وليس على العبد أضرّ من مَلَله لنِعَم الله ؛ فإنه لا يراها نعمة ، ولا يشكره عليها ، ولا يفرح بها ، بل يسخطها ويشكوها ويعدّها مصيبة . هذا وهي من أعظم نِعَم الله عليه .
فأكثرُ الناس أعداءُ نِعم الله عليهم ولا يشعرون بفتح الله عليهم نعمة ، وهم مجتهدون في دفعِها وردِّها جهلًا وظلمًا . فكم سَعَت إلى أحدهم من نعمة وهو ساع في ردِّها بجهده ، وكم وصلت إليه وهو ساعٍ في دفعها وزوالها بظلمه وجهله ، قال تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ الأنفال : 53 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [ الرعد : 11 ] ؛ فليس للنعم أعدى من نفس العبد ، فهو مع عدوِّه ظهير – مساعد – على نفسه ، فعدوُّه يطرح النار في نعمه وهو ينفخ فيها ، فهو الذي مكَّنه من طرح النار ثم أعانه بالنفخ ، فإذا اشتدَّ ضرامُها من الحرق وكان غايته معاتبة الأقدار :
وعاجزُ الرأيِ مِضياعٌ لفُرْصَتِهِ :: حتى إذا فات عاتبَ القدَرا
جعله الله في ميزان حسناتك