تخطى إلى المحتوى

في باب من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها 2024.

  • بواسطة
ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ في باب من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها حديث جرير بن عبد اله البجلي رضي الله عنه وهو حديث عظيم يتبين منه حرص النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته على أمته صلوات الله وسلامه عليه

فبينما هم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول النهار إذا جاء قوم عامتهم من مضر أو كلهم من مضر مجتابي النمار ، مقلدي السيوف رضي الله عنهم ، يعني أن الإنسان ليس عليه إلا ثوبه قد اجتباه يستر به عورته ، وقد ربطه على رقبته ، ومعهم السيوف استعداداً لما يؤمرون به من الجهاد رضي الله عنهم

فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم يعني تغير وتلون لما رأى فيهم من الحاجة ، وهم من مضر ، من أشرف قبائل العرب ، وقد بلغت بهم الحاجة إلى هذا الحال ، ثم دخل بيته عليه الصلاة والسلام ، ثم خرج ، ثم أمر بلالاً فأذن ، ثم صلى ، ثم خطب الناس عليه الصلاة والسلام ، فحمد الله صلى الله عليه وسلم كما هي عادته ، ثم قرا قول الله تعالى
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) (النساء:1)

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر:18)

ثم حث على الصدقة ، فقال : ( تصدق رجل بديناره ، وتصدق بدرهمه ، تصدق بثوبه ، تصدق بصاع بره ، تصدق بصاع تمره ، حتى ذكر ولو شق تمرة )

وكان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أحرص الناس على الخير ، وأسرعهم إليه ، وأشدهم مسابقة ، فخرجوا إلى بيوتهم فجاءوا بالصدقات ، حتى جاء رجل بصرة معه في يده كادت تعجز يده عن حملها ، بل قد عجزت من فضة ثم وضعها بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام

ثم رأى جرير كومين من الطعام والثياب وغيرها قد جمع في المسجد ، فصار وج النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن تعمر ، صار يتهلل كأنه مذهبة ، يعني من شدة بريقه ولمعانه وسروره عليه الصلاة والسلام لما حصل من هذه المسابقة التي فيها سد حاجة هؤلاء الفقراء ، ثم قال صلى الله عليه وسلم

( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة قوليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء )

والمراد بالسنة في قوله صلى الله عليه وسلم : (من سن في الإسلام سنة حسنة ) ابتدأ العمل بسنة ، وليس من أحدث ؛ لأن من أحدث في الإسلام ما ليس منه فهو رد وليس بحسن ، لكن المراد بمن سنها أي صار أول من عمل بها ؛ كهذا الرجل الذي جاء بالصرة رضي الله عنه ، فدل هذا على أن الإنسان إذا وفق لسن سنة في الإسلام سواء إليها أو أحياها بعد أن أميتت

وذلك لأن السنة في الإسلام ثلاثة أقسام

سنة سيئة : وهي البدعة ، فهي سيئة وإن استحسنها من سنها , لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل بدعة ضلالة )

وسنة حسنة : وهي على نوعين
النوع الأول : أن تكون السنة مشروعة ثم يترك العمل بها ثم يجدها من يجددها ، مثل قيام رمضان بإمام ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته في أول الأمر الصلاة بإمام في قيام رمضان ، ثم تخلف خشية أن تفرض على الأمة ، ثم ترك الأمر في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم

وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه وفي أو خلافة عمر ، ثم رأى عمر رضي الله عنه أن يجمع الناس على إمام واحد ففعل ، فهو رضي الله عنه قد سن في الإسلام سنة حسنة ؛ لأنه أحيا سنة كانت قد تركت

والنوع الثاني : من السنن الحسنة أن يكون الإنسان أول من يبادر إليها ، مثل حال الرجل الذي بادر بالصدقة حتى تتابع الناس ووافقوه على ما فعل

فالحاصل أن من سن في الإسلام سنة حسنة ، ولا سنة حسنة إلا ما جاء به الشرع فله أجره وأجر من عمل بها من بعده

وقد أخذ هذا الحديث أولئك القوم الذين يبتدعون في دين الله ما ليس منه ، فيبتدعون أذكاراً ويبتدعون صلوات ما أنزل الله بها من سلطان ، ثم يقولون : هذه سنة حسنة

نقول : لا ، كل بدعة ضلالة وكلها سيئة ، وليس في البدع من حسن ، لكن المراد في الحديث من سابق إليها وأسرع ، كما هو ظاهر السبب في الحديث ، أو من أحياها بعد أن أميتت فهذا له أجرها وأجر من عمل بها

وفي هذا الحديث الترغيب في فعل السنن التي أميتت وتركت وهجرت ، فإنه يكتب لمن أحياها أجرها وأجر من عمل بها ، وفيه التحذير من السنن السيئة ، وأن من سن سنة سيئة ؛ فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة

حتى لو كانت في أول الأمر سهلة ثم توسعت ، فإن عليه وزر هذا التوسع ، مثل لو أن أحداً من الناس رخص لأحد في شيء من المباح الذي يكون ذريعة واضحة إلى المحرم وقريباً ، فإنه إذا توسع الأمر بسبب ما أفتى به الناس فإن عليه الوزر ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة

نعم لو كان الشيء مباحاً ولا يخشى منه أن يكون ذريعة إلى محرم ، فلا بأس للإنسان أن يبينه للناس ، كما لو كان الناس يظنون أن هذا الشيء محرم وليس بمحرم ، ثم يبينه للناس من أجل أن يتبين الحق ، ولكن لا يخشى عاقبته ، فهذا لا باس به ، أما شيء تخشى عاقبته ، فإنه يكون عليه وزره ووزر من عمل به . والله أعلم
()()()()()()()

مختصر من شرح رياض الصالحين باب فيمن سن سنة حسنة أو سيئة
لفضيلة الشيخ العلامة العثيمين رحمه الله

بارك الله فيك ويجعلها في ميزان حسناتك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.