هل يجوز للمرأة مداواةُ الرجل أو رُقيته عند عدم وجود من يقوم بعلاجه من الرجال ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فمداواةُ المرأة للرجل الأجنبيِّ أو رقيتُه تجوز للحاجة أو للمصلحة الراجحة وبالضوابط الشرعية مِن أَمْنِ الفتنة وعدمِ الخُلوة، مع الالتزام بالآداب والأحكام الشرعية التي تلتزم بها المرأة في لباسها وكلامها وزينتها، وفي نظرها إلى الأجنبيِّ ونظرِ الأجنبيِّ إليها، أي: ألاَّ يكون في مداواتها له أو في خروجها مفسدةٌ، لا سيَّما عند انعدام من يقوم بذلك من الرجال. ويشهد لذلك: قصَّةُ الشِّفاء بنت عبد الله في الرجل الذي خرجت به النملة، فقد روى الحاكم بالسند الصحيح: «أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَرَجَتْ بِهِ نَمْلَةٌ [أي: قروحٌ تخرج في الجنب، وقد تخرج في غير الجنب]، فَدُلَّ أَنَّ الشِّفَاءَ بِنْتَ عَبْدِ اللهِ تَرْقِي مِنَ النَّمْلَةِ، فَجَاءَهَا فَسَأَلَهَا أَنْ تَرْقِيَهُ، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا رَقَيْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، فَذَهَبَ الأَنْصَارِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قَالَتِ الشِّفَاءُ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّفَاءَ، فَقَالَ: «اعْرِضِي عَلَيَّ»، فَأَعْرَضَتْهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: «ارْقِيهِ، وَعَلِّمِيهَا حَفْصَةَ كَمَا عَلَّمْتِيهَا الكِتَابَ»». وفي روايةٍ: «الكِتَابَةَ» (١).
وما رواه البخاريُّ عن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذٍ قالت: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْقِي وَنُدَاوِي الجَرْحَى وَنَرُدُّ القَتْلَى إِلَى المَدِينَةِ»(٢)، وما رواه البخاريُّ ومسلمٌ -أيضًا-: «أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سُلَيْمٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا كَانَتَا تَنْقُلاَنِ القِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِا فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ»(٣).
وفي صحيح مسلمٍ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا، فَيَسْقِينَ المَاءَ وَيُدَاوِينَ الجَرْحَى»(٤).
ومن الحاجة والمصلحة -أيضًا- خدمةُ الضيوف، وقد جاء في الحديث المتَّفق عليه أنه: «لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلاَ قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلاَّ امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ»(٥).
فإنَّ مِثْلَ هذه الأعمال من جهادٍ وخدمة ضيوفٍ ونحو ذلك تُحقِّق مصلحةً شرعيةً أجاز الشرعُ للنساء القيامَ.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.
الموافق ﻟ: ٠٧ سبتمبر ١٩٩٧م
(١) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٦٨٨٨)، من حديث الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها. [انظر: «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للألباني (١٧٨)]. ورواية: «الكتابة» أخرجها أحمد في «المسند» (٢٧٠٩٥)، وأبو داود في «الطبِّ» باب ما جاء في الرقى (٣٨٨٧)، من حديث الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها.
(٢) أخرجه البخاري في «الجهاد والسير» باب مداواة النساء الجرحى في الغزو (٢٨٨٢) من حديث الربيِّع بنت معوِّذٍ رضي الله عنها.
(٣) أخرجه البخاري في «الجهاد والسير» باب غزو النساء وقتالهنَّ مع الرجال (٢٨٨٠)، ومسلم في «الجهاد والسير» (١٨١١)، من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه.
(٤) أخرجه مسلم في «الجهاد والسير» (١٨١٠) من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه.
(٥) أخرجه البخاري في «النكاح» باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس (٥١٨٢)، ومسلم في «الأشربة» (٢٠٠٦)، من حديث سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما.
المصدر …موقع الشيخ فركوس حفظه الله