قال معاوية بن اسحاق عن عروة بن الزبير ــ رحمهم الله ورضي عنهم: ما بر والده من شد الطرف إليه.
ومن قلة المراعاة لمشاعر الوالدين قلة الاعتداد برأيهما والإشاحة بالوجه عنهما إذا تحدثا واثارة المشكلات أمامهما وذمهما عند الناس, والقدح فيهما, والتبرؤ منهما, والحياء من الانتساب إليهما. كل ذلك داخل في العقوق وقلة الرعاية لمشاعر الوالدين وكأن هؤلاء لم يقرأوا قوله ــ تعالي ــ وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)[ الإسراء:23 ــ24] ولم يسمعوا قول النبي ــ صلي الله عليه وسلم ــ: ــ الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس.
فحري بالولد أن يسعي سعيه في بر والديه, فيحسن إليهما ويخفض الجناح لهما ويصغي إلي حديثهما ويتودد لهما بكل ما يستطيع من بر وصلة ويتجنب كل ما يفضي إلي العقوق والتكدير.
وليكن له في سلفنا الصالح قدوة, فلقد ضربوا أروع الأمثلة في البر, ومراعاة مشاعر الوالدين, وإليك طرف من ذلك:
عن أبي مرة مولي أم هانئ بنت أبي طالب: أنه ركب مع أبي هريرة إلي أرضه بالعقيق, فإذا دخل أرضه صاح بأعلي صوته:
عليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أماه!
تقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
يقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرا
فتقول: يا بني! وأنت فجزاك الله خيرا ورضي عنك, كما بررتني كبيرا.
وهذا ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ لقيه رجل من الأعراب بطريق مكة, فسلم عليه عبد الله بن عمر, وحمله على حمار كان يركبه, وأعطاه عمامة كانت علي رأسه قال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب, وهم يرضون باليسير
فقال عبد الله بن عمر إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه وإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم ــ يقول: إن أبر البر صلة الولد أهل ود ابيه .
قال: خفت أن تخرج من الجحر, فتجيء إلي أمي, فتلدغها.
وهذا أبو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ وهو المسمي بزين العابدين, وكان من سادات التابعين ــ كان كثير البر بأمه, حتي قيل له: إنك من أبر الناس بأمك, ولا نراك تؤاكل أمك, فقال: أخاف أن تسير يدي إلي ما قد سبقت عينها إليه, فأكون قد عققتها.
وكما أن هناك من الأولاد من لا يحسن التعامل مع والديه ولا يراعي مشاعرهما فهناك من الوالدين من هو كذلك, فبعضهم يقسو علي أولاده قسوة تخرجه عن طوره فتراه يضربهم ضربا مبرحا عند أدني هفوة وتراه يبالغ في عتابهم وتوبيخهم عند كل صغيرة وكبيرة وتراه يقتر عليهم مع قدرته ويساره مما يجعلهم يشعرون بالنقص والحاجة وربما قادهم ذلك إلي البحث عن المال إما بسرقة أو بسؤال الناس أو بالارتماء في أحضان رفقة السوء, فيفقدون إنسانيتهم, وكرامتهم. ومن الوالدين من يحرم أولاده من الشفقة والحنان واشباع العواطف, مما يحدوهم إلي البحث عن ذلك خارج المنزل.
ويشتد الأمر إذا كان ذلك في حق البنات, فهن أرق شعورا وأندي عاطفة.
"اللهم اجعلنا من البارين و اجعل ببرنا لوالدينا بابا ندخل به الى الجنة".
**تحيـــــــــــــــــــــــــ ـــــاتي لكم** .