المشهد الأول
في سوق بلدة (واسط ) جلس سعيد الإسكافي و صالح البزاز يتحدثان على عادتهما …
سعيد : هيه يا صالح ..أ تَـرَى ذلك الأعرابي الذي يتـكـأ على عصــا غـليظة ، إنـه من أعـراب الكوفة .
صالح : ومـا أدرا ك ياسعــيـد ؟
سعيد : قد عشت في الكوفة زمنا فأعر ف لباسهم .
صالح : لا ، بل هو من البصرة ، ألا تسمع جلبته وصياحه ، هكذا أهل البصرة أعرفهم جـيدا ،
سعيد : حسنا ، فلنتراهن إذن .
صالح : لا، لا ، هو من البصرة ولا نتراهن .
سعيد : ولم لا تراهني ما دمت متأكـدا ؟
صالح : لا ، لا أراهنك ، أنت رجل محظوظ فلا آمن أن يكون قد عـاش في الكوفة برهةً من الدهر لحُـسن طالعـك ، فاعتاد ملبسَهم .
سعيد : أنت تتلـكـأ، أنا أتكلم عن مولده ونشأته ، و ليس عن البلاد التي أقام فيها ، فلا تتهرب .
صالح : لا لا لا ، لا أراهنك أبدا ما حـييت ، لقد كد ت أن افلس ويُحجَـرُ علي من كثرة ما تغـلبني في الرهان ثم إني سألـت الشيخ عبد الصمد إمام المسجد فأخبرني أن الرهان حرام،
سعيد : ماذا تقصد ، الن تراهنني بعد اليوم ،
صالح : نعم ، أرجو ذلك .
سعيد : إذن سأبحث عن مغـفــل غـيرك ، فأنا أتكسب من الرهان أكثر من الدُّ كان .
صالح : ابحث ما بدا لك لكن بعيدا عني .
سعيد : نعم سأبحث ، ولكني سأفتقدك يا صاحبي فلو بحثـت الدهر فلن أجد أكثر تغفيلا منك .
صالح : أعلم ذلك ، ولكن إذا تركت مراهنتك ذهب عني ماتذكر .
سعيد : ولم لا يكون هذا الأعرابي الجلف ؟
صالح : يكو ن ماذا ؟
سعيد : يكون الضحية الجديدة .
صالح : أ ظن أنك انتقلت إلى زمرة المغفلين ياسعيد ، أتراهن الأعرابي عن مكان نشأته ؟
سعيد : لا لا ، اصبر قليلا ….
………..ثم يقوم سعيد إلى الأعرابي ويتلقاه بالبشاشة والترحيب
سعيد : أهلا وسهلا بك ياأعرابي ، إلى أين تريد ؟
الأعرابي : أريد الأمير معن بن زائدة ، فقد سمعـت عن جوده وكرمه الشيء الكثير .
سعيد : و كم ترجو أن يعطيك ؟
الأعرابي : مئتا درهم ، وإن أعطاني مئة درهم فخيرٌ وبركـة ،
سعيد : وما تقول في من يعطيك عشرا من الإبل ؟
الأعرابي : عشــرا من الإ بل ؟
سعيد : نعم وأشهد أهل السوق على ذلك ، ولكن لي شرط .
الأعرابي : وما شرطك .
سعيد : أن تغـضـب الأمير حتى يطردك من مجــلسه .
الأعرابي : هين موجود ، فإن لم يغضب ؟
سعيد : آخُـذ بعيرك هذا .
الأعرابي : اتفقنـا فأحضر الشهود .
سعيد : تعال يا صالح . فقد وجدت من يحل مكانك ، تعال فاشهد .
يأتي صالح ليشهد ثم يلتفت إلى سعيد قائلا :
قاتلك الله ماأوسع حـيلتـك ، أنت تعـلم أن أميرنا معـناً لا يغـضب أبدا .
سعيد : نعم أعلم ذلك ، ولذلك راهنت الأعرابي ، و إذا لم يغـضـب الأ مير فسآخذ البعير.
المشهد الثاني
في مجلس الأمير …
يدخل رجل فيسلم على الأمير قائلا : السلام عليك أيها الأمير ، فيرد الأمير عليه السلام .
يدخل الأعرابي فيسلم على الجميع ثم يجلس .
يلتفـت إليه أحد الحضور فيقول : ولِمَ لَمْ تسلِّم على الأمير بتحية الأمارة .
فيقول الأعرابي :
ولست مسلما مادمت حيا على معـنٍ بتسليم الأمير
معـن : إن سلمت رددنا السلام ، وإن لم تسلم لم نعاتبك .
الأعرابي :
أتذكر إذ لحافك جـلد شاة وإذ نعـلاك من جلد البعير
معن : أذكر ذلك ولا أنساه .
الأعرابي :
وفي يمناك عكاز قوي تهـش بها الكلا بَ عن الهرير
معن : نعم أذكر ذلك ، وبودي لو عـادت تلك الأيام بكل ما أملك ، فهي أيام الصبا والشباب .
الأعرابي :
فسبحان الذي أعطاك ملكا وعلمك الجلوس على السرير
معن : سبحانه ، ما أعـظم شأنــه .
الأعرابي :
سأرحل عن بلاد أنت فيها وإن جار الزمان على الفقير
معن : إن بقيت فعلى الرحب والسعـة ، وإن رحلت فـصـحـبـتـك السلامة .
الأعرابي :
فجد لي يا ابن ناقصة بشيء فإني قد عزمت على المسير
معن : أعطوه مائة دينار .
الأعرابي :
قليل ما أتيت به وإني لأطمع منك بالمال الكثير
معن : أعطوه مائة دينار أخـرى.
الأعرابي :
سألت الله أن يبقيك ذ خرا فما لك في البرية من نظير
معن : أعطيناه على هجائنا مائتي دينار ، فأعطوه مِـثليها على مدحـِـه لنـا ، ولكن اصدُقني القول
يا أعرابي ، هل راهنت أحدا على أن تغـضـبني .
الأعرابي : نعم راهنت إسكافيا في السوق فجعل لي عشرة من الإبل على أن أغـضـبـك .
معن : ثكلتك أمك يا أعرابي ، والله ما غضبـت مذ سمعـت قول الله عز وجـل :
{ والكــاظمين الغــيظ والعــافين عن الناس والله يحــــب المحـســنين }.
وقولــه تعالى : { خــذ العـفـو و أمر بالعرف وأعرض عن الجــاهـلـين }
أمـا تعلم أن الرهان لا يجوز يا أعــرابـي .
الأعرابي : أيها الأمير أنا رجل أعرابي جاهل لا علم لي بمثل ذلك .
معن : أيها الوزير خذ الأعرابي فأعطه عشرة من الإبل فإنه كان يؤمِّـلُها من الرهان ، وأحضر الإسكافي لينال عقابه جزاء اجترائه على ماحرم الله.
الأعرابي جزاك الله خيرا وأكثر أمثالك في الناس فاسمع مني هذين البيتين :
لعمرك ما الرزية فقد شاة ولا فرسٌ يموت ولا بعِـيرُ
ولكن الرزية فقد حـــرٍّ يموت بموته خلـق كـثيــر