ولد ((فرديناند دي سوسير)) Ferdinand de Saussure في السادس والعشرين من نوفمبر عام (1857م)، ((بجنيف)) في ((سويسرا))، وهو سليل أسرة ذات إنجاز رصين في مجال العلوم الطبيعية، لكن ((بيكتيت)) Pictet عالم اللغة وصديق الأسرة، وجهه وهو في سن مبكرة إلي الدراسة اللسانية، فتعلم ((سوسير)) الألمانية والإنجليزية واللاتينية، بالإضافة إلي الفرنسية، وعندما بلغ سن الخامسة عشر، أضاف إليهم معرفته باليونانية، وقد كتب ((لبيكتيت)) "مقالا عن اللغات"، حاول فيه التوصل لنظام عام للغة، يرجع فيه اللغات جميعا إلي نظام يقوم علي حرفين أو ثلاثة من الحروف الساكنة الأساسية، وعلي الرغم من مقدار التبسيط الضخم الذي يَسِمُ هذه المحاولة، إلا أن ((بيكتيت)) لم يثبط عزيمة ((سوسير))، وإنما شجعه علي أن يدرس السنسكريتية وهو ما يزال تلميذا بعد في المدرسة.
وفي عام (1875م) ألتحق ((سوسير)) بجامعة ((جنيف)) لكي يدرس الطبيعة والكيمياء كما هو التقليد المتبع في عائلته، لكنه لم يمتنع عن دراسة نحو اللغة اليونانية واللاتينية، وبعد قضاء سنة في هذه الدراسة، تيقن أن مجاله العملي الصحيح هو دراسة اللغة، وليس شيئا آخر، ومن ثـَمَّ أقنع والديه أن يرسلاه إلي جامعة ((لايبزج)) Leipzig، وقد كانت هذه الجامعة مقرا لحركة عرفت باسم "مدرسة فقهاء اللغة الجدد" Neogrammarians [Junggrammatiker]، وهي حركة ذات نزعة تاريخية مقارنة، استفاد منها ((سوسير)) كثيرا في أفكاره وآرائه.
وقد قضي ((سوسير)) في ((لايبزج)) أربع سنين إلا ثمانية عشر شهرا قضاها في ((برلين))، نشر فيها عام (1878م) مذكرة من أربع مقالات، عن "النظام البدائي لحروف اللين في اللغات الأوروبية والهندية" (Mémoire sur le système primitif des voyelles dans les langues indoeuropéennes ) يصل حجمها إلي ثلاثمائة صفحة، لكن أكثر ما يعنينا فيها تأكيده علي أهمية البحث في المشكلات المنهجية التي تعوق مجال الدراسات اللغوية، والتي تتسبب في اضطراب وعدم استقرار نتائج البحث في الحقل اللغوي.
وفي عام (1880م)، أعد ((سوسير)) أطروحته من أجل الحصول علي درجة الدكتوراه، وكانت بعنوان: "استخدام حالة الإضافة في اللغة السنسكريتية" (De l’emploi du génitif absolu en sanskrit)، وقد حصل عليها بامتياز. ثم رحل ((سوسير)) في العام نفسه إلي باريس، وحقق هناك نجاحا ملحوظا، حيث قام بتدريس كل من اللغة السنسكريتية والقوطية، والألمانية الراقية القديمة، وغيرها من اللغات أيضا في "المدرسة العملية للدراسات العليا" ((l’Ecole Pratique des Hautes Etudes، بالإضافة إلي نشاطه في "جمعية باريس اللغوية" (Société de linguistique de Paris)، مما كان له إسهامه في إنشاء جيل جديد من علماء اللسان الفرنسيين لم يكن موجودا قبل مجيئه.
وفي عام (1891م) عاد إلي ((سويسرا))، إذ مُنِح في جامعة ((جنيف)) كرسي الأستاذية للغة السنسكريتية والنحو المقارن، وتزوج وأنجب ولدين، ونادرا ما خرج للسفر، وتناقصت كتابته تدريجيا، وبدا أنه يعيش حالة من العزلة المريحة؛ لكن في عام (1906م) إثر تقاعد زميله ((جوزيف وريشيمر)) Joseph Wersheimer وافق ((سوسير)) علي أن يخلفه في كرسي "الألسنية العامة" (La chaire de linguistique générale)، ومن ثـَمَّ ألقي ثلاثة مجموعات من المحاضرات كان تاريخها علي النحو التالي: 1906-1907 و1909-1910 و1910-1911، ولم يجمع ((سوسير)) هذه المحاضرات في كتاب ولم ينشرها هو، خاصة مع مرضه في صيف عام (1912م)، ثم وفاته في الثاني والعشرين من فبراير عام (1913م).
وبعد وفاته شعر طلبته وزملائه بأهمية تلك المحاضرات، وبما فيها من فكر رصين؛ فعملوا علي نشر ما ألقاه من محاضرات في كتاب، وواجه ذلك صعوبة شديدة؛ لكون ((سوسير)) لم يحتفظ إلا بالقليل من المسودات الخاصة بتلك المحاضرات، ومن ثم لم يكن هناك حل سوي المذكرات التي قيدها الطلبة الذين حضروا له سـلاسـل محــاضراتـه الثلاث، وكان ((سوسير)) قـد ألف كل مجموعة منها تأليفا جديدا، ووفق خطة مختلفة، وكانت هذه المذكرات تحوي كما هائلا من التكرار، والتعارضات أحيانا، لذا أقدم كل من ((شارل بالي)) Charles Bally، و((ألبرت زيشيهاي))Albert Sechehaye ، زميلا ((سوسير)) اللذان لم يحضرا المحاضرات بنفسيهما، أقدما علي الاجتهاد في أن يؤلفا من كل ذلك عملا موحدا، يحاولا فيه تحقيق بنية مركبة، مع التسليم بأولوية السلسلة الثالثة من المحاضرات، دون إهمال السلسلتين الأخرتين، وملاحظات ((سوسير)) القليلة التي سجلها بنفسه، وقد نشرا ذلك بمعاونة ((ألبرت ريدلنجر)) Albert Riedlinger في عام (1916م) تحت عنوان: ((محاضرات في الألسنية العامة)) (Cours de linguistique générale)، وجدير بالذكر أن مذكرات الطلبة نفسها لم تكن متاحة للقراء حتى عام (1967م)، إذ في ذلك الوقت بدأ ((رودلف إنجلر)) Rudolf Engler في نشرها وتقديمها لجمهور القراء.1( )
محاضرات ((سوسير)) في "الألسنية العامة":
إن القضية الجوهرية التي استرعت انتباه ((سوسير))، والتي اهتم بها منذ حقبة كبيرة سابقة علي محاضراته ــ منذ مذكرته الأولي عن حروف اللين عام (1878م) كما تقدم ــ، هي قضية العلمية والرغبة في الانضباط والمنهجية، وفي الوصول إلي نتائج دقيقة مستقرة في مجال الدراسات اللغوية، لذا ظل ((سوسير)) لفترة طويلة ــ كما يقول هو نفسه في رسالة منه إلي أحد الناشرين ــ مشتغلا قبل كل شيء بالتصنيف المنطقي للحقائق اللغوية، وبتصنيف وجهات النظر التي تعالج هذه الحقائق، وهو يري في وجهات النظر هذه نقصا شديدا، لا يتناسب وما يتسم به الموضوع اللغوي من تنوع وتباين، ويذكر ((سوسير)) في هذه الرسالة أن هذه الأوضاع ربما تجبره علي تأليف كتاب يشرح فيه لماذا لا يكتسب أي مصطلح معني محدد في مجال الدراسات اللغوية، وإن كان تأليفه لهذا الكتاب سوف يكون بدون رغبة منه وبدون حماس أيضا كما يذكر( ).2
ولا يتضح من هذه الرسالة ما إذا كان ((سوسير)) قد نجح فعلا في التوصل إلي حل يقضي علي هذه السلبيات الموجودة في مجال الدراسات اللغوية أم لا؛ لذا يري ((جوناثان كولر)) Jonathan Culler، أن ((سوسير)) بكل ما توصل إليه من أفكار في محاضراته هذه، لم يكن علي قناعة بأنه نجح تماما في حل المشكلات الجوهرية التي تعترض سبيل البحث في الدراسات اللغوية، وإلا كان قد ألف في ذلك كتابا ينشره هو بنفسه؛ لذا ينبه ((كولر)) إلي ضرورة النظر إلي أفكار ((سوسير)) في محاضراته، علي أنها ليست أكثر من مجرد إيماءات لما يريده هو حقا في مجال "الألسنية"، وليس كل ما يجب أن يكون فيها( ).3
وعودة إلي المحاضرات نفسها، ينبه ((سوسير)) في بدايتها إلي أنه سوف يتناول فيها "الألسنية" Linguistics ذاتها، ولكن "الألسنية" من حيث حقيقتها linguistics Proper، ومن حيث ما يجب أن يكون فيها، ثم يبدأ في عرض المراحل الثلاث التي مرت بها الدراسة في مجال "الألسنية"، وما حدث في هذه المراحل من تحولات كبرى متعاقبة، قام بها أولئك الذين يتخذون من "اللغة" هدفا لدراستهم، لكنه يشير إلي أن هذه المراحل علي حد سواء تعاني من خلل كبير، برغم أن المرحلة الأخيرة منها تمتلك وعيا بموضع دراستها بعكس ما هو الحال في غيرها( ).4
ويستطرد ((سوسير)) في عرض هذه المراحل، وفي توضيح الخلل المصاحب لكل واحدة منها، ويمكن تلخيص ذلك علي النحو التالي:
المرحلة الأولي: مرحلة "الدراسة النحوية" Grammar، كما اخترعها اليونانيون، وواصلها الفرنسيون بعدهم دون تغير فيها، ومشكلة هذه المرحلة أنها تهتم باللغة من منظور معياري، أي أنها تفصل من خلال أسس ظاهرية بين ما هو صواب في اللغة، وما هو غير صواب، لذا لا تمتلك هذه الحركة أية رؤية فلسفية للغة، وإنما تعتمد بشكل أساسي علي المنطق، وعلي تقسيماته.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة "الحركة الفيلولوجية" Philological Movement، لفقه اللغة الكلاسيكي Classical Philology، وهي التي ظهرت مع بداية القرن التاسع عشر، وعلي الرغم من أن هذه الحركة أصبحت بفضل ((فريدريك ولف)) Friedrich Wolf، و((هينسفورث)) Henceforth، لا توجه اهتماما كبيرا لتصحيحات النحو، وعلي الرغم من أنها نظرت إلي النصوص المكتوبة ذاتها، وتناولتها بالبحث والتحليل، عائدة في ذلك إلي حقب زمنية مختلفة، حتى أنها اهتمت بالنقوش وباللغات المكتوبة بها هذه النقوش، وعلي الرغم أيضا من أن هذه الحركة نجحت في تقديم عدد لا حصر له من المقالات وثيقة الصلة "بالألسنية"، إلا أنها لم تستطع أن تصل إلي الروح الألسنية المطلوبة كما يريدها ((سوسير)) أن تكون.
المرحلة الثالثة: وهي حركة تقع في "الألسنية" ذاتها، وإن كانت غير ملحوظة، وهي حركة الدراسات المقارنة بين "اللغات"، وتصنيفها إلي مجموعات من اللغات، كاللغات "الهندو ــ أوربية" مثلا، لكن هذه الحركة ينتقدها ((سوسير)) لكونها لا تمتلك منظورا ألسنيا، أو علي الأقل هي لا تمتلك منظورا صحيحا، فهي تعتمد بشكل أساسي علي الناحية التاريخية فقط في دراستها للغات، وهو ما ينتج عنه وقوعها في خطأ دراسة اللغات في مستوي واحد لكل العصور المتباينة، كما أن هذه الحركة تخفق بشدة في مجال التمييز بين اللغات المتحدثة، والعلامات المرسومة.
ومن أجل تخطي عيوب المراحل السابقة يتساءل ((سوسير))، إذا كانت "الألسنية" هي "دراسة اللغات دراسة علمية" كما يذكر كل من ((هتزفيلد)) Hatzfeld و((درمستيتر)) Darmstetter، و((توماس)) Thomasفي قاموسهم، فكيف يمكن تحقيق كلمة "العلمية" هذه؟ ويجيب: بأن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا بتحديد كل من أولا: موضوع "الألسنية"، وثانيا: هدفها ومهمتها، ويستفيض ((سوسير)) في تحديد هذين المحورين، حتى أن أغلب ما قاله في محاضراته بعد ذلك هو من باب تحديدهما وتوضيحهما، فهو يجعل منهما قضية جوهرية في سبيل تحقيق "العلمية"، ويجعل من تحديدهما والإلمام بهما همًّا أساسيا يحاول تغطيه جميع جوانبه في الدروس اللاحقة من محاضراته.
موضوع وهدف الألسنية كما حددهما ((سوسير)):
يذكر ((سوسير)) أن موضوع "الألسنية" هو "اللغة البشرية" بكل أنواعها المتعددة، وفي كل الفترات، فما من اختيار لفترة دون غيرها، لتميزها بسطوع أدبي أو شهرة، أو اختيار للهجة دون غيرها، إذ ليس هناك تفضيل لأية لغة أو لهجة علي الأخرى في "الألسنية"، ومن أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من التوثيق لكل العصور، يؤكد ((سوسير)) علي ضرورة تعامل "الألسنية" مع اللغة المكتوبة، بالاعتماد علي "فقه اللغة" في هذا التعامل، وإذا كان ذلك يؤدي إلي تعامل "الألسنية" مع "اللغة الرسمية"، إلا أنها سوف تنظر لهذه "اللغة الرسمية" علي أنها تمثل غطاء أو نظام سطحي فقط لحقيقة الموضوع، التي هي "اللغة المنطوقة" وحسب.
أما هدف "الألسنية" من منظور ((سوسير)) فهو: دراسة اللغات بهدف الوصول إلي: أولا: تحديد تاريخي لجميع اللغات المعروفة، وإن كان هذا لا يمكن حدوثه إلا بتحديد فترة معينة، ومجموعة محددة من اللغات.
ثانيا: وإن كان هذا مختلفا كثيرا عن الأول كما يقول، إذ هو يريد أن يأخذ من تاريخ اللغات نفسها، تلك القوانين التي تحكم أغلبها علي نحو عام، إذ علي "الألسنية" من منظوره أن تعرف القواعد الكلية للعمليات الموجودة في اللغة، وبأسلوب وضعي صارم.
ويضيف ((سوسير)) إلي هذه الأهداف أهدافا أخري أكثر تخصصية، أولها: التعرف علي ما هو مشترك بين "الألسنية" والعلوم الأخرى، لكون ذلك ينعكس إيجابا علي "الألسنية" ذاتها، ويحقق أهم أهدافها ــ وهو الهدف الثاني ــ الذي هو معرفة "الألسنية" بنفسها، وتحديد ما يخصها عما يخص غيرها من العلوم الأخرى، وعلي الرغم من أنه يمكن "للألسنية" أن تستفيد من العلوم الأخرى خاصة "علم النفس"، إلا أنها يجب أن تحافظ علي بقاء استقلاليتها الخاصة بها عن غيرها من العلوم.
ويلفت ((سوسير)) النظر إلي أن "الألسنية"، ظلت لفترة طويلة تعتقد أن ما يمثل جزءا عريضا من هدفها هو التركيز علي جميع مظاهر اللغة، لكن ((سوسير)) يرد علي ذلك بأنه خلط بين الفائدة الحقيقية "للألسنية"، وبين الثقافة العامة، "فاللغة" محل اهتمام "الألسنية" تلعب دورا كبيرا في المجتمع الإنساني، وأحد جوانب أهميتها يرجع لكونها فردية واجتماعية في حياة البشر، إن "اللغة" هي ما يعطي معني لكل ما هو غائم، وأغلب المهتمين بها عالجوها من ناحية الصحة والخطأ، ومن منظور ((سوسير)) فإن كل شخص حاول استخدام وسائله من أجل معرفة ما يحدث في اللغة من عمليات، كان بعيدا جدا عن الصواب؛ لذا فإن أهم ما يعطي "الألسنية" احترامها وقيمتها من منظوره، زعمها قدرتها علي وضع مجموعة من الأفكار في موضعها الصحيح، مما له أثـره علي توجيه الباحثين وجهة صحيحة، بعكس ما إذا وضعت هذه الأفكار في موضع خاطئ.
"اللغات" [Langage] Languages و"اللغة" [Langue] Language و"الكلام " [Parole] Speech:
وفي إطار توضيح ((سوسير)) لبعض الأفكار التي وضعت في موضعها الصحيح بفضل "الألسنية"، يعرض لتفرقته الجوهرية بين كل من
"اللغة" Languages [Langage]، و"اللسان" [Langue] Langue، و"الكلام"Speech [Parole] ، وهذه التفرقة كان لها أثر بعيد سواء علي "الألسنية" ذاتها، أو علي تعلم اللغات، أو علي "البنيوية" نفسها فيما بعد، خاصة عندما تم التوسع في استخدام هذه التفرقة بالاعتماد علي القياس، كما يذكر ((ليونارد جاكسون)) Leonard Jackson( ).5
ويبدأ ((سوسير)) حديثه عن تلك النقطة بتوضيح أهمية هذه التفرقة، التي من غيرها لا يمكن التعرف علي "الظواهر الألسنية" Linguistic Phenomena، ويحدث الكثير من الخلط في مجال الدراسات اللغوية، ومثال ذلك ما حدث من تركيز في السابق علي "الجهاز الصوتي" Vocal Apparatus ــ ويشير ((سوسير)) إلي أن ذلك الاهتمام كان يقتضي اهتماما موازيا "بالكلمة" علي "المستوي السمعي" Acoustic Aspect ــ، لكن حتى لو حدث ذلك، فإن الاهتمام الموجه "للكلمة" هنا، يظل أيضا اهتماما منصبا فقط علي النواحي المادية الخاصة بها، وذلك يخالف ما يريده ((سوسير))؛ إذ هو يرغب في النظر إلي "الكلمة" علي أنها اقتران بين "فكرة" Idea، و"علامة صوتية" Vocal Sign ــ وسوف يعود ((سوسير)) إلي هذين العنصرين ويشرحهما شرحا مفصلا تحت عنوان "الدال" Signifier [Signifiant] و"المدلول" Signified [Signifié] فيما بعد ــ، وكذلك يرغب ((سوسير)) في معاملة "اللغة" أيضا ليس علي أنها "كيان متجانس" Homogeneous Entity، وإنما علي أنها تـَجَمُّع لمفردات مركبة معا، لكن تحقيق هذه النظرة عند إجراء البحث الفعلي في اللغة ليس بالأمر السهل، إذ يمكن أن يحدث الكثير من الخلط والتشويش بين ما هو تابع "للكلام" وبين ما هو تابع "للغة"، فتري كيف يمكن التغلب علي ذلك بحيث يمكن تجنب هذا التشويش؟
وهنا يقدم ((سوسير)) حله الذي يتبناه؛ فيوضح أنه يري أن في كل فرد توجد "قدرة" تسمي: "قدرة إنتاج اللغة" Faculty of Articulated Language، وهي "قدرة" متاحة لنا جميعا في حالة أولية، من خلال الإمكانيات العضوية المزود بها الجسم، لكن هذه "القدرة" لا يمكن استعمالها فعليا، وتحقيق إمكانياتها المادية، ما لم يغذيها شيء آخر من الخارج، أي من خارج الفرد نفسه، هذا الشيء يكتسب الفرد براعته فيه، ويتقدم في تعلمه من خلال جهوده مع نظرائه في مجتمعه، وهذا الشيء هو "اللغة"Language [langue]، وهي تعني هنا "نظام اللغة". وتـَمَثـُل الفرد لهذا "النظام" هو ما يتيح له إمكانية استخدام تلك "القدرة" في التعبير عن مقاصده وأغراضه، وأفكاره الخاصة، وهذا الاستخدام "للغة"، وممارستها من قبل الفرد هو ما يطلق عليه "الكلام" [Parole] Speech.
وهذان التمييزان بين "اللغة" كقواعد ونسق، وبين استخدام الفرد لهذه القواعد ــ "الكلام" ــ، يقعان أساسا داخل المقدرة البشرية العامة علي التحدث باللغات، تلك المقدرة التي أنتجت "اللغة"، ومع اختلاف المجتمعات والأماكن الجغرافية؛ أنتجت العديد من "اللغات" المختلفة، التي ينقل بها متحدثوها معانيهم المرادة منهم إلي الآخرين، وهذه المقدرة البشرية العامة بما أنتجته من "لغات" مختلفة ومتنوعة، هي ما يطلق عليها ((سوسير)) مصطلح "اللغات" Languages [Langage].
ويجعل ((سوسير)) مهمة الألسني هي البحث في "اللغة" ودراستها، وليس البحث في "الكلام"، ومن ثم يستفيض في توضيح وذكر خصائص "اللغة"، التي تعين وتساعد الألسني علي البحث فيها بدقة ووضوح؛ فيذكر أن "اللغة" اجتماعية، فهي "منتج اجتماعي" Social Product بالضرورة، بمعني أنها ليست من صنع فرد، وإنما هي في الحقيقة تعود إلي المجتمع كله، إذ يسهم في إنتاج "اللغة" جميع أفراد هذا المجتمع، فإذا ما استطعنا استحضار كل ما هو كامن في عقول جميع أفراد هذا المجتمع، حتى وهم نائمون، نكون قد حصلنا علي "اللغة" الخاصة بهم كم يقول، ومن ثم فإن مثار اهتمام الدراسة الألسنية هي "الخبرة المترسبة" Hoard Deposited في عقول جميع أفراد المجتمع.
وفي مقابل ذلك، فإن من خصائص "الكلام" أنه فردي، فهو يعود إلي الفرد الذي ينشئه، وإن كان الفرد ينشئ "كلامه" من خلال ما تحدده له "اللغة" من قواعد ونسق، وبما يختار هو منها من بدائل متاحة له فيها ــ سوف يعود ((سوسير)) ويشرح في هذا الصدد فكرته حول "علاقات التراكيب" Syntagmatic و"علاقات الاقتران" Associative فيما بعد ــ، ولكن علي الرغم من ذلك، فإن هناك علاقة متبادلة بين "اللغة" و"الكلام"، يشير إليها ((سوسير)) ويؤكد علي أهميتها، وهي علاقة ارتباط وجود أحدهما بالآخر، إذ ــ كما يعلق ((فيليب ب.وينر)) Philip P.Wiener علي رأي ((سوسير)) حول هذه العلاقة ــ ((بدون "اللغة" يصبح "الكلام" مجرد تفوه صرف ليس له معني أو دلالة، وبدون "الكلام" تصبح "اللغة" شيئا مجردا، ونظاما فارغا ليس له فائدة))( ).6
وفي الواقع منظور ((سوسير)) هنا يختلف كثيرا عما كان شائعا عند علماء اللغة السابقين، وقد سبق أن أشرت إلي انتقاده لمرحلة الدراسة النحوية Grammar؛ لكون علمائها ركزوا علي النواحي المعيارية، وجعلوا من دراساتهم "دراسة توجيهية" Prescriptive، تهدف إلي توجيه المتعلمين إلي تعلم "اللغة المثالية الصحيحة" Standard Language كما يجب أن تكون، وقد انتقد عليهم ((سوسير)) ذلك، وانتقد عدم امتلاكهم منظورا فلسفيا يُقـَوِّمُون به دراساتهم، أما ((سوسير)) هنا فإنه يتوجه توجها أخر يخالف ذلك، هذا التوجه هو الدراسة من منظور "الوصف" Descriptive، أي وصف "اللغة" من خلال مظاهرها من أجل التعرف عليها، وليس من أجل إصدار أحكام معيارية وتوجيهية للمتعلمين، وقد كان لتغير المنظور هذا كبير الأثر في تقدم الدراسات اللغوية، وتقدم الدراسات التي تعمل في الحقول الثقافية والاجتماعية بعامة.
"علاقات الاقتران" Associative و"علاقات التراكيب"Syntagmatic :
يحاول ((سوسير)) أن يشرح كيفية تأليف "الكلام"، وذلك من خلال توضيح العلاقات التي يقيمها الفرد بين الكلمات عند محاولة تأليفه "للكلام"، ومن ثم يري ((سوسير)) أن العقل البشري يقيم نوعين من العلاقات بين "الكلمات"، النوع الأول: علاقات خارج "الكلام" نفسه، وهي علاقات تنشأ في الذاكرة بين "الكلمات" التي تنتمي إلي مجموعات مختلفة، أو متتاليات مختلفة، أو فئات مختلفة، لكي تدخل في علاقات تنوع، داخل الفئة الواحدة، وهذه هي ما يطلق عليها ((سوسير)) "علاقات الاقتران" Associative Relations.
أما النوع الأخر من العلاقات، فهي علاقات توجد داخل الكلام نفسه، إذ تصبح الكلمات هنا خاضعة لنوع من العلاقات يختلف عن النوع الأول، لكنه نوع يتحكم في "الكلمات" من خلال ما يفرضه الترابط الحادث بينها، وهذا النوع من العلاقات يطلق عليه ((سوسير)) "علاقات التراكيب" Syntagmatic Relations.
ويوضح ((سوسير)) أنه عند الحديث عن معني الكلمة، نعود إلي النوع الثاني من العلاقات ــ "علاقات التراكيب" ــ، إذ في هذا النوع نجد هناك وحدات مرتبطة معا، ضمن نظام محدد، لكن عند الحديث عن النوع الأول من هذه العلاقات ــ "علاقات الاقتران" ــ، لا نجد أية وحدات مرتبطة معا، ولا أية ترتيب يحكم تجمع هذه الوحدات الموجودة في تلك العلاقات، ومن ثم يغدو البحث فيها غير مفيد، وعليه يري ضرورة توجه البحث الألسني إلي النوع الثاني من هذه العلاقات، أي إلي "علاقات التراكيب" Syntagmatic Relations.
و"علاقات التراكيب" هذه، هي علاقات أفقية، تسير في مسار خطي مع الزمن، عند النطق بالكلمات المختلفة التي تمثل وحدات الجملة، فمثلا عند النطق بالجملة التالية: ((القطة فوق الحصيرة)) [The cat sat on the mat.]، نجد أن المعني يتحدد في هذه الجملة من خلال ما تدخل فيه الكلمات من علاقات أفقية مع بعضها البعض داخل تلك الجملة، ويتكشف المعني هنا تدريجيا مع المضي في الزمن أثناء النطق بمفردات الجملة، وبالتالي عند محاولة الإجابة علي سؤال كالتالي: ((أين القطة؟))، لا يمكن تحديد الإجابة إلا بالنظر إلي العلاقات التي تتخذها الكلمات بالنسبة إلي بعضها البعض، إذ لو أبدلنا ((الحصيرة)) مكان ((القطة)) في تلك العلاقات؛ لتصبح الجملة علي النحو التالي: ((الحصيرة فوق القطة)) [.The mat sat on the cat]، سوف تختلف الجملة كثيرا من حيث معناها، وستصبح الإجابة علي هذا السؤال مختلفة.
ومثل هذا التغيير في الجملة هو تغيير في "علاقات التراكيب"، لأنه تغير في المسيرة الأفقية للجملة، لكن لو أبدلت ((القطة)) بكلمة أخري مثل كلمة ((الفأر)) مثلا، لتصبح الجملة: ((الفأر فوق الحصيرة)) [The rat sat on the mat.]، سوف يكون التغير الحادث هنا هو تغير في "علاقات الاقتران"، وواضح أنه تغير لا يحدث علي مستوي أفقي، وإنما يحدث علي مستوي رأسي، من خلال استبدال ((القطة)) بما قد يقترن بها من مفردات أخري في عقل المتكلم، ويري ((سوسير)) أن هذا "الاقتران" بين المفردات المختلفة لا يحدث من خلال ما هو متاح من بدائل لغوية توفرها اللغة، وإنما يحدث من خلال تلك المجموعات التي ترتبط بها الكلمة مع مجموعة أخري من الكلمات، يجمع بينها عقل المتكلم في ترتيب من صنيعه.
مثلا كلمة مثل كلمة ((التعليم)) Education يمكن أن ترتبط في ذهن فرد ما بكلمات أخري لها نفس المقطع التي تنتهي به هذه الكلمة (-tion)، فتصبح في ذهنه مرتبطة بكلمات مثل: ((التحاق)) Association، أو ((تقديس)) Deification، أو غيره، كما يمكن أيضا لهذه الكلمة أن ترتبط مع كلمات أخري تشابهها في مؤداها، كأن ترتبط كلمة ((التعليم)) بكلمات مثل: ((مدرس)) Teacher، أو ((كتاب مدرسي)) Textbook، أو ((كلية)) College، أو غير ذلك، كما يمكن لها أيضا أن ترتبط بأشياء أخري ليس بينها علاقة حقيقة، ولكن ربما أن الفرد يحبها، كأن ترتبط كلمة ((التعليم)) بكلمات مثل ((كرة القدم الأمريكية)) Baseball، أو ((ألعاب الكومبيوتر)) Computer Games، أو ((التحليل النفسي)) Psychoanalysis، أو غير ذلك من الكلمات المختلفة، التي يجمع بينها عقل الفرد طبقا لما يريده من ترتيب( ).7
وبمرور الوقت، تغير مصطلح ((سوسير)) الأساسي الذي استخدمه، والذي يعني "علاقات الاقتران" Associative Relations، ليتحول بعده إلي مصطلح آخر هو: "علاقات الاستبدال" Paradigmatic Relations، ويري ((جاكسون)) أنه هناك ضرورة للتنبيه بأن ((سوسير)) لم يستخدم أبدا مصطلح "علاقات الاستبدال" Paradigmatic Relations هذا؛ وذلك لأنه يري أن مصطلح "علاقات الاقتران" Associative Relations، أكثر اتساعا وأفضل بكثير في التعبير عن فحواه، من مصطلح "علاقات الاستبدال" Paradigmatic Relations، الذي استخدم في "الألسنية" لاحقا، وصار ينسب إلي ((سوسير)) بكثرة، سواء في الشروح الكثيرة التي تتناوله، أو في وجهات النظر التي تتعارض معه وتنقضه( ).8
"الكلمة" Word، و"النظام" System، و"القيمة" Value:
بعدما شرح ((سوسير)) "علاقات الاقتران" و"علاقات التراكيب" يخلص إلي أنه يجب توضيح أن في هذه العلاقات ــ سواء الأولي أو الثانية ــ، يجب النظر إلي "الكلمة" Word علي أنها "عضو" في نظام، تترابط فيه مع غيرها من "الكلمات" التي هي أعضاء أيضا في نفس هذا النظام، إذ هو يشدد علي ضرورة النظر إلي "الكلمات" علي أنها أجزاء Terms ــ التأكيد من عند ((سوسير)) ــ في "نظام" System، ويؤكد علي ضرورة عدم البدء بالكلمة من أجل الوقوف علي النظام ذاته، وذلك لكونه يعطي إيحاء بأن الكلمة تمتلك "قيمة" Value في نفسها، وهذا ليس صحيح، إذ القيمة التي تكتسبها الكلمة تكتسبها من خلال دخولها في علاقة مع غيرها من الكلمات، وعليه فإنه يجب البدء من النظام نفسه، يجب البدء من ذلك "الكل المترابط" Interconnected Whole، فالكلمة في الحقيقة لا تمتلك أي معني في ذاتها، ودليل ذلك أنها تتخذ أكثر من معني في سياقات متعددة.
ويشير ((سوسير)) إلي أن مصطلح "القيمة" Value، غالبا ما ينظر البعض إليه علي أنه مرادف لمصطلح "المعني" Meaning، وهو يري أن في ذلك بعض الغموض والإرباك، ومن ثم يحاول توضيحه فيشير إلي أن "القيمة" هي عنصر في "المعني" ــ فهي تساعد علي تبيانه ــ، لكن لا يجب النظر إلي "المعني" علي أنه أي شيء آخر بخلاف "القيمة"، أي علي أنه يتواجد بذاته، دون ما تقتضيه القيمة من دخول الكلمة في علاقات تسفر عن تحديد معني "الكلمة"؛ ويشعر ((سوسير)) أن كلامه بهذا الشكل لا يؤدي المطلوب منه، ومن ثم يعرض للفارق بين رؤيته "للمعني"، وبين الرؤية التقليدية السابقة له، إذ الرؤية التقليدية للمعني تراه كامن في "الكلمة" نفسها، ومن ثم يصبح "المعني" طبقا لهذه الرؤية نظيرا "للصورة السمعية" المنطوقة، أما رؤيته هو فتقوم علي أن "القيمة" الخاصة بالكلمة تتحدد علي أساس علاقات هذه الكلمة بغيرها في السياقات المختلفة، إذ هو يحذر من النظر إلي الكلمة علي أساس أنها عنصر جوهري منفصل يمتلك معني في ذاته، وإنما يجب دائما النظر إليها علي أنها عنصر في "نظام"، وهي نقطة يلح عليها ((سوسير)) كثيرا في محاضراته هنا، فهو يؤكد علي أن العامل الحاسم في تحديد معني "الكلمة"، يرجع إلي "علاقاتها" بالكلمات الأخرى المجاورة لها في السياق الموجودة فيه، يقول ((سوسير)): ((النظام يقود إلي المفردة، والمفردة تقود إلي القيمة، وهكذا تري أن المعني يتحدد بالحاشية التي تقع حول المفردة)).
وفي هذا السياق، يذكر ((سوسير)) أن أفكارنا ما هي في الحقيقة إلا جزء من "اللغة"، إذ فكرنا بدون "اللغة" يصبح "هلاما" ليس له معالم، وعلي هذا يخلص ((سوسير)) إلي إقرار أنه ما من أفكار موجودة أو محددة من خلال نفسها، أو حتى من خلال "الأفكار" السابقة عليها، إذ لا يمكن تحديد أية "أفكار" من خلال "الأفكار" نفسها، وكذلك فما من "علامات" Signs موجودة لهذه "الأفكار"، إذ هو يري أنه لا يوجد أبدا "فكرة" Idea، أو تفكير سابق علي وجود "العلامة الألسنية" Linguistic Sign.
وينبه ((سوسير)) عند نهاية حديثه عن "القيمة"؛ إلي أن "القيمة" كانت ستصبح غائبة المدى، ولا تحديد لها، لو لم تكن "اعتباطية" Arbitrary، إذ هذه الاعتباطية تضيق من الحدود المطلقة للقيمة، وعلي هذا فإن "القيمة" التي تتحدد في أي سياق، لا ترجع إلي إي اتفاق أو ارتباط طبيعي بينها، وبين المعني التي تعود إليه، وسوف يستفيض ((سوسير)) بعد ذلك في شرح "الاعتباطية" بالتفصيل عند تناول الجزئية التالية لذلك. وهي جزئية:
"العلامة" Sign [Signe]، و"الدال" Signifier [Signifiant]، و"المدلول" Signified [Signifié]:
يري ((سوسير)) أن "الكلمة" Word ذلك العضو الذي يدخل في "نظام" System تتحدد من خلاله "القيمة" Value الممنوحة لها، تتكون في الحقيقة من عنصرين أساسيين، الأول هو "المفهوم" Concept، أما العنصر الآخر فهو "الصورة السمعية" Auditory Image، وينبه ((سوسير)) إلي أن "الصورة السمعية" هنا ليس المقصود بها الجانب المادي للصوت Physical Sound، أي ليس ذلك الصوت الناشئ عن تحريك الفم، أو الذي تسمعه الأذن، وإنما هو "الأثر النفسي" Psychological Imprint الذي يتركه الصوت فينا، فمثلا عندما يتحدث المرء مع نفسه، كأن يستعيد قطعة شعرية في ذاكرته مثلا، فإن الفرد هنا يتحدث مع نفسه دون أن يحرك شفتيه أو لسانه، أي دون أن يحدث صوتا من الناحية المادية، لكنه يتحدث مع نفسه من خلال الأثر النفسي الذي يتركه الصوت في ذهنه، تلك هي "الصورة السمعية" التي يقصدها ((سوسير)).
وكل من "المفهوم" و"الصورة السمعية" يرتبطان معا بشكل وثيق حتى أن أحدهم يستحضر الآخر في ذهن الفرد، فإذا ما أخذنا مثلا مفهوما كـ "الشجرة"، سوف نجد أن له العديد من "الصور السمعية" المختلفة في اللغات المختلفة، وعند أفراد أحد هذه اللغات، فإن "الصورة السمعية" المعبر بها عن المفهوم "شجرة" فيها، تستحضر عندهم ذلك المفهوم "شجرة"، بينما لدي أفراد لغة أخري تستحضر عندهم "صورة سمعية" أخرى، هذا المفهوم.
ويطلق ((سوسير)) علي "المفهوم" مصطلح "المدلول" Signified [Signifié]، ويطلق علي "الصورة الصوتية" المقترنة بهذا المفهوم مصطلح: "الدال" Signifier [Signifiant]، وهما الشقان اللذان تتكون منهما "العلامة" Sign [Signe]، أما الشيء نفسه كما هو في الواقع، إذ تحدث ((سوسير)) كما هو واضح هنا عن "المفهوم" وليس عن الشيء نفسه، فهو يتحدث عن مفهوم /الشجرة/ وليس "الشجرة" نفسها، أما تلك الموجودة في الواقع، فإن ((سوسير)) يطلق عليها مصطلح "المرجع" Referent.
ويمضي ((سوسير)) بعد ذلك في تحديد طبيعة "العلامة"، فيذكر أنها "اعتباطية" Arbitrary تماما، بمعني أن الترابط الذي يحدث بين "الدال" و"المدلول"، لا يحدث وفقا لأية معايير أو الزامات، وإنما يحدث بطريقة "اعتباطية" تماما، فمثلا: ما من مبرر معين يجعل المفهوم "شجرة" ــ"المدلول"ــ يعبر عنه في "اللغة العربية" بالدال "ش.ج.ر.ة"، وأكبر دليل علي ذلك أنه يعبر عنها بدال آخر في اللغات الأخرى، كـ "ت.ر.ي" TREE في اللغة الإنجليزية، و "أ.ر.ب.ر" ARBRE في الفرنسية وهكذا.
ويجيب ((سوسير)) علي من يعترض علي مبدأ "الاعتباطية"، بوجود أصوات تختار لكونها تبدو تقليدا للصوت المختار، كألفاظ مثل: wow بالإنجليزية ــ ouâ بالفرنسية ــ wau بالألمانية ــ bau بالإيطالية ــ واو يالعربية، ويجيب ((سوسير)) علي ذلك بأنه علي الرغم من كون هذه الحالات قليلة، إلا أنها أيضا تحوي جوانب "اعتباطية"، فهي لا تعدو أن تكون اختيارا لمحاكاة تقريبية شبه متفق عليها بين "اللغات"، لكنها ما إن تقحم في "لغة" ما، حتى تخضع لها صوتيا وصرفيا، كما تخضع المفردات الأخرى لها.
ومبدأ"الاعتباطية" يحتل مكانة خاصة في تفكير ((سوسير))، إلي درجة أنه ينبه إلي أن أهمية مبدأ "اعتباطية" العلامة ربما لا تتضح من الوهلة الأولي. لكن إذا كانت "العلامة" في أساسها "اعتباطية" وليس هناك ما يحدد إلحاق "دال" معين بـ "مدلول" معين، فما الذي يتحدد به "الدال" و"المدلول" ويمنع من تشوشهما، وهنا يجيب ((سوسير)) بأن العامل الوحيد الذي يمنع تداخل وتشوش "الدال" و"المدلول" هو "الاختلاف" Difference أي اختلاف كل واحد منهما عن الآخر، يقول ((سوسير)): ((سواء كنت تتحدث عن "المعاني" أو عن عناصر "الدال" و"المدلول" فإنه لا يوجد إلا "الاختلاف" فقط (…) ففي الواقع لا يوجد "علامات" وإنما يوجد فقط "اختلاف" بين "العلامات")).
وفي هذا الشأن كثيرا ما يشار إلي تقسيم آخر للعلامات، وهو تقسيم ((تشارلز سوندرس بيرس)) Charles Sanders Peirce (1839-1914)، وهو لا يقيم تقسيمه للعلامات علي أساس "الاعتباطية" كما هو الحال عند ((سوسير))، وإنما يقسم العلامات إلي ثلاثة أنواع هي "الأيقون" Icon، و"المؤشر" Index، و"الرمز" Symbol، ويعرف كل منهما علي النحو التالي:
"الأيقون" Icon: هو العلامة التي تشير إلي الموضوعة التي تعبر عنها عبر الطبيعة الذاتية للعلامة فقط. وتمتلك العلامة هذه الطبيعة سواء وجدت الموضوعة أم لم توجد. صحيح أن الأيقون لا يقوم بدوره ما لم يكن هناك موضوعة فعلا، وليس لهذا أدني علاقة بطبيعته من حيث هو علامة. وسواء كان الشيء نوعية، أو كائنا موجودا، أو عرفا، فإن هذا الشيء يكون أيقونا لشبيهه عندما يستخدم كعلامة له.
أما "المؤشر" Index فهو علامة تشير إلي الموضوعة التي تعبر عنها عبر تأثرها الحقيقي بتلك الموضوعة. فهي لا يمكن أن تكون، إذن، العلامة النوعية لأن النوعية ماهية مستقلة عن أي شيء آخر. وبما أن المؤشر يتأثر بالموضوعة. فالمؤشر يتضمن، إذن، نوعا من الأيقون مع أنه أيقون من نوع خاص. فليست أوجه الشبه فقط ــ حتى بصفتها مولـّدة للعلامة ــ هي التي تجعل من المؤشر علامة وإنما التعديل الفعلي الصادر عن الموضوعة هو الذي يجعل من المؤشر علامة.
أما "الرمز" Symbol فهو علامة تشير إلي الموضوعة التي تعبر عنها عبر عرف، غالبا ما يقترن بالأفكار العامة التي تدفع إلي ربط الرمز بموضوعته. فالرمز، إذن، نمط عام أو عرف أي أنه العلامة العرفية ولهذا فهو يتصرف عبر نسخة مطابقة. وهو ليس عاما في ذاته فحسب، وإنما الموضوعة التي يشير إليها تتميز بطبيعة عامة أيضا. إن العام يتحقق من خلال الحالات التي يحددها. ولهذا لا بد من وجود حالات لما يعبر عنه الرمز))( ).9
ويري ((جوناثان كولر)) أن هذا التقسيم للعلامات، بشقيه الأول والثاني غير مفيد للبحث في المجالات الثقافية، وإن كانت كلها تصر علي أن "العلامة" هي في النهاية، "شكل" يدل و"معني" يُدَل عليه، إلا أن القسم الثالث من هذا التقسيم حيث العلاقة بين "الدال" و"المدلول" علاقة "عرفية" بتعبير ((بيرس)) ــ ويري ((كولر)) من منظوره أن مصطلح "عرفية" مساو لمصطلح "اعتباطية" عند ((لسوسير)) ــ هو ما يجب حقا أن نتوجه إليه وأن نهتم به، وذلك لأن هذا النوع من العلامات يحث علي دراسة نظام الأعراف الذي تخضع له وتنتج المعني من خلاله، ولا يمكن شرح هذه العلامات إلا عن طريق دراسة هذا النظام وإعادة بنائه، وبالتالي لا يري ((كولر)) أن هذا التقسيم يتعارض مع تقسيم ((سوسير))، وإنما هو تأكيد ودليل علي صواب رؤية ((سوسير)) للعلامة الألسنية( ).10
وفي الواقع رؤية ((سوسير)) حول "العلامة" و"اعتباطيتها"، تواجه الكثير من الاعتراضات، منها الإحساس الذي يتسرب إلي المرء بأن "العلامات" بها شيء طبيعي من "المفهوم" الذي تعبر عنه، كالإيحاء بأن هناك ما هو كبير وضخم في كلمة "فيل" ، وإن كان يمكن الرد علي ذلك بأنه ربما يرجع لكوننا نفكر عمليا بهذه العلامات طوال الوقت، مما يعزز العلاقة بين "الدال" و"المدلول"، حتى تبدو وكأنها علاقة طبيعية تماما، لكن مبدأ "الاختلاف" الصرف الذي يستنتجه ((سوسير)) من "اعتباطية" العلامات هو ما يثير القلق بشدة في الحقيقة، ذلك أن إقرار كون العلامات لا تتحدد قيمتها إلا بكونها تخالف كل العلامات الأخرى، يؤدي إلي الكثير من الخلط والتشويش عند محاولة تعريف كلمة ما، حتى لو كانت هذه الكلمة بسيطة، ككلمة "الخالة" مثلا، إذ طبقا لمنطق ((سوسير)) سنضطر لتعريفها بأنها ــ كما يذكر ((ليونارد جاكسون)) ــ: ((ليس أبا ليس أما ليس أختا ليس فيلا ليس نمرا ليس… ليس….)) إلي أن يتم استنفاد جميع الخيارات اللغوية الأخرى المتاحة، وبهذا نكون ساعتها قد عرفنا كلمة "خالة"، وواضح أن الوقوف علي تعريف علامة ما بهذه الطريقة هو أمر مستحيل منطقيا( ).11
لكن ((سوسير)) يصر ويؤكد في محاضراته علي مبدأ "الاختلاف" هذا، وسوف تبقي هذه النقطة من أكثر النقاط ضعفا في فكر ((سوسير))، وهي أكثر النقاط التي سوف يوجه إليها الكثير من الانتقادات بعد ذلك، وهي ما سوف تتخذ منه "ما بعد البنيوية" Poststructuralism حجة علي عدم قدرة التفكير البنيوي علي تحديد وتعريف معني ما في أية ممارسة إنسانية( ).12
وفي نهاية الحديث عن "العلامة" و"الدال" و"المدلول" عند ((سوسير))، ينبغي الإشارة إلي ملاحظة هامة، وهي أن ((سوسير)) هنا لا يبدي أي اهتمام "بالمعني" كما هو في الواقع، فهو غير مهتم بكيفية تكونه، أو بكيفية إدراكه، أو غير ذلك من الأمور التي يتناولها الفلاسفة عادة عند التعامل مع "المعني"، وإنما اهتمامه الأساسي موجه إلي "اللغة" بوصفها نظاما وقواعدا، ومن ثم يسعى إلي تحديد هذا "النظام" ويسعى إلي الكشف عن هذه "القواعد"، دون توجيه أي اهتمام إلي كشف أو تحديد "المعني" الذي سوف يعمل هذا "النظام" وهذه "القواعد" عي نقله وإنتاجه في "كلام" أو"كتابة" الأفراد المتحدثين "باللغة"( ).13
"التزامني" Synchronic، و"التعاقبي" Diachronic:
يشير ((سوسير)) إلي أن البحث الألسني قد تجاهل لفترة طويلة البحث في اللغات في حالاتها السكونية states Static، وقد كان هذا النوع من البحث سائدا منذ ألاف السنين من قبل، ثم أهمل منذ القرن التاسع عشر، إذ عمد فقهاء اللغة في تلك الفترة إلي دراسة النصوص المكتوبة بلغات ميتة، بهدف اقتفاء أثر تاريخ اللغات، وتحديد ما طرأ عليها من تغير، خاصة تلك التغيرات التي حدثت في النواحي الصوتية، دون إهمال التغيرات التي حدثت في القواعد والمفردات، وكان من نتيجة دراساتهم "التعاقبية" Diachronic تلك ما توصلوا إليه من رسم شجرة عائلة تجمع بين لغات مثل الفرنسية والأسبانية والإيطالية، كلغات مشتقة من اللاتينية، وشجرة أخري تجمع بين الإنجليزية والهولندية والألمانية، كلغات لها سلف جرماني، ثم أرجعوا الشجرتين إلي سلف "هندو ــ أوروبي" أصلي، رأوا أنه ربما كان متحدثا في المجر أو أوكرانيا أو إيران منذ ألاف السنين قبل ذلك( ).14
وهذا البحث لا يؤدي الغرض المطلوب منه من وجهة نظر ((سوسير))، فهو يري أنه علي الرغم من الجهد الضخم المبذول فيه عند استقصاء النواحي التاريخية والتطورية التي حدثت في "لغة" ما من "اللغات" المختلفة، إلا أنه غير كاف أبدا للوقوف علي "العلامات" وتحديدها في "لغة" ما، دون دراسة هذه "اللغة" دراسة "تزامنية" Synchronic، ومرد ذلك أن "العلامات" علي الرغم من كونها "اعتباطية"، أي أنها تخضع للتاريخ في تطورها وتغيرها، إلا أنه نظرا "لاعتباطيتها" هذه لا يمكن تحديدها ومعرفتها معرفة صحيحة، في فترة زمنية محددة، إلا بالنظر إلي علاقاتها بالعلامات الأخرى، في تلك الفترة، ودراسة هذه العلاقات دراسة "تزامنية"، تهدف إلي الكشف عنها وتحديدها، وليس إلي معرفة تطوراتها وتغيراتها.
وهو يري أن الدراسة "التزامنية" التي تعمد إلي الوقوف علي العلاقات والخصائص التي تحكم "لغة" ما من "اللغات" في فترة زمنية معينة، تعين وتساعد أيضا في القيام بدراسات "تعاقبية" تهتم بالجوانب التطورية في "اللغات" المختلفة، وعلي نحو أكثر علمية أيضا؛ وذلك لأنه يري أن "النظام" الذي تخضع له "لغة" من "اللغات" لا يتغير كله تماما في تطوره التاريخي، أي أن ليس "نظاما" محددا قد أنتج "نظاما" آخر، وإنما ما حدث هو أن بعض عناصر هذا "النظام" السابق حدث فيها تغير، والتغير في بعض عناصر "النظام" كفيل بأن يخرج إلي الوجود "نظاما" آخر مختلفا عنه، وبالتالي فإن الوقوف علي "النظام" في حالته السابقة، وتحديده تحديدا علميا دقيقا، من خلال دراسته دراسة "تزامنية"، يؤدي إلي التعرف بشكل أيسر علي العناصر التي تغيرت وأنتجت "النظام" التالي له، والتي تتضح بسهولة أيضا عند دراسة ذلك "النظام" التالي دراسة "تزامنية"، وهكذا فإنه من خلال القيام بالعديد من الدراسات "التزامنية" لفترات زمنية متعددة، يمكن بناء معرفة "تعاقبية" "للغة" بشكل أكثر علمية عما إذا تم الاعتماد علي الدراسة "التعاقبية" فقط( ).15
ملاحظات علي محاضرات ((سوسير)):
لقد حاولت هنا تمثل أفكار ((سوسير)) علي نحو مفصل، بغرض الاقتراب بأكبر قدر ممكن من أفكاره كما كان يريدها هو، إذ هو كما أشرت لم يكتب هو محاضراته بنفسه، وكما يري ((كولر)) ربما أن ((سوسير)) لم يكن قد توصل إلي فكرة كاملة واضحة حول ما يجب أن يكون في الدراسات الألسنية بالضبط( 16، والمدقق في المحاضرات نفسها، يشعر أن ((سوسير)) كان يطور ويعدل من أفكاره أثناء المضي في هذه المحاضرات، فمثلا هو يقدم أولا "العلامة" كـ: "مفهوم" و"صورة سمعية"، ثم يعود ويسمي "المفهوم" بــ "المدلول"، ويسمي "الصورة السمعية" بــ "الدال"، ويتدرج في شرح وتفسير "القيمة" خارج "اللغة" ثم داخلها، ثم تبيان أن "المعني" الخاص بأي كلمة لا يتحدد علي نحو دقيق، إلا بالنظر إلي علاقاتها بما حولها، وغير ذلك من التدرج، الذي يشعرك وأنه كان في مرحلة تعديل وتطوير دائبين لأفكاره، ولذا فإن الكثير من الذين يتعرضون لأفكاره بالشرح والتحليل يضطرون إلي التقديم والتأخير فيها؛ لكي تبدو أفكاره ذات لحمة أكثر تماسكا، ناهيك عن كون الصورة النهائية لمحاضراته هي من تأليف ((شارل بالي))، و((ألبرت زيشيهاي))، وليست من تأليفه هو نفسه أساسا.
وقد تعرضت أفكار ((سوسير)) إلي التعديل والتطوير، وأحيانا إلي إساءة التفسير أيضا، أو بتعبير ((ليونارد جاكسون)) تم إعادة بناء ((سوسير)) بحيث يخدم أغراضا معينة( )17؛ لذا فمن الضروري فهم آراءه الأساسية علي وجهها الصحيح، ومعرفتها معرفة دقيقة، وجدير بالملاحظة أن ((سوسير)) ألقي محاضراته وأوربا علي حافة انهيار تاريخي كما يقول ((تيري إيجلتون)) Terry Eagleton( )18، ولم يعش ((سوسير)) لكي يري أثار هذا الدمار الذي تركته الحرب العالمية الأولي، ولا الثورات التي اجتاحت أوربا بعدها، وهي الثورات التي سحقت جميعها بعنف شديد، وفي ظل هذا الوضع السياسي والاجتماعي المظلم سوف يتم إعادة تنظير أراء ((سوسير))، وتوسيع دائرة تطبيقها، لتنتقل من حقل "الألسنية" إلي حقول أخري كثيرة، لكن قبل المضي قدما في ذلك، يجدر النظر إلي حركة أخري كان لها دورها الهام في مسيرة "البنيوية"، وتلك هي ما تعرف باسم: "الشكلية الروسية" Russian Formalism.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
1 اعتمدت في الترجمة ((لفرديناند دي سوسير)) علي كل من المراجع التالية:
أ – جوناثان كولر: ((فرديناند دي سوسير)) (أصول اللسانيات الحديثة وعلم العلامات)، مرجع سابق، صـ 64- 68.
ب -Dictionnaire critique de la communication/biographies: Ferdinand de Saussure, Taken From The Internet, Date: 24-04-2017,
«https://com-media.Univ-paris8.frcommu…rces/bio_sauss ure.htm»
جـ – Encyclopædia Britannica: Ferdinand de Saussure, Taken From The Internet, Date: 26-04-2017,
«https://www.britannica.com/ebc/article-9377 837»
﴿2 نقلا عن: جوناثان كولر: ((فرديناند دي سوسير)) (أصول اللسانيات الحديثة وعلم العلامات) ، مرجع سابق، صـ 66-67.
3 أنظر: السابق، صـ62.
4 كل ما أترجمه أو أحيل إليه من محاضرات ((سوسير))، يعود إلي المرجع التالي:
Ferdinand de Saussure: Third Course of Lectures on General Linguistics, (1910-1911), publ. Pergamon Press,1993, Taken From The Internet,
Date: 02-02-2017,
«https://www.marxists.org/reference/su…/saussure.htmآ»
5 ليونارد جاكسون: ((بؤس البنيوية (الأدب والنظرية البنيوية)))، ترجمة: ثائر ديب، وزارة الثقافة، دمشق،2017م، صـ80.
6 Philip P.Wiener: The Dictionary of the History of Ideas: Structuralism, Volume 4, p.p.323-324, Electronic copy, Made and Published On The Internet by: University of Virginia Library (Gala Group),
Date: 20-02-2017,
«https://etext.lib.virginia.edu/cgi-lo…cgi?id=dv4-42آ»
7See: Dr. Mary Klages: Structuralism and Saussure, Taken From The Internet, Date: 25-04-2017,
«https://www.colorado.edu/English/ENGL2017Kla ges/saussure.html»
8 ليونارد جاكسون: ((بؤس البنيوية))، مرجع سابق، صـ90.
9 تشارلز سوندرس بيرس: ((تصنيف العلامات))، مجموعة مختارة ترجمة: فريال جبوري غزول، ضمن كتاب: ((أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة)) (مدخل إلي السيميوطيقا) ، إشراف: سيزا قاسم، ونصر حامد أبو زيد، دار الياس العصرية، القاهرة، د.ت، صـ142.
10 أنظر: جوناثان كولر: ((فرديناند دي سوسير))، مرجع سابق، صـ166.
11 راجع: ليونارد جاكسون: ((بؤس البنيوية))، صــ84، وصــ 316-317 علي الترتيب.
12 See: Catherine Belsey: Post-Structuralism, A very Short Introduction, Oxford University Press, Oxford, 2024, P.10.
13 See: Mary Klages: Structuralism and Saussure, Op.Cit.
14 راجع: ليونارد جاكسون: ((بؤس البنيوية)) مرجع ساق، صــ82-83.
15 راجع: جوناثان كولر: ((فرديناند دي سوسير))، مرجع سابق، صـ92-103.
16 السابق: صـ62.
17 يلح ((جاكسون)) علي هذه النقطة كثيرا في كتابه: ((بؤس البنيوية))، وهو يجعل من الدفاع عن إساءة قراءة ((سوسير))، ومن توضيح الخلط الذي تتعرض له أرائه عند الكثيرين، يجعل من ذلك هما أساسيا في كتابه هذا، راجع: ليونارد جاكسون: ((بؤس البنيوية))، مرجع سابق، صـ17، 32، 102-103، 167، 304.
18 أنظر: تيري ايجلتون: ((مقدمة في نظرية الأدب))، ترجمة: أحمد حسان، الهيئة العامة لقصور الثقافة، [سلسلة كتابات نقدية رقم (11)]، القاهرة، سبتمبر 1991م، صـ73.