فساعة يقولون: إنه مثل ساعي البريد أحضر الرسالة وفقط وانتهت مهمته فكيف يكون شاهداً علينا؟ وإذا كانت انتهت مهمته كيف يكون خاتم المرسلين؟ إن هذا دليل على أن دولته قائمة وممدودة وزمن بعثته غير محدود إلى انتهاء الوجود لكن لكي ينسي المؤمنون نبيَّهم صلى الله عليه وسلم وأحياناً يقولون وللأسف نسمع هذا الكلام من المسلمين – إنه بشر مثله مثلنا فالأمور التي جاء بها من عند الله على العين والرأس لكن الأمور البشرية مثلنا مثله يقولونها – باللفظ غير المهذب – رأسنا برأسه ويتعللون بهذه الآية {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ}نعم هو بشر والياقوت أيضاً حجر ولكن هل الياقوت حجر مثل الأحجار العادية أم أنه له ميزة وخصوصية
؟ وقد أوضحنا حقيقة البشرية لحضرته في ثنايا هذا الكتاب فقلنا {مِّثْلُكُمْ} يعني: يعدلكم جميعاً
وهل بشريته كانت مثل بشريتنا؟ من الذي قال ذلك؟ فحتي في البشرية الظاهرة فأوصافه صلى الله عليه وسلم الباهرة من الذي يدانيها في البشرية؟ لا يوجد أحياناً يقولون أطيعوه في الصلاة والزكاة والصوم والحج وأمور الدين لكن أمور الدنيا فقد قال لكم فيها (أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ) [1] وهو الذي قال ذلك إنهم لم يفهموا الحديث على وجهته السديدة والرشيدة وقد فصَّلنا بيان هذا الحديث في فصول هذا الكتاب
فرسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي على كل مسلم أن تكون صورته المعنوية الروحانية النورانية في أفق القلب لكل مؤمن ظاهرة وجلية أنت تعلِّق في بيتك صورة الأعزاء عليك أبوك أخوك وأنت والبيت الداخلي (القلب) نعَلِّقُ فيه صورة من؟ صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعندما أَضَعُهَا في القلب يتعلق القلب بهذه الأوصاف الكمالية المعنوية وأصبح هذا مثاله وطبيعة الإنسان لابد له من مثال أمامه يمشي مثله
فالمسلمون الآن فقدوا المثال فأصبحوا يتشبهون بأهل الغفلة من أهل أوروبا وأمريكا كما يصنع شبابنا وأولادنا لأن المثالَ الحقَّ ضاع من القلوب والصدور فمنهم الذي يمثل لاعب الكرة والذي يمثل الممثلين والذي يمثل المُغَنِّيين هذا هو الحاصل أمامنا لماذا؟ لأن النماذج الكريمة لم تعد موجودة في الصدور ولا يرون إلا الذي أمام أعينهم الحسيَّة لأن العين الداخلية غير مفتوحة ولو فُتحت لرأتْ أبهي جمال وخير كمال واسطع مثال خلقه الله للأولين والآخرين بلا ظل أو ظلال
وأنت نفسك في الوقت الذي أنت فيه تتذكر رسول الله وهو على بالك تجد أنك تبحث عن عمل من أعمال البرِّ وتصحح نيَّتك عند كل عمل سوف تعمله تبحث عن الخير من أجل أن تفعله وإذا غابت الصورة تبحث عن الشهوات والحظوظ والأهواء والملذات من حلال أو من حرام لا يهم لأن الصورة غائبة فميزان أحوالنا وميزان أعمالنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك دائماً المؤمن يجعله منه على بال إلى أن يصل الأمر بالمؤمن من شدة استحضاره إلى الحضور فيراه صلى الله عليه وسلم حتي في الأشياء العادية لشدة شغله به فأنت عندما تكون تحبُّ شخصاً تجده وأنت تسير في الطريق على بالك ولو رأيت رجلاً قريباً منه تقول هذا فلان رأيت رجلاً آخر قريباً منه تقول هذا فلان وهو ليس هو ولكن في ذهنك النموذج الذي تحبُّه فهذه الحالة التي يسير فيها السالك الروحاني الذي يريد أن يصل إلى مقام الأخلاق العالية
[1]التقرير والتحبير في شرح التحرير مجموع فتاوى بن تيمية
منقول من كتاب [الكمالات المحمدية]