من فوائد قيام الليل :
قيام الليل من أحسن القربات إلى الله تعالى.
مشاركة الصالحين من قبلنا في دأبهم.
قيام الليل مكفرة للسيئات.
قيام الليل يخفف قيام يوم مقداره خمسين ألف سنة.
وهذا العمل الجديد الذي ينبغي أن يقوم به المرء في "شعبان" تَحَسُّبًا لـ"رمضان"، واستعدادًا لقوله صلى الله عليه وسلم ((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))([2]).
كل تاجر من وراء تجارته ، وتجارة القرآن التجارة التي لا تبور ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ&لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾[فاطر:30:29].
وهذه التجارة من القرآن الكريم تظهر في قوله: ((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ..))([3]).
يعني: من قام بهذا القرآن الذي هو من وراء تجارة كل تاجر، من قام به إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، وإذا لم يُعوِّد المرء نفسه في هذه الأيام على هذا القيام الطويل الذي يرجو به المغفرة، ويرجو به الرحمة، ويرجو به العتق من النار، فإن "رمضان" يأتي عليه، ويمر حتى إذا تعوَّد وجد "رمضان" قد انتهى، حتى إذا تَعَوَّد على طول القيام لله تعالى، ولماذا طول القيام؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ))([4]) , ((وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ))([5]),.
وهذا الاحاديث ننبه بها أنفسنا وإخواننا المتكاسلين عن القيام لربهم، والتلذذ بالإقبال عليه سبحانه وتعالى، وبالمحبة لكلامه والتدبر فيه، وتَنَعُّمِ القلب والبدن بهذه الصلاة، وبذلك الإقبال على الله تعالى،
ونذكر شيئا قليلا من فوائد وعواقب قيام اليل حتى يكون ذلك سببا معينا لنا في قيام اليل لله سبحانه وتعالى:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْعَبْدِ جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرَ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ))([1]) . فإذا علم المرء المحب المقبل على الله تعالى أن ربه أقرب ما يكون إليه في جوف الليل، لا شك أنه انتظر تلك الساعة، وقام إليها لِقُرْب ربه منه.
لذلك: يأتي القرآن الكريم عندما يخرج المرء من قبره يوم القيامة، يخرج إليه في شكل الرجل الشاحب، الشاحب اللون، يقول له: أما تعرفني؟ فيقول مَنْ أنت؟
يقول: أنا القرآن الذي كنت تقرأني، وإن كل أحد اليوم من وراء تجارته، وأنا من وراء كل تجارة لك.
يأتيه القرآن ليقول له ذلك، فيؤتى المُلْكَ بيمينه، والخُلد بشماله، هذا حديث صحيح، فيؤتى المُلْكَ بيمينه، والخُلد بشماله، ويلبس تاج الوقار، ويُحَلَّى أبواه حُلَّتَين لا تقوم لهما الدنيا فيقال لِمَ كسوتني ذلك؟ قال: بأخذ ولدك القرآن.
ثم يُقال له: اقرأ وارق في دَرَجِ الجنة كما كنت تقرأ في الدنيا.
هذا القرآن الذي أظمأته يقول له هذا القرآن: أنا الذي أظمأتُ هواجرك، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر اليوم من وراء تجارته، وأنا من وراء كل تجارة، هذا القرآن الكريم يأتيه: أنا صاحبك، أنا القرآن الذي كنتُ قد أسهرتَ ليلك، يتلوه ويدعو به ربه، ويَتَمَلَّقه به، وإن كل تاجر من وراء تجارته، ويُكْسى ويرقى وكذلك والداه يُكسيان هذه الحُلَّة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ ولدهما القرآن.
وقد ذكرنا أن أفضل قراءة القرآن أن يقرأه قائمًا يصلي في المسجد، كما ذكر الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾[آل عمران:191].
قوله صلى الله عليه وسلم: ))َ عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ [وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ]))
قيام الليل: شعار الصالحين قبلكم، دأب الصالحين قبلكم، والصالحون قبلكم لابد وأن تشاركوهم فيه وأن تنافسوهم عليه، ولا يكون الصالحون قبلكم أولى بالله تعالى منكم، وأولى بمجاورته سبحانه وتعالى في جنته مع "النبيين والصديقين والشهداء "من أولئك الصالحين.
انظر لهؤلاء الصالحين كيف قضوا ليلهم يستنصرون ربهم، ويدعون ربهم، ويناشدون ربهم، ثم يصبحون ليقاتلوا عدوهم، فما كانوا يستنصرون ويَتَقَوَّوْنَ، ويستمدون المدد والعون من الله تعالى إلا بذلك القيام.
لذلك: لما وصفوهم قالوا: لهم دَوِيٌ بالقرآن كدوي النحل في ليلهم، كانوا فرسانًا بالنهار، رهبانًا بالليل، وذلك في أشد المواطن فزعًا، وفي أشدها كذلك خطرًا، وفي أشدها مخافةً، وهي أنهم عند مواجهة عدوهم -ليس عندما يَسْعَون إلى رزقهم أو معاشهم أو دراستهم- يقومون ليلهم، بل في أشد من ذلك؛ إذا لاقوا عدوهم كانوا يقومون ليلهم، مع أنهم كانوا ينبغي أن يناموا؛ ليقاتلوا، أو أن يناموا ليذاكروا، أو أن يناموا ليسافروا، أو أن يناموا ليذهبوا إلى أعمالهم وأشغالهم ، إنما قاموا؛ ليكون مددهم، وعَوْنُهُم على ذلك كله هو ذلك القيام.
وذلك وصفهم الذي أشار إليه المولى سبحانه وتعالى: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾.
وانظر إلى حال المؤمنين في ليلهم كما وصفهم الله تعالى:
وذلك لننظر في حال أنفسنا ولتتعظ بقول ربنا -سبحانه وتعالى- في قوله:
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ , آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ,كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾[الذريات16: 18].
يعني: كانوا قليلًا من الليل ما ينامون.
الهجوع: النوم، والتهجد: هو قيام الليل.
"لئن هجع" يعني: نام.