تخطى إلى المحتوى

مما اعجبني عن الاسرة 2024.

  • بواسطة
مدخل في تحديد وظائف الأسرة في الشريعة الإسلامية:
قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة[ (التحريم: 6)، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ]كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ وهو مسؤول، والرجل راعٍ على أهله وهو مسؤول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول[[1].
هذه النصوص تبين قواعد الرعاية والحفظ بما يقوِّم صحة وصواب التربية على الأسس القرآنية والنبوية؛ وهذه الضوابط لا يمكنها أن تؤدي دورها في غياب المحضن الأسري الذي يجمع أفراد العائلة الواحدة؛ الذين جمعهم عقد زواج شرعي بين الأب والأم، وتحقق المقصد الأصلي بالتناسل، وقد قال تبارك وتعالى: ]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء[ (النساء: 1)، فالنسل هو خلف الزواج.

وبوجود الأسرة وتعدد الأفراد فيها، تتحدد وظيفة كل فرد في هذه الأسرة، حقوقا وواجبات، بما يحقق التكامل الذي يتكفل بالنسل رعاية وتنشئة.
فتتأسس وظائف الأسرة على عقد الزواج والمقاصد التي ينبني عليها، " فالسبيل الأول لتكوين الأسرة هو نظام الزواج"[2]، ففي قوله تعالى: ]ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة[ (الروم:21) تبيان للقواعد الروحية المُؤَسِسَة للكيان الأسري، بالسكينة التي تظلل على الزوجين، والمودة والرحمة التي تجمعهما ما طالت الحياة بينهما. وبإيجاد النسل يكتمل البناء الأسري، كما يبينه الخالق تبارك وتعالى في قوله: ]هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها، فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين[ (الأعراف: 189). حيث يعدّ مجيء الأولاد الانتقال بالأسرة إلى عهدها الذهبي، وهو "عهد الاستقرار والفهم الصحيح للحياة الأسرية، والإدراك المباشر لمسؤولياتها"[3]، مما يتطلب تغيرا في مسؤوليات الزوجين، من فردين إلى مسئولين على رعاية وتنشئة نسلهما. وقد حددت الآية الكريمة وظائف كل من الزوجين بما يتفق وخصائص الرجل والمرأة،كما يتبين ذلك أيضا في قوله صلى الله عليه وسلم: ]كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته[[4].
فالشارع الحكيم يحرص على رعاية النسل داخل الأسرة، فهذا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: ]ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه[[5]، يؤكد حقيقة ثابتة وهي أن الطفل يولد وهو لا يفقه شيئا في هذا الوجود، "والأسرة هي النظام الاجتماعي الوحيد الذي يأخذ على عاتقه مسؤولية تحويل الحيوان الإنساني الصغير إلى مخلوق آدمي"[6]، حيث يختلف صغير الإنسان عن غيره من الصغار في نموه البطيء، وشدة احتياجه إلى من يرعاه على الأقل حتى سن الخامسة الرعاية الجسدية والصحية.
أما التنشئة الاجتماعية والتي يقصد بها "تلقين الطفل اللغة والعادات والتقاليد وآداب السلوك وقواعد الدين والعرف، وهي الجسر الذي يصل بين الفردية الخالصة والمجتمع"[7]؛ فهي تطول حتى يلمس الوالدان مقدرة نسلهما على التفاعل الاجتماعي، والتكيّف مع الحياة بالصورة الصحيحة.
وهكذا تتعدد وظائف الأسرة[8] بين إنجاب الأولاد الشرعيين، ثم رعايتهم منذ الولادة والعناية برضاعهم وحضانتهم، والإنفاق عليهم في الملبس والمعيشة عموما، ليأتي بعدها دورهما المشترك عندما يكبروا؛ بالتربية للمحافظة على الفطرة السليمة، وتنمية قدرات الأولاد المتعددة، وتهيئتهم استعدادا للتفاعل مع المجتمع.
وهذا لقمان الحكيم ينصح ابنه كما يذكر ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ]يا بنيَّ أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، وأصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور، ولا تصعر خدك للناس، ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور، وأقصد في مشيك وأغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير[ (لقمان: 17-19).
فهذه النصائح هي مفتاح التعامل الصحيح مع أفراد المجتمع لتنشئتهم تنشئة بنّاءة، فهذه القواعد هي التي تبني الإنسان الفعال؛ الذي تهيئه الأسرة للاستخلاف وعبادة الله تعالى، وأن يكون ممن ينشد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يكثروا أتباعه يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا العمل الصالح؛ هذا العمل الذي لا ينشأ من فراغ، بل إن التربية على الأخلاق والمبادئ الإسلامية هي قوامه وعمدته.
وتتحدد أسس الرأفة والحنو برضاعة الوليد وحضانته في السنوات الأولى (من الميلاد إلى الصبا)، ورعايته وتربيته في السنوات التالية التي ينشأ فيها ويترعرع، حيث "يقوم الآباء بأداء هذا الواجب الضروري؛ إما بمقتضى وازع الفطرة الإنسانية الذي يغني عن القوانين والسلطان، وإما بوازع الدين الذي يزع النفوس عن التهاون بحدود الشريعة، وإما بوازع السلطان صاحب القهر والصولجان"[9].
فرعاية النسل، والحفاظ عليه حتى يبلغ أشده ويقوم بأداء واجبه اتجاه خالقه، وأمته، تتحقق داخل المحيط الأسري؛ لأن الأسرة هي الكفيلة بتهيئة المناخ الذي يحقق مصالح النسل في حفظه ورعايته وتربيته وتنشئته، ومن ثمة تتحدد للأسرة[10] وظائفها، الأمر الذي بيّنته نصوص الشريعة في مثل قوله تعالى: ]وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف[ (البقرة:233)، وذلك تحديدا للوظيفة الأولى للأب في توفير الرزق والكسوة، وهذه وظيفة الأب الأولى، أما وظيفة الأم فقد تحددت في مثل قوله تعالى: ]والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين[ (البقرة:233)، وقوله تبارك وتعالى: ]حملته أمه كرها ووضعته كرها[ (الأحقاف: 15)، وقوله تعالى: ]حملته أمه وهنا على وهن[ (لقمان:14)، فوضحت هذه الآيات الكريمة المهام الرئيسة للأم والمتمثلة في الحمل والرضاع والحضانة؛ حيث تعد الرضاعة والحضانة قاعدتين أساسيتين للتربية عموما؛ لأن الطفل يولد وهو لا يقوى على شيء، قال تعالى: ]وخلق الإنسان ضعيفا[ (النساء:28)، وقال تبارك وتعالى أيضا واصفا مراحل حياة الإنسان: ]الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير[ (الروم:54).
هذا الضعف لا يمكن للإنسان وهو وليد أن يدفع به عن نفسه؛ فلا يقوى على ذلك إلا بمعونة والديه اللذين تكفلا بذلك شرعا وعرفا، بل وعادة.
هذه هي المقاصد الأصلية للرعاية والتربية؛ أين ينتقل الطفل من المراحل الأولى إلى مراحل القوة ليقدر على ردّ جميل والديه برعايتهما وهما كبيران مصداقا لقوله تعالى: ]وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا[ (الإسراء:23- 24)، وهنا تظهر المقاصد التبعية لرعاية وحفظ النسل، بما يعود على الوالدين، فقال تعالى: ]حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه[ (الأحقاف: 15).

خصائص الأسرة الجزائرية:
يتأثر سلوك الأب والأم بشروط البيئة والثقافة والمعتقدات السائدة والقيم الأخلاقية، حيث توجه هذه العوامل سلوك الناس في حياتهم اليومية.
وقد عرفت الأسرة العربية ثباتا واستقرارا منذ عدة قرون، إلا أن هذه العلاقات تشهد تغيرا سريعا في وقتنا الحاضر، كذا هو الحال بالأسرة الجزائرية التي مرت بمراحل متعددة في نشأتها وتطورها، ومنه تأثرت وظيفتها في ظل هذه التغيرات والتطورات، إلا أن للأسرة العربية عموما عدة مميزات لا تتغير كثيرا، ومن هذه المميزات:
· أسر ممتدة، هرمية السلطة الأبوية، التضامن والتماسك.
· وحدة دفاعية، أسرة تقليدية محافظة في أمور السمعة والشرف، وتأكيد الولاء الأسري.
· التسامح المفرط في الطفولة المبكرة، ثم التغير الحاد إلى تسلط وتحكم وتوجيه.
· المرأة تكسب احتراما في عالم الرجال لكونها أماً لذكر أو ذكور[11].
· ينتظر من الصبي أن يكون أكثر نشاطا وأكثر قدرة على التنافس، وأكثر استقلالية واعتمادا على الذات.
· جعل البنت على درجة أقل من الرجل، وتعزز لديها الهدوء والرقة، وسلوك الطاعة والانصياع، وتحضيرها للعمل المنزلي[12].
فعندنا :
1. الأسرة الجزائرية في عهد الاستعمار الفرنسي 1830-1962م.
2. الأسرة الجزائرية مرحلة الاستقلال 1962- 1988.
3. الأسرة الجزائرية بين 5 أكتوبر 1988م-1991م.
4. الأسرة الجزائرية في سنوات المأساة الوطنية 1991م- 2024م
5. الأسرة الجزائرية مع بوادر انفراج الأزمة الجزائرية 2024م-2017م

أولاً: الأسرة الجزائرية في عهد الاستعمار الفرنسي 1830-1962
لا يمكن لأي عاقل أن يتجاهل أن الاستعمار الفرنسي عندما دخل الجزائر دخلها مستعمرا ومدمرا لكل ما فيها؛ فدّمر مزارعها وحقولها، وحّول قمحها إلى خمر وتبغ، لأن الاستعمار كان يعلم أن الأرض هي محور رزق الجزائري وبالتالي اتجه إليها مباشرة بالتدمير والحرق، واتجه إلى شعبها جماعات وأفراد هالكا ومعدما لكل من ينطق برفض الاستعمار، ومن بقي منهم على قيد الحياة حاول معه أبشع صور الإبادة الجسدية والفكرية، ليبث بين أبناء الشعب سياسة التنصير[13]، من أجل أن تصبح الجزائر فرنسية؛ إلا أن مصلحي هذه الأمة لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الهجمات الإبادية لشعب عربي مسلم؛ بل وقفوا ضد كل القوانين الاستعمارية آنذاك التي سنت لتفكيك المجتمع الجزائري بشتى الوسائل، فظهر الإمام ابن باديس مثلا ليدوي بصوته قائلا:" ثم إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست فرنسا، ولا يمكن أن تصير فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو – أرادت – بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد في لغتها وفي أخلاقها، وفي عنصرها، وفي دينها…".
ويمكن سرد بعض الأساليب الاستعمارية التي هدفت من ورائها إلى تفكيك الأسرة الجزائرية خصوصا والمجتمع الجزائري عموما: مثل تحطيم النسب العائلي، والتقتيل، والتشريد، والتنصير، ونشر الموبقات والوسائل الهدامة مثل الخمر والقمار والزنى، وغيرها كثير.
وقد عانت الأسرة الجزائرية من الصعوبات والتهميش، والبطالة وانخفاض مستوى المعيشة، مما أدى بها إلى رفض الاندماج في المشروع الجديد الوافد[14]، في الوقت الذي ظن فيه الاستعمار أن مشروع تفكيك الأسرة الجزائرية يسهل تنفيذه، ولكنه أخطأ الظن، إذ أن عمليات الإبادة والقهر والتسلط عليها دعت أفرادها إلى الالتفات حول بعض والوقوف ضد المستعمر الغاشم، فبدل أن تتفكك الأسرة ويتجه بعض أفرادها إلى القبول بالمستعمر والترحيب به، تكاثف جهود الأفراد إلى الردّ القاسي والمتمثل في "تنامي قيم التعاطف والتضامن بين الأسر، والتمسك باللغة العربية، والقيم الثقافية الوطنية، وتعليم الأطفال اللغة العربية والقرآن في الزوايا والجوامع"[15].
هذه العوامل والمتغيرات التي أثرت في الأسرة الجزائرية وعلاقتها بسياسات المستعمر الإبادية عجلت في قيام ثورة التحرير "وتكون الأسرة الجزائرية قد أمدتها بعوامل التحرير، يحدوها أمل الانبعاث مرة أخرى"[16]؛ إذ عمدت الأسر الجزائر إلى شحذ همم أطفالها أملا في تحقيق استقلال البلاد، فعبأتهم ضد المستعمر، ودفعت بهم للشوارع متظاهرين، وإلى الكُتاب والمساجد حافظين لكتاب الله، متمسكين بثوابت هويتهم العربية والإسلامية، رافضين لأساليب التنصير والعيش باطمئنان في كنف مستعمر غاشم، فكان للأم الجزائرية ما أرادت في شعلة الثورة الجزائرية 1 من نوفمبر 1954م، وجاء الاستقلال, بالتربية الإيجابية للأم الجزائرية.

ثانياً: الأسرة الجزائرية مرحلة الاستقلال 1962- 1988م
جاء المنعطف التاريخي سنة 1962م، الذي طالما انتظرته الأسرة الجزائرية بشوق لتتحرر من أدران المستعمر وسياساته العنصرية وتعيش في كنف قيمها وثوابتها العربية الإسلامية، ولم يخب جيل الثورة أملها في استرجاعه لأرضه.
وعاش جيل الثورة عهد الاستقلال محاولا تحقيق آماله وطموحاته في حياة أفضل للمجتمع الجزائري العربي المسلم، وتحقيق المساواة في فرص التعليم والتوظيف، وحق المواطن الجزائري في حياة أفضل على كافة المستويات.
ونقل جيل الثورة لأطفاله تاريخ الجزائر وقت الاستعمار، وبطولاته ضد المستعمر من أجل أن تحيا بلاده حرة مستقلة، وحاولوا بذلك أن يعبئوا أبناءهم ضد الظلم والمهانة التي عانوا منهما آنذاك من أجل أن يحس الأبناء أنهم في هذا الوقت, أفضل وأحسن حال آلاف المرات، وأن أبواب الخير وأحلام المستقبل ستتحقق بإذنه تبارك وتعالى في ظل استقلال البلاد، وكان لهذه التعبئة أثرها العميق في نفوس الأبناء الذين قدّروا تضحيات أبائهم وأجدادهم… ولكن بسبب عدم وجود مشروع اجتماعي واضح, والاضطراب الذي شهدته البلاد بسبب إقرار قانون الأسرة عام 1984م, كما كان للغزو الثقافي الغربي أثر كبير على بناء ووظيفة الأسرة.

ثالثاً: الأسرة الجزائرية في مرحلة التغيير 5 أكتوبر 1988م -1991م.
تأثرت الأسرة الجزائرية بأحداث الخامس من أكتوبر 1988م، وما تلا هذا التاريخ من أحداث وتداعيات على كافة مناشط الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فكان لهذا تأثير أعمق على مستوى الأسرة الجزائرية ، فبعد أن عاش الجزائري هانئا مطمئنا بعد خروج المستعمر، يحدوه الأمل في حياة أفضل كما كان يتمنى وهو يقاتل ضد المستعمر، لم يحصل الكثير.. الكثير من الأحلام التي كانت تراود الجزائري في العيش في كنف الحريات العامة، محققا حياة رغيدة؛ إذ استحوذت ثلة قليلة على أحسن الأعمال والوظائف والمناصب، وعاش غالبية الشعب الجزائري في الفقر، ولم يصلهم من مكاسب الثورة التحريرية حتى سلك كهربائي ينيرون به بيتهم المظلم. الأمر الذي دفع بالمواطن أن يعيش ناقما حاقدا على الذين يعتلون الكراسي ويزدادون غنى، وهو في مكانه يزداد فقرا مع انعدام الدعم لأساسيات السلع الاستهلاكية، مما كان له الأثر السلبي على طريقة تعامل الأب وولّي الأمر على أسرته وأفرادها، خاصة مع مطالب الأبناء التي لا تنتهي، ثم إن الوالدين أو بالأحرى الأب تنازل عن دوره التربوي في تنشئة الأولاد، واللهث وراء متطلبات الحياة اليومية.

رابعاً: الأسرة الجزائرية في سنوات المأساة الوطنية 1991م- 2024م
عاشت الجزائر سنين الجمر لم تشهد لها مثيلا أي دولة عربية مسلمة، القتل والتشريد والتهجير من القرى، وعدم الأمن خلال السفر، يضاف إلى ذلك عدم الإحساس بالأمان في البيوت نفسها، مما شكّل حالة من القلق و الرهبة في نفوس المواطنين، الذين انطووا على أنفسهم، وتكدر صفو حياتهم اليومية التي أصبحت خليطا بين هاجس الخوف اليومي والخوف من الغد. ولنا أن نتصور حال الأسر الجزائرية ومعاناتها اليومية في البحث عن الأمن والأمان لأبنائها، ناهيك عن البحث عن لقمة العيش التي يشارك فيها الأطفال أنفسهم في ظل تدهور الحياة الاقتصادية للبلاد، فقد أثرت هذه التغيرات وغيرها وشكلت ضغوطا على الأسرة، فمست بناءها ووظيفتها، وضعفت معها الكثير من وظائف الأسرة المطلوبة مثل التربية الجسمية والنفسية والعقلية، والتربية الخلقية والدينية، ناهيك عن التنشئة الاجتماعية التي توجه سلوك الطفل نحو اكتساب العلاقات الاجتماعية مع الآخرين؛ إذ تقوضت كل أسرة على نفسها، وضيّقت من حدود ومجالات التعامل حتى بين الجيران أنفسهم.
وبفعل الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتردية، جعل الآباء أكثر عرضة للقلق والتوتر ومشاعر الإحباط، وهذا ما ينعكس سلبا على أساليبهم التربوية داخل الأسرة وعلاقاتهم بأبنائهم[17].
وهنا لابد من الإشارة إلى أنه في هذه المرحلة ظهرت أسر جيل الجامعات أي الأسر المثقفة التي يعد أحد الوالدين فيها على الأقل خريجا جامعيا.

خامساً: الأسرة الجزائرية مع بوادر انفراج الأزمة الجزائرية 2024م-2017م
بانفراج الأزمة التي عاشتها الجزائر أكثر من 10 سنوات، شهدت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ازدهارا كبيرا، كان له الأثر العميق على الحياة اليومية للمواطن الجزائري عموما وعلى الأسرة الجزائرية خصوصا، فكل تغيير إيجابي أو سلبي في الحياة العامة للبلاد يكون له تأثيره الإيجابي والسلبي كذلك على يوميات الأسرة الجزائرية، ومنه على طرق التعامل أفراد الأسرة مع بعضهم البعض، فحالة الاكتئاب التي يشعر بها الأب خارج البيت تنعكس سلبا على طريقة تعامله مع زوجته وأولاده، كذا الأمر بالنسبة للأم فإذا كانت حالتها سيئة مع الزوج فإن هذا سينعكس مباشرة على الأولاد، مهما حاولت الأم ألا تظهر حقيقة ما تمر به.

مدخل في تحديد وظائف الأسرة في الشريعة الإسلامية:
قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة[ (التحريم: 6)، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ]كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ وهو مسؤول، والرجل راعٍ على أهله وهو مسؤول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول[[1].
هذه النصوص تبين قواعد الرعاية والحفظ بما يقوِّم صحة وصواب التربية على الأسس القرآنية والنبوية؛ وهذه الضوابط لا يمكنها أن تؤدي دورها في غياب المحضن الأسري الذي يجمع أفراد العائلة الواحدة؛ الذين جمعهم عقد زواج شرعي بين الأب والأم، وتحقق المقصد الأصلي بالتناسل، وقد قال تبارك وتعالى: ]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء[ (النساء: 1)، فالنسل هو خلف الزواج.
وبوجود الأسرة وتعدد الأفراد فيها، تتحدد وظيفة كل فرد في هذه الأسرة، حقوقا وواجبات، بما يحقق التكامل الذي يتكفل بالنسل رعاية وتنشئة.
فتتأسس وظائف الأسرة على عقد الزواج والمقاصد التي ينبني عليها، " فالسبيل الأول لتكوين الأسرة هو نظام الزواج"[2]، ففي قوله تعالى: ]ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة[ (الروم:21) تبيان للقواعد الروحية المُؤَسِسَة للكيان الأسري، بالسكينة التي تظلل على الزوجين، والمودة والرحمة التي تجمعهما ما طالت الحياة بينهما. وبإيجاد النسل يكتمل البناء الأسري، كما يبينه الخالق تبارك وتعالى في قوله: ]هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها، فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين[ (الأعراف: 189). حيث يعدّ مجيء الأولاد الانتقال بالأسرة إلى عهدها الذهبي، وهو "عهد الاستقرار والفهم الصحيح للحياة الأسرية، والإدراك المباشر لمسؤولياتها"[3]، مما يتطلب تغيرا في مسؤوليات الزوجين، من فردين إلى مسئولين على رعاية وتنشئة نسلهما. وقد حددت الآية الكريمة وظائف كل من الزوجين بما يتفق وخصائص الرجل والمرأة،كما يتبين ذلك أيضا في قوله صلى الله عليه وسلم: ]كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته[[4].
فالشارع الحكيم يحرص على رعاية النسل داخل الأسرة، فهذا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: ]ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه[[5]، يؤكد حقيقة ثابتة وهي أن الطفل يولد وهو لا يفقه شيئا في هذا الوجود، "والأسرة هي النظام الاجتماعي الوحيد الذي يأخذ على عاتقه مسؤولية تحويل الحيوان الإنساني الصغير إلى مخلوق آدمي"[6]، حيث يختلف صغير الإنسان عن غيره من الصغار في نموه البطيء، وشدة احتياجه إلى من يرعاه على الأقل حتى سن الخامسة الرعاية الجسدية والصحية.
أما التنشئة الاجتماعية والتي يقصد بها "تلقين الطفل اللغة والعادات والتقاليد وآداب السلوك وقواعد الدين والعرف، وهي الجسر الذي يصل بين الفردية الخالصة والمجتمع"[7]؛ فهي تطول حتى يلمس الوالدان مقدرة نسلهما على التفاعل الاجتماعي، والتكيّف مع الحياة بالصورة الصحيحة.
وهكذا تتعدد وظائف الأسرة[8] بين إنجاب الأولاد الشرعيين، ثم رعايتهم منذ الولادة والعناية برضاعهم وحضانتهم، والإنفاق عليهم في الملبس والمعيشة عموما، ليأتي بعدها دورهما المشترك عندما يكبروا؛ بالتربية للمحافظة على الفطرة السليمة، وتنمية قدرات الأولاد المتعددة، وتهيئتهم استعدادا للتفاعل مع المجتمع.
وهذا لقمان الحكيم ينصح ابنه كما يذكر ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ]يا بنيَّ أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، وأصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور، ولا تصعر خدك للناس، ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور، وأقصد في مشيك وأغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير[ (لقمان: 17-19).
فهذه النصائح هي مفتاح التعامل الصحيح مع أفراد المجتمع لتنشئتهم تنشئة بنّاءة، فهذه القواعد هي التي تبني الإنسان الفعال؛ الذي تهيئه الأسرة للاستخلاف وعبادة الله تعالى، وأن يكون ممن ينشد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يكثروا أتباعه يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا العمل الصالح؛ هذا العمل الذي لا ينشأ من فراغ، بل إن التربية على الأخلاق والمبادئ الإسلامية هي قوامه وعمدته.
وتتحدد أسس الرأفة والحنو برضاعة الوليد وحضانته في السنوات الأولى (من الميلاد إلى الصبا)، ورعايته وتربيته في السنوات التالية التي ينشأ فيها ويترعرع، حيث "يقوم الآباء بأداء هذا الواجب الضروري؛ إما بمقتضى وازع الفطرة الإنسانية الذي يغني عن القوانين والسلطان، وإما بوازع الدين الذي يزع النفوس عن التهاون بحدود الشريعة، وإما بوازع السلطان صاحب القهر والصولجان"[9].
فرعاية النسل، والحفاظ عليه حتى يبلغ أشده ويقوم بأداء واجبه اتجاه خالقه، وأمته، تتحقق داخل المحيط الأسري؛ لأن الأسرة هي الكفيلة بتهيئة المناخ الذي يحقق مصالح النسل في حفظه ورعايته وتربيته وتنشئته، ومن ثمة تتحدد للأسرة[10] وظائفها، الأمر الذي بيّنته نصوص الشريعة في مثل قوله تعالى: ]وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف[ (البقرة:233)، وذلك تحديدا للوظيفة الأولى للأب في توفير الرزق والكسوة، وهذه وظيفة الأب الأولى، أما وظيفة الأم فقد تحددت في مثل قوله تعالى: ]والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين[ (البقرة:233)، وقوله تبارك وتعالى: ]حملته أمه كرها ووضعته كرها[ (الأحقاف: 15)، وقوله تعالى: ]حملته أمه وهنا على وهن[ (لقمان:14)، فوضحت هذه الآيات الكريمة المهام الرئيسة للأم والمتمثلة في الحمل والرضاع والحضانة؛ حيث تعد الرضاعة والحضانة قاعدتين أساسيتين للتربية عموما؛ لأن الطفل يولد وهو لا يقوى على شيء، قال تعالى: ]وخلق الإنسان ضعيفا[ (النساء:28)، وقال تبارك وتعالى أيضا واصفا مراحل حياة الإنسان: ]الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير[ (الروم:54).
هذا الضعف لا يمكن للإنسان وهو وليد أن يدفع به عن نفسه؛ فلا يقوى على ذلك إلا بمعونة والديه اللذين تكفلا بذلك شرعا وعرفا، بل وعادة.
هذه هي المقاصد الأصلية للرعاية والتربية؛ أين ينتقل الطفل من المراحل الأولى إلى مراحل القوة ليقدر على ردّ جميل والديه برعايتهما وهما كبيران مصداقا لقوله تعالى: ]وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا[ (الإسراء:23- 24)، وهنا تظهر المقاصد التبعية لرعاية وحفظ النسل، بما يعود على الوالدين، فقال تعالى: ]حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه[ (الأحقاف: 15).

خصائص الأسرة الجزائرية:
يتأثر سلوك الأب والأم بشروط البيئة والثقافة والمعتقدات السائدة والقيم الأخلاقية، حيث توجه هذه العوامل سلوك الناس في حياتهم اليومية.
وقد عرفت الأسرة العربية ثباتا واستقرارا منذ عدة قرون، إلا أن هذه العلاقات تشهد تغيرا سريعا في وقتنا الحاضر، كذا هو الحال بالأسرة الجزائرية التي مرت بمراحل متعددة في نشأتها وتطورها، ومنه تأثرت وظيفتها في ظل هذه التغيرات والتطورات، إلا أن للأسرة العربية عموما عدة مميزات لا تتغير كثيرا، ومن هذه المميزات:
· أسر ممتدة، هرمية السلطة الأبوية، التضامن والتماسك.
· وحدة دفاعية، أسرة تقليدية محافظة في أمور السمعة والشرف، وتأكيد الولاء الأسري.
· التسامح المفرط في الطفولة المبكرة، ثم التغير الحاد إلى تسلط وتحكم وتوجيه.
· المرأة تكسب احتراما في عالم الرجال لكونها أماً لذكر أو ذكور[11].
· ينتظر من الصبي أن يكون أكثر نشاطا وأكثر قدرة على التنافس، وأكثر استقلالية واعتمادا على الذات.
· جعل البنت على درجة أقل من الرجل، وتعزز لديها الهدوء والرقة، وسلوك الطاعة والانصياع، وتحضيرها للعمل المنزلي[12].
فعندنا :
1. الأسرة الجزائرية في عهد الاستعمار الفرنسي 1830-1962م.
2. الأسرة الجزائرية مرحلة الاستقلال 1962- 1988.
3. الأسرة الجزائرية بين 5 أكتوبر 1988م-1991م.
4. الأسرة الجزائرية في سنوات المأساة الوطنية 1991م- 2024م
5. الأسرة الجزائرية مع بوادر انفراج الأزمة الجزائرية 2024م-2017م

أولاً: الأسرة الجزائرية في عهد الاستعمار الفرنسي 1830-1962
لا يمكن لأي عاقل أن يتجاهل أن الاستعمار الفرنسي عندما دخل الجزائر دخلها مستعمرا ومدمرا لكل ما فيها؛ فدّمر مزارعها وحقولها، وحّول قمحها إلى خمر وتبغ، لأن الاستعمار كان يعلم أن الأرض هي محور رزق الجزائري وبالتالي اتجه إليها مباشرة بالتدمير والحرق، واتجه إلى شعبها جماعات وأفراد هالكا ومعدما لكل من ينطق برفض الاستعمار، ومن بقي منهم على قيد الحياة حاول معه أبشع صور الإبادة الجسدية والفكرية، ليبث بين أبناء الشعب سياسة التنصير[13]، من أجل أن تصبح الجزائر فرنسية؛ إلا أن مصلحي هذه الأمة لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الهجمات الإبادية لشعب عربي مسلم؛ بل وقفوا ضد كل القوانين الاستعمارية آنذاك التي سنت لتفكيك المجتمع الجزائري بشتى الوسائل، فظهر الإمام ابن باديس مثلا ليدوي بصوته قائلا:" ثم إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست فرنسا، ولا يمكن أن تصير فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو – أرادت – بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد في لغتها وفي أخلاقها، وفي عنصرها، وفي دينها…".
ويمكن سرد بعض الأساليب الاستعمارية التي هدفت من ورائها إلى تفكيك الأسرة الجزائرية خصوصا والمجتمع الجزائري عموما: مثل تحطيم النسب العائلي، والتقتيل، والتشريد، والتنصير، ونشر الموبقات والوسائل الهدامة مثل الخمر والقمار والزنى، وغيرها كثير.
وقد عانت الأسرة الجزائرية من الصعوبات والتهميش، والبطالة وانخفاض مستوى المعيشة، مما أدى بها إلى رفض الاندماج في المشروع الجديد الوافد[14]، في الوقت الذي ظن فيه الاستعمار أن مشروع تفكيك الأسرة الجزائرية يسهل تنفيذه، ولكنه أخطأ الظن، إذ أن عمليات الإبادة والقهر والتسلط عليها دعت أفرادها إلى الالتفات حول بعض والوقوف ضد المستعمر الغاشم، فبدل أن تتفكك الأسرة ويتجه بعض أفرادها إلى القبول بالمستعمر والترحيب به، تكاثف جهود الأفراد إلى الردّ القاسي والمتمثل في "تنامي قيم التعاطف والتضامن بين الأسر، والتمسك باللغة العربية، والقيم الثقافية الوطنية، وتعليم الأطفال اللغة العربية والقرآن في الزوايا والجوامع"[15].
هذه العوامل والمتغيرات التي أثرت في الأسرة الجزائرية وعلاقتها بسياسات المستعمر الإبادية عجلت في قيام ثورة التحرير "وتكون الأسرة الجزائرية قد أمدتها بعوامل التحرير، يحدوها أمل الانبعاث مرة أخرى"[16]؛ إذ عمدت الأسر الجزائر إلى شحذ همم أطفالها أملا في تحقيق استقلال البلاد، فعبأتهم ضد المستعمر، ودفعت بهم للشوارع متظاهرين، وإلى الكُتاب والمساجد حافظين لكتاب الله، متمسكين بثوابت هويتهم العربية والإسلامية، رافضين لأساليب التنصير والعيش باطمئنان في كنف مستعمر غاشم، فكان للأم الجزائرية ما أرادت في شعلة الثورة الجزائرية 1 من نوفمبر 1954م، وجاء الاستقلال, بالتربية الإيجابية للأم الجزائرية.

ثانياً: الأسرة الجزائرية مرحلة الاستقلال 1962- 1988م
جاء المنعطف التاريخي سنة 1962م، الذي طالما انتظرته الأسرة الجزائرية بشوق لتتحرر من أدران المستعمر وسياساته العنصرية وتعيش في كنف قيمها وثوابتها العربية الإسلامية، ولم يخب جيل الثورة أملها في استرجاعه لأرضه.
وعاش جيل الثورة عهد الاستقلال محاولا تحقيق آماله وطموحاته في حياة أفضل للمجتمع الجزائري العربي المسلم، وتحقيق المساواة في فرص التعليم والتوظيف، وحق المواطن الجزائري في حياة أفضل على كافة المستويات.
ونقل جيل الثورة لأطفاله تاريخ الجزائر وقت الاستعمار، وبطولاته ضد المستعمر من أجل أن تحيا بلاده حرة مستقلة، وحاولوا بذلك أن يعبئوا أبناءهم ضد الظلم والمهانة التي عانوا منهما آنذاك من أجل أن يحس الأبناء أنهم في هذا الوقت, أفضل وأحسن حال آلاف المرات، وأن أبواب الخير وأحلام المستقبل ستتحقق بإذنه تبارك وتعالى في ظل استقلال البلاد، وكان لهذه التعبئة أثرها العميق في نفوس الأبناء الذين قدّروا تضحيات أبائهم وأجدادهم… ولكن بسبب عدم وجود مشروع اجتماعي واضح, والاضطراب الذي شهدته البلاد بسبب إقرار قانون الأسرة عام 1984م, كما كان للغزو الثقافي الغربي أثر كبير على بناء ووظيفة الأسرة.

ثالثاً: الأسرة الجزائرية في مرحلة التغيير 5 أكتوبر 1988م -1991م.
تأثرت الأسرة الجزائرية بأحداث الخامس من أكتوبر 1988م، وما تلا هذا التاريخ من أحداث وتداعيات على كافة مناشط الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فكان لهذا تأثير أعمق على مستوى الأسرة الجزائرية ، فبعد أن عاش الجزائري هانئا مطمئنا بعد خروج المستعمر، يحدوه الأمل في حياة أفضل كما كان يتمنى وهو يقاتل ضد المستعمر، لم يحصل الكثير.. الكثير من الأحلام التي كانت تراود الجزائري في العيش في كنف الحريات العامة، محققا حياة رغيدة؛ إذ استحوذت ثلة قليلة على أحسن الأعمال والوظائف والمناصب، وعاش غالبية الشعب الجزائري في الفقر، ولم يصلهم من مكاسب الثورة التحريرية حتى سلك كهربائي ينيرون به بيتهم المظلم. الأمر الذي دفع بالمواطن أن يعيش ناقما حاقدا على الذين يعتلون الكراسي ويزدادون غنى، وهو في مكانه يزداد فقرا مع انعدام الدعم لأساسيات السلع الاستهلاكية، مما كان له الأثر السلبي على طريقة تعامل الأب وولّي الأمر على أسرته وأفرادها، خاصة مع مطالب الأبناء التي لا تنتهي، ثم إن الوالدين أو بالأحرى الأب تنازل عن دوره التربوي في تنشئة الأولاد، واللهث وراء متطلبات الحياة اليومية.

رابعاً: الأسرة الجزائرية في سنوات المأساة الوطنية 1991م- 2024م
عاشت الجزائر سنين الجمر لم تشهد لها مثيلا أي دولة عربية مسلمة، القتل والتشريد والتهجير من القرى، وعدم الأمن خلال السفر، يضاف إلى ذلك عدم الإحساس بالأمان في البيوت نفسها، مما شكّل حالة من القلق و الرهبة في نفوس المواطنين، الذين انطووا على أنفسهم، وتكدر صفو حياتهم اليومية التي أصبحت خليطا بين هاجس الخوف اليومي والخوف من الغد. ولنا أن نتصور حال الأسر الجزائرية ومعاناتها اليومية في البحث عن الأمن والأمان لأبنائها، ناهيك عن البحث عن لقمة العيش التي يشارك فيها الأطفال أنفسهم في ظل تدهور الحياة الاقتصادية للبلاد، فقد أثرت هذه التغيرات وغيرها وشكلت ضغوطا على الأسرة، فمست بناءها ووظيفتها، وضعفت معها الكثير من وظائف الأسرة المطلوبة مثل التربية الجسمية والنفسية والعقلية، والتربية الخلقية والدينية، ناهيك عن التنشئة الاجتماعية التي توجه سلوك الطفل نحو اكتساب العلاقات الاجتماعية مع الآخرين؛ إذ تقوضت كل أسرة على نفسها، وضيّقت من حدود ومجالات التعامل حتى بين الجيران أنفسهم.
وبفعل الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتردية، جعل الآباء أكثر عرضة للقلق والتوتر ومشاعر الإحباط، وهذا ما ينعكس سلبا على أساليبهم التربوية داخل الأسرة وعلاقاتهم بأبنائهم[17].
وهنا لابد من الإشارة إلى أنه في هذه المرحلة ظهرت أسر جيل الجامعات أي الأسر المثقفة التي يعد أحد الوالدين فيها على الأقل خريجا جامعيا.

خامساً: الأسرة الجزائرية مع بوادر انفراج الأزمة الجزائرية 2024م-2017م
بانفراج الأزمة التي عاشتها الجزائر أكثر من 10 سنوات، شهدت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ازدهارا كبيرا، كان له الأثر العميق على الحياة اليومية للمواطن الجزائري عموما وعلى الأسرة الجزائرية خصوصا، فكل تغيير إيجابي أو سلبي في الحياة العامة للبلاد يكون له تأثيره الإيجابي والسلبي كذلك على يوميات الأسرة الجزائرية، ومنه على طرق التعامل أفراد الأسرة مع بعضهم البعض، فحالة الاكتئاب التي يشعر بها الأب خارج البيت تنعكس سلبا على طريقة تعامله مع زوجته وأولاده، كذا الأمر بالنسبة للأم فإذا كانت حالتها سيئة مع الزوج فإن هذا سينعكس مباشرة على الأولاد، مهما حاولت الأم ألا تظهر حقيقة ما تمر به.

شكرااااااااااااااااااااا
عفوا شكرا على المرور و الرد

موضوع رائع
شكرا لك على مرورك و ردك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.