تخطى إلى المحتوى

ليلة القدر خير من ألف شهر 2024.

ليلة القدر خير من ألف شهر


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
فمن فضائل شهر رمضان، وجوائزه العظام: تضمنه لليلة القدر، وهي ليلة شريفة القدر، ضاعف الله فيها ثواب العمل الصالح لهذه الأمة مضـاعفة كثيرة.


قال تعالى: }إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{ [القدر: 1-5].


شرح السورة


قوله تعالى: }إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ{ أي: القرآن، لأن القرآن نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله r. قاله ابن عباس وغيره.


قوله: }فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{, قال ابن الجوزي: وفي تسميتها بليلة القدر خمسة أقوال:



أحدها: أنها ليلة العظمة. يقال: لفلان قدر.


قال الزهري. ويشهد له: }وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ{ [الزمر: 67].


والثاني: أنه الضيق. أي: هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون. قاله الخليل بن أحمد، ويشهد له: }وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ{ [الطلاق: 7].


والثالث: أن القدر الحكم، كأن الأشياء تقدر فيها، قاله ابن قتيبة.


والرابع: أن من لم يكن له قدر صار بمراعاتها ذا قدر. قاله أبو بكر الوراق.


والخامس: لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر، وينزل فيها رحمة ذات قدر، وملائكة ذوو قدر، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله ([1]).


وذكر تعالى أن هذه الليلة ليلة مباركة تقدر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العام، وذلك في قوله تعالى: }إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ [الدخان: 3-6].


قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله: وصفها الله سبحانه بأنها مباركة؛ لكثرة خيرها وبركتها وفضلها.


ومن بركتها:أن هذا القرآن أنزل فيها.


ووصفها سبحانه بأنه يفرق فيها كل أمر حكيم، يعني يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة ما هو كائن من أمر الله سبحانه في تلك السنة من الأرزاق والآجال، والخير والشر، وغير ذلك من كل أمر حكيم من أوامر الله المحكمة المتقنة، التي ليس فيها خلل, ولا نقص, ولا سفه, ولا باطل([2]).


وليلة القدر من شهر رمضان كما قال تعالى: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ{ [البقرة: 185].


ثم قال تعالى معظمًا لشأن ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها: }وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{؛ فهذا على سبيل التعظيم لها، والتشويق إلى خبرها.


ثم قال: }لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ{.


قال مجاهد: قيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر من هذا الزمان, وصيامها ليس فيها ليلة القدر، وهذا قول قتادة والشافعي، واختيار الفراء وابن قتيبة والزجاج.


وقال عمرو بن قيس الملائي: عمل فيها خير من عمل ألف شهر.


قال ابن كثير: وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر هو اختيار ابن جرير, وهو الصواب لا ما عداه.


قوله تعالى: }تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ{.



قال أبو هريرة: الملائكة ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحصى.


وهذا يدل على كثرة الرحمة والبركة في هذه الليلة، فإن الملائكة ينزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيمًا له.


أما }وَالرُّوحُ{ فقيل: المراد به هاهنا جبريل عليه السلام، فيكون من باب عطف الخاص على العام.


وقيل: هم ضرب من الملائكة.


قوله }مِنْ كُلِّ أَمْرٍ{: قال ابن قتيبة: أي: بكل أمر.


قال المفسرون: ينزلون بكل أمر قضاه الله تعالى في تلك السنة إلى قابل.


قوله تعالى: }سَلَامٌ هِيَ{ وفي معنى السلام قولان:
أحدهما: أنه لا يحدث فيها داء، ولا يرسل فيها شيطان؛ قاله مجاهد.


والثاني: أن معنى السلام الخير والبركة؛ قاله ابن قتيبة.


قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله: يعني أن ليلة القدر ليلة سلام للمؤمنين من كل مخوف؛ لكثرة من يعتق فيها من النار، ويسلم من عذابها.


قوله: }حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{ يعني: أن ليلة القدر تنتهي بطلوع الفجر لانتهاء عمل الليل به.


فضائل ليلة القدر


اتضح من خلال شرح السورة ما تتضمنه هذه الليلة من فضائل, وهي:



1- إنزال القرآن فيها, وهو المعجزة الخالدة للنبي r، الذي أنزله الله تعالى هداية للعالمين، وحجة على المعاندين.
2- أنها ليلة كثيرة البركة والرحمة كما في قوله تعالى: }إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ{.
3- إن هذه الليلة تقدر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العام.
4- أن العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر.
5- أن الملائكة تتنزل فيها, وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة والعتق من النار.
6- أنها سلام من الآفات والعقوبات.
7- أن من قامها غفر له ما تقدم من ذنبه، كما قال النبي r: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (متفق عليه).


تحديد ليلة القدر


قال جمهور العلماء: هي في العشر الأواخر من رمضان، واختلفوا في أي ليالي العشر أرجى على أقوال كثيرة أشهرها:
1- أنها ليلة إحدى وعشرون, وإليه ذهب الشافعي رحمه الله.
2- أنها ليلة ثلاث وعشرون, وهو قول كثير من الصحابة والتابعين.
3- أنها ليلة خمس وعشرون.
4- أنها ليلة سبع وعشرون.
5- أنها ليلة تسع وعشرون.
6- أنها آخر ليلة من رمضان.
7- أنها تنتقل في ليالي العشر الأواخر, وهو قول أبي قلابة وغيره.


القول الأسلم


وأسلم الأقوال هو القول الأخير، وهو أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان؛ وأنها تنتقل في ليالي العشر، فمن قام ليالي العشر كلها, وأحياها بالعبادة أصاب ليلة القدر يقينًا.


قال ابن كثير: (وروى عن أبي قلابة أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر. وهذا نص عليه مالك والثوري وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وأبو ثور، والمزني، وأبو بكر بن خزيمة وغيرهم، وهو محكي عن الشافعي، نقله القاضي عنه, وهو الأشبه. والله أعلم»([3]).


وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: (أرجح الأقوال أنها في الوتر من العشر الأخير، وأنها تنتقل)([4]).


ونظرًا لاختلاف المطالع والبلدان في تحديد بداية الصوم، فإنها تطلب في الأشفاع من العشر الأواخر كما تطلب في الأوتار، لأن الليلة قد تكون وترًا في بلد، وتكون شفعًا في بلد آخر.


وكذلك الوتر له اعتباران: اعتبار بما مضى، واعتبار بما بقي، فإذا كان الشهر تامًا, فالأوتار باعتبار ما بقي هي ليالي الشفع.


وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: (ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان، هكذا صح عن النبي r، وتكون في الوتر منها.


لكن الوتر يكون باعتبار الماضي، فتطلب ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين.


ويكون باعتبار ما بقي، كما قال النبي r: «لتاسعة تبقى، لسابعة تبقى، ولخامسة تبقى، لثالثة تبقى».


فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين، يكون ذلك ليالي الأشفاع، وتكون الاثنين وعشرين تاسعة تبقى، وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى، وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح.. وإن كان الشهر تسعًا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي.
وإذا كان الأمر هكذا، فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه)([5]).


بل هو خير لكم


روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله r ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال r: «خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة».


قال ابن كثير: «فتلاحى فلان وفلان فرفعت» فيه استئناس لما يقال: إن المماراة تقطع الفائدة, والعلم النافع كما جاء في الحديث: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» (رواه أحمد, وحسنه العراقي).


وقوله: «فرفعت» أي: رفع علم تعيينها لكم، لا أنها رفعت بالكلية من الوجود، لأنه قد قال بعد هذا: «فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة».


وقوله: «وعسى أن يكون خيرًا لكم» يعني: عدم تعيينها لكم، فإنها إذا كانت مبهمة، اجتهد طلابها في ابتغائها في جميع محال رجائها، فكان أكثر للعبادة، بخلاف ما إذا علموا عينها، فإنها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط، وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها، ويكون الاجتهاد في العشر الأخير أكثر([6]).


وقال ابن الجوزي: (والحكمة في إخفائها: أن يتحقق اجتهاد الطالب، كما أخفيت ساعة الليل، وساعة الجمعة، وقد كان النبي r يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره، كان يسهر ليله، ويحمل كله، فيشد مئزره, ويقوم الليل كله)([7]).


كيفية أحيائها


قال ابن رجب: (وأما العمل في ليلة القدر، فقد ثبت عن النبي r أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (متفق عليه)


وقيامها: إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة.
وقد أمر عائشة بالدعاء فيها أيضًا..


وقد كان النبي r يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها. والله أعلم.


وقد قال الشعبي في ليلة القدر: ليلها كنهارها.


وقال الشافعي في القديم: (استحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها، وهذا يقتضي استحباب الاجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر ليله ونهاره. والله أعلم)([8]).


وقال ابن الجوزي: (وقد كان السلف يتأهبون لها؛ فكان لتميم الداري حلة بألف درهم يلبسها في الليلة التي يرجى أنها ليلة القدر, وكان ثابت وحميد يغتسلان, ويتطيبان, ويلبسان أحسن ثيابهما، ويطيبان مساجدها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.


وخير الهدي هدي محمد r فقد كان النبي r يعتكف العشر الأواخر من رمضان تحريًا لليلة القدر.



وقالت عائشة: (كان رسول الله r إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد المئزر) (متفق عليه).


وشد المئزر: كناية عن اعتزاله النساء, واجتهاده في العبادة.
وقالت رضي الله عنها: (كان رسول الله r يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره) (رواه مسلم).


إخواني, والله, ما يغلو في طلبها عشر، لا والله, ولا شهر، لا والله, ولا دهر، فاجتهدوا في الطلب، فرب مجتهد أصاب.


قال r: «إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم» (رواه ابن ماجة, وحسنه المنذري).


الدعاء في ليلة القدر


قال ابن كثير: (والمستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات، وفي شهر رمضان أكثر، وفي العشر الأخيرة منه، ثم في أوتاره أكثر، والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»).


لما رواه الإمام أحمد أن عائشة قالت: يا رسول الله, إن وافقت ليلة القدر فبم أدعو؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني»([9]) (رواه أحمد وأهل السنن, وقال الترمذي: حسن صحيح).


وقال ابن رجب: (وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر، لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحًا، ولا حالاً, ولا مقالاً، فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر).


قال يحيى بن معاذ: ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله العفو.



شعر:

يا رب, عبدك قد أتاك

وقد أساء, وقد هفا


يكفيه منك حياؤه

من سوء ما قد أسلفا


حمل الذنوب على الذنو

ب الموبقات وأسرفا


وقد استجار بذيل عفـ

ـوك من عقابك ملحفا


رب, اعف عنه, وعافه

فلأنت أولى من عفا([10])

([1]) التبصرة: (2/98، 99).

([2]) مجالس شهر رمضان: (ص104).

([3]) تفسير ابن كثير.

([4]) فتح الباري: (4/313).

([5]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (25/284، 285).

([6]) تفسير ابن كثير.

([7]) التبصرة: (2/104).

([8]) لطائف المعارف: (ص277، 278).

([9]) تفسير ابن كثير.

([10]) لطائف المعارف: (ص280، 281).

بارك الله فيك على الموضوع الطيب
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك اله فيك على الطرح القيم اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر ايمانا و احتسابا

اللهم بلغنا ليلة القدر بارك الله فيك
بارك الله فيك وجزاك خيرا علي الموضوع القيم

يقول شيخ الاسلام ابن تيمية :
اذا وافقت ليلة الجمعة احدى ليالي الوتر من العشر الأواخر فهي أحرى ان تكون ليلة القدر ( هذه الليلة ليلة 27جمعه )
#رمضان #ليلة_القدر

جزاك الله كل خير
على هذا الطرح القيم
وفي ميزان حسناتك
الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.