مع النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان
الحمد لله الذي أرسل لنا أفضل خلقه, و اصطفاه على جميع رسله بأكْمل دين وأقومِه ,و جعل هديَه أكمل هدي و أتمه ,وأنزل على يديه خير شِرعة وخاتمة رسالاته ,ميّزه بجملة من الخصائص و العبادات ,التي اشتملت أعظم الأجور وأوفاها جزاءا ,احمده سبحانه خير حمد وأوفاه , وأثني عليه الخير كله ظاهره وباطنه وبعد:
نستقبل بعد أيام قلائل ضيفا عزيزا ,لا يفد إلينا في العام إلا مرة واحدة , ينزل عينا ببركاته ومسرّاته ونفحاته كالغيث النّافع ,الذي ينزل على الأرض فتخضرّ و تزهو وتخرج خيراتها وينشط كل ما يدرج عليها ,فتشرئب إليه أعناق المؤمنين وتتهافت إليه قلوب الموحدين ,وتحنّ إليه أفئدة الطائعين المنيبين ,مستبشرين بعظيم الأجر وجزيل المثوبة التي جُعلت من صفاته و بين ثناياه , مستأنسين بربهم ذكرا ودعاءا و صلاة وصدقة, مشمّرين على سواعد الجدّ للفوز و الضّفر بليلة هي خير الليالي على مر الأزمان والعصور,هو شهر القرآن وشهر البر والصلاة والصدقات والإحسان , لا شك أخي الحبيب أنك عرفت من هو هذا الضّيف العزيز , إنه شهر رمضان الفضيل الذي قال الله تعالى فيه:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ", وقال جل في علاه: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ", وهو ركن من أركان الإسلام, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَ إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ " متفق عليه.
و يقول الشيخ الأديب شاعر الجزائر محمد العيد آل خليفة – رحمه الله – مرحبا بقدومه:
أطلَّ على البريّة بالسّـلام *** و لُح باليُمن يا شهر الصّيـام
وحلّ على بني الإسلام ضيفا *** كريما بين رعي واحتـــرام
وعيدا باللّطائف والهدايــا *** تحلُّ عليهم في كل عـــام
وفي هذه العجالة بإذن الله , سنرافق خير خلق الله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ونقتفي أثره وهديه في جملة من سماته وشمائله في هذا الشهر الكريم , فلا يخفى على كل موحد ومتّبع أن خير الهدي هديه وأحسن الأسوة هو عليه أزكى صلاة وأتم السلام, فهو أتقانا و أخشانا لله رب العالمين, وأعلانا درجة ومكانة عنده سبحانه جلّ في علاه .
وكما سبق فقد كان هديه عليه الصلاة والسلام أكمل هدي وأعظمه تحصيلا للأجر الوافر المأمول,ولأن الصوم من أشق العبادات على المؤمن الصّادق وأسرّها بينه وبين ربه,وأكملها في معاني الذل والعبودية والإخلاص له وحده تبارك وتعالى ,فيها عزل النّفس عن الشّهوات وإلجامها عن الملذات و المباحات طمعا في إرضاء رب البريّات ,فقد تأخر فرض الصوم إلى ما بعد الهجرة , بل وكان في أوله على التخيير بين الصوم أو الإطعام .
كان نبينا الكريم يستعجل رمضان والدعاء والتضرع إلى الله بأن يبلّغه إياه لفضله وما فيه من مغفرة للذنوب و الزلات والآثام, ورفعة في الدرجات والمنازل. ورغّب أمته في ذلك وذكر من فضله ما يصعب حصره في هذه الكلمات,منها قوله صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:" إنَّ في الْجَنَّةِ بابًا يُقَالُ لهُ الرّيَّان يَدخُلُ منْهُ الصّائمونَ يوْمَ الْقِيَامَةِ لا يدْخُلُ مِنْهُ أَحدٌ غيْرُهُمْ يقَالُ أَينَ الصّائِمُونَ فَيقُومُونَ لا يدخُلُ منْهُ أَحَد غيْرُهُمْ فإِذَا دَخَلُوا أغْلِقَ فلَمْ يَدخُلْ منْهُ أَحَدٌ " متفق عليه , وقوله:" منْ صامَ يوْمًا في سبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وجهَهُ عنْ النَّارِ سَبْعِينَ خرِيفًا",هذا في فضل الصوم عامة,وقد قال عليه الصلاة والسلام في خصوص شهر رمضان "إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ " متفق عليه.
كان عليه الصلاة والسلام يستقبل شهر رمضان برؤية الهلال, فلا يصوم حتى يراه هو أو احد من المسلمين , فقد ثبت عنه قوله :"صوموا لرؤيته …",وكان يكتفي بالواحد ,فقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالصوم بشهادة أعرابي جاء من البادية واخبره بأنه رأى الهلال فأمر بلالا أن يؤذن بدخول شهر رمضان- الترمذي وأبو داوود-وهو صحيح .
وكان ينهى عن صوم يوم الشك أو يوما قبله بحجة الاحتياط, قال عليه الصلاة والسلام:" من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم " البخاري.
كان عليه الصلاة والسلام يُبيت النية من الليل قال:" من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له "صحيح الجامع , وقد قال جمع من أهل العلم أنه تكفي نية الليلة الأولى لشّهر كلّه.
كان من هديه تأخير السحور والمواظبة عليه , وحث أمته على ذلك وعدم تركه , و كان يعجل الفطر ولم يكن يربطهما بالأذان وإنما كان يعمل بطلوع الفجر الصادق وغروب قرص الشمس .ومما يدل على ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : " إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ " أخرجه البخاري .
كان رسول الله يفطر على رطبات يأكلهن وترا , فإن لم يجد فعلى تمرات , فإن لم يجد فحسوات من الماء .
كان لا يترك الدعاء قبل الإفطار وكان يرغب فيه أمته ,فقد ثبت قوله: " ذهب الظّمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" .أبو داوود وحسنه الألباني .
كان عليه الصلاة والسلام يفطّر الصائم ويرغب في بذلك بقوله:" من فطّر صائما كان له من الأجر مثل أجره ولا ينقص من أجر الصائم شيئا "الترغيب والترهيب.
وكان يأمر المُفطِّر بالدّعاء لصاحب البيت بالقول:" اللهم بارك لهم فيما رزقتهم وأغفر لهم وارحمهم " مسلم
كان رسول الله أحسن الناس خلقا, وكان أفضل ما تكون أخلاقه في رمضان,وقد قال منفرا من سوء الخلق في رمضان:" الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائم فلا يرفث ولا يجهل, فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم, إني صائم " الشيخان , وقال عليه الصلاة والسلام:"منْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" أخرجه البخاري وغيره.
كان عليه الصلاة والسلام يتعاهد أهله ويحسن إليهم في رمضان , بل وكان في مهنة أهله , وكان يوفيهم حقهم من المعاشرة , وكان يقبل بعض أهله في نهار رمضان , وهذا من حسن عشرته لهن , ولم يكن يعنفهن ولا ينهرهن , بل يدخل السرور في نفوسهم يأكل مما وجد, فإن أحبه أكل منه وإن كرهه لم يأكل من غير أن يعيبه .
كان عليه الصلاة والسلام يستاك و يحتجم سواء قبل الزّوال أو بعده .
ولأن الله آتاه صبرا و قوة فقد كان يصوم في السفر, بينما ينهى أصحابه على ذلك , بل يحبب إليهم الفكر فيه و أمرهم بذلك إن كانوا في ملاقاة العدو , قال عليه الصلاة والسلام :" ليس من البر الصيام في السفر " متفق عليه .وقال "عليكم برخص الله التي رخصها لكم " مسلم
و من رحمته بأمته أنه كان يأمر العجوز والحامل والمرضعة والمريض بالفطر, شفقة بالخلق عليه الصلاة والسلام
وكان لا يوجب قضاء من أفطر ساهيا أو ناسيا, فقد ثبت أنه قال لمن أفطر ساهيا في رمضان أطعمه الله وسقاه.
كان أكثر عبادة فيه من غيره من الشهور خاصة في العشر الأواخر , فلم يكن عليه الصلاة والسلام يزيد في قيامه على إحدى عشر ركعة , ولكن كان يطيل فيهنّ حتى أن بعض الصحابة كان يتوكأ على العصا من شدّة ما يجده من طول الصلاة ,وحثّ أمته على قيامه جماعة – صلاة التراويح – ولكن لم يفرضه عيها رحمة بها .
كان يحث على العمرة فيه, فقد ثبت عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام:" عمرة في رمضان تعدل حجة معي "
كان يعتكف في المسجد خاصة في العشر الأواخر, التي جعلها الله من أفضل ليالي السنة .
ولأنه شهر نزل فيه القرآن فقد كان يكثر من تلاوته, ومدارسته مع جبريل عليه السلام, وكان يحث المسلمين على ذلك, ولكنه نهى أن يختم في اقل من ثلاث ليال .
أما عن جوده في رمضان فحدّث ولا حرج فقد كان كالريح المرسلة, وكان ينفق نفقة من لا يخشى الفقر .
كان عليه الصلاة والسلام ينهى عن الخمول والكسل والركون للراحة في هذا الشهر الفضيل, بل حث على العمل والنشاط فيه ,فقد غزى وجاهد وسافر في رمضان , فمثلا معركة بدر و فتح مكة كانتا في رمضان .
كان عليه الصلاة والسلام يُخرج صدقة الفطر آخر يوم من رمضان قبيل صلاة العيد.
* هكذا كانت أخلاق المصطفى العاطرة بعبير الجود والرحمة والألفة والبر والإحسان , مزدانة بخصال الأبرار و الرّجال الأشاوس الأخيار , فقد كان عابدا زاهدا حامدا مفتقرا إلى ربه في أكمل صورة و أتمّ عمل, حريّ بنا أن نسير على هديه مقتفين خطاه ملتمسين آثاره في كل صغيرة وكبيرة ,كما أوصانا ربنا جلّ في علاه :"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله والدار الآخر وذكر الله كثيرا" .
لذا أحبتي الأفاضل هي فرصة لعلها تكون الأخيرة في حياتنا حتى يمحى ذنوبتا وتغفر زلاّتنا بحسن عبادتنا و وإخلاصنا فيها لربنا , فلنغتنمها فيما ينفعنا ويزيد موازيننا و يرضي ربنا جل في علاه , وما أحسن قول الشّيخ العربي التبسي – رحمه الله -:" كم يحسُن بنا أن نتأثّر بشهر نزل فيه القرآن فنتُوب فيه ونعود إلى العمل بالكتاب والسنّة ليفي لنا بوعده , و يُتمّ لنا ما أتمّ لسلفنا الصالح " من مواعظ ليالي رمضان. جريدة البصائر.بتاريخ 1 ماي 1954مـ, 17 شعبان 1372 هـ..
ــــــــــ
إعتمدت في هذه الكلمة الموجزة على :
مع النبي في رمضان / موسى آل نصر
مختصر زاد المعاد / محمد بن عبد الوهاب
الموطأ / الإمام مالك
آثار الشيخ العربي التبسي
ديوان الشيخ محمد العيد آل خليفة .
نستقبل بعد أيام قلائل ضيفا عزيزا ,لا يفد إلينا في العام إلا مرة واحدة , ينزل عينا ببركاته ومسرّاته ونفحاته كالغيث النّافع ,الذي ينزل على الأرض فتخضرّ و تزهو وتخرج خيراتها وينشط كل ما يدرج عليها ,فتشرئب إليه أعناق المؤمنين وتتهافت إليه قلوب الموحدين ,وتحنّ إليه أفئدة الطائعين المنيبين ,مستبشرين بعظيم الأجر وجزيل المثوبة التي جُعلت من صفاته و بين ثناياه , مستأنسين بربهم ذكرا ودعاءا و صلاة وصدقة, مشمّرين على سواعد الجدّ للفوز و الضّفر بليلة هي خير الليالي على مر الأزمان والعصور,هو شهر القرآن وشهر البر والصلاة والصدقات والإحسان , لا شك أخي الحبيب أنك عرفت من هو هذا الضّيف العزيز , إنه شهر رمضان الفضيل الذي قال الله تعالى فيه:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ", وقال جل في علاه: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ", وهو ركن من أركان الإسلام, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَ إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ " متفق عليه.
و يقول الشيخ الأديب شاعر الجزائر محمد العيد آل خليفة – رحمه الله – مرحبا بقدومه:
أطلَّ على البريّة بالسّـلام *** و لُح باليُمن يا شهر الصّيـام
وحلّ على بني الإسلام ضيفا *** كريما بين رعي واحتـــرام
وعيدا باللّطائف والهدايــا *** تحلُّ عليهم في كل عـــام
وفي هذه العجالة بإذن الله , سنرافق خير خلق الله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ونقتفي أثره وهديه في جملة من سماته وشمائله في هذا الشهر الكريم , فلا يخفى على كل موحد ومتّبع أن خير الهدي هديه وأحسن الأسوة هو عليه أزكى صلاة وأتم السلام, فهو أتقانا و أخشانا لله رب العالمين, وأعلانا درجة ومكانة عنده سبحانه جلّ في علاه .
وكما سبق فقد كان هديه عليه الصلاة والسلام أكمل هدي وأعظمه تحصيلا للأجر الوافر المأمول,ولأن الصوم من أشق العبادات على المؤمن الصّادق وأسرّها بينه وبين ربه,وأكملها في معاني الذل والعبودية والإخلاص له وحده تبارك وتعالى ,فيها عزل النّفس عن الشّهوات وإلجامها عن الملذات و المباحات طمعا في إرضاء رب البريّات ,فقد تأخر فرض الصوم إلى ما بعد الهجرة , بل وكان في أوله على التخيير بين الصوم أو الإطعام .
كان نبينا الكريم يستعجل رمضان والدعاء والتضرع إلى الله بأن يبلّغه إياه لفضله وما فيه من مغفرة للذنوب و الزلات والآثام, ورفعة في الدرجات والمنازل. ورغّب أمته في ذلك وذكر من فضله ما يصعب حصره في هذه الكلمات,منها قوله صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:" إنَّ في الْجَنَّةِ بابًا يُقَالُ لهُ الرّيَّان يَدخُلُ منْهُ الصّائمونَ يوْمَ الْقِيَامَةِ لا يدْخُلُ مِنْهُ أَحدٌ غيْرُهُمْ يقَالُ أَينَ الصّائِمُونَ فَيقُومُونَ لا يدخُلُ منْهُ أَحَد غيْرُهُمْ فإِذَا دَخَلُوا أغْلِقَ فلَمْ يَدخُلْ منْهُ أَحَدٌ " متفق عليه , وقوله:" منْ صامَ يوْمًا في سبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وجهَهُ عنْ النَّارِ سَبْعِينَ خرِيفًا",هذا في فضل الصوم عامة,وقد قال عليه الصلاة والسلام في خصوص شهر رمضان "إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ " متفق عليه.
كان عليه الصلاة والسلام يستقبل شهر رمضان برؤية الهلال, فلا يصوم حتى يراه هو أو احد من المسلمين , فقد ثبت عنه قوله :"صوموا لرؤيته …",وكان يكتفي بالواحد ,فقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالصوم بشهادة أعرابي جاء من البادية واخبره بأنه رأى الهلال فأمر بلالا أن يؤذن بدخول شهر رمضان- الترمذي وأبو داوود-وهو صحيح .
وكان ينهى عن صوم يوم الشك أو يوما قبله بحجة الاحتياط, قال عليه الصلاة والسلام:" من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم " البخاري.
كان عليه الصلاة والسلام يُبيت النية من الليل قال:" من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له "صحيح الجامع , وقد قال جمع من أهل العلم أنه تكفي نية الليلة الأولى لشّهر كلّه.
كان من هديه تأخير السحور والمواظبة عليه , وحث أمته على ذلك وعدم تركه , و كان يعجل الفطر ولم يكن يربطهما بالأذان وإنما كان يعمل بطلوع الفجر الصادق وغروب قرص الشمس .ومما يدل على ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : " إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ " أخرجه البخاري .
كان رسول الله يفطر على رطبات يأكلهن وترا , فإن لم يجد فعلى تمرات , فإن لم يجد فحسوات من الماء .
كان لا يترك الدعاء قبل الإفطار وكان يرغب فيه أمته ,فقد ثبت قوله: " ذهب الظّمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" .أبو داوود وحسنه الألباني .
كان عليه الصلاة والسلام يفطّر الصائم ويرغب في بذلك بقوله:" من فطّر صائما كان له من الأجر مثل أجره ولا ينقص من أجر الصائم شيئا "الترغيب والترهيب.
وكان يأمر المُفطِّر بالدّعاء لصاحب البيت بالقول:" اللهم بارك لهم فيما رزقتهم وأغفر لهم وارحمهم " مسلم
كان رسول الله أحسن الناس خلقا, وكان أفضل ما تكون أخلاقه في رمضان,وقد قال منفرا من سوء الخلق في رمضان:" الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائم فلا يرفث ولا يجهل, فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم, إني صائم " الشيخان , وقال عليه الصلاة والسلام:"منْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" أخرجه البخاري وغيره.
كان عليه الصلاة والسلام يتعاهد أهله ويحسن إليهم في رمضان , بل وكان في مهنة أهله , وكان يوفيهم حقهم من المعاشرة , وكان يقبل بعض أهله في نهار رمضان , وهذا من حسن عشرته لهن , ولم يكن يعنفهن ولا ينهرهن , بل يدخل السرور في نفوسهم يأكل مما وجد, فإن أحبه أكل منه وإن كرهه لم يأكل من غير أن يعيبه .
كان عليه الصلاة والسلام يستاك و يحتجم سواء قبل الزّوال أو بعده .
ولأن الله آتاه صبرا و قوة فقد كان يصوم في السفر, بينما ينهى أصحابه على ذلك , بل يحبب إليهم الفكر فيه و أمرهم بذلك إن كانوا في ملاقاة العدو , قال عليه الصلاة والسلام :" ليس من البر الصيام في السفر " متفق عليه .وقال "عليكم برخص الله التي رخصها لكم " مسلم
و من رحمته بأمته أنه كان يأمر العجوز والحامل والمرضعة والمريض بالفطر, شفقة بالخلق عليه الصلاة والسلام
وكان لا يوجب قضاء من أفطر ساهيا أو ناسيا, فقد ثبت أنه قال لمن أفطر ساهيا في رمضان أطعمه الله وسقاه.
كان أكثر عبادة فيه من غيره من الشهور خاصة في العشر الأواخر , فلم يكن عليه الصلاة والسلام يزيد في قيامه على إحدى عشر ركعة , ولكن كان يطيل فيهنّ حتى أن بعض الصحابة كان يتوكأ على العصا من شدّة ما يجده من طول الصلاة ,وحثّ أمته على قيامه جماعة – صلاة التراويح – ولكن لم يفرضه عيها رحمة بها .
كان يحث على العمرة فيه, فقد ثبت عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام:" عمرة في رمضان تعدل حجة معي "
كان يعتكف في المسجد خاصة في العشر الأواخر, التي جعلها الله من أفضل ليالي السنة .
ولأنه شهر نزل فيه القرآن فقد كان يكثر من تلاوته, ومدارسته مع جبريل عليه السلام, وكان يحث المسلمين على ذلك, ولكنه نهى أن يختم في اقل من ثلاث ليال .
أما عن جوده في رمضان فحدّث ولا حرج فقد كان كالريح المرسلة, وكان ينفق نفقة من لا يخشى الفقر .
كان عليه الصلاة والسلام ينهى عن الخمول والكسل والركون للراحة في هذا الشهر الفضيل, بل حث على العمل والنشاط فيه ,فقد غزى وجاهد وسافر في رمضان , فمثلا معركة بدر و فتح مكة كانتا في رمضان .
كان عليه الصلاة والسلام يُخرج صدقة الفطر آخر يوم من رمضان قبيل صلاة العيد.
* هكذا كانت أخلاق المصطفى العاطرة بعبير الجود والرحمة والألفة والبر والإحسان , مزدانة بخصال الأبرار و الرّجال الأشاوس الأخيار , فقد كان عابدا زاهدا حامدا مفتقرا إلى ربه في أكمل صورة و أتمّ عمل, حريّ بنا أن نسير على هديه مقتفين خطاه ملتمسين آثاره في كل صغيرة وكبيرة ,كما أوصانا ربنا جلّ في علاه :"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله والدار الآخر وذكر الله كثيرا" .
لذا أحبتي الأفاضل هي فرصة لعلها تكون الأخيرة في حياتنا حتى يمحى ذنوبتا وتغفر زلاّتنا بحسن عبادتنا و وإخلاصنا فيها لربنا , فلنغتنمها فيما ينفعنا ويزيد موازيننا و يرضي ربنا جل في علاه , وما أحسن قول الشّيخ العربي التبسي – رحمه الله -:" كم يحسُن بنا أن نتأثّر بشهر نزل فيه القرآن فنتُوب فيه ونعود إلى العمل بالكتاب والسنّة ليفي لنا بوعده , و يُتمّ لنا ما أتمّ لسلفنا الصالح " من مواعظ ليالي رمضان. جريدة البصائر.بتاريخ 1 ماي 1954مـ, 17 شعبان 1372 هـ..
ــــــــــ
إعتمدت في هذه الكلمة الموجزة على :
مع النبي في رمضان / موسى آل نصر
مختصر زاد المعاد / محمد بن عبد الوهاب
الموطأ / الإمام مالك
آثار الشيخ العربي التبسي
ديوان الشيخ محمد العيد آل خليفة .
بقلم أخيكم / سمير الجزائري غفر الله ذنبه وستر عيبه
أتمنى أني وفقت في إختيار الموضوع وصياغته
أتمنى أني وفقت في إختيار الموضوع وصياغته
موضوع قيم وثري و لقد اجدت في اختياره وصياغته
بارك الله فيك اخي الكريم وجعلها في ميزان حسناتك