تخطى إلى المحتوى

في " التقليد " : 2024.

  • بواسطة
يتحرك الدين بالإنسان في اتجاهات ثلاثة ، تمثل – كلها – مجموعة علاقات ضرورية :
– فالاتجاه الأول ، يمثل علاقة الإنسان بربه تعالى ،
– والاتجاه الثاني ، يمثل علاقة الإنسان بالطبيعة ،
– والاتجاه الثالث ، يمثل علاقة الإنسان بالآخرين .
وكل مجدد ينشد لمذهبه العمومية ، يجب اعتماده على ما هو عام ومشترك بين الناس ، أو ما هو أعدل الأشياء قسمةً بين الناس … العقل . والمعارف – بحسب المنظور الإسلامي – ثلاث :
* اضطرارية : وهي تلك المعارف المبثوثة في العقل الإنساني ،
* ضرورية : وهي تلك المعارف الناتجة عن ضرورة النظر العقلي ،
* استدلالية : وهي تلك المعارف المعتمدة على العقل … وهي ما يختص به أهل العلم ، أو خاصة الخاصة .
وفي الإسلام يعد النظر العقلي وجوبياً على المكلف ، لأنه – المكلف – لن يعرف الله تعالى عن طريق سواه ، ولذا تناصرت مواقف المصلحين الإسلاميين إزاء الموقف من التقليد ، وقضية الأكثرين والأقلين ، وذلك لتفريغ العقل الإنساني من أوهامه في تقديس التقليد والوهم والاضطرار ،طرقاً / سبلاً للمعرفة التي تقود الإنسان إلى العلم بالله تعالى ، وحتى بالطبيعة والمجتمع والناس ، لكي يبقى طريق واحد : هو النظر العقلي .
والتقليد – لغةً – هو جعل شيء في العنق محيطاً به ، والشيء القلادة. كما يصح اعتبار التقليد اعتقاداً بصحة رأي الغير دون سؤاله حجةً أو برهاناً على رأيه هذا .
والتقليد سلوك معرفي مناف للدين ، مذموم في القرآن الكريم ، لأنه – التقليد – " مرغوب عنه في حجة العقل ، منهي عنه في القرآن " . ولأننا لو جوّزنا تقليد المسلمين للمسلمين ، لما كان هناك وجه لإنكار أن يقلد غير المسلم أباه وقومه ، على اعتبار أن سلوك المقلد في الحالين قد اعتمد على أخذ الرأي الآخر دون سؤال صاحبه حجةً أو بياناً . وهذا معناه أنه " إذا جاز تقليد الآباء في الإسلام ، فيجوز تقليد أولاد غيرهم لآبائهم ، لأن ذلك اعتماد على قبول القول من غير دلالة " .
والآفات التي تصيب الفهم الصحيح للدين وتشوه جوهره ، تأتي من مصادر ثلاثة : التقليد ، والاستسلام للنشأة ، والتعصب للرأي والهوى ؛ فقلة عناية أكثر الناس بالدين تحت تأثير التقليد والاستسلام للمنشأ والذهاب مع العصبية والهوى . وإن دين الناس بالتقليد لا بالنظر والاستدلال . وقد ذم الله تعالى في كتابه المقلدين فجاء القول القرآني الكريم ، حكايةً عنهم : " إنّا وجدنا آباءنا على أمة ، وإنا على آثارهم مقتدون " . والأمة هنا : الدين . وقالت العلماء : المقلد مخطيء في التقليد ولو أصاب الحق ، لأن من اعتقد الحق بغير حجة ولا دليل مثل من اعتقد الباطل بغير حجة ولا دليل ، وإذا دخل في الحق بالتقليد جاز أن يخرج منه بالتقليد .
والمطالبة بالدليل والحجة – هنا – ليست أكثر من عرض لإعادة النظر في المواريث الفكرية السائدة ، حتى ينبذ منها ما لا دليل على صحته ، وحتى يتخلص المعتقد / المقلد من قيود الوهم التي تضلله ، وهذا نعي على من ألغى عقله ، واتبع ما انتقل إليه من الآخرين ، وإصراره على خطأه ، لبلادة غلّفت قلبه وعقله .
وحقيقة الأمر ، فإننا نجد التقليد والعلم نقيضين لا يجتمعان ، وإذا كانت المعارف مبنية على العلم ، وإذا كان التقليد ليس علماً ، يصبح من المستحيل أن تُبنى أي معرفة صحيحة على التقليد .
فالتقليد ، من ثم ، قبول قول الغير من غير أن نطالبه ببينة ، حتى نجعله كالقلادة في أعناقنا . وما هذا حاله لا يجوز أن يكون طريقاً للعلم .
وقد زعم البعض أن تقليد الكثرة أو الغالبية ، أو تقليد الصالحين ، قد يصلح طريقاً للمعرفة والعلم . وهذا رأي متهافت ببيان أن وجود الصالحين في كل ملة ودين يستدعي تقليدهم جميعاً ، لعدم وجود مزية ، كأن يقلد متابع صالحاً لانتسابهما لملة واحدة ، ويقلد الآخرون صالحين آخرين ، وهكذا… ، لأنه من المعروف أن تقليد شخص ما ليس بأولى من تقليد غيره .
إن الإمام علياً كرم الله وجهه ، قد ضرب لنا مثلاً نعلم من خلاله عدم ضرورة وجود الحق مع الكثرة ، إذ الحق لا يُعرف بكثرة الأتباع ، والباطل لا يُعرف بقلتهم … فيقول لما سأله الحارث بن حوّط مستنكراً كون أهل الشام على باطل مع كثرتهم ، وأهل العراق على حق مع قلتهم : يا جار ، إنه لملبوس عليك . الحق لا يُعرف بالرجال ، وإنما الرجال يُعرفون بالحق . اعرف الحق تعرف أهله ،واعرف الباطل تعرف أهله ، قلّوا أم كثروا.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم – في أول أمره – محقّاً وهو قليل العدد .
وقد أسس أصوليونا مفاهيم علمية / تعليمية جديرة بـ " ******* " لا بمجرد التكرار / الاجترار ، ثم " كأنك يا أبا زيد لا رحت ولا جيت " .

والحديث الشريف يبين لنا ذلك في وضوح " ما كان من أمر دينكم فإليّ ، وما كان من أمر د****م فشأنكم به ". ومنه انطلقت / تأسست مفاهيم تدور حول " الظن " بعمومية هذا اللفظ أو ذاك ؛ ففي الإمامة والسياسة ، وفي جامع بيان العلم نجد توضيحاً مسهباً لحديث " أصحابي كالنجوم " ، حتى بفرض ضعفه ، يبين أن ذلك فيما له تعلق بما نقله الصحابة ، رضي الله عنهم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فهم – هنا – ثقة مؤتمنون على ما جاء به ، وشهدوا به عليهم ، وأما غير ذلك مما له تعلق بما قالوه برأيهم فلو كان من عند أنفسهم كذلك – أي واجب الاتباع – ما خطّأ بعضهم بعضاً ، ولا أنكر بعضهم على بعض ، ولا رجع بعضهم لقول بعض ، ولا نقول ما حارب بعضهم بعضاً .
إن التقليد يلغي العقل والمنطق ، بل ويتعارض مع أبسط آليات التفكير العلمي ، بل وحتى النشاط الذهني ، ذلكم الذي لا يسمى هكذا إلا بالمرور عبر حاسة النقد التي تميز الإنسان مهما كانت بسيطة ، أو حتى ساذَجة . فالنزعة النقدية هي – وحدها – الأداة الأساس في البحث العلمي ، ما يمهد للنفاذ إلى الجديد – طبيعياً واجتماعياً – لمعرفته باستكشافه للإفادة منه .
ويؤكد السهيلي أن المؤمن له أن يشك حيث هو " أمر لا يسلم منه أحد " .
و " من لم يشك لم ينظر ، ومن لم ينظر لم يبصر ، ومن لم يبصر بقي في متاهات العمى والضلال " .
إن الأقوال تدل على الأذهان ، لا شك – لديّ – في ذلك ، وقديماً صاغ العربي أمثلة لها بعدها / أبعادها الاجتماعية والمعرفية بوجه عام ؛ فقوله " هوّ السؤال حُرُم " يصوغ نهجاً معرفياً رفيعاً يؤسس لضرورة وجود ، وربما إيجاد " فن " الدهشة " و " الاستغراب " و " التساؤل " تمهيداً لاحترام العقل الذي هو – حتى دينياً – مناط التكليف . وقوله " المحتاج يبيع نصيبه في الجنة " يصوغ نهجاً تعاونياً على صعيد الاجتماع ، حيث يتم تقديم المجتمع ، و " المصلحة العامة " ، على غيرها . وهذا تأسس على قاعدة فقهية " المصالح المرسلة " و " حيث كانت المصلحة فثم شرع الله " .
في القرن السابع الهجري تأسس فقه جديد يعلن ، صراحةً ، اعتماد مصالح العباد ، والبلاد ، العامة ، ورعايتها وإن تعارضت مع النص الشرعي عملاً بالحديث الشريف " لا ضرر ولا ضرار " .
هذا الفقه انتسب لمؤسسه أبي ربيع سليمان بن عبد القويّ بن عبد الكريم المعروف بـ " نجم الدين الطوفي " ، فقد أعلن الرجل ، وترك أجره على الله تعالى ، أن المقصود من العبادات هو محض الامتثال لأمر الله إنْ تأديةً أو كفّاً ، ما يعني توقف النظر في " اعتبار المصلحة " فيها ، بينما الحال على غير ذلك في أمر المعاملات ؛ حيث يبقى المقصود منها – وبالذات – هو تحصيل مصالح العباد . ولذا أعلن غير واحد ضرورة " فض " الاشتباك – ونراه مصطنعاً – بين التراث / الماضي وبين الحاضر ؛ فهناك " نص " واجب الاحترام ، وهنا " واقع " ضروري الاعتبار ، حتى قرأنا " كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل " . مع ضرورة بيان أن التراث هو ما نصنعه نحن بحسب " تلوين " قراءتنا له فيما يعرف ثقافياً بالاستخدام البرجماتي للتراث ، وليس أدل على ذلك من الاستخدام النفعي على صعيد السياسة لبعض أطروحات تراثنا .
إننا على اعتقاد أن للمعرفة " الحقيقية " طريقاً يمر عبر التقارب مع الغير للتعرف على / تفهم رأيه ، لا بطمس رأي المخالف ولا بالتهوين منه من خلال تسفيهه ، ولا بالهروب من مواجهته إما جهلاً أو استعلاءً ، وذلك كله دال بمفرده على ادعاء امتلاك الحقيقة بشكل حسمي / قطعي ، ما يمثل " مصادرة على المطلوب " أي رفضاً للنتائج قبل الوصول إليها .

جزاك الله اخي خير الجزاء
وبالله التوفيق

بااااااااااااارك الله فيك
جزاك الله كل خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.