كتاب عشرون نصيحة لأختي قبل زواجها
مؤلفه بدر بن علي بن طامي العتيبي.
فهرس الموضوعات:
المقدمة
النصيحة الأولى: أصلحي ما بينك وبين الله يصلح ما بينك وبين الناس
النصيحة الثانية: الطاعة في المعروف من المعروف
النصيحة الثالثة: أنوثتك من أقوى أسلحتك
النصيحة الرابعة: النظافة والترتيب دليل على سمو أخلاقك
النصيحة الخامسة: أغرِقي الأخطاء في بحر المحبة
النصيحة السادسة: مِن حُب الزوج حُبُ مَن يحب
النصيحة السابعة: الحياة زوجية لا جماعية!
النصيحة الثامنة: إياكِ والكفر
النصيحة التاسعة: العفو سجية نبيلة، والاعتراف بالخطأ فضيلة
النصيحة العاشرة: هل تعرفين ما عليكِ وما عليه؟
النصيحة الحادية عشرة: كوني داعية لا قاضية
النصيحة الثانية عشرة: كوني له أمةً يكن لكِ عبداً
النصيحة الثالثة عشرة: قد تكون الغيرة عادة شريرة
النصيحة الرابعة عشرة: الصبر مفتاح الفرج
النصيحة الخامسة عشرة: الدعاء سلاح المؤمن
النصيحة السادسة عشرة: كل يوم جديد كوني زوجة جديدة
النصيحة السابعة عشرة:أقرب طريق إلى قلب الرجل: سمعه وبصره
النصيحة الثامنة عشرة: كيف تتصرفين في حال غضبه؟
النصيحة التاسعة عشرة: المشكلة ليست عيباً، ولكن العيب في كيفية التعامل معها
النصيحة العشرون: سمّاكِ الله: سكناً ولباساً
خاتمة
وصية رجل لابنته
أختاه يا ذات الحجاب
وبإذن الله كل يوم سأنزل لكم موضوع من هذه الموضوعات وبالترتيب.
محبتكن
مرحبًا بكِ أختي
جميل جدًا ما نقلتِ .. نصائح طيِّبة جدًا
في انتظار جديدكِ
وفقكِ الله
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
فإن صلاح العشرة الزوجية موكول بتمام الوعي لطبيعتها،والدخول في فلكها بخطى ثابتة من كلا الطرفين
فإن المتأمل في فساد مشروع الحياة الزوجية يجده لا يخرج عن آفة فساد الوعي في معرفة أسس الحياة الزوجية وحقوق
العشرة، خاصة في زماننا المعاصر الذي غلب فيه الجهل بمبادئ الأخلاق الإسلامية،
وثوابت الآداب الشرعية، والاكتفاء بمظاهر العلوم، والمستويات التعليمية المعاصرة، ولهذا وجب أن تعي المرأة المسلمة بعض الآداب والأخلاق والوصايا التي يجدر بها التحلي والتأدب بها.
وإني من خلال مراتٍ عدة توجه إليّ العديد من الأخوات المقبلات على الزواج بطلب بعض الوصايا قبل أن تطأ أقدامهن أرض الحياة الزوجية،
فكنت أكتب لهن ما تيسر بحسب حال الوقت والمقام، فاجتمع لدي العديد من أساسيات الأخلاق المرضية في العشرة الزوجية
التي تكسب المرأة قلب زوجها ووده،
وتكون أدعى لدوام العشرة الزوجية، فرقّمت هذه الوصايا لشقيقاتي اللاتي أقبلن على الزواج، ولسائر الأخوات، ولم أخرج
عن شرط الاختصار والاقتصار تسهيلاً لقراءتها والنظر فيها.
أصلحي ما بينكِ وبين الله يصلح ما بينك وبين الناس هذه قاعدة ربانية مُطردة في جميع الأحوال:
فإن أردتِ النصرة والتأييد فالله تعالى ذكره يقول:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ" (1).
ويقول الله تعالى:
"إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ"(2).
وإن أردتِ محبة أهل الإيمان وودهم فالله تعالى يقول:
"إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً"(3)،
أي: محبة ومودة في قلوب المؤمنين.
روى الترمذي في سننه عن أنس مرفوعاً:
"من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرّق عليه شمله، ولم يأتهِ من الدنيا إلا ما قُدّر له، ولا
يُمسي إلا فقيراً ولا يُصبح إلا فقيراً،وما أقْبل عبد إلى الله عز وجل إلا جعل الله تعالى قلوب المؤمنين تنقاد إليه بالود والرحمة وكان الله بكل خيرٍ أسرع".
وإن أردتِ الكفاية من شرور الناس:
فالله تكفل بكفاية من عبده حق العبادة،
فقال تعالى:
"أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ*وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ"(4).
وإن أردتِ تيسير العسير، والخروج من كل ضيق، ومعرفة الحق من الباطل، والخطأ من الصواب،
فالله تكفل بذلك لمن أطاعه واتقاه،
قال عز وجل:
"وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ"(5).
ويقول الله تعالى:
"ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً"(6).
ويقول الله تعالى:
"يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً"(7).
وإن أردتِ البعد عن الوقوع في الفواحش،
فالله تعالى يقول:
"كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ".
فبالمداومة على طاعة الله تعالى ليخلصك ويجتبيكِ ويطهركِ من كل سوء، كما صان الله تعالى نبيه يوسف
عليه السلام عن الوقوع في الفاحشة في أضيق المواطن وأصعبها على النفس البشرية،
وكذلك جعل الله الاتصال به وقاية من الوقوع في ذلك، فقال في صلة العبد بربه بالصلاة:
"وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ"(9).
فأصلحي ما بينك وبين الله وسيصلح لكِ زوجكِ كما أصلح الله للمصطفين الأخيار أزواجهم.
قال تعالى عن زكريا:
"فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ"(10).
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"من خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله".
قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله معلقاً على هذا الكلام العمري البليغ:
"هذا شقيق كلام النبوة، وهو جدير بأن يَخرج من مشكاة المُحَدِّث المُلهَم، وهاتان الكلمتان من كنوز العلم،
ومِن أحسن الإنفاق منهما نفعُ غيرِه، وانتَفَعَ غاية الانتفاع:
فأما الكلمة الأولى: فهي منبع الخير وأصله.
والثانية: أصل الشر وفصله.
فإن العبد إذا خلصت نيته لله تعالى، وكان قصده وهمه وعمله لوجهه سبحانه، كان الله معه، فإنه سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون،
ورأس التقوى والإحسان خلوص النية لله في إقامة الحق، والله سبحانه لا غالب له.
فمن كان معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله بسوء؟
فإن كان الله مع العبد فمن يخاف؟
وإن لم يكن معه فمن يرجو؟
وبمن يثق؟
ومن ينصره من بعده؟
فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولاً، وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء، ولو كادته السموات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها،
وجعل له فرجاً ومخرجاً، وإنما يُؤتى العبد من تفريطه وتقصيره في هذه الأمور الثلاثة، أو في اثنين منها أو في واحد.
فمن كان قيامه في باطل لم يُنصر، وإن نُصر نصراً عارضاً فلا عاقبة له وهو مذموم مخذول،
وإن قام في حقٍ لكن لم يقم فيه لله،
وإنما قام لطلب المحمدة والشكور والجزاء من الخلق أو التوصل إلى غرض دنيوي كان هو المقصود أولاً،
والقيام في الحق وسيلة إليه، فهذا لم تُضمن له النصرة.
فإن الله إنما ضمن النصرة لمن جاهد في سبيله، وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لا لمن كان قيامه لنفسه ولهواه، فإنه ليس من المتقين ولا من المحسنين،
وإن نصر فبحسب ما معه من الحق، فإن الله لا ينصر إلا الحق.
وإذا كانت الدولة لأهل الباطل فبحسب ما معهم من الصبر، والصبر منصور أبداً،
فإن كان صاحبه محقاً كان منصوراً له العاقبة، وإن كان مبطلاً لم يكن له عاقبة.
وإذا قام العبد في الحق لله ولكن قام بنفسه وقوَّته ولم يقم بالله مستعيناً به متوكلاً عليه مفوضاً إليه برياً من الحول والقوة إلا به فله من الخذلان وضعف النصرة بحسب ما قام به من ذلك.
ونكتة المسألة:
أن تجريد التوحِيدَين في أمر الله لا يقوم له شيء ألبتة، وصاحبه مُؤيد منصور ولو توالت عليه زُمَرُ الأعداء.
قال الإمام أحمد: حدثنا داود أنبأنا شعبة عن واقد بن محمد بن زيد عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت:
"من أسخَطَ الناس برضاء الله عز وجل كفاه الله الناس، ومن أرضى الناس بسُخط الله وكلَهُ الله إلى الناس"
انتهى كلامه رحمه الله(11).
وروى أبو نعيم في الحلية عن عون بن عبد الله قال:
"كان الفقهاء يتواصون بينهم بثلاث، ويكتب بذلك بعضهم إلى بعض:
1. من عمل لآخرته كفاه الله لدنياه.
2. ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته.
3. ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس".
وقال أبو حازم:
"لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد، ولا يعور ما بينه وبين الله إلا عور فيما بينه وبين العباد، لمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها،
إنك إذا صانعته مالت الوجوه كلها إليك، وإذا استفسدت ما بينه شنأتك الوجوه كلها"(12).
فيا أختي:
ثقي بنصر الله وتأييده، وحفظه ورعايته إذا استقمتِ على الطريقة، وأصلحتِ ما بينكِ وما بين الله تعالى، فهذا يقيم لك سعادة الظاهر والباطن،
فإن وفقتِ لزوج صالح عادل فأبشري بسعادة الظاهر والباطن، وإن ابتليتِ بمن لم يحفظ حق الله فيك فلن تعدمي سعادة الباطن بالتسليم لقدر الله وقضائه، والصبر على امتحانه وابتلائه،
وهكذا يكون شأن الصابرين الصادقين، ولهذا الكلام صلة ستأتي في مبحث الصبر – بإذن الله تعالى – .
———————-
(1): [محمد:7]
(2): [النحل:128]
(3): [مريم:96]
(4): [الزمر:36-37]
(5): [الطلاق:2-3]
(6): [الطلاق:4]
(7): [الأنفال:29]
(: [يوسف:24]
(9): [العنكبوت:45]
(10): [الأنبياء:90]
(11): إعلام الموقعين(2/276)
(12): سير أعلام النبلاء(6/100)
تابعونا في النصيحة الثانية – بإذن الله تعالى –
الطاعة في المعروف من المعروف
فإن من عادل حِكَم الشريعة وسلامة الطبيعة أيضاً:أن جُعلت المرأة تعيش في كنف زوجها وتحت أمره،
وقوام الحياة بقوامة الرجل على المرأة بالعدل والقِسط، ولهذا جاءت النصوص النبوية بالحث على طاعة الزوج وتعظيم قدره.
فقد روى الإمام أحمد بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إذا صلت المرأة خُمسها، وصامت شهرها، وحفِظت فَرجها وأطاعت زوجها قِيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شِئت".
وصح عنه صل الله عليه وسلم أنه قال لمُزَوَّجة: "فأين أنتِ منه؟".
قالت: ما آلوه -أي: ما أُقُصّر في خدمته إلا ما عجزتُ عنه -،
قال: "فكيف أنتِ له؟ فإنه جنّتك ونارك"(1).
وروى البزار عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أعظم حقاً على المرأة؟
قال: "زوجها"،
قلت: فأي الناس أعظم حقاً على الرجل؟
قال: "أمّه"(2).
وروى البزار والطبراني أن امرأة قالت: يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، ثم ذكرتَ ما للرجال في الجهاد من الأجر والغنيمة ثم قالت: فما لنا من ذلك؟
فقال صل الله عليه وسلم:
"أبلغي من لقيتِ من النساء أن طاعة الزوج واعترافاً بحقه يعدل ذلك، وقليل منكن من يفعله".
وأختم بما رواه أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم قال:
"لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"(3).
فمن الأدب الرفيع وحصن الإحسان المنيع:
إكرام الزوج بالطاعة، فهذا إحسان حرِيٌّ بأن يُقابل بالإحسان.
فلن تُطالبي بأن تُطيعيه فيما يُغضب الله، أو ما لا طاقة لكِ به.
وكذلك ليس من حق الزوجية ولا من سلامة القيادة الأسرية أن تكوني مستبدة بالآراء، ومخالِفةً لكل نعم ب(لا) ولكل لا ب(نعم)،
فإن هذا من أعظم أسباب النّقم، ومن أقبح ما يحذر منه عقلاء الرجال: النساء.
ولو تأملتْ الأخت الكريمة لوجدت:
أن بركة الطاعة للزوج يسبقها بركة صدق الاتباع لأمر الله تعالى وأمر رسوله صل الله عليه وسلم، فعوّدِي نفسك على أنكِ بطاعتكِ لزوجكِ ومصابرتكِ على ذلك؛
أنكِ في عبادةٍ واستجابة لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
كما لو تأملتْ الأخت الكريمة:
تجد أن جزاء الإحسان هو الإحسان عند ذوي الإحسان، فطاعتكِ لزوجكِ تحقق طاعته لكِ أيضاً فيما تطلبين،
والأنفس الأبية الصافية جُبلت على مقابلة المعروف بالمعروف،
ولهذا كان النبي صل الله عليه وسلم يُطيع بعض رأي زوجاته فيما أشرنّ عليه به، كما أطاع خديجة رضي الله عنها في ذهابه إلى ورقة بن نوفل، ولهذا في بقية نساء النبي صلى الله عليه وسلم نظائر عدة.
فعليكِ بطاعة زوجكِ في المعروف،
وظاهر معنى الطاعة: الامتثال لأمر أو اجتناب نهي.
وأنتِ كوني أقرب منه بأكثر من ذلك في السير على رغباته، فلا تنتظري منه أن يأمر أو ينهى، بل تأملي مدة أيامك معه ما الذي يُحب وما الذي يَكره وعجّلي له به،
فليسبق فِعلك قوله من أمر ونهي، فهذا عنوان فِطْنتك من وجه، وعزة نفسكِ بالمبادرة بالخير قبل أن يُطلب منكِ من وجه آخر.
ثم هذه الطاعة تقتضي الالتزام بها في سائر الأوقات،
بمعنى أن الزوج إن أمر بشيء أو نهى عن آخر فلا تنتظري هذا الأمر في كل مرة وكرة، فإن هذا مما يأنف منه عقلاء الرجال، وطالما عاتب الرجل أهله بتكرار أمره ونهي،
ويقول: كم مرة قلتْ: افعلي كذا وكم مرة قلتْ: لا تفعلي كذا!!!
فإن عرفتي من خُلق الزوج كراهة شيء أو طلبه فلا تنتظري صدور أمره ونهيه في كل مرة، فإن هذا من موجبات سآمة الزوج وملله من زوجته.
تتمة:
من خصوص ما جاء الأمر بالطاعة فيه طاعة المرأة لزوجها في طلبه للفراش فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم:
"إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأتهِ فباتَ غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تُصبح"(4) .
وفي رواية للبخاري ومسلم قال رسول الله صل الله عليه وسلم:
"والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها".
فالأمر واضح وظاهر، والغاية بيّنة ومعتبرة،
فلا يحق لكِ الامتناع عنه عند طلبه، بل عامة ثورات غضب الرجال ومُبدلات الأحوال بالأحوال: هو قصور إشباع رغباتهم في هذا الباب،
فإن حُرم هذا المطلب ظهر أمام عينه منكِ كل قبيح، وحُجب عن ناظره منكِ كل مليح.
بل عين العقل وصِدق العِشرة وكمال حق التّبعل:
أن تكوني جاهزة له في كل ليلة بأجمل حلة، وأحلى منظر واجعلي هذا من عاداتك عند الذهاب للفراش حتى لو لم يطلب منكِ ذلك، فإنكِ بذلك تكسبين وداده، وتتجنبين عتبه وانتقاده.
وإن كان لديكِ من الموانع الجسدية والنفسية ما يجعلك تكرهين ذلك تلك الليلة، فبادريه بالاعتذار واذكري له الأسباب بلطف وحكمة، ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً.
————-
(1): رواه الإمام أحمد والنسائي، قال المنذري: بإسنادين جيدين.
(2): قال المنذري في الترغيب والترهيب، والهيثمي في الزواجر: إسناده حسن.
(3): رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
(4): رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
تابعونا في النصيحة الثالثة – بإذن الله تعالى –
يستحقّ التثبيت
واصلي أختاه
أنوثتك من أقوى أسلحتك
نعم، الله تعالى يقول عن جنسك من النساء:
"أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ"(1).
فقد تعجزين عن الكلام، ولا تجدين أساليب الجدال والخصام، وقد تتزاحم الكلمات في حلقك رهبةً وحياءً من زوجك،
وربما سارعت العبرات بالخروج قبل العبارات ولكن ثقي أن لديكِ سلاحاً فتاكاً بصلابة الرجال،
يسلب العقول ويحقق الوصول للمأمول،
وقد عجب منه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو:
الأنوثة التي جبلك الله تعالى عليها؛
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"ما رأيت من ناقصاتٍ عقلٍ أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" متفق عليه.
فهذا الرجل الحازم يذهب عقله أمام أنوثة المرأة فكيف بمن دونه؟!
وعليه: فإن لديكِ سلاح الأنوثة من:
لطف الكلام، وحسن الدلال، وجميل الأدب، وحسن الطلب، وبديع إظهار الحزن والأسى، وسحر الدمعة، كل ذلك قدميه لزوجك، فطالما انقاد الزوج لزوجته بمثل هذا السلاح.
فزيدي في كل تصرفاتك يزداد الرجل تعلقا بك، ولكن لا يصل الحد من الدلال إلى الإهمال، فإن هذا من آفات الكثير من المدللات، يبلغ بهن الدلال إلى مناقضة الحال، فتمسحه بيدٍ وتصفعه بأخرى!
فربما تطيب له بالدلال والجمال وحسن الكلام، ولكنها مفرطة في بعض حقوقه، أو نظافة بيته أو العناية بولده أو إكرام ضيفه أو غير ذلك من الحقوق المطلوبة منها،
وهذا سبب رئيس في فساد العديد من البيوت الزوجية.
النساء أربعة أنواع:
ولعل الفرصة سنحت لأذكر بعض أنواع النساء فانظري من أي نوع تكونين!
روى ابن حبان في نزهة الفضلاء في نصيحة الخطاب بن المعلى المخزوم لابنه(2) أنه قال في آخر كلامه:
واعلم أن النساء أشد اختلافا من أصابع الكف، فتوق منهن:
1. كل ذات بذى مجبولة على الأذى فمنهن:
أ. المعجبة بنفسها المزرية ببعلها(3)،
إن أكرمها رأته لفضلها عليه(4)، لا تشكر على جميل ولا ترضى منه بقليل، لسانها عليه سيف صقيل، قد كشفت القحة ستر الحياء عن وجهها، فلا تستحي من إعوارها ولا تستحي من جارها(5).
كلبة هرارة مهارشة عقارة(6)
فوجه زوجها مكلوم وعرضه مشتوم(7)، ولا ترعى عليه الدين ولا الدنيا ولا تحفظه لصحبه ولا لكثرة بنين.
حجابه مهتوك وستره منشور وخيره مدفون(9)،
يُصيح كئيبا ويمسي عاتبا(10)، شرابه مر، وطعامه غيط وولده ضياع وبيته مستهلك(11)، وثوبه وسخ ورأسه شعث،
إن ضحك فواهن وإن تكلم فمتكاره(12)
نهاره ليل وليله ويل(13)، تلدغه مثل الحية العقارة وتلسعه مثل العقرب الجرارة.
ب. ومنهن شفشليق شعشع سلفع،
ذات سم منقع(14) وإبرق واختلاق تهب مع الرياح وتطير مع كل ذي جناح (15)إن قال: لا، قالت: نعم، وإن قال: نعم، قالت: لا(16)،
مولدة لمخازيه محتقرة لما في يديه(17) تضرب له الأمثال، وتقصر به دون الرجال، وتنقله من حال إلى حال حتى قلا بيته،
ومل ولده، وغث عيشه، وهانت عليه نفسه، وحتى أنكره إخوانه، ورحمه جيرانه(1.
ج. ومنهن الورهاء(19)الحمقاء،
ذات الدال في غير موضعها، الماضغة للسانها، الآخذة في غير شأنها(20)، قد قنعت بحبه ورضيت بكسبه(21) تأكل كالحمار الراتع.
تنتشر الشمس ولما يسمع لها صوت، ولم يكنس لها بيت(22)، طعامها بائت وإناؤها وضر، وعجينها حامض، وماؤها فاتر(23) ومتاعها مزروع(24) وماعونها ممنوع(25) وخادمها مضروب وجارها محروب(26).
2. ومنهن العطوف الودود المباركة الولود،
الأمونة على غيبها المحبوبة في جيرانها، المحمودة في سرها وإعلانها، الكريمة التبعل(27) الكثيرة التفضل، الخافضة صوتاً(2 النظيفة بيتاً،
خادمها مسمن(29) وابنها مزين(30)وخيرها دائم وزوجها ناعم، موموقة مألوفة وبالعفاف والخيرات موصوفة.
جعلك الله يا بني ممن يقتدي بالهدى، ويأتم بالتقى، ويجتنب السخط ويحب الرضا.
تمت نصيحته وفيها من تنبيهات مهمة على أوصاف المحمود والمذموم من النساء(31).
——–
(1): [الزخرف:18].
(2): وهي نصيحة مهمة، وضمنتها كتابي( تاج الأدباء بوصايا الآباء للأبناء) يسر الله طباعته،
وسوف أذكر محل الشاهد من الوصية بنصها وأعلق على مفرداتها بما يلزم إن شاء الله تعالى.
(3): أي أنها متكبرة في نفسها، وتنتقص زوجها دائما ومن ذلك انتقاصه لعقله أو لقبيلته أو لماله أو
لمؤهله ونحو ذلك.
(4): أي لا تشكره، ولكن من كبرها وغطرستها تظن بأن كل ما يقدمه لها جاء لعلو قدرها عليه!
(5): أي أنها طويلة اللسان عليه حتى يخرج صوتها خارج البيت، فلم يحجزها خلقها على أن تخفض صوتها بل رفعته ولم تستحِ من جار أو ضيف،
وهذا واقع فطالما سُمعت أصوات العديد منهن وهي تعاتب زوجها وكأنها تعاتب طفلاً من أطفالها، فأي زوجة هذه وأي أنوثة فيها؟
(6): هذا تشبيه لها، يقال هر الكلب هريراً: نبح، وعقارة: تعقر صاحبها كما يعقر الكلب.
(7): أي أن زوجها من شدة ما يلاقيه من سوء خلقها وجهه مكلوم حزين،
وعرضه مستباح عند الناس يذمونه ويستحقرونه.
وقد قلت في بعض المواطن: إن خلق المرأة يظهر في وجه الرجل خاصة عند قدوم الضيوف، فمن استبشر بهم، وتوالت المكارم عليهم من جميل الطعام والشراب مع ترديد الترحيب وبشارة الوجه فإن زوجته من خلفه أسعد منه وأفرح بضيوف زوجها،
ومن كان وجهه حزينا وشرابه باردا وآنيته وضرة وكرامته متأخرة لا تأتي على عجل،
فوراءه امرأة أثقل من جبال أجا وسلمى نفساً ويداً.
(: أي مهما قدم لها فإنها لا تكافئه على ذلك ولا تعرف له معروفاً وسيأتي الكلام على ذلك في نصيحة مستقلة بإذن الله تعالى.
(9): أي تُظهر عيوبه عند النساء، وتنتقصه أمام جليساتها، ومهما قدم لها من خير تحجبه عن الناس، ولا تعترف به عنده أو عندهم!
(10): أي في الصبح يستيقظ كئيباً من سوء ليلة مرت به مع تلك المتغطرسة، وفي الليل يمسي عاتباً من نكبات النهار معها!!
(11): أي أنها من تكبرها وغطرستها لا تعتني بأولادها، ولا بمتاع بيتها، فالولد ضائع وأغراض بيتها مستهلكة، كلٌ يأخذ من جهته إهمالاً منها لا إعانة وكرماً!
(12): أي من شدة بؤس حياته، ونكد عيشه حتى لو ضحك فآثار الحسرة والندامة ظاهرة على وجهه بالوهن والخيبة، حتى الكلام يثقل عليه من شدة البؤس والوهن، فنعوذ بالله من هذا الحال.
(13): أي أن نهاره ليل من المشاكل، وليله ويلٌ منها أيضاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(14): الشفشليق: العجوز المسترخية، والشعشع: الطويلة، والسلفع: الصخابة البذيئة السيئة الخلق، والسم المنقع: المربى، والقصد من هذا كله: المبالغة في قبح أخلاقها وطباعها.
(15): هذه أوصاف يجمعها: عدم الثبات على رأي، تصرفها آراء الغير، وتصبح برأي وتمسي على آخر، فلا يعرف لها زوجها مزاجاً ولا تستقيم على منهاج.
(16): أي لكبرها وعنادها تطرب بمخالفته وعدم طاعته!
(17): أي تتسبب في حدوث كل ما يخزيه، وتحتقر كل ما قدم لها من المعروف.
(1: أي تتسبب في نكد عيشه، حتى كرِه بيته وملّ من أولاده، ومقت معيشته ولم يعد يهتم بنفسه حتى صار محل شفقة من حوله من الأهل والجيران.
(19): الورهاء: الحمقاء، وأصل قولهم: سحابة ورهاء، أي: كثيرة المطر، وهذا النوع من النساء هي ذات الدلال الزائد إلى درجة الإهمال.
(20): أي لدلالها الممقوت وكأنها تمضغ لسانها، ومن مزيد سوء عشرتها تتكلم في غير شأنها.
(21): أي من مزيد خمولها: كأن منتهى غايتها حبه لها من غير تقديم دلائل العشرة الزوجية القويمة وحسن الخدمة للزوج.
(22): أي من مزيد كسلها ودلالها: ترتفع الشمس وهي نائمة لا صوت لها في البيت، وبيتها لم يكنس ولم يرتب وما أكثر هذا الجنس!
وهذا فيه إشارة -بالضد- إلى صفة الزوجة الكاملة أنها تنشط من أول النهار وتعتني بالبيت تنظيفاً وترتيباً وتطييباً.
(23): أي من كسلها وفساد دلالها أنها إن قدمت طعاماً لزوج أو ضيف فتقدمه بائتاً غير حديث الطبخ، وكذا آنيتها تظهر غير نظيفة فيها بقايا طعام وشراب سابق، وكذا هي فاشلة في طبخها الذي تقدمه فاتر لم تحسن تسخينه، والوضر -بفتح الواو والضاد- بقية الدهن والدسم في الإناء، والوضر -بكسر الضاد- الوصف منه.
(24): وهذه مضحكة محزنة، فمن وصف كسلها أن المتاع من طول تراكمه على بعض من غير ترتيب لا إعادة صف وتنظيم ينبت النبات فيه من تراكم الغبار حتى صار أرضاً خصبة للنبات، وهذا مما ينبغي للزوجة تجنبه، فتمر على كل أطراف بيتها ترتيباً وتنظيفاً وتطييباً.
(25): أي أنها ليست اجتماعية مع الجيران متعاونة معهم تعين وتساعد وتكرم وتتفضل.
(26): كل ذلك بسبب فشلها في الحياة الزوجية لقبيح دلالها، حتى تسببت في ضرر الخادم وكراهة الجار.
(27): أي العشرة الزوجية عموما.
(2: وهذا شأن المؤدبات: خفض الصوت مع الزوج إجلالاً واحتراماً، وكذا في تعاملها داخل البيت مع الأولاد، وتقدم أن من سوء خلق بعض الزوجات: المفضوحة بصوتها عن جيرانها!
(29): أي لكرمها وعظيم خدمتها، وجودة طبخها: الخادم غدا سميناً، فما بالك بولدها وزوجها؟ لا شك أنهم أكثر منه.
(30): ونظافة الابن علامة على نظافة الأم، فتهتم به دوماً بنظافة الجسم واللباس، وفوق ذلك النظافة الباطنة بتربيته على الأدب والأخلاق الفاضلة، والكلام البريء المشبع بالأدب.
(31): وسيأتي في آخر الكتاب في الطرف والملح بعض أنواع النساء.
النظافة والترتيب دليل على سُمو أخلاقِكِ
والمراد: النظافتان الظاهرة والباطنة، والباطنة أهم وأجلُّ، فليكن قلبكِ نظيفاً من سائر الطباع المشينة من الغل، والحسد، والضغينة، والحقد، والمكر، والخداع.
والطيور على أشباهها تقع، وللأرواح توافق كتوافق الأبدان والأفكار والألوان والأجناس،
وقد صح عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال:
"الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف".
فبمثل ما تبطنين عن زوجك أبطن هو عنكِ، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وتأملي هذا في نفسك مع
زوجك، فلو دخل البيت بنظرة غريبة، كانت الغرابة في نظرك أكثر، فعلى ما تشعرين منه تتجاوب
مشاعرك،
مع أنه لم يخرج كلمة من فِيْه، ومع ذلك فشعورك يتغير بمجرد نظرتك إليه وقراءة نظراته وتصرفاته،
فكوني طيبة القلب، محبة الخير له، ناصحة له، وسوف يكون لكِ منه مثل ذلك.
وكذلك نظافة البدن واللباس: فلا يرى منك ولا يشم إلا ما هو جميل، فالنفس تأنف، المرء ربما كره نوعاً من الطعام ذاق فيه مرارة أو شم منه نتن ولو مرة واحدة،
ولهذا أعانك الشارع على الاهتمام بذلك ،
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً إذا جاء من السفر، وبرر ذلك بتمكن الشعثة
من الامتشاط، والمغيّبة من الاستحداد.
قال النبي صل الله عليه وسلم:
"إذا جئت من سفر فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة وعليك بالكيس" متفق عليه.
والمراد بالشعثة: مبعثرة الشعر،
والمغيبة: التي غاب عنها زوجها مدة طويلة، فتمتشط الأولى وتستحد الثانية بإزالة شعر الأذى،
وكل ذلك حفاظاً على أن يرى الرجل زوجته في أكمل صورة وأجملها، فكوني كذلك في سائر أحوالك.
وإذا بلغك قدوم زوجك فتأهبي له أكمل التأهب بما يسر ناظره عند رؤيتك خاصة بعد طول غيبة وسفر.
ويكمل الأدب وحسن العشرة منكِ إذا كان ترحيبك به أشد من ترحيب الكرام بالضيوف،
فاحرصي على استقباله عند أول دخوله إلى البيت بالترحيب والعناق وتقبيله تقبيل محبة واحترام، أو ودٍّ وغرام، فإن هذا أدعى لتعلقه بكِ ومعرفته لحقك.
ويكمل حسن ذوقك إن حملت عنه ما في يده من حقيبة العمل أو أغراض البيت.
ويتم أدبك وحسن عشر
إعداد ما يجب إعداده له، تك إن ساعدتيه في نزع ثيابه وتعليقها، وإعداد لباس البيت له.
ومن صدق العناية بالزوج:
من ضيافته من طعام وشراب، وتهيئةٍ لغرفة نومه، وحمّامه، مع جميل المنظر وزكي الرائحة.
وهذا يكون بالنظافة المنزلية التي لا يليق بعاقلة إهمالها،
فلا يمر عليكِ يوم إلا ولكِ في بيته صولات وجولات من تنظيف وترتيب وإعادة تشكيل، فمن الممقوت في
الطباع إهمال المتاع، وخاصة في مواطن استقبال الضيوف،
فالضيوف سفراء الأمصار، ونقلة الأخبار، فلا يليق بالعاقلة أن يُنقل عن بيتها غير المليح، فإذا سمعت بقدوم
ضيف فأعدي مجلس الرجال ترتيباً وتطييباً،
وفقدي خباياه وزواياه، فقد يقع فيه من الإهمال أو الأطفال ما تستحي العين أن تنظر إليه، واللبيب
بالإشارة يفهم.
أغرِقي الأخطاء في بحر المحبة
الله تعالى لما خلق الزوجين الذكر والأنثى وشرع بينهما الاتصال بالتزواج بما أحل سبحانه وتعالى، جعل بينكِ وبينه الحب والمودة،
قال عز وجل:
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(1).
فطباع الناس ورغباتهم يندر أن تتفق كامل الاتفاق،
ولكن تبادل الحب والرحمة والمودة ليس بعسير على من وفقه الله للخير.
إذا تقرر ذلك فإنك تجتمعين برجل لم يتربَّ تحت سقف بيتك -غالباً- له عاداته وطباعه التي جبله الله تعالى عليها،
وأنتِ بالنسبة له كذلك،
فليس من لوازم صحة العشرة الزوجية توافق الرغبات والعادات، ولكن أهم لوازمها صدق المحبة والمشاعر والمودات، فكراهتك لشيءٍ من أخلاقه لا يعني مقت سائرها،
ولا يحتم عليكِ رفضه مطلقاً وغمر ما عنده من محاسن، ولو فاصلنا بين كل من لا يوافق ذوقه أذواقنا، وميوله ما نميل إليه لما صَفَا
لنا من البشر أحدٌ حتى الوالدان، والإخوان والأخوات؛ فالكمال عزيز.
وتأملي في تعاملكِ مع إخوانك في بيتك، هل ترين أنهم كلهم في السلوك والطبع سواء؟!
ذاك كريم ولكن عيبه كيت وكيت، وذاك شجاع ولكن عيبه كيت وكيت، وذاك رحيم ولكن عيبه كيت وكيت، فغضِّي الطرف عن تلك العيوب وحاولي علاجها، ومدي عينيكِ إلى محاسنهم وأشكريهم عليها.
وهكذا زوجك:
فمهما ظهر لكِ من خلقٍ تكرهينه لا يصل إلى درجة الإجرام والحرام، فغضي طرفك عنه مع حسن النصيحة، واغمري هذه الزلة في بحر المحبة له.
وقد صح عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال:
"لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر"(2).
والمعنى:
أن المؤمن -وكذلك المؤمنة- لا يكره أحدهما من صاحبه خلقاً إلا أحب فيه خلقاً آخر.
وهكذا فيما يحصل منه خطأ مباشر عليكِ من كلام وتصرفات، لا تجعلي ذلك إعلان حربٍ أهلية داخلية، وتنصبي له العداء بهذا
التصرف، فقبل أن تبادريه بالرد -كلاماً أو هجراً أو غير ذلك- اسألي نفسك بنفسك:
أليس هذا هو الذي أحببته من قلبي من قبل؟
أليس هذا الذي سعِدت معه أياماً لا أحصيها؟
واذكري المدة الطويلة التي قضيتيها معه في سعادة ومودة ورحمة، وزنِيها بميزان العدل.
فهل يُعقل أن يخف وزنها من أجل زلّة؟
وأن يذهب جمال عشرت زوجية مضت بـــ: كلمةٍ خرجت من فرط خطأ أو سوء خلق؟
فالتغاضي عن الزلل مع السعي على الإصلاح من سمات عقلاء البشر،
كما قال الشاعر:
ليس الغبي بسيدٍ في قومه…. لكن سيد قومه المتغابي
والمعنى:
أن تغضي الطرف عن الزلة، وتضبطي نفسك عند الغضب، حتى لا تتكلمي بما لا يليق، وتندمي عليه فيما بعد.
قال النبي صل الله عليه وسلم:
"ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"(3).
حتى لو بلغ بينك وبينه من تنافر القلوب وقت الغضب فلا ينفر لسانك بما يدينك ويحفظ عليك، فالظلم ظلمات يوم القيامة، كأن تقولي بعد مدة من المودة والرحمة: أنا لم أحبك قط! ولم أهنأ بحياتي معك قط!!
فإن هذا قد يقطع على حياتكم الزوجية طريق الرجوع لبرِّ الأمان،
وكان من دعاء النبي صل الله عليه وسلم قوله:
"وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب"(4).
فلا تظلميه بما ليس فيه، ولا تظلمي نفسك بما يحرقك الندم عليه في المستقبل.
وقد جاء عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال:
"أحبِب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما" (5).
فإذا أبغضتيه ساعة من الساعات فعلى هونك، لا تظهري له كل علامات الغضب وعباراته، فما يدريك لو صَفَتِ الأمور بينكِ وبينه بعد لحظات،
وعادت الأمور إلى مجاريها كما يقال، فكيف بحالك معه في ذلك الحين وقد قلتِ وتصرفتِ تلك الأقوال والتصرفات؟!
فلا تعذبي نفسك بموجبات الندم، ولا تجبري وجهك على مواطن الحسرة والخجل، وعليك بالكلام العدل في الرضا والغضب، وفقني الله وإياكِ لذلك.
——————–
(1): [الروم:21].
(2): أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3): متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4): رواه النسائي.
(5): أخرجه الترمذي.
مِنْ حُبِّ الزَّوْجِ حُبُّ مَنْ يُحِب
لا غرابة في حب المرأة لزوجها ، ومودتها له ، ولكن :
إن من صدق حب الزوج ومودته :
حب من يحبه الزوج ، وعلى رأسهم الوالدان والإخوان والأخوات والأصدقاء .
ولهذا كان من صادق حب الله ورسوله صل الله عليه وسلم حب من يحبه الله ورسوله صل الله عليه وسلم.
ومن صادق حب وبرِّ الولد لأبيه :
وصله لأهل ودّ أبيه حتى بعد موته!،
قال النبي صل الله عليه وسلم :
( إنَّ من أبَرِّ البرِّ صِلَةَ الرجل أهلَ وُدِّ أبيه بعد أن يُوَلِّيَ ) رواه مسلم .
فهكذا إن كنتِ صادقة في حبك لزوجك أحبي من يحب، وخاصة الوالدين، فأظهري لهما الإكرام، والدعاء، والمحبة، والفرح عند رؤيتهما،
والتعامل معهما كما يتعامل الوالد مع والديه، من الاحترام والإجلال، وتقبيل اليد والرأس، والسؤال عنهما، ومعاودة زيارتهما.
وخاصة الأم،
فقد جرت عادات النساء من قديم الزمان وحديثه على الحرب الشعواء بين الزوجات وأمهات الأزواج، وربما كان الزوجان آلتا حربٍ بين الأمهات؟!.
ومن الغرائب المروية ما أوصت به أم إحدى البنات المقبلات على الزواج فقالت(1) :
عَليكِ يَا سَيّدَةَ البَنَاتِ
مَعْصِيةُ الزّوجِ إلى الَمَماتِ
ودَاوِمِي غَيرَتَهُ وشَتْمَهُ
وقَاتِلِي فِي كُلِّ يَومٍ أمَّهُ
وباعِدي مَا بَيْنَها وبَيْنَهُ
وعَيَنَهَا فأسْخِنِي وعَيْنَهُ
والأخرى قالت توصي ابنتها برّة (2) :
أوصيتُ مِنْ بَرّةَ قلباً حُرّا
بالكَلْبِ خَيراً والحَمَاةِ شَرَّا
لا تَسْأمي ضَرْبَاً لهَا وَجرَّا
حَتَى تَرى حُلوَ الحَياةِ مُرَّا
فما أوصتا – والله – بخير،
وعامة فساد الزوجات هو هذا الباب، خاصة إن كان الأمهات ناقصات عقلٍ كذلك.
ولكن مهما يكن حال أم الزوج من الخطأ والتقصير فإنها في مقام أمكِ لأنها أم من تحبين فعامليها بما يحب أن يكون منك كذلك.
فكما يمرّ بكِ خطأ أمّكِ التي أنجبتك وتغتفرين زلتها ، فكذلك اصنعي مع أمّه بقدر المستطاع .
وحب القلوب لا يملكه إلا ملك القلوب سبحانه وتعالى، ولكن في مقدورك إظهار الحسن، ودفع الأذى بالكلمة الطيبة،
والتعامل اللطيف،
والله تعالى يقول : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) .
فتأملي قوله : ( كأنّهُ ولَيٌّ حَمِيمٍ)
أي أن إظهارنا للحسنى للغير مكسبه عظيم مع من عادانا، حتى يصير (كأنه ولي حميم ) مما يُظْهرُ من الودِّ وحُسْنِ التَّعَاملِ مَعَنا ، ونحن لا نريد منه إلا ذلك،
فلا يُشترط أن تكون أمُّهُ لكِ ولية حميمة بقلبها، ولكن بحسن تعاملك معها تكسبين تصرفاتها الظاهرة معك .
ومثل هذا افعليه مع أخواته وإخوانه .
وكذلك مع أصدقائه: فإن علمتِ زيارة من يكبر تعظيمه وإجلاله من زوجك فزيدي في إكرامه وخدمته،
وأظهري لزوجك الاستبشار بقدومه، ليعظم فرحه بصديقه عندما حلّ عليه ضيفا،
ولا تنغصي عليه فرحه بزيارة محبوبه كعادة بعض النساء، إذ جرت عادة الناقصات على كراهة صديق الزوج بحجة أنه يشغله عنها، ويأخذ وقته منها، وغير ذلك من الحجج الرخيصة، وهذا لا يليق،
وإن كان الزوج يطيل صحبة صديقه بما يوجب النقص على حقوق عشرتكِ الزوجية فطالبي بحقكِ بلطفٍ ولينٍ من غير انتقاص لصديقه، وهذا عين العقل، ومن جميل التصرف.
وما أجمل المثل العامّي السائر : من أجل عينٍ تكرم مدينة .
(1)"محاضرات الأدباء" [ 1 / 415 ] .
(2) "الأغاني" [ 3 / 123 ] .