كلما نظرتَ إلى ذلك الجبل الشاهق، علمتَ مقدار ما يتصف به من القوة والثبات, رغم ما يعتريه من العوامل والأحداث المتعاقبة, التي تحاول أن تنحته حتى لا يبقى منه أثر, وإنْ لم يتحقق لها ما أمَّلتْه؛ فلا تيأس من أنْ تفتِّتَ بعضه, فصخرة من هاهنا, وحصاة من هناك, حتى تقوم فرحةً بأنها حققت شيئاً, ومع ذلك تجد ذلك الجبل لا يزال شاهقاً؛ وكلما كثرت عليه الأحداث؛ كلما ازداد قوةً وصلابة.
بل والعجب أن تراه يزداد بذلاً وعطاء, فتراه وقد تدفقت منه العيون والشلالات، يسقي الناس, وترتوي منه السهول, فإذ بها واحات خضراء، ورياض غنّاء.
لم يفكر أحدٌ أن يبذل لذلك الجبل شيئاً، لأنهم يظنون أن كونه جبلاً قائماً يعني أنه ليس بحاجة إلى شيء، فتراهم يسارعون لاستبداد خيراته، وتراه ثابتاً شامخاً.
ورغم الألم بسبب فقده بعض أجزائه, وكثرة النحت في جسده, والطَّرْق على قلبه، ما أنَّ وما اشتكى, فكم هو عظيم ذلك الجبل.
وهكذا المرء المعطاء, هو كالجبل في شموخه وكبريائه، يعطي بلا حدود, ويبذل بلا قياس، لا ينتظر جزاء من أحد, ولا كلمة ثناء من آخر.
وربما يتألم من الداخل، ولكن يمنعه من الأنين أنَّ ناساً ينظرون إليه، ويرونه قدوةً, فيبتلع ألمه، لعلمه أنه بانهياره ستنهار أمةٌ، وتهوي مبادئ.
أو لأنه يخاف شماتة شامت يتربص به الدوائر، ويتحين الفرص، يفرح بسقوطه.
أو لأنه يعلم أن صرخته ستذهب أدراج الرياح لعدم وجود من يفهمه.
ومع ذلك تجده يعطي، ويبذل, ويلجأ إليه الناس فيجدوا عنده المرهم الشافي, والدواء الناجح.
وربما يبيت على مدى الأيام يرقب أن يأتيه من يشعره أنه يحس بلوعات قلبه وتفتُّت فؤاده, ويراوده الحلم بذلك، لكن من يحس حقيقةً بالجبل؟
والعجب أنه مع شموخه, تجد من يتسلقه ليصل إلى قمة رأسه فيطأها، وبالرغم من ذلك يبقى شاهقاً رفيعاً لا ينحني، ولا يمنعه ما رأي من قسوة أولئك أن يمنع الآخرين.
فكم عظيم أنت أيها الجبل.
2/6/2016م
المصدر …موقع الشيخ سالم العجمي حفظه الله
فالعظيم لا تهلهله و تلملمه و تزعزعه الأحداث مهما عظمت
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها"******************* " وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ*
|
بارك الله فيك