وقد ذكر ابن ناصر عن الفقهاء الذين التقى بهم في مدينة الأغواط قائلا:" ومن فقهاء الأغواط هم: سيدي محمد بن كسي, سيدي أحمد بن إدريس سيدي محمد بنخليفة , سيدي عبد الرحمان, الاييتيقي , سيدي إسماعيل العينماضوي , سيدي محمد بن أحمد بن يحي, سيدي محمد بن أبي زيان ."
وبشير ابن الناصر إلى الفقهيين الأخيرين قد قدما من مدينة الأغواط لاستقباله في تاجموت ..
ويمكن للدارس من أن يستنتج من العدد المذكور لهؤلاء الفقهاء مايلي:
أ- يدل حرف الجر" من " الوارد في بداية جملة ابن ناصر على ذكر أسمائهم .
ب- اعتبارالعدد المذكور لهؤلاء الفقهاء مرتفعا إذا ما قيس بعدد السكان آنذاك .
ج- كما يبدو أن ابن ناصر قد توجه إلى البقاع المقدسة مرتين . كانت الأولى سنة 1685 والثانية سنة 1709. وقد مر في كلتا الرحلتين بمدينة الأغواط إلاأنه اكتفى بتكوين تفاصيل سفره الثاني في مؤلفه الذي أسماه الأول. للاستدلال على حدوث هذين السفرين إلى الحج نذكر مايلي :
أ- أشاد ابن ناصر باهل بلادة عين ماضي حين مروره بها في سفر الحج سنة 1709 . وقد أشار بصريح العبارة أنه مر بهذه البلدة في حج ست وتسعين أي سنة 1096ه 1685 م .
– كما قال بعد عرضه لأسماء بعض فقهاء مدينة الأغواط المذكورين سابقا " اخبرني فقيههم سنة ستة وتسعين 1096 سيدي أ حمد بن أبي زيان عن ما آل إليه مصير قرية كانت بجوار مدينة الأغواط .
وبهذا نخلص إلى القول أن ابنناصر قد أتى لنا بما أخبره به الفقيه المذكور في سفر حجه الأول سنة1685′ كما أطلقنا على أسماء بهض فقهاء الأغوا ط في سفره لحج سنة 1709 . وكلا أبرين قد أوردهما في مؤلفه الذي أسماه بــ الرحلة. والذي يكون قد شرع فيتهذيبه ةحريره . نهائيا فقط بعدعودته من حجه الثاني.
ج- ثم إن اشارةالذرعي إلى الشيخ سيدي أحمد بن أبي زيان الذي التقى به في سفر حجه الأولوالذي دعاه بفقيه المدينة’, توحى بانتظام فقهاء الأغواط آنذاك في إطارهيئة دينية تستجيب للفصل في كل الشؤون التي تقتضيها المسائل الفقهية. بلوحتى السياسة وهذا ما سنأتي على بيانه في عنصر لاحق.
وقبل الانتقال إلى ذاك نذكر بأننا في أسس الحاجة إلى ترجمات عن هؤلاءالفقهاء والذين لم نهتد بعد….. من تبينهم إلا على نبذة مركزة عن الفقيهالاتي وهو:
– الشيخ سيدي أحمد بن أبي زيان :
وهو ابن الشيخ أحمد بن عبدالكريم حل بمدينة الأغواط حوالي 1652 قادماإليها من طولقة أولى البلدات التي نزح إليها جده من مدينة تلمسان معقل بنيزيان بعدما قضى عليها الأتراك العثمانيون نهائيا سنة 1554 عرفه الرحالةالدرعي بأنه فقيه مدينة الأغواط سنة 1685 كما ذكرنا .
توفي خلال 1709 ودفن بالقرب من بستانه المسمى ببستان الخير الواقع وسطالمدينة المذكورة . أعيد نقل جثمانه من هناك يوم 24 ماي 1873 وسط جمع منمواطني الأغواط وبحضور أولاده السادة:
بوزيان بن أحمد , محمد الشطي , الطاهر بن محمد – أحمد المعروف ب احميدة , عبدالرزاق بن أحمد وذلك لإعادة دفن رفاته في مقبرة المدينة
– نجاح مساعيهم في ترضية محمد الكبير باي الغرب الجزائري .
مشاركنهم في أحداث سياسية متفرقة .
أولا -ـ نجاح مساعيهم:
ونستمد موقفهم هذا من خلال مشاركتهم الفعالة في مجريات حدث سياسي وحربيهام كانت مدينة الأغواط مسرحا له في أواخر القرن الثامن عشر, وذلك على إثرتجريد الباي محمد الكبير – باي الغرب الجزائري – لحملة ضد هذه الواحةالأمنة شتاء سنة 1785 . كان الغرض منها تمديد وبسط نفوذ الحكم العثمانيالتركي هناك واستخلاص ضريبة الولاء عن ذلك من سكانها الذين امتنعوا عنأدانها لباي التيطري .
وبعيدا عن الدخول في حيثيات هاته الحملة التي تندرج ضمن صفحات الجانبالسياسي لتاريخ مدينة الأغواط نكتفي بالاشارة إلى دور العلماء الذين برزواكطرف أساسي في هذا الحديث الخطير والذين لولا وساطئهم لارتكب البايالمذكور في مدينة الأغواط حماقة لا تغتفر, ومما أورده ابن هطال مدونتفاصيل هذه المواجهة بين جند الباي وسكان الأغواط والتي دعاها تلطيفابرحلة محمد الكبيرنذكر :
" وعندما إرتحل الباي من الحواجب ونزل أم الضلوع قدمت إليه مشايخ بنيالأغواط وعلماؤهم وبأيديهم صحيح البخاري – رضي الله عنه – طالبين الأمانعلى أنفسهم وأهليهم ."
وبعد تحديد المقادير اللازمةنقدا وعينا المطلوب دفعها من طرق سكان الأغواط من أجل تحصيل أمنهم وأمانهم عاد وفد المشايخ والعلماء بصحبة جباة الباي لاستخلاص ما اتفق علىتسديده .
وقبل الشروع في عملية إجراءات الدفع أوفد الباي محمد الكبيرالمخيم بأمالضلوع على التونفرا من قادته لتفكير سكان الأغواط بما هو واجب عليهم دفعهسنويا كذلك .
ويبدو أن سكان الأغواط قد فوجئوا بمقدار المبلغ الضريبي المفروض عليهم أداؤه سنويا كونهم لم يتعودوا الحملات التركية العثمانية إلا في فترات متباعدة جدا وهذا ما دفعهم إلى نقض التزاماتهم السابقة وطود مخازنية البايوموفديه واثروا سبيل الاعتصام بأسوار وإباحتهم التصدي لكل الأخطارالمنتظرة.
وفعلاقد أسفرت النتائج الأولية لهذا الموقف عن وقوع مصادمات مأساوية بينالمدافعين من السكان عن جهتي مديمتهم وعساكر الباي الذين تلقوا أمرابالعدول عن مواصلة الزحف نحو المدينة حتي يبارحها العلماء وذووهم .
ولا ندري هل اتخذ الباي هذا القرار رأفة بالعلماء الذين اتسمت سياستنهعموما نحوهم بالتبجيل والإكبار في أغلب الأحيان إن في عاصمته أو أثناءحملاته داخل بايلكه – أم أن علماء الأغواط كانوا من الداعين إلى وجوب الموافقة على ما فرض عليهم دفعه سنويا درءا للضرر وحقنا لدماء الاخوة الملية و طاعة لأولى الأمر . وهذا ما يمكن أن يكون الباي محمد الكبير قدتوقعه منهم أو تناهى إليه من قبل مخازنه ومولديه الذين طردوا من الأغواطبعد مفجائة سكانها بموضوع الضريبة السنوية, وفي كلتا الحالتين قد وجه هذاالأخير رسالة إلى العلماء قائلا:
" بعد الحمد لله والصلاةوالسلام على رسول الله إلى كافة علماء بني الأغواط : بعد السلام عليكم ورحمة الله . إن أبلغكم كتابي هذا أخرجوا غدا عيالكم وأولادكم و انحازواخارج المدينة إلى جهة , وعليكم أمان الله وان خفتم من بعض العسكر أن يوقعبكم وكلتا بكم من يحرسكم فان قبلتم النصيحة فاحذروا الفضيحة وان أبيتمفإثم أولادكم عليكم والسلام ".
وعلى إثر هذه المراسلة أخذالعلماء على عاتقهم مسؤولية الانفراد بمقابلة الباي وبأيديهم صحيح البخاري كعادتهم لإقناعه بالتزام سكان الأغواط اللام شروط لدفع كل المستحقاتالآتية والتسوية, وناشدوه العدول عن تفكيره الرامي إلى ارتكاب ما قد لايحمد عقباه في مدينتهم حسب ما وعد به وتوعد .
في العدول عن قراره الذيكان يستهدف من وراءه سكان الأغواط إلا علماءها فقد خصهم بذكـــــــرهأثرهم فتعقوه و إن أبدى نحوهم غطرسة, عزوفا عن مقالهم إلا بعد تدخل خليفته كطرف لصالحهم لما توسلوا منه التوسط لدى ألبي لإلغاء قراره المذكور
وبعد لأي وطول انتظار ظفر العلماء بمبتغ أهم في صد ألبي عن تنفيذ أمروتمكنوا من تجنيب المدينة من أعقاب مداهمات سوف أن يستفيد منها إلا أعداءالدين والتاريخ .
أ- وقد نستشف من هذه الواقعة التي خفت بالمضايقات والمخاطر مايلي:-
وجود ترابط عضوي بين علماء الأغواط الممثلين للجانب الديني ونظراتهم من المشايخ والأعيان الممثلين للجانب السياسي .
ب- تلبية العلماء لتصدر طليعة الصفوف في مجريات تلك الحادثة.
اذ رافقوا المشايخ والأعيان لمقابلة الباي في المرة الأولى, وتوجدوا فيعقر المدينة إلى حانب المحاضرين حين فرض ذلك , ثم انفردوا في الأخير بالاتصال بالباي وخليفته في المقابلة الثانية وتمكنوا من تهدئة غضبه وصدهعن تنفيذ طغيانه .
ج – بروز علماء الأغواط كسياسين مهرة على حد إشارة إبن هطال الذي وصف متحدثهم قائلا :
" وتكلم رجل منهم فصيح اللسان ثابت الجنان له معرفة بطريق السلوك واقتدار على ما يخاطب به الملوك وكان شاعرا فمدح سيدنا بأبيات ".
د- إيثار العلماء لانتهاج المسعى السياسي ولو على كره ومضض لتلافي النزالالذي لن يكون في اعتقادهم إلا ضد الكفرة المحتلين ما سيجسد خلفهم حينماتبوأوا مقاعد للقتال في مقاومة الأغواط أو غيرها من المواقف المماثلةوالتي سنأتي على إشارات عنها في عناصر لائحة .
ثانيا : مشاركتهم في أحداثسياسة متفرقة .
إن المواقف التي أبداها العلماء أثناء حملة الباي محمد الكبير تدفعنا لامحالة إلى الاعتقاد بممارسة البعض منهم لمواقف سياسية مماثلة في بعضالأحداث التي سننشرها إليها من خلال الوقائع التالية:
أ- لا نستبعد أن يكون لعلماء الأغواط ضلع في طرد الثائر الدرقاوي لما علم سكان هذه المدينة مقصده عندهم .
ب- إحتضان البعض منهم للشيخسيدي موسى بن حسن ومرافقته في رحلته إن في شمال الوطن للمشاركة في مقراعة الفرنسيين, أو أثناء اصطحابه لهم إلى واحة الزعاطشة لنيل شرف الاستشهادهناك في انتفاضة الشيخ بوزيان ضد المحتلين الفرنسيين في أواخر سنة 1849 . كما نتوقع وجود بعض العلماء ضمن الوفد الذي قاد الشيخ العربي بن
سيدي الحاج عيسى للاتصال بالأمير عبدا لقادر ومبايعته وطلب توليته الشيخ المذكور خليفة له على مدينة الأغواط
ودامت مشاركاتك ..
عالي يحييك.
|
عفوا .. عفواً اخانا الكريم على ما نضحت به سجاياك الطهورة .
ودمت كما انتَ نجماً دائم الضياء
فلا أستبعد وجودها في زوية الهامل …
|