تعتبر إحدى الظواهر العقلية الأكثرإثارة و طالما تجاهلتها المؤسسات الدينية و العلمية و جهات أخرى ( بطريقة مقصودةأحياناً ) . تتمثل هذه الظاهرة بالقدرة على الكلام أو كتابة لغات غريبة لم يتعلّمهاالشخص في حياته أو يألفها أو يعلم بوجودها أساساً. رغم حملات التكذيب التي تعرّضتلها ، و التفسيرات المختلفة التي اعتمدت على عناصر مثل : الاحتيال ، الذاكرةالموروثة جينياً ، التخاطر ، الكريبتومنيزيا ( إعادة تذكّر لغة معيّنة كان الشخصيألفها في طفولته ثم انقطع عنها لفترة طويلة ) . إلا أن هذه العناصر عجزت عن تفسيرظاهرة الكسينوغلوسيا بشكل مقنع و سليم ، و لازالت تفرض نفسها على ساحة علم النفسبقوّة .
سجلت حالات كثيرة عن أشخاص ( صغار و كبار ) راحوا يتحدثون فجأة بلغةغريبة لم يألفوها من قبل !. أحياناً تحصل بشكل عفوي ، و أحياناً كثيرة تتجسّد أثناءالتنويم المغناطيسي أو في إحدى حالات الوعي البديلة ( الغيبوبة أو النوم أو البحران ) . و أحياناً تتجسّد في بضعة كلمات يتحدّث بها الشخص ثم تختفي من ذاكرته ، و فيحالات أخرى يصبح الشخص طليق اللسان بهذه اللغة ! حتى أن يمكنه التحدث بها مع أشخاصيألفونها من قبل !. لكن الغريب في الأمر هو وجود أشخاص تجسّدت في ذاكرتهم لغاتقديمة انقرضت منذ ألاف السنين و لم يعد احد يألفها سوى بعض من علماء الآثارالمتخصصين أو علماء الأنثروبلوجيا و الخبراء في الحضارات القديمة !.
ـ ذكرالدكتور " موريس نثرتون " إحدى الحالات الغريبة التي تمثلت بقدرة فتى أوروبي أشقرذات العينين الزرقاوين ، على التحدث بلغة صينية قديمة جداً ، أثناء خضوعه للتنويمالمغناطيسي !. و سجّل الطبيب صوت الفتى في شريط كاسيت و أخذه إلى بروفيسور في قسمالدراسات الاستشراقية في جامعة كاليفورنيا ، لمعرفة نوع هذه اللغة . و تبيّن أنهالغة صينية منقرضة منذ أكثر من ألف عام !.
ـ الوسيط الروحي الأمريكي " جورجفالنتاين " تحدّث خلال جلساته الأرواحية باللغة الروسية و الألمانية و الاسبانية والويلزية ( نسبة لويلز في بريطانيا ) . ـ الوسيط البرازيلي " كارلوس ميرابيلي " تحدّث و كتب أكثر من ثلاثين لغة مختلفة ! بما فيها اللغة السورية ( لهجة دمشقية ) واليابانية ! كل ذلك بحضور مجموعة من العلماء و الباحثين و جمهور غفير مؤلف من 5000شخص !.
ـ في العام 1977م ، اكتشف الأطباء في السجن الإصلاحي في أوهايو ،الولايات المتحدة ، أن أحد السجناء المتهمين بجرم الاغتصاب ، يدعى "بيلي موليغان " ، هو مسكون بشخصيتين مختلفتين عن شخصيته الأساسية !. و كل من الشخصيتين الغريبتينلها لغة خاصة بها ! فعندما يستلم أحد الشخصيتين زمام الأمور يصبح اسم السجين " عبدالله " و يبدأ بالتكلّم باللغة العربية و يكتبها بإتقان ! و عندما تستلم الشخصيةالأخرى زمام الأمور ، يصبح اسم السجين " روغين " و يبدأ بالتكلّم باللغة الكرواتيةو الصربية !.
ـ وضع المتشككين تفسيرات كثيرة لهذه الظاهرة أهمها هي تلكالتي تقول أن الشخص الذي تجسدت عنده قد تعلّم هذه اللغة الغريبة في إحدى مراحلحياته و قد أخفى هذه الحقيقة عن الباحثين . و لهذا السب ، التزم الباحثون بالدقّة والانتباه الشديد في دراساتهم المختلفة كي يتفادوا كل العوامل التي تدعم تفسيرالمتشككين .
ـ الدكتور " إيان ستيفنسون " ، أحد الأكاديميين الأكثراحتراماً في الولايات المتحدة ، قام بتخصيص دراسة بحثية تتناول هذه الظاهرة ، تعتبرإحدى أهم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع . ألف كتاب بعنوان : كسينولوجيا 1974م ،ذكر فيه حالات كثيرة موثقة ، و كان أغربها هي تلك التي أظهرتها سيدة أمريكية فيالسابعة و الثلاثين من عمرها . فأثناء تنومها مغناطيسياً ، قامت بتغيير نبرات صوتهاتماماً و تحوّل صوتها على صوت رجل !.
و تكلّمت باللغة السويدية بطلاقة ! و بعدأن تستيقض من النوم المغناطيسي تكون قد نسيت كل شيء ! و عجزت عن لفظ أي حرف مناللغة السويدية !.
و انشغل الدكتور ستيفنسون بهذه الحالة تحديداً لمدة ثمانيسنوات ! و راح يدرس في علم اللغات و التكلّم بنبرات مختلفة ، و استعان بالعديد منالخبراء و المتخصصين لمساعدته على التوصل إلى تفسير علمي يقدّم الجواب المناسب علىسؤال كبير : كيف يمكن لنبرة أنثى أن تتحوّلا إلى نبرة رجل ؟!.
ـ انشغلالدكتور ستيفنسون في حالة أخرى لا تقل غرابة عن السابقة . ( ذكرت في مجلة " المجتمعالأمريكي للأبحاث الوسيطية " ، إصدار شهر تموز ، عام 1980م ) .
تمحورت حول سيدةهندية تدعى " أوتار هودار " ، كانت في سن الثاني و الثلاثين عندما تحولت شخصيتهاإلى شخصية ربة منزل متزوجة من البنغال الغربية ، عاشت هناك في القرن الثامن عشر ! وراحت تتحدّث باللغة البنغالية بدلاً من لغتها الأصلية الحالية (اللغة الماراثية ) !. و كانت تصيبها هذه الحالة لفترات تتجاوز أسابيع عديدة أحياناً ! و قد يضطرّون فيبعض الأوقات إلى تكليف أشخاص بنغاليين كي يساعدوا هذه المرأة على التواصل مععائلتها !.
ـ يصف الباحث " ليال واتسون " إحدى الحالات الغريبة التي ظهرتعند فتى في العاشرة من عمره ، من هنود الإيغاروت الساكنين في وادي كاغايون النائيفي الفيليبين . هذا الفتى لم يسمع أو يألف أي لغة سوى لغته ، لكنه خلال نوباتمعيّنة يدخل في شبه غيبوبة ، و يبدأ بالتكلّم بلغة الزولو ( لغة جنوب أفريقية ) بطلاقة !. من المستحيل أن يكون قد تعلّم الفتى هذه اللغة في حياته . و قد تعرّفواتسون عليها لأنه قضى فترة من حياته في جنوب أفريقيا !.
ـ قام الطبيبالنفسي الأسترالي " بيتر رامستر " بتوثيق العديد من الحالات المدروسة بعناية فيكتابه الذي بعنوان : البحث عن أجيال سابقة ، 1990م . و وردت فيه حالة سيدة أستراليةتدعى " سينثيا هاندرسون " التي لم تتعلّم اللغة الفرنسية سوى لمدة شهور قليلة فيالصف السابع . لكن خلال نومها المغناطيسي ، استطاعت أن تتحدّث باللغة الفرنسيةبطلاقة مع أحد الفرنسيين الأصليين !. و قد علّق هذا الفرنسي على طريقة كلامها بأنهصافي و لا يتخلله أي لغة إنكليزية ! و أنها استخدمت ألفاظ و مصطلحات فرنسية كانتسائدة فقط في القرن الثامن عشر !.
ـ الفتاة الأمريكية " لورانسي فيوم " كانت في الرابعة عشر من عمرها عندما تحوّلت شخصيتها إلى شخصية " ماري رولف " ابنةالجيران التي توفّت عندما كانت في السن التاسع عشر !. و كان عمر " لورانسي " حينوفاتها خمسة شهور فقط !. عاشت عائلتي الفتاتين بعيداً عن بعضهما إلا في فترة قصيرةسكنا فيها بحارة واحدة !. لكن " لورانسي " بشخصيتها الجديدة ، ادعت بان عائلة " رولف " هم والديها ! و قد تعرّفت على جميع أصدقاء عائلة رولف و أقاربهم ، و قامتبتسميتهم فرداً فرداً بشكل صحيح دون أي خطأ ! و عرفت عنهم تفاصيل دقيقة لا يمكنمعرفتها بوسائل طبيعية ! و ذكرت أحداث دقيقة حصلت في حياة " ماري رولف " ! و دامتهذه الحالة لمدة أربعة شهور تقمصت لورانسي خلالها بشخصية ماري رولف تماماً !.
ـ عرفت حالات كثيرة مشابهة لما سبق في الوسط الطبي ، خاصة الطب النفسي ، وسمى الأطباء هذه الظاهرة بانفصام الشخصية ( الحادة ) ، لكن يبدو أنها غير ذلك . ظهرت دراسات كثيرة تبحث في هذا الموضوع ، مثل دراسة البروفيسور " ب.جانيت " الذيبحث في قضية فتاة تدعى " ليوني " . و الدكتور " مورتون برينس " الذي بحث في حالةرجل يدعى " لويس فايف " و سيدة تدعى " سالي بيشامب " التي تبين أن لديها ثلاثةشخصيات أخرى غير شخصيتها !. و حالة الفتاة " دوريس فتشر " التي درسها الدكتورالمعروف " والتر برينس " الذي كتب مجلدين كاملين حول هذه القضية !.
ـ يقومبعض الأشخاص أحياناً ، في حالة النوم المغناطيسي أو غيرها من حالاتوعي بديلة ،بالتكلّم بلغات قديمة جداً لم تعد مستخدمة في هذا العصر ! و أصبحت مقتصرة على خبراءالأثار و علماء الانثروبولوجيا . ذكر الدكتور " جويل ويتون " حالة السيد " هارولدجورسكي " الذي خلال نومه المغناطيسي كتب 22 كلمة و مقطع تعود إلى زمن الفايكنغ ! وتعرّف الخبراء على عشرة من هذه الكلمات و استنتجوا بأنها لغة قديمة كانت تستخدم فيالدول الاسكندنافية . أما الكلمات الباقية ، فكانت من روسيا و صربيا و اللغةالسلافية ! و جميع هذه اللغات تحدّثت عن البحر و السفن و الرحلات البحرية !.
ـ ذكر في إحدى دراسات " مجتمع البحوث الوسيطية " عن حالة حصلت في العام 1931م مع فتاة بريطانية ( من بلاكبول ) تدعى "روزماري " . راحت تتكلّم باللغةالمصرية القديمة ! و اتخذت شخصية فتاة مصرية تدعى " تيليكا فينتيو " ، عاشت في مصربتاريخ 1400 قبل الميلاد ! و تمكنت من كتابة 66 فقرة باللغة الهيلوغريفية ! ذلكأمام المتخصّص في الآثار المصرية البروفيسور " هاورد هيوم " !. استطاعت هذه الفتاةالتكلّم بطلاقة ، بلغة لم تستخدم منذ آلاف السنين ! و لم تكن مألوفة سوى بين مجموعةقليلة من الأكاديميين المختصين في الحضارات القديمة !.
ـ وسيطة روحية تدعى " بيرل كورغن " من سينت لويس ، كانت هذه ألامرأة سبه جاهلة و غير مثقفة ، لكنهااستطاعت كتابة القصص و الروايات بلغة إنكليزية فصحى ! و كتبت 60 رواية و مسرحية وقصيدة ! بالإضافة إلى ملحمة شعرية مؤلفة من 60.000 كلمة !.
ـ بالإضافة إلىالتفسيرات التي تبناها المتشككون ، مثل الاحتيال و الكريبتومنيزيا ، تبنوا أيضاًعنصر التخاطر و الوراثة الجينية . فحتى هذه اللحظة ، لم يظهر في أي مكان بالعالمدراسة موثقة تذكر أشخاص استطاعوا تعلّم لغة غريبة عنهم بواسطة التخاطر .
و منناحية الوراثة الجينية ، فلا يمكن لأحد أن يربط بين لغة صينية منقرضة منذ آلافالسنين ، بفتى أوروبي أشقر ذات العينين الزرقاوين مما يجعله يتكلّمها بطلاقة ،اعتماداً على الوراثة الجينية !.
هناك الآلاف من حالات الكسينوغلوسيا المعروفة، و المئات منها قد وثّقت في دراسات علمية مختلفة . و ذكرت فيها لغات منقرضة منذآلاف السنين ، و لغات أخرى من جميع أنحاء العالم ! لكن بالرغم من هذه الدراساتالمكثّفة ، لم يتم التوصّل إلى تفسير نهائي بالاعتماد على المنطق العلمي التقليدي !… فما هي الحقيقة ؟…