كان قتادةُ بنُ النعمانِ بنِ زيدٍ صحابياً جليلاً من صحابة رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – وهو من أنصار المدينةِ الذين آووا رسولَ اللهِ ونصروه ووقفوا إلى جانبِه.
كان قتادةُ فارسا بطلاً، وأحدَ الرُّماة الماهرين المشهورين . جاهد في سبيلِ اللهِ، فقاتل مع النبيِّ – عليه السلامُ – في غزوةِ بدرٍ، ثم في غزوة أحدٍ. وفي يومِ أحدٍ أصيبتْ عينُ قتادة بسهمٍ من سهامِ الكفارِ، وكانت إصابةً شديدةً جداً؛ إذ قُلعتْ وسالتْ في يدِه ، فحملها، وأتى بها إلى النبيِّ – صلى اللهُ عليه وسلم- فوضعها بين يديه، وقال:
– ما ترى يا رسولَ اللهِ؟
فقال له النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلّم:
– إن شئتَ يا قتادةُ صبرتَ ولك الجنةُ، وإن شئتَ دعوتُ اللهَ لك، فرُدتْ عليك ولم تفقدْ منها شيئاً..
فقال قتادةُ :
– واللهِ يا رسولَ اللهِ إنّ الجنةَ لجزاءٌ جزيلٌ، وعطاءٌ جليلٌ، ولكني رجلٌ أحبُّ النساءَ، وأريدُ أن أتزوجَ ، وأخاف ألا تقبلني امرأةٌ لأني صِرتُ أعورَ..
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
– فماذا تريدُ يا قتادةُ ؟
فقال قتادةُ :
– أريدُ يا رسولَ اللهِ أن تردَّ عيني عليَّ، وأن تسألَ اللهَ لي الجنةَ..
فقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم :
– أفعلُ يا قتادةُ.
ثمّ أخذ النبيُّ – صلى اللهُ عليه وسلم- بيدِه الطاهرةِ الشريفةِ عينَ قتادةَ، فأعادها- بإذنِ اللهِ- إلى مكانِها كما كانتْ، ودعا لصاحبِها بالجنةِ..
وقد عاش قتادةُ حتى مات وعمرُه خمسٌ وستون سنةَ وهذه العينُ من أحسنِ عينيه .
وقد شهد قتادةُ بعد ذلك مع رسولِ اللهِ- صلى اللهُ عليه وسلم-جميعَ المشاهد والغزواتِ ، وقاتل فيها جميعا قتالَ الأبطالِ من غيرِ أن تعوقَه عينُه عن شيءٍ .
مات قتادةُ بنُ النعمانِ بنِ زيدٍ في خلافة عمرَ بن الخطابِ رضي الله عنه، وصلى عليه.
وقد دخل ابنُه بعد ذلك على الخليفةِ الراشدِ الخامسِ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ- رضي اللهُ عنه- فقال له عمرُ:
– من أنت يا فتى؟
فقال ابنُ قتادةَ مفتخراً، يذكرُ قصةَ عينِِ أبيه مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
أنا ابنُ منْ سالتْ على الخدِّ عينُه فرُدَّت بكفِّ المصطفى أحسنَ الردِّ.
موضوع رائع الله يوفقك مشكور
وكان قتادة من خيرة الصحابة رضي الله عنهم جميعا
وروى ابن كثير في البداية والنهاية أن إبنه دخل على عمر بن عبد العزيز قال له: من أنت؟ فقال له مرتجلا:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه * فردت بكف المصطفى أحسنَ الرد
فعادت كما كانت لأول أمرها * فيا حُسْنَها عينا ويا حُسْنُ ما خدّ
فقال عمر بن عبد العزيز عند ذلك:
تلك المكارم لا قعبانِ من لبنٍ * شيبا بماءٍ فعادا بعدُ أبوالا
ثم وصله فأحسن جائزته رضي الله عنه.