مسابقات ملكات الجمال» عالم آخر يسحر الكثير من الجزائريات. يحبس الأنفاس، و»يرهن» المستقبل الدراسي أو العاطفي من أجل الشهرة والمال. هذا الحلم قد يبدو لصنف آخر من الفتيات بمثابة سخافة لا غير، ويعارضن الدخول إلى عالم يجزمن أنه حافل بالفضائح والاستغلال المادي والجنسي، نظير شهرة لا تتعدى حدود بلدهن، ومجتمع لا يزال ينظر بعين الرفض والاستهتار الى تلك المسابقا
موضة» مسابقات ملكات الجمال، أو هذه «الثقافة» الجديدة، كما يحلو لبعضهم أن يسميها ليست مألوفة لدى الجزائريين، ولم تنتشر إلا منذ نهاية التسعينات بعد عودة الأمن تدريجاً إلى البلد.
وفجأة، أفاق الجزائريون على انتشار هائل لمؤسسات وأشخاص يتسابقون لنشر إعلاناتهم في الصحف بحثاً عن فتيات جميلات للمشاركة في مسابقات ملكة جمال الجزائر. وترفق الإعلانات بوعود، تجعل الفتيات يغرقن في أحلام السفر إلى أجمل دول العالم وتمثيل بلدهن في مسابقات الجمال العالمية.
الملتزمات يرفضن مسابقات الجمال وان اعتمدن «الحجاب الحديث».
الملتزمات يرفضن مسابقات الجمال وان اعتمدن «الحجاب الحديث».
وتعد بنات الأحياء الراقية بالعاصمة، والمتحدرات من عائلات ثرية، والطالبات الجامعيات، الأكثر إقبالاً على المشاركة في هذه المسابقات، فهن لا يجدن صعوبة في إقناع عائلتهن بالفكرة، بينما تخاف الكثير من الفتيات من الظهور أمام الكاميرات، وارتداء ألبسة تكشف أجسامهن أحياناً، خوفاً من «كلام الناس» و»العيب»، والفضيحة أمام مجتمعهن، حتى ولو كن يمتلكن جمالاً صارخاً.
تقول السيدة مزهود فاطمة الزهراء، معدّة ركن التجميل في التلفزيون الجزائري، وإحدى أقدم المشرفات على تحضير المتسابقات على عرش الجمال الجزائري: «ينبغي الاعتراف بأن الفتيات اللاتي يتم اختيارهن لسن حتماً الأجمل، بل إنني أجزم أن البيوت الجزائرية تعج بحسناوات يرفضن المشاركة في المسابقات، أو أن عائلتهن لا تمنحهن هذا النوع من الحرية».
وأشد ما أضحكني رد فعل أمينة (26 عاماً) حينما سألتها إن كانت ستقبل المشاركة في تلك المسابقات، وقلت لها إنني أتوقع لها الفوز نظراًَ الى جمالها الجذاب، فانفجرت ضحكاً، وردت قائلة: «هل أنت مجنون، هل تريد أن يحلّق أبي شاربه؟»، بمعنى أنه سيتخلى عن رمز رجولته وشهامته!
وتقول لميا، وهي فتاة محجبة: «يا أخي، نحن مسلمون، وديننا لا يرضى بأن تبدي المرأة زينتها للرجل الأجنبي. ثم إنني أستغرب موقف الكثير من الجزائريين والعرب والمسلمين بعامة ممن عماهم الغزو الثقافي الغربي، وتجدهم لا يأخذون من الفضائيات الأجنبية سوى الأمور التافهة، مثل مسابقات عرض الأزياء، واختــيار ملـــكات الجمال».
وعلى الجهة الأخرى، لا تجد مالكة بوراس ( 25 عاماً)، أي حرج في المشاركة في مثل تلك المسابقات، بل إنه سبق لها أن ترشحت لعرش ملكة جمال العاصمة، تحضيراً لمسابقة جمال الجزائر. وعملت عارضة أزياء أيضاً في الكثير من البرامج التلفزيونية. وفيما كانت منهمكة مع رفيقاتها بتحضير نفسها للمشاركة في مسابقة جديدة على هامش معرض للجمال احتضنه قصر الثقافة في العاصمة، قالت: «لا أجد حرجاً في ذلك، على العكس، فوالدي وأسرتي وأهلي شجعوني على ذلك دوماً». وعن نظرة المجتمع لها تقول: «أنا لا أجد عيباً في الأمر لأنني لم أشارك في مسابقات اضطررت فيها إلى التعري كما يحصل في مسابقات أخرى، وأعترف أن هناك فتيات شاركن بملابس شبه عارية في عروض جمال في دول أخرى، لكن هذا لم يحصل معي أبداً».
حلم الذهاب بعيدا في مسابقات ملكات الجمال يجعل بعض الفتيات يرهن كل شيء في سبيل ذلك، حتى ولو كانت دراستهن, لكن الأمر لا ينطبق على مالكة بوراس التي تمارس كرة اليد وتعترف قائلة: «حقيقة أنا وجدت كل التشجيع، ولكن الآن لدي عرض زواج، وشريك حياتي اشترط علي أن أتوقف نهائياً عن مهنة عرض الأزياء».
إلا أن عالم مسابقات ملكات الجمال في الجزائر ليس مماثلاً لما تشاهده الفتيات في قنوات التلفزيون الفرنسية، فلقب ملكة جمال الجزائر ليس تاجا يفتح لها الأبواب، والمغامرة غالباً ما تنتهي في حدود يوم المسابقة. أما اختيار الحسناء فهو لا يقوم على شروط موضوعية ومسابقات نزيهة في نظر الكثير من الفتيات.
وتقول مالكة: «نحن ندفع أموالاً في مقابل المشاركة في المسابقة، ولا نتقاضى أي مقابل، فبمجرد أن تنتهي المسابقة، حتى ينسى الكل ملكة الجمال التي تجد أحلامها قد تبخرت، فلا سفر إلى الخارج، ولا مشاركة في مسابقات عربية أو عالمية. وتضيف: «أما حلم المشاركة في مسابقات عالمية فهو ضرب من الخيال، وملكة الجمال تقدم كل ما لديها، في سبيل تاج لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا أحد يتابع مسيرتها بعد ذلك! ولكم أن تتصوروا أن ملكة جمال الجزائر للعام 2024 وعدها المنظمون بسيارة من طراز بيجو 206، لكنها لم تحصل عليها حتى الآن»