"من المهم للإنسان الذي يسعى لإدراك روح الطبيعة في سبيل الإبداع أو التفسير أن يفتش عن التحولات التي طرأت على صورة الطبيعة نتيجة تطور العلم"هايزنبيرغ فإذا حاولنا أن نضع إطارا لهذه الصورة من منظورنا الخاص وضعنا في البداية بانوراما عامة لمكونات صورة الكون بالشكل التالي:
1-المادة : التي تؤلف كل ما يحيط بنا من المجرات و تعنقداتها من الأبراج و النجوم والكواكب، إلى جميع الأجسام الحية و غير الحية التي تحيط بنا بما في ذلك أجسامنا .
2- المادة السوداء الباردة : التي تعمل على عدم انفلات الكون ، وهروب المجرات عن بعضها هروبا لا نهائيا.كما أنها تمنع انسحاق الكون على نفسه انسحاقا آنيا يعيده إلى big bang جديد.
3-الإشعاع أو الفوتونات : بدءا من أشعة غاما حتى الأشعة المترية الراديوية مرورا بالأشعة السينية و الأشعة فوق البنفسجية و الأشعة المرئية و الأشعة تحت الحمراء الحرارية الفعل و الأمواج الميللي مترية و السنتي مترية. وبالتأكيد هذه العناصر تختلف عن (الماء والنار والتراب) فلقد عمل الفضول والحاجة عبر السنين إلى تفسير كثير من تفاعلات المادة وحالتها وتأثيرات الإشعاع ومصادره وبقيت المادة المعتمة الأكثر غموضا والتباسا وكان القرن الماضي و أواخر ما سبقه متفردا بعلومه وإنجازاته العلمية وخاصة النووية التي بدأت على يد بيكرل عام1896 باكتشافه للإشعاع الطبيعي لأملاح اليورانيوم وذلك محض صدفة وتتابعت الإنجازات في هذا المجال . ومن بين العناصر ذات الإشعاع المكتشفة الرادون الذي تم اكتشافه في عام 1900 على يد دورن Friedrich Ernst Dorn وتحديد خواصه على يد رذرفورد و سودي في عام 1902وربما عرف الفراعنة هذا الغاز وخواصه قبل ذلك بكثير.
الرادون هو أحد نواتج تحلل عنصر اليوارنيوم المشع في سلسلة الإشعاع الطبيعي,إن النشاط الإشعاعي للرادون أي التحلل تلقائيًا إلى عناصر مشعة أخرى يمكنها أن تلتصق بذرات الغبار الموجودة في الجو يتنفسها الإنسان فتلتصق بجدار الرئتين وتقوم بدورها بالتحلل إلى عناصر أخرى، وأثناء هذا التحلل تشع أشعة ألفا ( نواة ذرة الهليوم ) وهي أشعة مؤينة و الأشعة المؤينةتسبب تأين الخلايا الحية؛ وهو ما يؤدي إلى تغيرات كيميائية في الخلية مما يدي إلى أحد أمرين إما تغيرات دائمة في الخلايا وبالتالي حدوث خلل وراثي أو تداخلات متأخرة مثل السرطانات أو تحدث ضررا يؤدي إلى موت الخلايا فموت العضو فموت المتعضية..وخلال العقد الماضي اقر العلماء بإجماع على اعتبار أن غاز الرادون السبب المحتمل للإصابات السرطانية في بني البشر.
ولكن لحسن الحظ فإن مثل هذا النوع من الأشعة ـ أشعة ألفا ـ عبارة عن جسيمات ثقيلة نسبيًا، وبالتالي تستطيع أن تعبر مسافات قصيرة في جسم الإنسان ( الجلد فقط في حالة التعرض الخارجي ) أي أنها لا تستطيع أن تصل إلى خلايا الأعضاء الأخرى لتدميرها؛ وبالتالي يكون سرطان الرئة هو الخطر المهم والمعروف حتى الآن الذي يصاحب غاز الرادون. وتشير التقديرات إلى أنه يتسبب في وفاة ما بين 15 آلاف إلى 22 ألفا في الولايات المتحدة لوحدها نتيجة الإصابة بسرطان الرئة.
◘ الخواص الفيزيائية و الكيميائية للرادون :
الرادون ( Rn ) ( radon ) هو عنصر غازي وحيد الذرة خامل كيماوياً مشع موجود في الطبيعة . وهو عديم اللون والرائحة والطعم، شديد السمية، وإذا تكثف فإنه يتحول إلى سائل شفاف، ثم إلى مادة صلبة معتمة ومتلألئة. وعمر النصف لهRn222 3.38 يوم . يوجد للرادون ثلاثة نظائر :
1 – الأكتنون actinon Rn219 : يهمل عادة هذا النظير عند تقييم الجرعة الإشعاعية الطبيعية وذلك لندرة وجود نظير اليورانيوم235 أساس السلسة التي ينحدر منها هذا النظير من جهة (0.7% من اليورانيوم) وبسبب نصف عمره القصير (3.92ثانية) من جهة أخرى ولذلك يتلاشى هذا النظير قبل خروجه من التربة إلى البيئة.
2 – التورون thoronRn220 : يعتبر نظيرا مهما وذلك لكون نسبة إنتاجه متساوية تقريبا والرادون222 .
ينتمي الرادون إلى عامود الغازات النبيلة أو الخاملة في الجدول للعناصر (جدول مندليف) الذي يضم غازات الهليوم و النيون و الأرغون و الكريبتون و الأكزينون. فذرة الرادون كباقي الغازات النادرة نادرا ما تتفاعل و تشكل جزيئات. لذلك يمكنها أن تنتشر بحرية عبر كل المواد النفوذة للغازات لأنها خاملة كيميائيا. و الرادون غاز عديم اللون و الرائحة و لا يمكن كشفة بالحواس البشرية، لذلك يعتمد في كشفه بشكل رئيسي على كشف الأشعة المرافقة لتفككه وتفكك وليداته. غاز الرادون أثقل من الهواء سبع مرات ونصف مما يودي إلى وجوده في الأسفل دائماولكنه يشكل حوالي1 من 1020 من هواء الجو فهو لا يشكل طبقة قريبة من سطح الأرض و إنما يختلط تقريبا بشكل متجانس مع الهواء الداخلي للمنازل حيث يكون تركيز الرادون داخل المنازل بشكل عام أعلى من 2 إلى 10 مرات منه في الخارج لذا فإنه غالبا ما يهمل التعرض للرادون خارج المنازل.يبين الجدول(1) بعض الخواص الفيزيائية للرادون.
الجدول رقم 1
والرادون شديد الذوبان في التلوين. لذلك غالبا ما يستخدم التلوين من أجل استخراج الرادون المنحل في الماء في العينات المائية من أجل قياس تركيز الرادون فيها. و من الجدير بالذكر، أن الرادون متوسط الانحلال في الماء و بعض السوائل الأخرى. يبين الجدول (2) معامل الانحلالية للرادون في بعض السوائل المشهورة. كما يعتبر الفحم الفعالِ ماص جيد للرادون لذلك غالبا ما يستعمل من أجل استخراج الرادون من الماء و من أجل قياس الرادون المعلق في الماء.
الجدول رقم 2
◘ مصادر الرادون :
إن المصدرين الأساسيين للرادون في الوسط الخارجي هما التربة و الماء فيما يلي شرح مبسط لبعض أهم هذه المصادر.
1-التربة والصخور:
إن حوالي 80% من غاز الرادون المنبثق إلى الوسط الخارجي ينتج عن الطبقة العليا للأرض. وبالطبع فإن وجود الراديوم 226 وبالتالي اليورانيوم 238 هو السبب في إصدار الرادون في التربة وبالتالي تختلف من مكان إلى أخر حسب الطبيعة الجيولوجية وتتركز في الصخور الجرانيتية والفوسفاتية. يعبر عن كمية اليورانيوم الموجود في مكان ما بجزء من المليون من الوزن((ppm أو بالفاعلية النوعية والتي يعبر عنها بالبيكو كوري لليورانيوم في غرام واحد من المادةpci/g والعلاقة بين هذين التعبيرين بالنسبة لليورانيوم هو 1pci/g=1 ppm وبشكل عام فإن صخور القشرة الأرضية تحوي حوالي 1pci/g والتربة حوالي 0.7pci/g .
يمكن تقسيم اصدار الرادون من التربة والصخور إلى مرحلتين المرحلة الأولى تتجلى بالخروج من الفلزات إلى الوسط البيني ،أما المرحلة الثانية فتتجلى بالخروج من هذا الوسط إلى الهواء.فكل تفكك لذرة راديوم موجودة في حبيبات التربة أو الصخور سيعطي ذرة رادون. فإذا كان إنتاج هذه الذرة قريب من سطح التربة فيمكنها الهروب إلى الوسط الخارجي. إن كمية إصدار الرادون من التربة تتوقف على عدة عوامل منها النفوذية ورطوبة التربة،…الخ.، وتؤثر أيضا عملية تفككه ليعطي عنصرا صلبا هو البولونيوم قبل أن يبلغ السطح في معظم الأحيان, يعرف معدل الإصدار على أنه الفعالية المنطلقة بواحدة المساحة بواحدة الزمن.وتعرف كمية الرادون القابلة للتحرر إلى الغلاف الجوي بواسطة معامل يدعى معدل الإنتاج للرادون:
حيث: : λثابت التفكك للرادون (2.06*10-6 s-1 )
E : معامل الإصدار
R : النشاط الإشعاعي للراديوم في المنطقة (الوسط المدروس)
كما يعرف معدل التحرر(الأنبثاق) الكليT بالشكل:
حيث ρ : كثافة جسم المادة (kg/m3 )
يعتمد إصدار الرادون من التربة على كمية انبثاقه من حبيبات مادة التربة وعلى انتقالية (انتشاره) عبر مسامات التربة إلى الوسط الخارجي. وقد وجد أن معامل انبثاق الرادون بشكل عام من الصخور أكبر منه من التربة و المعادن.
2– الماء:
يعتبر الرادون متوسط الانحلالية في الماء، حيث تزداد انحلاليته بنقصان درجة حرارة الماء. لذلك عندما تسير المياه الجوفية الباردة عبر صخور التربة الجوفية تمتص كمية لا بأس بها من الرادون. عندما يسخن الماء أو يحرك فإن كمية كبيرة من الرادون تنفلت و تنطلق إلى الوسط الخارجي.
تعتمد بشكل رئيسي كمية الرادون في الماء على عاملين: الأول هو المواصفات الجيولوجية المحلية ، و الثاني نوع الماء. فمن أجل العامل الأول فقد ذكرنا في الفقرة السابقة أن كمية الرادون تعتمد على نوع و مواصفات الصخور الموجودة. أما نوع الماء المستخدم فهو عامل مهم جدا، حيث وجد أن الرادون الناتج عن الماء يشكل مشكلة في البيوت التي تستخدم مياه الآبار بشكل مباشر، بينما لا يكون مشكلة في البيوت التي تعتمد على شبكة المياه العامة. وذلك لأنه عادة يتم حفظ مياه الشبكة العامة من أجل المعالجة و من ثم التخزين و بعد ذلك التوزيع الوقت الذي يتفكك فيه الرادون و نواتج تفككه المنحلة في الماء قبل أن يصل البيوت.
لقد قدر بشكل عام أن تركيزه قدره 10000 بيكو كوري باللتر من الرادون بالماء سيضاف حوالي 1 بيكو كوري باللتر (37Bq/m3) في الهواء الداخلي للمنازل بافتراض الاستخدام العادي للماء.وقد وجد أن متوسط مستوى الرادون في مياه الآبار يتراوح بين 500 و 170000 بيكو كوري باللتر. يمكننا تحديد ثلاث مصادر رئيسية لغاز الرادون في المياه السطحية :
1 – الرادون الناتج عن الرادويوم 226 الموجود في المحلول و المعلقات .
2 – الرادون المترافق مع تدفق المياه الجوفية .
3 – انتشار غاز الرادون مع الرسوبيات المتوضعة في الأسفل .
يتم فقدان الرادون بسرعة من المياه السطحية إلى الجو بواسطة الانتشار ولذلك تشارك المحيطات بحوالي 1% من كمية الرادون الصادرة إلى الوسط الخارجي ويعود ذلك إلى أن محتوى ماء البحر من اليورانيوم و الراديوم أصغر بكثير من محتوى التربة و الصخور.
وأما في المياه الجوفية فيعزى وجود الرادون في المياه الجوفية إلى تفكك الراديوم الموجود في الصخور و التربة و الذي انحل في هذه المياه و إلى الرادون المنحل في هذه المياه الجوفية و الناتج من تفكك الراديوم غير الموجود على تماس مع هذه المياه .
3 – مواد البناء:
تحوى مواد البناء المصنوعة من التربة و الصخور مثل (الإسمنت، البلوك،… الخ) على مواد مشعة ذات منشأ طبيعي مثل اليورانيوم و الراديوم و بالتالي فهي تولد الرادون. لهذه المواد نفوذية كافية لينطلق الرادون المتولد ضمنها إلى الوسط الخارجي. أما المواد ذات المنشأ غير الأرضي (مثل الخشب) فهي تحوي كمية منخفضة جدا من الراديوم. تختلف كمية الرادون الصادرة عن نوع معين من مواد البناء بشكل كبير من عينة إلى أخرى حتى ولو كان تركيز اليورانيوم في كلا العينتين واحدا.حيث وجد أن معدل إصدار الرادون يتغير مع الظروف البيئية والتي أهمها الرطوبة و الضغط.وذلك يعود لتأثير الرطوبة والضغط على إرتداد ذرة الرادون الناتجة عن التفككات الإشعاعية للراديوم. يبين الجدول ( 3 ) محتوى مواد البناء من الراديوم 226 و معدلات الإصدار لكل منها :
المراجع
العربية :
1 – دورة تدريبية في هيئة الطاقة الذرية ( طرق و أساليب القياسات الإشعاعية البيئية ) 2024 .
2 – مجلة عالم الذرة العدد 13 .
3 – نظرة شاملة حول النظرية النسبية ( دار المعارف 1996 نمر مهنا – لؤي شاور ) .
4 – شبكة الإنترنت حيث استخدمنا منها مواقع كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
https://hyperphysics.phy-astr.gsu.edu/hbase/hframe.html
www.epa.gov
www.islamonline.net/Arabic/science/ 2024/03/Article02.shtml
www.sfh.med.sa/Magazine/magazine83/28.htm
www.tnrc.org/radon.htm
www.syrie.praha.cz/jachymov.htm