حين تضعف الإرادة، وتلين العزيمة، فإن النفس تنهار عند مواجهة أحداث الحياة ومشاكلها التي لا تكاد تنتهي. وحين يفشل مثل هذا الإنسان في موقف أو مجموعة مواقف، فإنه يصاب باليأس الذي يكون بمثابة قيد ثقيل يمنع صاحبه من حرية الحركة، فيقبع في مكانه غير قادر على العمل والاجتهاد لتغيير واقعه بسبب سيطرة اليأس على نفسه، وتشاؤمه من كل ما هو قادم، قد ساء ظنه بربه، وضعف توكله عليه، وانقطع رجاؤه من تحقيق مراده.
و هذا ما ألاحظه عندما أطالع آراء الكثير من الناس فأشعر و كأننا أصبحنا شعبا يائسا جد متشائم، و ما يؤلمني أكثر هو أن البعض متشائم و يريد أن يتشاءم الناس معه، لماذا يا أخي؟ ماذا تريد منهم، دعهم و شأنهم؟ لماذا ينغصون علينا حياتنا هؤلاء القوم، إن كانوا قد يئسوا من حالهم فليكبروا عليه أربعة تكبيرات لأننا لسنا مستعدين لأن نشيع جنازة الأمل الذي لا زلنا نؤمن به؛
إذ هناك و للأسف من إن تحدثه عن المستقبل الذي يجب أن تكون عليه الدولة الجزائرية أو الأمة الإسلامية جمعاء تراه يعد لك المشاكل التي نعاني منها و هذا أمر غير معقول، هناك من يظن أن التفاؤل متعلق بالأسباب و هذا خطأ، لا علاقة للأمل بالأسباب بل بالعكس فقد تكون الأسباب توحي بعكس ما نتفاءل من أجله، فعندما يسألك أحد لما أنت متفائل لست مجبرا أن تعد له أسبابا مادية لذلك،
و لكن لماذا التفاؤل ليس له أسباب؟ و الجواب بسيط ذلك لأن الأسباب تزول و بزوالها يزول الأمل و التفاؤل ، و إن زال التفاؤل حل محله اليأس و لا داعي أن أسرد قصة هذا الأخير، لهذا فهو معروف عند البشر منذ القدم أن التفاؤل لا علاقة له بالأسباب و بذلك فالأمل لا ولن يزول أبدا، ولكن نحن المسلمون لدينا سبب للتفاؤل لأن الظاهر أن الطريقة الأولى لا تنجع مع الإنسان الذي يجزع لأتفه الأمور كما قال الحسن البصري : أمرنا الله بالصبر فجزعنا ، ولو أمرنا بالجزع لصبرنا، ما هذا السبب ؟ ألا وهو الله عز و جل، نحن تفاؤلنا بالله الذي لا يزول و لا يفنى و غيره يفعل ، لهذا المؤمن حقا لا ييأس أبدا لأنه و بمجرد مطالعة أسماء الله الحسنى و استيعابها سيعرف بمن هو يتفاءل بالحي الذي لا يموت، و لهذا قرن الله عز و جل اليأس بالكفر فكيف تيأس و لك رب عظيم يقهر كل شئ حتى القوانين الفيزيائية كشق البحر أو شق القمر و هو لا يقهر،
لهذا لا داعي لليأس بل من الواجب علينا كمسلمين أن لا نيأس، فلا و لن يوقفنا الإرهاب و لا فرنسا ولا أمريكا ولا إسرائيل، بل أبشركم فكما أنه ليس للتفاؤل سبب فانه كذاك بالنسبة لليأس و التشاؤم فرغم أن أعداءنا لهم من أسباب القوة و النعيم الكثير إلا أنك تجد اليأس عندهم يسري في العروق ، فانظر إلى نسبة الانتحار في الو.م.ا و خاصة في أوساط جيشها، بل أكثر من ذلك فكما أن الله أوجد لنا سبب للتفاؤل وهو أن نتفاءل به و ذلك بالإيمان به و نصرته فيخرجنا بذلك من المحن مهما كانت، فان أعداءنا ليسوا مستثنين من المعادلة فقد يصيبهم الله باليأس لأنهم أشركوا به و حاربوا دينه و بالتالي يخزيهم في الأخير حتى و لو كانت لهم أفضل أسباب النصر
إن العبد المؤمن لا يتمكن اليأس من نفسه أبدًا، فكيف يتطرق اليأس إلى النفس وهي تطالع قوله تعالى: (وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ). أم كيف يتمكن منها الإحباط وهي تعلم أن كل شيء في هذا الكون إنما هو بقدر الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).
فإذا أيقن بهذا فكيف ييأس؟ إنه عندئذٍ يتلقى الأمور بإرادة قوية ورضىً تام، وعزم صادق على الأخذ بأسباب النجاح.
فأن تكون الإنسان الذي يعيش الأمل في عقله وقلبه يساوي أن تكون مؤمناً، وأن تكون الإنسان اليائس يساوي أن تكون كافراً، والله يريد من الإنسان أن لا ييأس من رحمته، حتى أن اليأس من رحمة الله يعد من الكبائر، إن على الإنسان أن لا يفقد الأمل، لأن فقدان الأمل يعني الكفر، وهو أن تقول بأن الله غير قادر على أن يحل مشكلتك ولكن لا بد لمشكلتك من عمر تقطعه، وقد لا يكون لك مصلحة في حل هذه المشكلة، لأن قضيتك تنطلق على أساس خط آخر، وعلى أساس واقع آخر.
إن القرآن يزرع في نفوس المؤمنين روح الأمل والتفاؤل: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) وفي آية أخرى: (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الظالمون)،و قوله تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) والإسراف على النفس هو تجاوز الحد (لا تقنطوا من رحمة الله) لا تقولوا لقد قطعنا شوطاً كبيراً في المعصية ولن يرحمنا الله، لأن شأن ربكم الذي عصيتموه وأسرفتم في معصيته، شأنه المغفرة والرحمة (إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم)، وهكذا ينبغي للإنسان أن يعيش الأمل بعفو الله ومغفرته ولكن لا بالمستوى الذي يستسلم فيه لأحلام العفو والرحمة بحيث يدفعه ذلك إلى استسهال المعصية كالكثيرين من الناس الذين يسوفون التوبة، ويستعجلون الذنب، ويقولون غداً نتوب، فالشاعر يقول:
لا تقل في غد أتوب لعل الغد يأتي وأنت تحت التراب
لذلك لا بد أن يعيش الإنسان بين نور خيفة ونور رجاء ((خف الله خيفة لو أتيته بحسنات الثقلين لعذبك، وارج الله رجاء لو أتيته بذنوب الثقلين لغفر لك)) فعلى الإنسان المؤمن إذا أحاطت به المشاكل أن يدرسها على أساس الواقع، وأن يدرس الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها، والآفاق التي يتطلع إليها وأن لا يحبس نفسه في سجن ضيق من التشاؤم ومن اليأس، بل يفتح لنفسه كل أبواب الرجاء وكل أبواب الأمل، وقد حدثنا الله في بعض آياته أن التقوى التي يعيشها الإنسان في عقله وفي قلبه وفي حياته قد تؤدي به إلى أن يجد المخرج حيث لا مخرج، وأن يكتشف الحل حيث لا حل، وأن يحصل على الرزق من حيث لا يحتسب (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب)
ومن يتوكل على الله وهو يسعى لحل مشكلته، ومن يتوكل على الله وهو يعي طبيعة الواقع، ومن يتوكل على الله وهو يخطط للمستقبل، (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره)
علاج اليأس:
إن اليأس مرض من الأمراض التي تصيب النفوس فتقف عاجزة عن إدراك المعالي، ومن هنا فإننا نضع خطوطًا عريضة ونقترح بعض الوسائل التي نرجو أن تكون نافعة في علاج هذه الآفة، ومنها:
1- تعميق الإيمان بالقضاء والقدر بمفهومه الصحيح، وتربية النفس على التوكل على الله، ونعني بذلك أن يعتمد القلب في تحقيق النتائج على الله مع الأخذ بالأسباب المشروعة، وبذل الجهد الممكن للوصول إلى الأهداف المنشودة.
2- تنمية الثقة بالنفس، والاعتماد على الذات في القيام بالأعمال، وتحمل المسؤولية عن نتائجها بغير تردد ولا وجل.
3- اليقين بالقدرة على التغيير إلى الأفضل في كل جوانب الحياة ومطالعة تجارب الناجحين في شتى الميادين.
4- قراءة قصص الأنبياء والصالحين الذين غير الله بهم وجه الحياة والتعرف على الصعاب والمشاق التي واجهوها بعزم صادق وقلب ثابت.
5- اليقين بأن الاستسلام لحالة اليأس لن يجني صاحبها من ورائها إلا مزيدًا من الفشل والتعب والمرض، وأن البديل هو السعي والجد وتلمُّحُ الأمل
وفقنا الله و اياكم للخير