضا، ولم يهجر بعضا، قال العلماء،مقام الهجر فيمن ينفعه الهجر فيصلحه، ومقام ترك الهجر فيمن لا يصلحه ذلك،
امّا ما كان من الزلات في حقك، فحق الأخوّة أولاً، أن لا تعظِّم تلك الزلة, يأتي الشيطان فينفخ في القلب، ويبدأ يكرر عليه هذه الكلمة،يكرر عليه هذا الفعل حتى يعظمها،وتنقطع أواصل المحبة والأخوة، ويكون الأمر بعد المحبة وبعد التواصل،يكون هجراناً وقطيعة للدنيا،ولكن أنظر إلى حسناته،ومعاشرته وصدقه معك في سنين مضت،فتعظم الحسنات، وتصغر السيئات، حتى يقوم عقد الأخوة بينك وبينه، حتى لا تنفصل تلك المحبة،
حق الصديق أن تحتمل منه ثلاثاً،ظلم الغضب،وظلم الدالة،وظلم الهفوة،ومهما اعتذر إليك أخوك كاذباً
كان أو صادقاً فاقبل عذره،فالمؤمن إن غضب فهو سريع الرضاء،وينبغي أن لا يبالغ في البغضة عند الوقيعة،قال تعالى
( عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )الممتحنة،وقال،عمررضي الله عنه،لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا وهو أن تحب تلف صاحبك .
قلتيها فصدقت قراناها فطبقناها
بارك الله فيك