خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة مسجد نبيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، فبينما أنا
في بعض الطريق، إذا أنا بسواد على الطريق، فتميزت ذاك، فإذا هي عجوز عليها درع من صوف،
فقلت السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقالت: {سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ}.
فقلت لها: يرحمك الله ما تصنعين في هذا المكان؟ قالت: {مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ}. فعلمت أنها ضالة عن الطريق، فقلت لها:
أين تريدين؟ قالت: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى}. فعلمت أنها قضت حجها وهي تريد بيت المقدس، فقلت لها: أنت منذ كم في هذا
الموضع؟ قالت: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا}،
فقلت لها: ما أرى معك طعاما تأكلين؟ قالت: {هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}.
فقلت: فبأي شيء تتوضئين؟ قالت: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا}.
فقلت لها: إن معي طعاماً فهل لك في الأكل؟ قالت: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}،
فقلت: ليس هذا شهر رمضان؟ قالت: {مَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}
فقلت: قد أبيح لنا الإفطار في السفر. قالت: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
فقلت: لم لا تكلميني مثل ما أكلمك؟ قالت: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
قلت: أي الناس أنت؟ قالت: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}.
قلت: قد أخطأتُ فاجعليني في حل. قالت: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ}.
فقلت: فهل لك أن أحملك على ناقتي هذه فتدركي القافلة؟ قالت: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ}.
قال: فأنخت ناقتي. قالت: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}.
^
^
لما البنوته رتلت هذي الآية في وقت الحوار ضحكنا وعرفنا أنه كان يطالع فيها وهي تطلع لـ الناقه
فغضضت بصري عنها وقلت لها: اركبي، فلما أرادت أن تركب، نفرت الناقة فمزقت ثيابها، فقالت: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}.
فقلت لها: اصبري حتى أعقلها. قالت: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} فعقلت الناقة، وقلت لها اركبي، فلما ركبت قالت: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}.
فأخذت بزمام الناقة وجعلت أسعى وأصيح. فقالت: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}.
فجعلت أمشي رويداً رويداً وأترنم بالشعر. فقالت: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}.
^
^
وهنا وماشالله كان الله يرحمه طربنا في الشعر فـ ضحكت أستاذتنا
فقلت لها: لقد أوتيت خيراً كثيراً، قالت: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}.
فلما مشيت بها قليلاً قلت لها: ألك زوج؟ قالت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}
^
^
أما هنا أنأ جلست أضحك ضحك لماً ريقي نشف للان بسؤالهـ هذ1 ذكرني بفضولي
قال: فسكت ولم أكلمها حتى أدركت القافلة، فقلت لها: هذه القافلة، فمن لك فيها؟ فقالت: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
فعلمت أن لها أولاداً فقلت: وما شأنهم في الحج؟ فقالت: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}.
فعلمت أنهم أدلاء الركب، فقصدت بها القباب والعمارات فقلت: هذه القباب فمن لك فيها؟ قالت:
(وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}
فناديت: يا إبراهيم، يا موسى، يا يحيى، فإذ أنا بشبان كأنهم الأقمار قد أقبلوا، فلما استقر بهم الجلوس قالت: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ}.
فمضى أحدهم فاشترى طعاماً، فقدموه بين يدي، فقالت: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}.
فقلت: الآن طعامكم علي حرام حتى تخبروني بأمرها.
فقالوا: هذه أمنا، لها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن الكريم مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن،
فسبحان القادر على ما يشاء. فقلت: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
المستطرف في كل فن مستظرف
جزاك الله ألف خير ان شاء الله