ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار» ورد الحديث في البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي بألفاظ مختلفة ، ولفظه عند مالك: إن عبد الله بن مسعود كان يقول: « عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ألا ترى أنه يقال : صدق وبر ، وكذب وفجر» . الموطأ – الحديث 1814- طبعة دار النفائس.وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله ، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله، فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة إن لم يتدراكه الله بدواء الصدق يقلع المادة من أصلها.
ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق، وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب ، فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق . وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب. والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يقعده و يثبطه عن مصالحه ومنافعه ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته، فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق ، ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب. وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» سورة التوبة : الآية رقم :119 ، وقال تعالى : « هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم» المائدة : الآية رقم :119 ، وقال : «فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم» محمد : الآية رقم :21 ، وقال : «وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم» التوبة : الآية رقم :90 .
الفوائد_الإمام شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية