لم يسبق لإيسلندا أن استحقت لقبها «أرض الجليد والنار» كما استحقته اليوم. منظر الشلال الأحمر الذي ظل ينسكب لأيام بات مقلقا، وأضفى على المشهد طابعا صار يوحي بالخطر. فالحمم ملأت النهر الذي اختفى قبل وقت قصير بعد أن استغرق قرونا في التكون الطبيعي. على ضفة النهر، وقف الناس يتأملون المنظر الجميل في صمت رهيب، وحده صوت الانفجارات كان يكسره بين الحين والآخر. كان المنظر أخّاذا بكل المعاني، جعل المكان محجا حقيقيا لمن يريد أن يتصل اتصالا روحيا بالقوى الطبيعية في هيجانها. رائحة الكبريت ملأت الأجواء الساخنة. نهر من الحمم فجر الجليد، ثم صار يجري في ممر ضيق راميا بمياه نهر هفانارجيل إلى السماء. كانت الحمم النارية تتسلل تحت أكوام الثلوج فتنفجر الأخيرة انفجارا…
كرونولوجيا منظر طبيعي تحول إلى كارثة
31 مارس: لا أحد كان يعرف أن الأدخنة التي بدأت تخرج من جوف بركان إيافيالايوكول ستزرع الخوف في سماء أوربا. الماغما المنبعثة من الجوف تصبح عنيفة في انفجارها عند اتصالها بالجليد. انفجارٌ أول رمى بأدخنة سافرت بها الرياح لأكثر من 20 كلم. الحمم المشتعلة التي كانت تتطاير عموديا في السماء كانت تضيء الليل الإيسلندي. بسرعة، امتد غطاء من الحمم المشتعلة على طول أخدود مسافته حوالي 500 متر. كانت الماغما تعيد السقوط على الأرض مثل المطر، فيما بدأت السيول الحارقة تجري فوق الجليد. الوضع صار خطيرا، الأمر الذي حتم على السلطات اتخاذ إجراءات صارمة: مُنع استعمال الطرق في محيط البركان وأُغلق المجال الجوي أمام الملاحة الجوية لثلاثة أيام، وأُجلي حوالي 600 شخص بسرعة كبيرة عن المنطقة، خاصة الفلاحين الذين كانوا مهددين بالسيول الجوفية التي تختلط بالثلج الذائب فتصبح خطيرة للغاية. لكن إذا كان الفلاحون مرتاحين للسرعة والفعالية التي تمت بها عملية الإجلاء، فإنهم تأسفوا كثيرا لمصير الأحصنة والأكباش التي تركوها خلفهم. حتى الآن، مازالت تأوهات الأرض لا تثير القلق، بل إنها أثارت فضول السياح وهواة المشاهد الرائعة. عدد كبير من هؤلاء جاء إلى المكان كل بوسيلته الخاصة. منهم من استقل دراجات خاصة بالجليد، ومنهم من استقل سيارات رباعية الدفع… آخرون جاؤوا راجلين. كانت الرغبة كبيرة في الاقتراب أكثر من البركان المنفجر، إلا أن الخطر كان أكبر، لا بل إن الخطر طغى على رغبة تأمل جمال المشهد.
فنادق ودور الضيافة جعلت من البركان ميزة سياحية لترويج عروضها واستمالة السياح للمجيء لزيارة بلد يعاني كثيرا من تبعات الأزمة المالية. وأمام العدد الكبير للزوار، جهزت سلطات الإنقاذ نفسها لتفادي الحوادث، خاصة منها المتعلقة بالظروف المناخية. برودة الطقس والرياح هما أكبر الأخطار على هذه الجزيرة حيث فصل الشتاء مازال قاسيا حتى الآن.
الساعة السابعة مساء: انفتح أخدود جديد في البركان. حمم من الماغما تتطاير في السماء على امتداد 100 متر تقريبا… صفراء وحمراء وبرتقالية أحدثت سيولا جديدة على جانب البركان، واندفعت تجري فوق الجليد. كان المشهد مذهلا. الحمم تزيد اشتعالا وحمرة بقدر ما يزداد الليل حلكة. انفجار البركان اتخذ أبعادا مأساوية الآن، لم يعد المنظر جميلا، بل خطيرا. اشتعلت أضواء سيارات الإنقاذ في الجبال، وأصبحت السلطات تطلب من الزوار الابتعاد فيما بدأت الحوامات تحلق في السماء بحثا عن أشخاص يمكن أن يكونوا يمارسون التجوال الرياضي بالقرب من الفتحة الجديدة التي انفجرت من جوف الأرض. لم يعد من المسموح به الآن ترك أي أحد يتجول أو يقترب من مكان الخطر. حرارة الليل انخفضت إلى 20 درجة تحت الصفر. وسرعان ما انطلقت نيران ومضية غريبة لتخترق الظلام.. لم يعد المشهد فرجويا، بل صار غير طبيعي، كأنه من عالم الخيال، يزيد البركان قوة.
14 أبريل: خليط من البخار والدخان يرتفع إلى أكثر من 8 كلم في السماء. في قمة البركان، الجليد يتكسر بعد مقاومة لم تدم طويلا. سيل من الوحل والماء والصخر أغرق السهل الممتد في قدم البركان، انفجارات قوية وعنيفة رمت بحممها السوداء إلى السماء لتتكفل الرياح بدفع الأدخنة الكثيفة نحو المدن الأوربية وتعطل حركة الملاحة الجوية في المطارات الأوربية، وتحصر ملايين الركاب، بينما تبدو النيران مصرة على الاستمرار في نفث الأدخنة.
فالطبيعة أبدا لا تشفق على أحد
مشكورة أختي على المعلومات
|
مرورك أسعدني
ننتظر منك كل جديد مفيد.