تخطى إلى المحتوى

ما هو الحكم الشرعي للنسيكة أو للعقيقة للشيخ فركوس؟ 2024.

حكم العقيقة

السؤال:
ما هو الحكم الشرعي للنسيكة أو للعقيقة؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالمختار من قولي العلماء أنّ النسيكة سنة واجبة على المولود له، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها وعمل بها كما ثبت ذلك من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: » مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى«(١)، وهذا يدل على الوجوب من جهة إخباره عن الواجب في قوله » مع الغلام عقيقة« ، ثمّ أمرهم من جهة أخرى أن يخرجوا عنه، ومن ذلك أيضا حديث الحسن عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: »كلّ غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى«(٢)ووجهه ظاهر في الوجوب لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل تنشئته تنشئة صالحة وحفظه حفظا كاملا مرهونا بالذبح عنه، والعقيقة تفك الرّهان عن المولود، وكذلك يشهد على حكم الوجوب حديث أمّ كرز الكعبية رضي الله عنها أنّها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: »عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة لا يضركم أذكراناً كُنَّ أم إناثاً«(٣) وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: »أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين« (٤) وأوامر الشرع كما هو معروف في القواعد الأصولية تحمل على الوجوب ما لم ترد قرينة صارفة،وكان بريدة الأسلمي رضي الله عنه راوي الحديث يوجبها ويشبهها بالصلاة و"الراوي أعلم بما روى".
أمّا من تمسك بالاستحباب فيرى أنّه لو كانت واجبة لكان وجوبها معلوما من الدين، ولبيّن النبي صلى الله عليه وسلم وجوبها للأمّة بياناً عامّاً كافياً ينقطع معه العذر، لأنّ الحاجة تدعو إليه وتعمّ به البلوى، ولأنّه علقها النبي صلى الله عليه وسلم بمحبة فاعلها كما في قوله صلى الله عليه وسلم:» من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل«(٥) فهي قرينة صارفة من الوجوب إلى الاستحباب، ولا يخفى أنّ النصوص الحديثية الآمرة بالعقيقة على المولود جاءت على غاية من البيان وإذا كانت طاعته في أوامره أوكد من الاقتداء في أفعاله المخالفة لها، فإنّ العمل بأوامره المطابقة لأفعاله أولى وأوكد، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ [الأحزاب: 21] وقال تعالى أيضا: ﴿فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 158] وعليه يجب العمل بها سواء عمّت البلوى أو خصت كما هو مقرر أصوليا من مذهب الجمهور، أمّا حديث : " من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل" فنظيره قوله تعالى: ﴿ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ﴾ [التكوير:27] والاستقامة لا شك أنّها ليست مستحبة، وإنّما هي واجبة ومعلوم وجوبها بأدلة الشرع. وكذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158] ولا يخفى أنّ السعي بين الصفا والمروة ركنٌ، وظاهر الآية يدلّ على أنّه مشروع، وهذه الركنية استفيدت أيضا من أحاديث أخرى، كقوله صلى الله عليه وسلم » اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السعي« (٦) وكذلك قوله » خذوا عني مناسككم«(٧) والنبي صلى الله عليه وسلم قد سعى بين الصفا والمروة فدلّ هذا على وجوبه، ونظير ما تقدم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم » إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره«(٨) وليس في قوله» وأراد أحدكم« أنّ الأضحية ليست بواجبة بل هي واجبة على الموسر القادر عليها بالنصوص الموجبة لذلك.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّـد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما

١- رواه البخاري في العقيقة (٥٤٧١ / ٥٤٧٢) والنسائي في العقيقة (٧/١٦٤) وابن ماجة في الذبائح (٣١٦٤) وانظر صحيح الجامع للألباني (٢/٥٨٧٧) ومشكاة المصابيح للألباني (٢/٤١٤٩).

٢-أخرجه أبوداود في «الأضاحي»، باب في العقيقة: (٢٨٣٨)، والترمذي في «الأضاحي»، باب من العقيقة: (1522)، والنسائي في «العقيقة»، باب متى يعق: (4220)، وابن ماجه في «الذبائح»، باب العقيقة: (3165)، والحاكم في «المستدرك»: (7587)، وأحمد: (19676)، من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه. والحديث قال عنه ابن حجر في «فتح الباري» (9/507): «رجاله ثقات»، وصححه ابن الملقن في «البدر المنير»: (9/333)، والألباني في «صحيح الجامع»: (4184).

٣- أخرجه أبو داود (2835) والترمذي (1515) والنسائي (4218) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/4106) وفي المشكاة (2/4152)

٤- رواه أحمد في المسند (٦/١٥٨، ٢٥١) والترمذي في الأضاحي (١٥١٣) وابن ماجه في الذبائح (٣١٦٣) وصححه الألباني في الإرواء (١١٦٦) والسلسلة الصحيحة (٦/٢٧٢٠).

٥- أخرجه أبو داود (٢٨٤٢) في العقيقة وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (٢/٧١٣٥) وفي المشكاة (٢/٤١٥٦).
٦- أخرجه أحمد (6/421) وصححه الشيخ الألباني في الإرواء( 1072) وفي صحيح الجامع (1/968)

٧- أخرجه مسلم (9/44) والنسائي (5/270) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

٨- رواه مسلم كتاب الأضاحي باب:نهي من دخل عليه شهر ذي الحجة وهو مريد للتضحية والنسائي:كتاب الضحايا(4364) وابن ماجه كتاب الأضاحي باب من أراد أن يضحي فلا يأخذ في العشر (3149) وأحمد(26354) ط دار القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.