فهذه بعض الفتاوى لأئمة السنة والفقه في حكم صلاة الغائب
1 ـ الإمام الألباني رحمه الله
قال الإمام الألباني في (أحكام الجنائز وبدعها )(115 ـ 120)
(( السابع: من مات في بلد ليس فيها من يصلي عليه، صلاة الحاضر، فهذا يصلي عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب، لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وقد رواها جماعة من أصحابه يزيد بعضهم على بعض، وقد جمعت أحاديثهم فيها، ثم سقتها في سياق واحد تقريبا للفائدة.))
وساقها ثم قال : (( وأعلم أن هذا الذي ذكرناه من الصلاة على الغائب " هو الذي لا يتحمل الحديث غيره، ولهذا سبقنا إلى اختيارة ثلة من محققي المذاهب، وإليك خلاصة من كلام ابن القيم رحمة الله في هذا الصدد، قال في " زاد المعاد " (1/ 205، 206): " ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسنته الصلاة على كل ميت غائب، فقد مات خلق كثير من المسلمين وهو غيب، فلم يصل عليهم، وصح عنه أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت، فاختلف في ذلك على ثلاثة طرق:
1 – أن هذا تشريع وسنة للأمة الصلاة على كل غائب وهذا قول الشافعي وأحمد
2 – وقال، أبو حنيفة ومالك: هذا خاص به، وليس ذلك لغيره.
3 – وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه، صلي عليه صلاة الغائب كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي لأنه مات ببن الكفار، ولم يصل عليه وإن صلي عليه حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب، لان الفرض سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب وتركه ، وفعله وتركه سنة.وهذا له موضع والله أعلم.
والأقوال ثلاثة في مذهب أحمد، وأصححها هذا التفصيل قلت: واختار هذا بنص المحققين من الشافعية فقال الخطابي في " معالم السنن " ما نصه: قلت: النجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه على نبوته.
" إلا أنه كان يكتم إيمانه والمسلم إذا مات وجباء المسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه: إلا أنه كان بين ظهراني أهل، الكفر، ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه، فلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك، إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به.
فهذا – والله أعلم – هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظاهر الغيب.
فعلى هذا إذا مات المسلم ببلد من البلدان، وقد قضى حقه في الصلاة عليه، فانه لا يصلي عليه من كان في بلد آخر غائبا عنه، فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق أو مانع عذر كأن السنة أن يصلى عليه ولا يترك ذلك لبعد المسافة.
فإذا صلوا عليه استقبلوا القبلة، ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير جهة القبلة.
وقد ذهب بعض العلماء العلماء الى كراهة الميت الغائب، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصاً ببهذا الفعل، إذ كان في حكم المشاهد للنجاشي، لما روي في بعض الأخبار " أنه قد سويت له أعلام الأرض، حتى كان يبصر مكانه"
وهذا تأويل فاسد لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئا من أفعال الشريعة، كان علينا متابعته والايتساء به، والتخصيص لا يعلم في إلا بدليل.
ومما يبين ذلك أنه صلى الله عليه وسلم خرج بالناس إلى المصلى فصف بهم، فصلوا معه، فعلم أن هذا التأويل فاسد، والله أعلم.
وقد استحسن الروياني – هو شافعي أيضا ما ذهب إليه الخطابي " وهو مذهب أبي داود أيضا فإنه ترجم للحديث في " سننه " بقوله " باب في الصلاة على المسلم بموت في بلاد الشرك ": واختار ذلك من المتأخرين العلامة المحقق الشيخ صالح المقبلي كما في " نيل الأوطار " (4/ 43) واستدل لذلك بالزيادة الني وقعت ني بعض ظرق الحديث: " إن أخاكم قد مات بغير أرضكم، فقوما فصلوا عليه " وسندها على شرط الشيخين.
ومما يؤيد عدم مشروعية الصلاة على كل غائب أنه لما مات الخلفاء الراشدون وغيرهم لم يصل أحد من المسلمين عليهم صلاة الغائب. ولو فعلوا لتواتر النقل بذلك عنهم.
فقابل هذا بما عليه كثير من المسلمين اليوم من الصلاة على كل غائب لاسيما إذا كان له ذكر وصيت، ولو من الناحية السياسية فقط ولا يعرف بصلاح أو خدمة للاسلام " ولو كان مات في الحرم المكى وصلى عليه الآلاف المؤلفة في موسم الحج صلاة الحاضر، قابل ما ذكرنا بمثل هذه الصلاة تعلم يقينا أنها من البدع التي لا يمتري فيها عالم بسننه صلى الله عليه وسلم ومذهب السلف رضي في الله عنهم.)) ا.هـ
2 ـ الإمام ابن عثيمين رحمه الله
وقال الإمام ابن عثيمين لما سئل : عن حكم صلاة الغائب، وكذلك الصلاة على القبر وهل لها حد؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الصلاة على الغائب فالصحيح أنها ليست بسنة إلا من لم يصل عليه؛ مثل أن يموت في بر، أو في دار كفر ولا يُعلم أنه صُلي عليه؛ فالصلاة عليه واجبة، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على النجاشي، وأمر أصحابه أن يصلوا عليه أيضاً، فخرج بهم إلى المصلى فصلى بهم عليه الصلاة والسلام.
وهذه القضية أي الصلاة على الغائب لم ترد إلا في النجاشي؛ لأنه لا يُعلم أنه صُلي عليه في بلده.
وأما من علم أنه صُلي عليه في بلده، فالصحيح أنه لا تسن الصلاة عليه.ا.هـ (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(17/ 146)
وسئل : ثبت عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى على النجاشي صلاة الغائب، وسبب ذلك أنه ما كان هناك أحد من المسلمين يصلي عليه، وواقع المسلمين الآن يموتون جماعة وبالتأكيد لم يصل عليهم كما هو حاصل في وقتنا الحاضر يعني أتأكد أنه ما يصلى عليهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا تأكدت أنه لم يصلّ عليهم فصل عليهم، لأن الصلاة فرض كفاية.
لكن ربما أهله صلوا عليه، لأن الصلاة على الميت تكون بواحد، على كل حال إذا تأكدت أن شخصاً ما لم يصل عليه فعليك أن تصلي عليه لأنها فرض كفاية ولابد منها.ا.هـ (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(17/ 148)
وسئل : ما القول الراجح في الصلاة على الغائب؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة على الغائب ليست مشروعة إلا على من لم يصل عليه، هذا هو القول الراجح. ا.هـ (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(17/ 149)
3 ـ فضيلة الشيخ المفتي علي فركوس حفظه الله
وقال فضيلة الشيخ مفتي ديار الجزائر علي فركوس حفظه الله :
(( أمّا صلاة الغائب إن مات في بلد لم يُصلَّ عليه فيه، فإنّه تُصَلَّى عليه صلاة الغائب، كما صَلَّى النبيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم على النجاشي لأنّه مات بين الكفار ولم يصلَّ عليه، فلو صلي عليه حيث مات لم تجز صلاة الغائب عليه، لأنّ الفرض سقط بصلاة المسلمين عليه ولم يكن هديُ النبيِّ صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم وسنّته الصلاةَ على كلّ ميتٍ غائب، فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غِيَب فلم يصلِّ عليهم، وعليه فالنبي صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم صَلَّى على الغائب وتركه وكلاهما سُنّة، فمتى صُلِّي عليه في بلده فتركه سنّة، ومتى لم يصلّ عليه ففعله سنّة فلكلٍّ موضعه، وهو مذهب المحقِّقين، وبه قال الخطَّابي وابن تيمية وابن القيم رحمهم الله، وغيرهم.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 20 من ذي الحجة 1445ه
الموفق ل: 9 يناير 2024م ))
وهذه بعض أقوال أئمة المالكية في هذه المسألة
قال الإمام ابن عبدالبر ـ رحمه الله ـ عند ذكره فوائد حديث «نَعَى النَّجَاشِيَّ لِلنَّاسِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ»
(( وَفِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إِنَّ ذَلِكَ خُصُوصٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجَازَ بَعْضُهُمُ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ إِذَا كَانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَوْ قُرْبَ ذَلِكَ
وَدَلَائِلُ الْخُصُوصِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ فِيهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ – وَاللَّهُ أَعْلَمُ – أُحْضِرَ رُوحُ النَّجَاشِيِّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ رُفِعَتْ لَهُ جِنَازَتُهُ كَمَا كُشِفَ لَهُ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ سَأَلَتْهُ قُرَيْشٌ عَنْ صِفَتِهِ
وَرُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – أَتَاهُ بِرُوحِ جَعْفَرٍ أَوْ بِجِنَازَتِهِ وَقَالَ قُمْ فَصَلِّ عَلَيْهِ
وَهَذَا كُلُّهُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خُصُوصٌ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يُشْرِكُهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ )) ا.هـ (الاستذكار)(3/ 27)
وجاء في ( الفقه المالكي وأدلته)(1 / 381): (( الصلاة على الغائب : تكره الصلاة على ميت غائب ، أما ما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات " رواه مالك
أجيب عنه :
أ ـ أنه خاص بالنجاشي ولو لم يكن خاصا به لصلى على كل الموتى المسلمين الغائبين واشتهر ذلك بين الأمة في المدينه وغيرها . انظر ( الذخيرة )(136)
ب ـ أن الأرض دحيت له حتى رأى نعش النجاشي كما رأى المسجد الأقصى . انظر ( تفسير القرطبي)(2 / 82)
ج ـ أن النجاشي لم يكن له ولي من المؤمنين يقوم بالصلاة عليه . انظر ( المنتقى)( 2 / 13) و( تفسر القرطبي )( 2 / 82) )) ا.هـ
[/CENTER]
جُزَّاكَ اللهَ خَيْرُ الْجَزَاءِ وَنَفَعَ بِكَ
عَلَى الطَّرْحِ الْقَيِّمِ وَجَعَلَهُ فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِكَ
وَأَلْبَسُكَ لِبَاسَ التَّقْوَى وَالْغُفْرَانِ