تخطى إلى المحتوى

علم الاجرام 2024.

علم الإجرام:
ليس هناك من شك في أن ظاهرة الجريمة والمخالفة، تعد من اخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدد الكيان البشري في أمنه، واستقراره، بل وحياته.وانطلاقاً من الخطورة التي تتسم بها هذه الظاهرة تجد علماء القانون، وعلماء النفس يولون هذه الظاهرة اهتماماً منقطع النظير من حيث الدراسة حتى تمخضت هذه الدراسات عن نشوء علم مستقل باسم علم الإجرام وإن كان هذا العلم (بالمعنى الفني للكلمة علماً حديث النشأة شأنه في ذلك شأن العلوم المتصلة بدراسة الإنسان، التي لم تتطور إلا بتطور المنهج العلمي التجريبي في دراسة الظواهر الاجتماعية والبحث في حقائق الحياة)لقد أصبح لهذا العلم قواعده الخاصة به، والتي تتصف بالعمومية التي يمكن إعادة الجزئيات إليها – على الرغم من بعض الجدل المحتدم حول اعتباره علماً -، كما أصبح من العلوم التي تدرس بشكل منتظم في جامعات العالم وقد عرف علم الإجرام بأنهالقعدةذلك الفرع من العلوم الجنائية الذي يبحث في الجريمة باعتبارها ظاهرة في حياة الفرد، وفي حياة المجتمع، لتحديد وتفسير العوامل التي أدت إلى ارتكابها)
تقسيــم النظريـــات هناك نوعان من النظريات التي قيلت في تفسير ظاهرة السلوك الإجرامي وهي:
1) النظريات النفسية. 2) النظريات الاجتماعية.
النظريــــات الفــردية :يركز هذا القسم من النظريات على العوامل الفردية الذاتية في تفسيره لمسألة السلوك الإجرامي، فهو يرجع السلوك الإجرامي لدى الأفراد لأسباب ذاتية نفسية ومن هذه النظريات نذكر:
Lombroso نظرية لومبروزو:

يعتبر لومبروزو – أستاذ الطب الشرعي والعقلي في الجامعات الايطالية – الرائد في النظريات الفردية وبحكم امتلاك لومبروزو الروح التأملية فقد ساعده ذلك كثيراً في تفسير ما يدور حوله من الظواهر وخصوصاً السلوك الإجرامي لدى الأفراد.لقد لاحظ لومبروزو بان (الجنود الأشرار يتميزون بعدة مميزات جسدية لم تكن موجودة في الجنود الأخيار). وذلك خلال عمله في مجال الطب الشرعي في الجيش الايطالي لبعض الوقت.فمن المميزات التي لاحظها لومبروزو في الجنود الأشرار (الوشمات والرسوم القبيحة التي كانوا يحدثونها على أجسادهم)هذا ما كان قد لاحظه مما يبدو للعيان على أجساد المجرمين، أما من خلال تشريح جثث الكثيرين من هؤلاء المجرمين فقد تبين له (وجود عيوب في تكوينهم الجسماني وشذوذ في الجمجمة… وانتهى لومبروزو من ذلك إلى أن المجرم نمط من البشر يتميز بملامح عضوية خاصة، ومظاهر جسمانية شاذة يرتد بها إلى عصور ما قبل التاريخ أو أن الإنسان المجرم وحش بدائي يحتفظ عن طريق الوراثة بالصفات البيولوجية والخصائص الخلقية الخاصة بإنسان ما قبل التاريخ ومن بين هذه الخصائص صغر الجمجمة، وعدم انتظامها، وطول الذراعين، وكثرة غضون الوجه، واستعمال اليد اليسرى وضخامة الكفين والشذوذ في تركيب الأسنان إلى جانب عدم الحساسية في الشعور بالألم.وبالإضافة إلى تلك الصفات العامة وقف لومبروزو على بعض الملامح العضوية التي تميز بين المجرمين. فالمجرم القاتل يتميز بضيق الجبهة، وبالنظرة العابسة الباردة، وطول الفكين وبروز الوجنتين، بينما يتميز المجرم السارق بحركة غير عادية لعينيه، وصغر غير عادي لحجمهما مع انخفاض الحاجبين وكثافة شعرهما وضخامة الأنف وغالباً ما يكون أشول.
هذا ملخص لنظرية لومبروزو في السلوك الإجرامي والتي ركز فيها على وجود صفات عضوية يتميز بها المجرم عن غيره، وقد تعرضت نظرية لومبروزو إلى الكثير من الانتقادات القاتلة وتلك التي اضطرته في النهاية إلى إجراء تعديل عليها فادخل تأثير العامل العصبي في تفسير السلوك الإجرامي.
ومن الانتقادات التي وجهت لنظرية لومبروزو نذكر:
1) إن الحالات التي ركز لومبروزو جهوده عليها في تجاربه لم يكن أصحابها من الكثرة بحيث يمكن استخلاص قانون عام يمكن تطبيقه على جميع الحالات الإجرامية، وهذا من الأخطاء الفظيعة التي وقع فيها لومبروزو في صياغة نظريته.
2) تركيزه على الجانب العضوي والمبالغة فيه كعامل للسلوك الإجرامي، وإهماله بل إنكاره تأثير العوامل الأخرى – بيئية، واجتماعية، وغيرها – في سلوك المجرم.
3) اعتبار بعض المظاهر التي يحدثها أي إنسان فضلاً عن الإنسان المجرم علامة على كون محدثها مجرماً، وذلك من قبيل إحداث الوشم وتحمل الألم لأجله، فهذا دليل – حسب قول لومبروزو – على عدم الإحساس بالألم، وبالتالي فإن عدم الإحساس بالألم من صفات المجرمين.
وكذلك مسألة استخدام اليد اليسرى علامة على السلوك الإجرامي.لكن ومع الانتقادات الكثيرة التي وجهت لنظرية لومبروزو فسوف يظل لومبروزو (المؤسس الأول لعلم الانتروبولوجيا الجنائية أو الإنسان المجرم كعلم مستقل تجاه العلوم الاجتماعية… أما نظريته البيولوجية في عوامل تكوين الظاهرة الإجرامية فيكفيها أنها الدراسة الأولى التي استخدمت المنهج العلمي في تفسير الظاهرة الإجرامية).( نظرية التكوين الإجرامي): Di Tullio* نظرية دي تيليو
جاءت نظرية دي تيليو كرد فعل على نظرية لومبروزو التي ركزت – كما تقدم – على وجود (المجرم بالتكوين) ودي تيليو وإن اتفق مع لومبروزو على وجود المجرم بالتكوين إلا انه أنكر كونه عاملاً وحيداً للسلوك الإجرامي، وإنما يشكل مع غيره من العوامل الاجتماعية عاملاً مركباً للسلوك الإجرامي.
لقد اتفق دي تيليو مع لومبروزو من حيث المبدأ بادئ ذي بدء إلا انه بدأ يتحول تدريجياً ورويداً رويداً(من فكرة المجرم الحتمي بالتكوين إلى فكرة المجرم الاحتمالي) وتتخلص نظرية دي تيليو باعتقاده بوجود ميل واستعداد للإجرام لدى الشخص المجرم وذلك إثر تكوين خاص للشخصية الفردية، واتسامها بصفات عضوية ووظيفية وراثية أو طبيعية أو مكتسبة من البيئة لقد فرق دي تيليو (بين صورتين رئيسيتين للاستعداد الإجرامي: الأولى عرضية والثانية ثابتة.
فالأولى: هي عوامل فردية واجتماعية أقوى من قدرة الجاني على ضبط مشاعره فتحرك عوامل الجريمة ليديه ومن أنواعها الحقد والغيرة.

والثانية: متجسدة في تكوين الإنسان وتتركز في ناحيتي التكوين العضوي والنفسي للشخصية الفردية وهذا ما يسميه أيضا دي تيليو الاستعداد الأصيل للإجرام المنبعث عن شخصية الجاني والذي يمثل مصدراً للجرائم الخطيرة).لقد اعتبر دي تيليو بان لإفرازات الغدد أثرها الكبير على سير أجهزة الجسم، والتي لها انعكاساتها في الوقت ذاته على مظاهر الحياة النفسية للإنسان، وبالتالي على معالم شخصيته، وقد خلص دي تيليو في النهاية إلى وجود (نموذج بشري غددي إجرامي).
إن نظرية دي تيليو وان لم تسلم من النقد كذلك إلا أنها تعتبر بالنسبة لعلم الإجرام أكثر النظريات قبولاً، ومن الانتقادات التي تعرضت لها النظرية نذكر:
1) لقد بالغت النظرية في اعتبار تأثير الجانب العاطفي المختل في سلوك المجرم، وهذا يعني أن نظرية دي تيليو كانت كغيرها تقريباً في التركيز على الجانب الواحد.
2) إن دي تيليو وقع فيما وقع فيه لومبروزو في استخلاصه قانوناً عاماً من حالات قليلة أخضعت للتجارب لا ترقى إلى مستوى استخلاص القانون العام.
3) إهماله جانب المقارنة بين المجرمين والأسوياء والذي يعد على جانب كبير من الأهمية.
* مدرسة التحليل النفسي

ينصرف ذهن الإنسان حين يذكر اسم مدرسة التحليل النفسي إلى مؤسسها العالم سيجموند فرويد (-، والذي اتفق مع المدرسة التكوينية في إرجاع السلوك الإجرامي إلى العوامل الفردية، إلا انه اختلف معها في كون هذه العوامل نفسية لا عضوية. وللوقوف على حقيقة نظرية التحليل النفسي لابد لنا من ذكر التحليل الذي قام به فرويد للنفس الإنسانية كي يتسنى لنا فهم ما يقوله في نظريته.
لقد قسّم فرويد النفس الإنسانية إلى ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: النفس ذات الشهوة (الذات الدنيا)) والذي يعني (هو) وتحوي هذه المرتبة من النفس الميول الفطرية، والاستعدادات الموروثة، ويتركز اهتمام هذه المرتبة من النفس على الانسياق وراء الشهوات، وإرضاء الغرائز بأية طريقة ممكنة بغض النظر عن اعتبارات المثل والقيم والمبادئ النبيلة.
المرتبة الثانية: الذات الشعورية أو الحسية (العقل ويعني (الأنا) وهي (مجموعة الملكات العقلية المستمدة من رغبات النفس بعد تهذيبها وفقاً لمقتضيات الحياة الخارجية)(10) وتتمثل وظيفة هذه المرتبة من النفس بالسعي نحو إيجاد نوع من التوازن بين الميول الفطرية والاستعدادات الموروثة من جهة، وبين متطلبات البيئة الخارجية من المثل العليا، والقيم، والأخلاق، والعادات والتقاليد. إذن فهي بمثابة الكابح بالنسبة إلى المرتبة الأولى، لحملها على التعبير عن نزعاتها بالشكل الذي ينسجم مع مقتضيات البيئة، ولا يتعارض مع ما تأمر به (الأنا العليا) وهي المرتبة الثالثة كما سيأتي.
المرتبة الثالثة: الذات المثالية (الضمير) ويرمز لها بالرمز الذي يعني (الأنا العليا): وتتجسد هذه المرتبة بمجموعة المثل والقيم والتقاليد والعادات الموروثة عن الأجيال السابقة، وكذلك المكتسبة من البيئة الاجتماعية الحالية.
وتعمل هذه المرتبة (الأنا العليا) على محورين، فهي من جهة تمثل المصدر الحقيقي لردع المرتبة الأولى (هو) عن الانفلات من مقتضيات البيئة الخارجية، ومن جهة أخرى تمد (الأنا) بالقوة اللازمة للقيام بوظيفتها المباشرة في ردع وكبح جماح المرتبة الأولى من النفس.
وعلاوة على هذين المحورين هناك وظيفة ثالثة تتكفل بها الأنا العليا وتتمثل بمراقبة (الأنا) في أداء وظيفتها ومحاسبتها عند أي تقصير في أداء هذه الوظيفة.
وبعد أن قدمنا هذه المقدمة التحليلية الفرويدية للنفس الإنسانية نأتي إلى تلخيص رأي فرويد في عوامل السلوك الإجرامي – فنقولالقعدةيرى فرويد أن السلوك الفردي يتوقف على مدى العلاقة بين الأقسام الثلاثة السابقة للنفس الإنسانية. فإذا تغلبت الشهوات والميول الفطرية (النفس ذات الشهوة)، فإن السلوك يكون منحرفاً، وتكون شخصية صاحبه غير ناضجة، أما إذا تغلبت المثل والقيم الموروثة، وتحكم الضمير والعقل (الأنا العليا) كان السلوك قويماً وكانت شخصية صاحبه ناضجة). وللزيادة في التوضيح نقول أن فرويد قسم الذات الشعورية أو العقل (الأنا) – المرتبة الثانية للنفس – إلى ثلاثة أقسام:

1) الشعور: (العقل الظاهر): وهو وسيلة الوعي والإحساس والإدراك المباشر.
2) ما قبل الشعور: (العقل الكامن): مجموعة الأفكار والنزعات والذكريات القابلة للاستظهار والتي يمكن للفرد تذكرها واسترجاعها.
3) اللاشعور: (العقل الباطن): وهو مجموعة الأفكار والخواطر التي ليس في وسع الإنسان استرجاعها وتذكرها إلا في الحالات الشاذة كالحلم، والحمى، والتنويم المغناطيسي.
ثم دمج فرويده بين الأول والثاني باسم الشعور (العقل الظاهر) فصارت أقسام الذات الشعورية اثنين فقط هما: العقل الظاهر، والعقل الباطن وعلل فرويده الدمج بوجود قوة خفية من شأنها صد الخواطر والذكريات عن الظهور في منطقة الشعور لسببين:
الأول: كون هذه الذكريات والخواطر ضد العادات والتقاليد وقيم المجتمع.
الثاني: كون هذه الذكريات من النوع الذي لا يقوى الشعور على تحمل ما يصاحبها من الآلام قد أطلق فرويده على هذه القوة الصادة اسم قوة الكبت (خلاصة القول: إن فرويده يرى لقوة الكبت هذه ابلغ الأثر في سلوك الإنسان، يفوق في قوته وتأثيره قوة وتأثير الشعور على الإنسان. إن قوة الكبت هذه تحوي ذكريات الطفولة، والحوادث النفسية المكبوتة، (فإذا كانت تربية الإنسان حيث كان طفلاً قائمة على أسس متوازنة توفق بين الرغبات والميول وبين أصول التربية النفسية السليمة، فإن من شأن ذلك تصعيد الرغبات المكبوتة تصعيداً متسامياً صحيحاً، وإلا أصبح الكبت مرضياً، وكان الفرد معرضاً في مستقبل حياته للأمراض العصبية، والاضطرابات النفسية والتي قد تؤدي إلى نشأة العقد النفسية) وقد أعطى فرويده إلى العامل الجنسي القدر الأكبر من التأثير في السلوك
نـقــد نظرية فرويـــد:
تعرضت نظرية التحليل النفسي كغيرها من النظريات الفردية إلى العديد من الانتقادات نذكر منها:
1) لقد اخطأ فرويده (في نظريته عن الغريزة الجنسية، وأعطى للدافع الجنسي أهمية تفوق ما يستحق في الواقع فقد أقام فكرته على أساس مبدأ اللذة، واعتبر سعادة الناس وشقائهم منوطين بكيفية إشباع غريزة التلذذ، ونجاحهم أو عدم نجاحهم في إرضاء الشهوة الجنسية). بعبارة أخرى وقوع النظرية في التركيز على العامل الواحد في تفسير ظاهرة السلوك الإجرامي
2) (إن الأخذ بمنطق المدرسة التحليلية يقودنا إلى التسليم بحتمية الوقوع في الجريمة تبعاً للصراع الذي يتم في الجانب اللاشعوري من النفس البشرية، وما يصاحبه من خلل أو اضطراب نفسي. ولكن هذا يتعارض مع اعتبار الجريمة مخلوقاً قانونياً يتجاوب مع متطلبات الحياة الاجتماعية).
النظريـــات الاجتماعية في تفسيــر السلـوك الإجـــرامي :
كان ما تقدم عرضاً موجزاً لأهم النظريات الفردية التي أنشئت لتفسير ظاهرة السلوك الإجرامي، وقد أعرضنا عن ذكر جميأ. اكتفاءاً بذكر الأهم منها.وفي مقابل هذه النظريات هناك نظريات تفسر ظاهرة السلوك الإجرامي على ضوء العوامل الاجتماعية، وعلى نفس المنوال سوف نتعرض إلى أهم ما قيل من النظريات في هذا المضمار وهما: أ . نظرية التفكك الاجتماعي. ب . نظرية العوامل الاقتصادية.
نـظـرية التفكك الاجتماعي :
يعتبر عالم الاجتماع الأمريكي ثورستن سيلين رائد هذه النظرية، وصاحبها، فقد استوحى سيلين نظريته هذه (من واقع المجتمع الأمريكي الذي عاصره، ومن واقع المجتمعات التي عاصرها ولم يعايشها بل طرقت مسامعه الظواهر الإجرامية فيها وقارنها بالمجتمعات الريفية التي وجد فيها انخفاضاً في حجم الظواهر الإجرامية قياساً إلى حجم تلك الظواهر في المجتمعات المتحضرة، مما شجعه على إجراء مقارنة عددية كان نتيجتها ارتفاع حجم الظاهرة الإجرامية ارتفاعاً كبيراً في المجتمعات المتحضرة وانخفاض حجم هذه الظاهرة انخفاضاً كبيراً في المجتمعات الريفية، لهذه العلة ارجع الظاهرة الإجرامية إلى التفكك الاجتماعي).تتميز هذه النظرية بدعوتها إلى تشبه المجتمع المتحضر بالمجتمع الريفي في حرصه على الحفاظ على الروابط الأسرية والاجتماعية، كما تدعو إلى تربية الطفل وتنشئته نشأة ريفية تسودها القيم، والمثل العليا علاوة على ذلك تستنكر النظرية مسألة فساد الضمير الإنساني وتفككه نتيجة إغراقه بمظاهر الحياة الحضارية المنفلتة، وترى صلاح الضمير بالتعاون والترابط الاجتماعي.إن هذه الميزات التي تميزت بها النظرية جعلتها مقبولة بدرجة كبيرة بالنسبة للبعض من علماء الإجرام، فهذا البعض يتفق (مع منطق هذه النظرية بالنظر لما تمليه تربية الضمير من معانٍ سامية تدفع الإنسان لسلوك طريق الخير والرشاد، وحبه لأبناء مجتمعه، وقد حث رسول الله (ص) على إشاعة هذا الخير من خلال الربط بينه وبين الإيمان بقولهالقعدةلا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).وعلى الرغم من المزايا التي تميزت بها هذه النظرية حيث كانت تحمل بين طياتها دعوة إلى التحلي بالقيم والمثل العليا لمكان أثرها الإيجابي في التخفيف من ظاهرة الجريمة، إلا أنها لم تسلم – مع كل هذا – من الانتقادات، فمن هذه الانتقادات نورد:
1) على الرغم من اتّسام الغالبية العظمى من أفراد المجتمع المتحضر إن لم نقل الكل بسمات التفكك وضعف الروابط الاجتماعية فإن من يقترف الجريمة من هؤلاء هو البعض وليس الجميع ممن يتسم بالتفكك، ولو صح إرجاع السلوك الإجرامي إلى التفكك الاجتماعي للزم أن يكون كل من يتسم بالتفكك من المجرمين وليس البعض فقط.
2) سبق أن قلنا بأن ثورستن سيلين – صاحب هذه النظرية – كان قد استوحى نظريته من واقع المجتمع الأمريكي، وما يتميز به من ظروف خاصة به. فعلى تقدير التسليم بصحة ودقة نتائج هذه النظرية فإن مجال تطبيقها هو المجتمع الذي نشأت وفق ظروفه لا غير. أي أنها لا تصلح للتطبيق إلا في المجتمع الأمريكي، وذلك لأن غيره من المجتمعات قد (لا يتسم بهذه السمات لذا لا يمكن قياسها على المجتمع الأمريكي الذي أجريت هذه الدراسة عليه).

نـظــرية العوامــل الاقتصادية:
هناك من العلماء من اتجه (إلى تفسير الظاهرة الإجرامية من خلال الربط بين الأوضاع الاقتصادية السائدة وبين السلوك الإجرامي).ترى هذه النظرية بان (أفعال الأفراد وسلوكهم، وكذلك نظريات العلماء الأخلاقية، في كل عصر تبين خصائص النظام الاجتماعي والأوضاع الاقتصادية لذلك العصر).لقد تبنى كارل ماركس وأصحابه هذه النظرية واستعانوا بها في طرح مذهبهم المناهض للرأسمالية الغربية التي رأوا فيها بأنها تجسد الطبقية بين أبناء المجتمع مما يدفع الفئة المقهورة لاتخاذ المنهج المنحرف في سلوكها، وعليه فقد طرحوا نظريتهم بمثابة المنقذ وهي النظرية الاشتراكية.لقد ارتبط اسم هذه النظرية – نظرية العوامل الاقتصادية – بالمذهب الاشتراكي، حتى أطلق البعض على هذه النظرية ومن يتبناها اسم المدرسة الاشتراكية في قبال النظرية، أو المدرسة الرأسمالية.(ووفقاً لمفهوم هذه المدرسة: إن الظاهرة الإجرامية ظاهرة شاذة في حياة المجتمع، وإنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام الرأسمالي بل إنها ثمرة من ثمراته، فتركيبة هذا النظام، وطبيعة العلاقات السائدة فيه تفضي حتماً إلى الظلم الاجتماعي، لأنه نظام لا يتوخى العدالة والمساواة، فتقع الجريمة نتيجة لهذا الظلم، أما في ظل المجتمع الاشتراكي فان مظاهر الجريمة تكاد تختفي تماماً، وإن وقوع بعض الجرائم الضارة برفاهية هذا المجتمع لا يغير من هذا الاتجاه، وإنما يدل على تفشي أمراض معينة في أفراده).
نـقــد هذه النظـــرية :
كغيرها من النظريات تعرضت نظرية العوامل الاقتصادية لمجموعة من الانتقادات منها:
1) إن هذه النظرية وقعت في ما أخذ على غيرها من نظريات تفسير الظاهرة الإجرامية، وهو التركيز على العامل الواحد في تفسير ظاهرة السلوك الإجرامي وإنكار أو إهمال دور غيره من العوامل الأخرى الذاتية منها وغيرها.
2) اعتماد أصحابهـــا في دعم رأيـــهم على جرائم معينة كـــالسرقة مثلاً، أو الكسب غير المشـــروع كما عند بونجيه، ومن ثم تعميم هذه النتائج الجزئية على جميع مظاهر السلوك الإجرامي الأخرى، (ولكن إذا كانت هذه النظرية تصلح لتفسير جرائم المال، فإنها لا تصلح لتفسير باقي الجرائم كجرائم الاعتداء على الأشخاص وجرائم العرض، فهذه لا تتأثر إلا قليلاً بالتقلبات الاقتصادية) كما أثبتت ذلك الدراسات الإحصائية.
3) إن هذه النظرية تؤكد على أن العوامل الاقتصادية السيئة تمثل عاملاً أساسياً مباشراً في دفع الأفراد إلى السلوك الإجرامي.
كما إنها (اعتبرت الفقر ممثلاً لهذه الظروف باعتباره ظرفاً اقتصادياً سيئاً) حيث أكدت (أن الفقر الذي يصيب الفرد يكون سبباً مباشراً في دفعه نحو اقتراف الجريمة) وهذا يعني أن هذه النظرية ربطت ربطاً مباشراً بين السلوك الإجرامي وبين الفقر. إن مثل هذا الربط وما يترتب عليه من إبراز لأهمية الفقر، وتأثيره لا يمكن قبوله لسببين
الأول: إن الفقر حالة نسبية تختلف باختلاف الأشخاص تبعاً لاتساع حاجاتهم وتنوعها ووسائل إشباعها لذا يصعب تحديد الحالة التي يكون عليها الفرد لأنه لا توجد وسائل ثابتة يمكن بموجبها اعتبار شخص ما فقيراً، لاختلاف الأسس والمقاييس بين الأفراد والمجتمعات في تحديد مفهوم الفقر).
الثاني: لقد أثبتت الدراسات في مجال علم الإجرام – للتأكد من صحة الترابط بين الفقر والسلوك الإجرامي – بان (الجريمة كما تقترف من الفقراء يمكن أن تقترف أيضا من غير الفقراء… من أشخاص ينتمون إلى الطبقة العليا في المجتمع ويشغلون المراكز المح**** فيه وهم رجال الأعمال، وكبار التجار، وأصحاب المشاريع التجارية الضخمة، والمستثمرون).لقد اثبت أحد أصحاب هذه الدراسات وهو الأستاذ سذرلاند معللاً بكون الوضع المالي الممتاز لمن سبق ذكرهم من الأغنياء، وما يتمتعون به من المزايا، وما يمارسونه من سلطات ونفوذ لا يمنعهم – بنظر الأستاذ سذرلاند – من اقتراف الجرائم بل على العكس ربما تكون عاملاً مساعداً لانحرافهم حيث يشعرون بان هذه المزايا تحقق لهم الحماية المرجوة فيعمدون إلى استغلال هذه الظروف لتحقيق منافع شخصية ذاتي

لاتجاه القائل بالاقتصار على القصد الجنائي العام
استند هذا الاتجاه إلى " أن الاختلاس مفهوماً على أنه سلب الحيازة الكاملة للشيء
لا يتحقق معناه القانوني إلا إذا اقترن نزع الشيء بنية تملكه، وأن نية التملك على هذا النحو تبدو عنصراً يفترضه فعل الاختلاس ذاته بحيث لا يمكن أن يوصف فعل الجاني من أخذه الشيء المملوك لغيره بدون رضاه بأنه اختلاس إلا إذا اقترن بهذه النية "
" فنية التملك تقوم بدورها في توافر الاختلاس لا في توافر الركن المعنوي "وفي هذا المعني ذهبت محكمة النقض إلى أن " من أركان جريمة السرقة أن يأخذ السارق الشيء بنية تملكه. والمفروض أن من يختلس شيئاً فإنما ينتوى تملكه "" وتأكد هذا المعني في حكم حديث لمحكمة النقض جاء فيه حرفياً أن " جريمة السرقة لا تتطلب لقيامها قصداً جنائياً خاصاً، بل يتوافر القصد الجنائي فيها بمجرد قيام العلم عند الجاني وقت ارتكاب الفعل بأنه يختلس المنقول المملوك للغير من غير رضاء مالكه بنية تملكه " ويؤكد أنصار هذا الرأي على ذلك بأن " فهم دور الركن المعنوي في الجريمة لا يدع مجالاً للشك في أن نية التملك تعتبر عنصراً في الركن المادي للسرقة. فالركن المعنوي في الجريمة هو اتجاه الإرادة إلى الماديات غير المشروعة للجريمة، أو هو بعبارة أخرى انعكاس لماديات الجريمة في نفس الجاني، فالإرادة تتجه إلى هذه الماديات. ومن ثم كان تحديد الركن المعنوي للجريمة يفترض حتماً توافر الصفة غير المشروعة في ركنها المادي، أي أن يكون هذا الركن الأخير مستوفياً بذاته كل عناصر عدم المشروعية.لما كان ذلك، وكان عدم المشروعية في السرقة يقوم على استيلاء الجاني للشيء المملوك للغير بنية تملكه رغماً عنه، كان من الواجب أن يستوفى الركن المادي للسرقة كل عناصر عدم المشروعية وهي الاستيلاء على مال الغير، ونية التملك وعدم رضاء هذا الغير. ولا يمكن السماح بإدخال عنصر من هذه العناصر – وهو نية التملك – في الركن المعنوي، لأن تحديد هذا الركن الأخير يتوقف على تحديد ماديات الجريمة كاملة غير منقوصة " وقد ذهب الدكتور محمد أبو العلا عقيدة مناصراً هذا الرأي إلى توجيه انتقادات عديدة نورد منها
– تهدف نصوص السرقة إلى حماية الذمة المالية للمجني عليه التي نقصت بدون وجه حق بفعل السرقة، ولا يهم بعد ذلك أن تكون ذمة الجاني قد ذادت أم لا. إذ أن النصوص الجنائية تهتم بالتغيير الذي حدث في ذمة المجني عليه. ويتأكد هذا المعني في جريمتي النصب وخيانة الأمانة: فالنصب يتحقق إذا أصاب المجني عليه الضرر ولو لم يتحقق إثراء للجاني، وخيانة الأمانة تتم حتى ولو لم توجد أي منفعة للجاني من وراء الجريمة.
– أن نية التملك في حقيقتها لا تعدو أن تكون أحد البواعث الدافعة إلى السرقة، فقد يسرق الشخص مال الغير ليتملكه، أو لتمليكه للغير، أو لمجرد الانتقام منه أو بإتلاف مال مملوك له. والباعث لا يدخل في بنيان الركن المعنوي للجريمة وإن أمكن للقاضي أن يضعه في اعتباره عند اختيار الجزاء الجنائي المناسب.
– إذا كانت نية تملك مال الغير بصورة مؤقتة لا تعد من قبيل السرقة وفقاً للاتجاه المناصر لفكرة القصد الخاص؛ ويظهر هذا جلياً في حالة الاستيلاء على السيارة المملوكة للغير والظهور عليها بمظهر المالك خلال فترة مؤقتة بغرض استعمالها فحسب؛ فكيف يمكننا أن نثبت نية التملك بصورة مؤقتة كما يدعى المتهم ونفرق بينها وبين نية تملك السيارة بصورة نهائية.
– واستطرد منتقداً الحكم الصادر في 24، أكتوبر سنة 1991 فقال بأن الحكم أشار إلى أن جريمة السرقة يتطلب القانون فيها قصداً جنائياً خاصاً، ومع ذلك إذا رجعنا إلى النص الخاص بالسرقة في قانون العقوبات (المادة 311) نجده لا يشير من قريب أو بعيد إلى فكرة القصد الخاص، بل لم يشر أصلاً إلى الركن المعنوي في الجريمة" وإذا كان هذا الفريق من الفقهاء متفقاً على أن نية التملك لا تشكل قصداً خاصاً في جريمة السرقة نظراً لدخولها في معني الاختلاس فقد صادفت أنصاره صعوبة تحديد موضع دراسة هذه النية داخل البنيان القانوني للجريمة. هل تدرس مع عناصر الاختلاس في الركن المادي للجريمة ؟ أم تدرس مع عناصر القصد العام في الركن المعنوي ؟" فبناءاً على رأيهم بأن نية التملك تعد عنصراً في توافر الاختلاس رتب رأى على ذلك ارتباط " نية التملك بالركن المادي للجريمة بينما يرى البعض الآخر من الفقه أن الوضع الطبيعي لدراسة نية التملك هو الركن المعنوي المتمثل في القصد الجنائي العام وهو إرادة فعل سلب الحيازة الكاملة بعنصريها المادي والمعنوي أي إرادة وضع المال تحت السيطرة المادية للجاني وظهوره عليه بمظهر المالك مع إحاطة علمه بذلك
الفرع الثاني الاتجاه القائل باشتراط القصد الجنائي الخاص ( نية التملك
حيث ذهب هذا الاتجاه إلى أنه " لا يكفي لتحقيق ركن القصد الجنائي التأكد من توافر القصد العام المتطلب في سائر الجرائم العمدية. بل يجب أن نتأكد من تحقق قصد خاص إلى جوار هذا القصد العام. والقصد الخاص في جريمة السرقة هو إرادة التملك " " وقد يؤدى عدم توافر القصد الجنائي الخاص إلى انتفاء الجريمة " وبالرغم من عدم رد هذا الاتجاه على الانتقادات السابقة؛ إلا أن الباحث يتفق معه، حيث أن الرأي الأول نتج عن خلط دفع إليه التقسيم الدراسي للبناء القانوني للجريمة؛ ذلك أنه غالباً ما يتم دراسة الهيكل المادي للجريمة قبل دراسة الهيكل غير المادي أو (الركن المعنوي) بالرغم من أن هذا الأخير – في واقع الأمر – يسبق الركن المادي – حتى في حالة القول بمعاصرته له، ما دامت ماديات الجريمة لم تكتمل، لأنه لو تأخر الركن المعنوي حتى اكتمال الركن المادي لما عاد له تأثير – ففي واقع الأمر – وبعيداً عن جدلية النظريتين النفسية والمعيارية – أن النشاط المادي الذي يقوم به الجاني إنما هو مخرج مادي لمقدمات معنوية (ذهنية)، أو بصيغة أكثر وضوحاً فإن " السلوك المادي، إنما هو تنفيذ لأوامر العقلولذلك فإن أنصار الرأي الأول، قد قلبوا هذه الحقيقة حين قالوا بأن " تحديد الركن المعنوي يتوقف على تحديد ماديات الجريمة كاملة غير منقوصة "؛ فالركن المعنوي هو الذي يحدد ماديات الجريمة، وليس العكس، وهو الذي يكملها أو ينقصها – باستبعاد التدخلات الاستثنائية غير المتوقعة – بإرادته المنفردة دون منازع. فهو الذي يبنى الهيكل المادي للجريمة. وإن كانت الطبيعة المادية هي التي تعطي للأخير قيمته في إثبات الركن المعنوي، أو بصيغة محايدة (الكشف عن الركن المعنوي). وهذه القيمة لا يمكن أن تقلب الحقيقة ولا يمكن القول بأن " تحديد الركن المعنوي للجريمة يفترض حتماً توافر الصفة غير المشروعة في ركنها المادي، أي أن يكون هذا الركن الأخير مستوفياً بذاته كل عناصر عدم المشروعية " فلا يصح هذا القول إلا في الإثبات خلافاً لما يتعلق بالبناء القانوني للجريمة وهذا الدور الاثباتى أو (الكاشف) هو الذي دفع محكمة النقض دفعاً إلى القول بأن " من أركان جريمة السرقة أن يأخذ السارق الشيء بنية تملكه. والمفروض أن من يختلس شيئاً فإنما ينتوى تملكه ". ويؤكد هذا الدور، ما قضى بأنه من المقرر " أن التحدث عن القصد الجنائي صراحة واستقلالاً في الحكم أمر غير لازم ما دامت الواقعة الجنائية التي أثبتها تفيد بذاتها أن المتهم إنما قصد من فعله إضافة ما اختلسه لملكه " .بل وبفرض صحة أن " تحديد الركن المعنوي يتوقف على تحديد ماديات الجريمة كاملة غير منقوصة "، فإن هذا سيؤدى إلى نتيجة شاذة؛ وهي أن البدء في تنفيذ جناية أو جنحة ثم خيبة أثر هذا التنفيذ أو وقفه بدون تدخل الجاني سيؤدي إلى إهدار دور الركن المعنوي في الجريمة، خلافاً لما قضي بأنه " من المقرر أنه ليس بشرط في جريمة الشروع في السرقة أن يوجد مال فعلاً، ما دام أن نية الجاني قد اتجهت إلى ارتكاب السرقة " . وما جاء بأن المتهمين قد " دخلا فعلاً في دور التنفيذ بخطوة من الخطوات المؤدية حالاً إلى ارتكاب السرقة التي اتفق على ارتكابها مع المتهم الآخر بحيث أصبح عدولهما بعد ذلك باختيارهما عن مقارفة الجريمة المقصودة بالذات أمراً غير متوقع ويكون ما ارتكباه سابقاً على ضبطهما شروعاً في جنحة السرقة ".ولكن هذا القول يؤدى بنا إلى التساؤل : هل هذا يعني أن هناك نيتان للتملك إحداهما تتصل بالركن المعنوي، وأخرى تتعلق بالركن المادي. تلك التي تعتبر عنصراً في الاستيلاء كما بينها جارسون.يمكن الإجابة بالنفي أو الإيجاب؛ ذلك أنه وبالعودة إلى الأصل التاريخي الذي دفع إلى ظهور نظرية جارسون، نجد أن هذه الأخيرة ما ظهرت إلا كحيلة قانونية، لتحديد نطاق الحيازة فاستجلبها الأستاذ / جارسون من المفهوم المدني؛ هذا الأخير الذي يتطلبها كي يكون " الاستيلاء سبباً من أسباب الملكية ". في حين أن القانون الجنائي إنما يهدف باشتراط نية التملك إلى التمييز بين السرقة، والجرائم الأخرى كالإتلاف، أو بين السرقة وانتفائها كحالة " الدائن الذي يأخذ مالاً لمدينه ضماناً لدينه على مدينه دون أن يقصد ضمه إلى ملكه بل رده إلى صاحبه بعد الوفاء بالدين" أو كسرقة المنفعة ….الخ ومن ثم اكتمال أو عدم اكتمال المسئولية الجنائية في السرقة ومن ثم تظل نية التملك كعنصر معنوي في الاستيلاء مجرد حيلة قانونية مستقاة من الخارج، في حين أنها في الركن المعنوي عنصر رئيسي وهام تتخلف بدونه المسئولية الجنائية. مما يدعم ذاتية القانون الجنائي في مقابل تواجد قواعد القانون المدني داخله، دون تعصب.أما بالنسبة لما وجهه أستاذنا الدكتور عقيدة من انتقادات فإن الباحث يجمل الإجابة عليها في النقاط التالية :
– فبالنسبة للانتقاد الأول : يلاحظ أنه قد استخدم كلمة السرقة بمعناها الواسع، فأعتبر أن نصوص السرقة إنما تهدف إلى حماية الذمة المالية للمجني عليه التي نقصت، ولا يهم بعدها أن تكون ذمة الجاني بعد ذلك قد زادت أم لا .. كما هو الحال في جريمة النصب وخيانة الأمانة.وهذا القول صحيح، مع ملاحظة أن صحته تبقى فقط عند استعمال كلمة السرقة بمعناها الواسع …، أي باعتبارها اعتداءاً على المال دون وجه حق…، ولكن حين إنزال هذا القول على السرقة بمعناها الضيق – والذي لا يعنى الجرائم الواقعة على الأموال فأن السرقة وفق النموذج القانوني الذي حددته المادة (311) من قانون العقوبات، فإن هذا القول لا يمكن الجزم بصحته. فهو أشبه بتعميم قول قائل : " أن الوظيفة الأساسية للقانون الجنائي هي إرساء العدالة بمنع الجريمة وعقاب مرتكبيها " ثم توجيهه انتقاداً – إي هذا القائل – بأن القول بأن هدف النصوص العقابية المتعلقة بالأموال، ليس الحفاظ على المال، وإنما تهدف إلى إرساء العدالة بمنع الجريمة ومعاقبة مرتكبيها.
فنصوص السرقة ( بالمعنى الواسع ) تحمي الذمة المالية للمجني عليه وهذا هدف واسع يضيق كلما اتجهنا نحو دراسة النماذج القانونية المختلفة التي تحمي الأموال. وحينها يجد كل نموذج ذاتية أهدافه، ومن ثم ذاتية أركانه وشروطه. ففي حين لا تشترط نية التملك في الإتلاف تشترط في السرقة. وحيث يشترط استعمال وسائل احتيالية في النصب، لا يشترط ذلك في خيانة الأمانة … الخ. وأضاف هذا الرأي : بأن نية التملك باعث لا يؤخذ في الاعتبار، ومع ذلك فقد قبل الأخذ بنية التملك إذا وردت ضمن القصد العام حين عرف القصد العام بالعلم ثم قال في الإرادة : " مع اتجاه إرادته – أي الجاني – إلى الاستيلاء على حيازة هذا المال بعنصريها المادي والمعنوي، فيخرجه من حيازة صاحبه ويحرمه الانتفاع به كما لو كان ملكاً له " فكيف يمكن لهذا الرأي أن يعتبر نية التملك باعثاً ثم يرتضى بتأثيرها بل وبدمجها في القصد العام ؟ ولعل هذا ناتج عن كون أن نية التملك تشتبه بالباعث، غير متشابهة؛ فنية التملك من ناحية ليست ذات طبيعة عضوية، كالجوع، أو البرد أو حتى الانتقام إذا جاز أن ينتج عن العقل كعضو باعث كهذا …، وإنما هي عنصر في وسيلة، فقد يتم الانتقام بسرقة أو بإتلاف أو بنصب، أو بخيانة أمانة … ولكل هذه الجرائم مقاصد عامة، أو ما يضاف إليها من مقاصد جنائية خاصة لبيان تميز كل منها عن الأخرى. وهذا ما أدى إلى أن هذا الرأي لم يستطع الفكاك أو التخلص من نية التملك فارتضى بها في جانب دون جانب.
– أما القول بأن نية التملك المؤقتة يصعب إثباتها وتمييزها عن نية التملك النهائية، فبالرغم من كون هذا النقد يتعلق بالإثبات، إلا أنه ليس من السهولة حتى إثبات القصد العام مما دفع محكمة النقض؛ في كثير من أحكامها؛ إلى القول بأنه " من المقرر أن التحدث عن نية السرقة استقلالاً ليس شرطاً لصحة الحكم بالإدانة في جريمة السرقة مادامت الواقعة التي أثبتها الحكم تفيد ذلك " ومع ذلك لم ينكر أحد وجوب توافر القصد الجنائي.
– أما ما وجهه من انتقاد لمحكمة النقض بأن القانون لم ينص حتى على القصد الجنائي، فهذا القول الأخير، يكفي كرد على هذا النقد. فما من أحد ينكر أن النص القانوني وإن لم يتحدث عن القصد الجنائي، إلا أن مجال تفسير النص يقتضيه، بل أن النص القانوني لم ينص على نظرية جار سون في الاختلاس، لا صراحة ولا ضمناً. فهل ننكر على النص أن يتم تفسيره وفق نظرية الاختلاس لجارسون. بل أن عدم تفسير النص باشتراط نية التملك سيؤدى إلى تنازع بين النصوص المتعلقة بالسرقة وغيرها من النصوص العقابية، وأكثر من هذا يمكن وفقاً لهذا، الاستغناء عن أغلب النصوص اكتفاءاً بنص المادة (311) عقوبات. إذا لم تكن تشترط نية التملك كقصد خاص. فلا داعي – على سبيل المثال – أن تنص المادة (323 مكرر [أولاً] ) من قانون العقوبات على أنه: " يعاقب كل من أستولي بغير حق وبدون نية التملك على سيارة مملوكة لغيره…….".

merciiiiiiiiiiiiiiiiii

شكرا جزيلا على هدا الطرح
شكرا جزيلا
بارك الله فييييييييييييييييييك
شكرا لك اخي
بارك الله فيك

العفففففففففو
شكرا الموضوع رائع حتى انا راني مهتمة بعلم الاجرام لانه رائع فانا قرات لحد الان كتابين في عاع الاجرام
شكرااااااااااااا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.